رد علماء السنة على قول أبن تيميه بالتجسيم
المعروف عن بعض الحنابلة انهم من القائلين بالتجسيم ، بمعنى أنّ لله تعالى يداً ووجهاً وعيناً وساقاً ، وأنّه متربّع على العرش شأنه شأن الملوك والسلاطين ، واستدلّوا على ذلك بآيات من القرآن الكريم، كقوله تعالى: (( يد الله فوق أيديهم )) و (( كلّ شيء هالك إلاّ وجهه )) و (( يوم يكشف عن ساق )) و (( الرحمن على العرش استوى ))، وغيرها من الآيات ، وقالوا : ان اليد والوجه والساق والاستواء جاءت في القرآن على وجه الحقيقة في معانيها وليست مصروفة الى معانيها المجازية , وقالوا : نعم يد الله ليست كيدنا ، ووجهه ليس كوجهنا ، وساقه ليس كساقنا ، بدليل قوله تعالى : (( ليس كمثله شيء )) .
ولا يخفى عليك ان ابن تيميّة ومحمّد بن عبد الوهاب يدّعيان انهما من الحنابلة .
وأقوال ابن تيميّة في التجسيم كثيرة جداً ، وللوقوف على ذلك راجع مثلا كتابه ( الفتوى الحموية الكبرى/ في مجموعة الفتاوى : 5 ، كتاب الاسماء والصفات).
وان عقيدته في التجسيم كانت واحداً من أهمّ محاور الصراع الذي خاضه مع علماء عصره ، فهي السبب الوحيد لما دار بينه وبين المالكيّة من فتن في دمشق ، وهي السبب الوحيد لاستدعائه الى مصر ثم سجنه هناك ، كما كانت سبباً في عدّة مجالس عقدت هنا وهناك لمناقشة أقواله .
ولم تنفرد المالكيّة في الرد عليه ، بل كان هذا هو شأن الحنفية والشافعيّة أيضاً ، وأمّا الحنبليّة فقد نصّوا على شذوذه عنهم .
قال الشيخ الكوثري الحنفي في وصف عقيدة ابن تيميّة في الصفات : ((إنّها تجسيمٌ صريح)), ثمّ نقل مثل ذلك عن ابن حجر المكّي في كتابه ( شرح الشمائل / تعليقة الكوثري في ذيل (الأسماء والصفات) للبيهقي : 301 ) .
وللشافعيّة دورهم البارز في مواجهة هذه العقيدة ، فقد صنّفوا في بيان أخطاء ابن تيميّة فيها كثيراً ، وربّما يعدّ من أهمّ تصانيفهم تلك ما كتبه شيخهم شهاب الدين ابن جَهبَل ، المتوفّى سنة 733 هـ ويكتسب هذا التصنيف أهميّته لسببين:
أوّلهما : أنّ هذا الشيخ كان معاصراً لابن تيميّة ، وقد كتب ردّه هذا في حياة ابن تيميّة موجّهاً إليه .
والثاني : أنّه ختمه بتحدّ صريح ، قال فيه : ((ونحن ننتظر ما يَرفد من تمويهه وفساده ، لنبيّن مدارج زيغه وعناده ، ونجاهد في الله حقّ جهاده)). ثمّ لم يذكر لابن تيميّة جواباً عليه رغم أنّه قد وضع ردّاً على (الحمويّة الكبرى ) التي ألقاها الشيخ ابن تيميّة على المنبر في سنة 698 هـ .
وأمّا دفاع ابن تيمية عن التجسيم فهو دفاع المجسّمة الصرحاء!!
فيقول ردّاً على القائلين بتنزيه الله تعالى عن الأعضاء والأجزاء : إنّهم جعلوا عمدتهم في تنزيه الربّ عن النقائص على نفي التجسيم ، ومن سلك هذا المسلك لم ينزّه الله عن شيء من النقائص ألبتّة (التفسير الكبير 1 / 275 ـ الفرقان بين الحقّ والباطل : 111 ـ وانظر كلامه في (البعض) و (الكلّ) في (الفتاوى الكبرى ) 6 / 413).
ثم طريق اثبات شيء على المتهم لا يتم بإقراره فقط ومن كتبه فإنّه قد لا يذكر ذلك صريحاً خوفاً من المسلمين ، ولكن هناك طريقة اخرى وهي شهادة شهود عليه ، فان هذا من اقوى ادلّة الاثبات ، خاصة اذا كانوا كثيرين .
وقد شهد على ابن تيميّة الكثير منهم : ابن بطوطة في كتابه ( رحلة ابن بطوطة : 95 ) إذ يقول تحت عنوان (حكاية الفقيه ذي اللّوثة ـ اللّوثة بالضمّ : مَسّ جنون ـ !): ((كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقيّ الدين بن تيميّة ، كبير الشام ، يتكلّم في الفنون ، إلاّ أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل دمشق يعظّمونه أشدّ التعظيم ويعظهم على المنبر ، وتكلّم بأمر أنكره الفقهاء.
قال : وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جملة كلامه أن قال : ((إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا )) ونزل درجةً من المنبر !
فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به ، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتّى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشيّة حرير ، فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم قاضي الحنابلة ، فأمر بسجنه ، وعزّره بعد ذلك)).
ومقولة ابن تيميّة هذه ذكرها ابن حجر العسقلاني أيضاً في (الدرر الكامنة 1 / 154).
تلك صورةٌ عن عقيدته في الله تعالى .. فهو يجيز عليه تعالى الانتقال والتحوّل والنزول ، وفي هذا التصوّر من التجسيم ما لا يخفى ، فالذي ينتقل من مكان إلى مكان ، وينزل ويصعد ، فلابدّ أنّه كان أوّلاً في مكان ثمّ انتقل إلى مكان آخر ، فخلا منه المكان الأوّل ، واحتواه المكان الثاني ، والذي يحويه المكان لا يكون إلاّ محدوداً ! فتعالى الله عمّا يصفون
المعروف عن بعض الحنابلة انهم من القائلين بالتجسيم ، بمعنى أنّ لله تعالى يداً ووجهاً وعيناً وساقاً ، وأنّه متربّع على العرش شأنه شأن الملوك والسلاطين ، واستدلّوا على ذلك بآيات من القرآن الكريم، كقوله تعالى: (( يد الله فوق أيديهم )) و (( كلّ شيء هالك إلاّ وجهه )) و (( يوم يكشف عن ساق )) و (( الرحمن على العرش استوى ))، وغيرها من الآيات ، وقالوا : ان اليد والوجه والساق والاستواء جاءت في القرآن على وجه الحقيقة في معانيها وليست مصروفة الى معانيها المجازية , وقالوا : نعم يد الله ليست كيدنا ، ووجهه ليس كوجهنا ، وساقه ليس كساقنا ، بدليل قوله تعالى : (( ليس كمثله شيء )) .
ولا يخفى عليك ان ابن تيميّة ومحمّد بن عبد الوهاب يدّعيان انهما من الحنابلة .
وأقوال ابن تيميّة في التجسيم كثيرة جداً ، وللوقوف على ذلك راجع مثلا كتابه ( الفتوى الحموية الكبرى/ في مجموعة الفتاوى : 5 ، كتاب الاسماء والصفات).
وان عقيدته في التجسيم كانت واحداً من أهمّ محاور الصراع الذي خاضه مع علماء عصره ، فهي السبب الوحيد لما دار بينه وبين المالكيّة من فتن في دمشق ، وهي السبب الوحيد لاستدعائه الى مصر ثم سجنه هناك ، كما كانت سبباً في عدّة مجالس عقدت هنا وهناك لمناقشة أقواله .
ولم تنفرد المالكيّة في الرد عليه ، بل كان هذا هو شأن الحنفية والشافعيّة أيضاً ، وأمّا الحنبليّة فقد نصّوا على شذوذه عنهم .
قال الشيخ الكوثري الحنفي في وصف عقيدة ابن تيميّة في الصفات : ((إنّها تجسيمٌ صريح)), ثمّ نقل مثل ذلك عن ابن حجر المكّي في كتابه ( شرح الشمائل / تعليقة الكوثري في ذيل (الأسماء والصفات) للبيهقي : 301 ) .
وللشافعيّة دورهم البارز في مواجهة هذه العقيدة ، فقد صنّفوا في بيان أخطاء ابن تيميّة فيها كثيراً ، وربّما يعدّ من أهمّ تصانيفهم تلك ما كتبه شيخهم شهاب الدين ابن جَهبَل ، المتوفّى سنة 733 هـ ويكتسب هذا التصنيف أهميّته لسببين:
أوّلهما : أنّ هذا الشيخ كان معاصراً لابن تيميّة ، وقد كتب ردّه هذا في حياة ابن تيميّة موجّهاً إليه .
والثاني : أنّه ختمه بتحدّ صريح ، قال فيه : ((ونحن ننتظر ما يَرفد من تمويهه وفساده ، لنبيّن مدارج زيغه وعناده ، ونجاهد في الله حقّ جهاده)). ثمّ لم يذكر لابن تيميّة جواباً عليه رغم أنّه قد وضع ردّاً على (الحمويّة الكبرى ) التي ألقاها الشيخ ابن تيميّة على المنبر في سنة 698 هـ .
وأمّا دفاع ابن تيمية عن التجسيم فهو دفاع المجسّمة الصرحاء!!
فيقول ردّاً على القائلين بتنزيه الله تعالى عن الأعضاء والأجزاء : إنّهم جعلوا عمدتهم في تنزيه الربّ عن النقائص على نفي التجسيم ، ومن سلك هذا المسلك لم ينزّه الله عن شيء من النقائص ألبتّة (التفسير الكبير 1 / 275 ـ الفرقان بين الحقّ والباطل : 111 ـ وانظر كلامه في (البعض) و (الكلّ) في (الفتاوى الكبرى ) 6 / 413).
ثم طريق اثبات شيء على المتهم لا يتم بإقراره فقط ومن كتبه فإنّه قد لا يذكر ذلك صريحاً خوفاً من المسلمين ، ولكن هناك طريقة اخرى وهي شهادة شهود عليه ، فان هذا من اقوى ادلّة الاثبات ، خاصة اذا كانوا كثيرين .
وقد شهد على ابن تيميّة الكثير منهم : ابن بطوطة في كتابه ( رحلة ابن بطوطة : 95 ) إذ يقول تحت عنوان (حكاية الفقيه ذي اللّوثة ـ اللّوثة بالضمّ : مَسّ جنون ـ !): ((كان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقيّ الدين بن تيميّة ، كبير الشام ، يتكلّم في الفنون ، إلاّ أنّ في عقله شيئاً ! وكان أهل دمشق يعظّمونه أشدّ التعظيم ويعظهم على المنبر ، وتكلّم بأمر أنكره الفقهاء.
قال : وكنت إذ ذاك بدمشق فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكّرهم ، فكان من جملة كلامه أن قال : ((إنّ الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا )) ونزل درجةً من المنبر !
فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ، وأنكر ما تكلّم به ، فقامت العامّة إلى هذا الفقيه وضربوه بالأيدي والنعال ضرباً كثيراً حتّى سقطت عمامته وظهر على رأسه شاشيّة حرير ، فأنكروا عليه لباسها واحتملوه إلى دار عزّ الدين بن مسلم قاضي الحنابلة ، فأمر بسجنه ، وعزّره بعد ذلك)).
ومقولة ابن تيميّة هذه ذكرها ابن حجر العسقلاني أيضاً في (الدرر الكامنة 1 / 154).
تلك صورةٌ عن عقيدته في الله تعالى .. فهو يجيز عليه تعالى الانتقال والتحوّل والنزول ، وفي هذا التصوّر من التجسيم ما لا يخفى ، فالذي ينتقل من مكان إلى مكان ، وينزل ويصعد ، فلابدّ أنّه كان أوّلاً في مكان ثمّ انتقل إلى مكان آخر ، فخلا منه المكان الأوّل ، واحتواه المكان الثاني ، والذي يحويه المكان لا يكون إلاّ محدوداً ! فتعالى الله عمّا يصفون
تعليق