
وصلى الله على محمد وآله الميامين
إن أهل البيت عليهم السلام وبما أنهم خزان علم الله وتراجمة وحيه ، وأنهم صفوته من خلقه ، وحملة رسالاته ، وحججه على خلقه ، فهم لايؤكدون إلا على كل مافيه صلاح الإنسان وصلاح المجتمع ورقي العباد وأمن البلاد ، وكمال الإنسانية.
ومن هنا - ايها القارىء الكريم- نجد ان اهل البيت عليهم السلام أكدوا بحسب الروايات التي تسابقت وتظافرت واتسقت واتصلت على ضرورة زيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم الأربعين ، وقد لايسع هنا في هذا الموجز من المقام للتحليق بين مجرات تلك الروايات ، ودعنا نكتفي بما ورد عن مولانا الإمام الحسن العسكريّ(ع) أنَّهُ قال: [علاماتُ المؤمنِ خَمْس: صلاةُ إحدى وخمسين وزيارةُ الأربعين والجَهْرُ ببسْمِ اللهِ الرَّحمانِ الرَّحيم والتَّختُّمُ باليمين وتعفيرُ الجبين].
فإذن-عزيزي القارىء- زيارة الإمام الحسين عليه السلام يوم الأربعين أي في العشرين من صفر من اهم علائم المؤمن ، لما تحمل تلك الشعيرة الحسينية العظيمة من معاني كبرى تنحي الجبال إجلالا لهيبتها، وتجهل العلماء كنه عظمتها ، لأنها زيارة لإمام معصوم لايعرفه حق معرفته إلا الله ورسوله واهل بيته ، لأنه خلاصة الأنبياء والأوصياء الذين سبقوه.
وإن لزيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم الاربعين أبعاد كثيرة ومتعددة ومتنوعة ، منها :
أ- البعد العقائدي :
لاشك أن الزائر للإمام الحسين عليه السلام وإن لم يكن مسلما فهو سوف يبحث عن الإمام الحسين عليه السلام أي أنه سيبحث عن سيرة الإمام الحسين عليه السلام كيف كانت ؟ أخلاقه ؟
سيبحث عن عقائده ؟ ولاسيما في التوحيد ؟
وحينما يتوصل الى العقائد الحقة التي يحملها الإمام الحسين عليه السلام فإذن سيعتقد بها لأنه يعتقد بمن لايعتقد إلا بالحق ، لثقته الملطقة بذلك ، فإذن سيكون هنالك إعتقاد بعقائد شيعة اهل البيت عليهم السلام ونبذ كل عقيدة تخالف ذلك كعقيدة التجسيم التي يتبناها الوهابية.
ب- البعد الروحاني :
إن الامام الحسين عليه السلام هو العارف بالله تعالى ، وهو الذي ذاب في حب الله ، فقدم لله تعالى كل مايملك حتى رضيعه الصغير ، فكرمه الله تعالى بكل الكرامات الجليلة ،وقد ورد عنه تركت الخلق طرا في هواكا وايتمت العيال لكي أراكا فلو قطعتني في الحب إربا لما مال الفؤاد الى سواكا، فإذن-عزيزي القارىء- إن الزائر سيعرف الله تعالى كما يعرفه له الإمام الحسين عليه السلام من خلال تضحيته لأجل دينه بكل مايملك ، ومن خلال أقواله النيرة وأعماله البهية ، وأخلاقه السنية ، ومنهاجه القويم .
جـ_ البعد الفقهيّ :
إن الفقه وحقيقة الفقه إنما هو محصور عند النبي والأئمة الهداة المعصومين من آله ، لأن النبي صلى الله عليه واله علمه من الله تعالى وهو المفسر للقرآن الكريم وإن علوم اهل البيت عليهم السلام هي من النبي صلى الله عليه وآله ، والذي علّم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ألف باب من العلم ويفتح له من كل باب ألف باب بحسب تعبير النصوص الواردة ، ومن هذه العلوم علم الفقه ، فإن الحكم الشرعي الحقيقي المطابق للحكم الواقعي لايكون الا عن النبي وآله صلى الله عليه وعليهم ، والذين علموّا علماء شيعتهم كما هو حال إمامنا الصادق عليه السلام الذي تخرج على يديه الكثير من العلماء ، وقد اسس قواعد المذهب الجعفري أي رسخ الكثير من المحاور العلمية لشيعة جده النبي الخاتم والإمام أمير المؤمنين عليه السلام ، وعلى هذا -ايها القارىء الكريم- سيأخذ الزائر الحكم الفقهي الصادر من الإمام الحسين عليه السلام ومن بقية الأئمة من اهل البيت عليهم ، وبهذا سيكون قد ترك كل رأي فقهي خالف رأي الإمام الحسين عليه السلام والأئمة من اهل البيت عليهم السلام ، لأنه يؤمن أن لارأي أمام رأي اهل البيت عليهم السلام ، وبهذا سيندثر المنهج المنحرف المنسوب الى الفقه كمنهج القياس والرأي.
د- البعد الأخلاقي والتربوي :
إن الأخلاق تعتبر وعاء الدين وأنها اول مايوضع في ميزان العبد ، وأنها من الجمال الحقيقي للإنسان ، فالمجتمع لابد له من الأخلاق كي يعيش في أمن وسلم ، ولكي يأمن بعضه من بعض ، فالفرد يحتاج الى الاخلاق والأسرة بحاجة الى الأخلاق ، والأمة بحاجة الى الاخلاق ، ومن هنا -عزيزي القارىء- من ثمار زيارة الإمام الحسين عليه السلام هي التعرف على أخلاق الإمام الحسين عليه السلام ، فلينظر الزائر كيف كان عفو الإمام عن المسيء ؟ ، وكيف كان حلمه عن من أغضبه ؟ ، وكيف كان كرمه ؟ ، كيف كان سخائه ؟ ، وكيف كان صبره ؟ ، وكيف كانت معالم شجاعته ؟ ، وكيف كان حفظه للسر؟ ، وكيف كان أدائه للأمانة ؟ ، وكيف كان إكرامه للضيف ؟ ، وكيف كان يرد الكلمة السيئة بالكلمة الطيبة ؟ والفعل القبيح بالفعل الجميل الحسن ؟ ، فإذا عرف الزائر ذلك فإنه سيحاول التخلق بتلك الأخلاق الراقية النبيلة العظيمة ، وبهذا يتكامل الفرد والأسرة والمجتمع تكاملا أخلاقيا ضمن منظومة متكاملة من الصفات النبيلة ، في إطار من الوعي والعلم والفكر والثقافة العقائدية الحقة .
وهناك أبعاد أخرى لزيارة الأربعين ونتائج عظمى سنتناولها في الجزء الثاني بإذن الله تعالى ..
ولنكتفِّ بهذا القدر..
والحمد لله أولا وآخرا..
*******************
تعليق