تويت
قصة قصيرة
بدموع حبك تكحلت عيني
حيدرعاشور
اجزم الأطباء ان لا علاج لها ستبقى عمياء طوال حياتها ،لقد تيبست مقلتاها فلم تعد تشع كالسابق بعد ان كانت تتباهى بالعيون العسلية التي لا تضاهيها في مدينتها عيون..تلك العيون التي كانت تفوز بالمسابقات السنوية ،وهي تتبختر بين قريناتها من الفتيات ..والان جليسة الدار عمياء تتنقل بين عيادات الأطباء ،دون نتائج او وصول الى أمل في ان تعيد بصرها مرة اخرى وأخذت تراجع نفسها بعد ان تخلى عنها الجميع..ورغم كل هذه الخسارة وهذا الحزن لم تستطع ان تنزل دمعة من عينيها ولا تتأثر بأي عاطفة، ولا تجيد البكاء مهما حاولت بعد ان كانت تصب عينيها دموع الفرح وهي تعتلي منصات الجمال...
استسلمت لوضعها وتشكلت لديها عقد الانفراد أصبحت لا تطيق سماع احد... لذلك اعتزلت في وحدة دامت سنيين، لم تسمع سوى صوت امها التي تواسي وحدتها ... وفي ذات مساء خميسي تتوهج فيه مناسبة تحيط بدارها لم تألفها سابقا ولم تسمع بهذا الحديث ابدى.. تبدأ مكبرات الصوت ب(الله اكبر) وبالصلاة على محمد وال محمد، وأخذت مشاعرها تتجه صوب المكبرات وهي تروي أحاديث وروايات عن (ال محمد) وأخذها الفضول في معرفة ماذا يحصل في منطقتها لم تعد هناك مهرجانات ومسابقات في اختيار الجمال في الجسد والشكل والعيون ..وعلى غرار الايام التي لم تر عيونها النور دخلت الام كعادتها اليومية تجلب لها ما تريد من مستلزمات الزاد لكي تعيش، وهي المنهارة في الجسد والروح ومحطمة بشكل لا يحسد عليه ..ما ان القت الام تحيتها حتى جاء صوت ابنتها المقطع بالرد بالمثل ..وهي تسألها عما يحصل في مدينتهم من متغيرات .
فكان جواب الام بحسرة انهم يغزون المناطق ويقال انهم عرب مسلمون من شيعة (ال محمد) يستذكرون في كل عام رجلا اسمه الحسين بن علي قد قتل على يد الظالمين منذ اكثر من الف وأربعمائة سنة او يزيد ...وجموع من العرب المسلمين ومن استسلم على ايديهم من ابناء منطقتنا حولوا قاعة المسابقات الى حسينية (فاطمة البتول) يسعى اليها الناس من كل حدب وصوب للمشاركة في مصابها بولدها الحسين المقتول ظلما .
-امي سمعت كل أحاديثهم الشجية وروحي تلتهب كل يوم بسماع مصيبة رجل قتل مع أبنائه ببشاعة وهو يؤمن بعقيدة ارسلها الله على قلب جده محمد رسول الله .. سأذهب لطبيبي يوم غد عسى ان يجد لي حلا ويعيد النور لبصري....
وذهبت الى طبيبها وكان نفس الجواب لا يرجع بصرك الا بالبكاء وهذه اضعف الاحتمالات وكانت في عيادة الطبيب امرأة جاءت بطفلتها التي تعاني قصر نظر ... نظرت الى الفتاة وقالت: سبحان الذي يعطي الجمال لمن يشاء ويأخذ اعز الاشياء ممن يشاء .. ايتها الفتاة ان علاجك هو البكاء كما قال لك الطبيب ... انني ادعوك الى مجلس حسيني في بيتي ... فأن شاء الله ستكون الزهراء عليها السلام حاضرة في مجلس ولدها المذبوح وسيكون سببا لشفائك .. الفتاة كان لديها هذا الشعور الغريب الذي يزورها في روحها كلما تسمع صوت الحسين عليه السلام وهي عمياء ترقد في جب الظلمة .. جاءتها المرأة بنفسها الى بيتها لكي تصحبها الى مجلس العزاء.. وقد طلبت منها ان تكمل ايمانها وان تقول (اشهد ان لا اله الا الله واشهد ان محمد رسول الله ) فأجابتها الفتاة لقد قلت ذلك منذ اول مجلس تسمعه اذني في ظلمتي .. وما ان بدأ المجلس ارتعش بدنها خوفا ورعبا والداعية تنعى(الحسين) ومصيبته ... فأغرقت عيونها بمدرار من الدموع مصحوبا بنحيب يخرج من القلب والروح ،وما ان فتحت عينيها حتى رجع اليها بصرها وكأن عيونها فيها شيئا من الكحل .. فعلت أصوات النساء بالصلاة على محمد وال محمد وأخريات لبيك يا حسين لبيك يا حسين...
تعليق