
قد يسأل سائل أو يستفهم مستفهم ماخطب اتباع أهل البيت (عليهم السلام)
يعيشون أيام المحرم وصفر في عزاء وبكاء , وبعده يعيشون في شهر ربيع موسم أفراح وانشراح .
ولكن مانقف عنده ونستغرب منه هو إننا ماان نبكي إلا ويعترض المعترضون , وماان نفرح إلا ويعترض المعترضون ويحاولون حشر أفعالنا في زاوية الشرك وكأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم )
لم يقل : (والذي نفسي بيده لايؤمن أحدكم حتى أكون أحب الناس إليه ...) .
الإشكالات على إحياء ميلاد الرسول الأعظم
(صلى الله عليه وآله وسلم )...
عمدة مااشكل به على إحياء الميلاد المبارك اشكالان :
أولهما : عدم ورود الاحتفال بميلاد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم ) في الكتاب والسنة ،
وثانيهما : إن إحياء الميلاد والاحتفال به نوع من العبادة لغير الباري عز وجل .
فأما الأشكال الأول فيحاول المشكل إدخاله في البدعة ليرتب آثارها على من يخالفه بالرأي
فكأنه يريد نصا يقول (احيوا مولد النبي) أو (يجوز إحياء الميلاد) ولا يوجد كهذا النص حتما
لا في القرآن المجيد ولا السنة النبوية , وهم لآ يريدون أن ينفتح عقلهم ليصل إلى مفاهيم الجمل
وعدم الوقوف على منطوقاتها وظواهرها , فكانهم لم يقرأوا في القرآن الكريم قوله تعالى :
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ)
ولم يقرأوا قوله تعالى :
(وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ)
وقوله تعالى عن النبي عيسى (عليه السلام) :
(وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ)
فيجازفون في إطلاق لفظ البدعة غاضين النظر عن أن هذا فعل مباح بل راجح عقلا ،
ولنا أن نقول شرعا كما سنبين .
وساكتفي بما ذكره ابن تيمية نصا في كتاب مجموع الفتاوى (25/258) إذ قال :
(واما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي ربيع الأول التي يقال إنها ليلة المولد
فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف ولم يفعلوها) .
وواضح أن محط نظره في التشريع هو السلف والأصحاب فهم عنده القطب بالتشريع
والانكس من ذلك مايقره على نفسه من أنه أمر لا ينكره عاقل وعدم وجود المانع
إذ قال في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم متحدثاً عن الإحتفال بالمولد :
(فإن هذا لم يفعله السلف مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه ، ولو كان هذا خيرا محضا
أو راححا لكان السلف أحق به منا فإنهم كانوا أشد محبة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم )
وتعظيما له منا ، وهم على الخير أحرص) .
ولم تعهد عبارات فارغة كهذه فمن له أن يدعي أن السلف أولى منا بالخير المحض
ومن له علم الغيب والكشف عن مكامن النفس لدى الاولين والآخرين
ليقول إن السلف كانوا اشد حبا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم ) وتعظيما له منا
فامثال مرة بن جندب خير أم من ثبت على الصراط المستقيم في عص
ر لم ير فيه ظل النبي الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وجوابا عن الاشكال الثاني نقول :
ادعاء إن الإحياء والاحتفال بمولد الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)
فيه نوع من العبادة لغير الباري واه ومتناقض فكيف يمكن لمن أقر
بصدق الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) إن لا يقر بالمرسل ,,
هذا فضلا عن أن للعبادة مقومات وضوابط كالنية وقصد التعبد وغير ذلك
لكنهم لايريدون أن يميزوا بين قصد التعظيم والعبادة
وجعلوا لهما معنيين مترادفين كما نص عليه بعضهم .
الأدلة القرآنية على مشروعية إحياء مولد
(صلى الله عليه وآله وسلم)...
قال تعالى :
(فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحِونَ)
الأعراف / 157(قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا ... وَمَسَاْكنَ تَرْضَوْنَهَا أَحَبُ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الفَاسٌقَّينًً....)
: التوبه 24
كل ما جاء وحدث تأكيد على إبقاء جذوة المحبة والذكر الدائم للرسول الاعظم (صلى الله عليه واله وسلم)
وهي من قوام الدين .. لذا نرى أن الله عز وجل يسند لذاته المقدسة رفع ذكر
الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي من قوام الدين
(وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَك)
في حال انه يأمر بإحياء ذكر الأنبياء ولم يخصهم بما خصه به إذ قال جل جلاله :
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ )
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى )
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ)
قال الحافظ السيوطي في الدر المنثور (4/367) في معرض ذكره للآية الكريمة قال تعالى :
(قلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)
: سورة يونس : 58
ذكر الرحمة في الآية بعد الفضل تخصيص بعد العموم المذكور وهو يدل على شدة الاهتمام
, ومجيء اسم الاشارة (ذلك) لأكبر الأدلة على الحث على الفرح , على السرور ,
لأنه إظهار في موضع الاضمار وهو يدل على الاهتمام والعناية .
ولذلك قال الالوسي في روح المعاني (10/141) عن قوله تعالى :
(فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا)
للتأكيد والتقرير بعد أن رجح كون الرجعة المذكورة في الآيه هي للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
قال : والمشهور وصف النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالرحمة كما يرشد إليه قوله تعالى :
(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)
: الأنبياء : 107.
الأدلة من سيرة الرسول الاعظم
(صلى الله عليه وآله وسلم) ...
قال ابن كثير في كتاب البداية والنهاية : (أن أول من أرضعته (صلى الله عليه وآله وسلم )
ثويبة مولاة ابي لهب وكان قد اعتقها حين بشرته بولادة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)
ولهذا لما رآه أخوه العباس بعد موته في المنام بعد ماراه بشر حيبة (اسوأ حالة)
سأله مالقيت ؟ قال : لم ألقي بعدكم خيرا غير أني سقيت في هذه بعتاقتي لثويبة :
وأشار إلى النقرة التي بين الإبهام والتي تليها من الأصابع .
وعن ابن كثير قال : فإذا كان هذا في حق الذي جاء القرآن بذمه يخفف عنه العذاب
لفرحته بمولد المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) فما بالك لمن خرج به وهو مؤمن موحد ..
وهذا ماذكره وقرره شيخ القراء _والكلام لأبن كثير_ الحافظ شمس الدين الجزري
في عرف التعريف بالمولد الشريف في كتابه (موردالصادي في مولد الهادي)
وهذه القصة ورأي ابن كثير وتقرير الجزري نقل من كتب العامة
ولم نخضعها للميزان الذي نراه في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام)
واخرج مسلم في صحيحه عن أبي قتادة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
سأل عن صومه يوم الإثنين فقال : (ذلك يوم ولدت فيه)
وأورد الاسيوطي في كتابه (حسن المقصد في عمل المولد) :
(اصل الاجتماع لاظهار شعائر المولد مندوب وقرية .. )
ثم قال : ( وظهر لي تخريجه على أصل أخر وهو مااخرجه البيهقي عن أنس
أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عق عن نفسه بعد النبوة
مع أنه قد ورد أن عبدالمطلب قد عق عنه والعقيقة لاتعاد مرة ثانية
فيحمل على أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فعله كان اظهارا للشكر على ايجاد الله تعالى اياه
فيستحب لنا أيضا إظهار الشكر بمولده باجتماع الإخوان واطعام الصيام
ونحو ذلك من وجوه القربات وإظهار المسرات .

دمتـــــــم بخيــــــر
تعليق