بســـم الله الرحــــمن الرحــــيم
أعلم أن الحزن على نوعين :-
أحدهما مذموم وثانيهما محمود وهو الذي يكون من الهجران والبعد عن الله و ... وإنه مقام من مقامات الموقنين ، ولا يسكن إلا في قلب سليم ولا يحصل إلا بدوام الفكر .
وفي ارشاد القلوب صـ151 بـ31 :- وروي أن البني (صلى الله عليه وآله) كان دائم الفكر متواصل الحزن وإن الحزن من أوصاف الصالحين وإن الله تعالى يحب كل قلب حزين ، وإذا أحب الله قلباً نصب فيه نائحة من الحزن ، ولا يسكن الحزن إلا قلباً سليماً وقلب ليس فيه الحزن خراب ولو أن محزوناً كان في أُمة لـرحم الله تلك الأمة .
فقال مصنف هذا الكتاب اي -ينابيع الحكمة- ليس العجب من أن يكون الإنسان حزيناً بل العجب أن يخلو من الحزن ساعة واحدة ، وكيف لا يكون ذلك وهو يصبح ويمسي على جناح سفر بعيد أول منازله الموت ومورده القبر ومصدره القيامة وموقفه بين يدي الله تعالى ، أعضائه شهوده ، وجوارحه جنوده ، وضمائره عيونه وخلواته عيانه يمسي ويصبح بين نعمه يخاف زوالها ومنية يخاف حلولها وبلية لا يأمن نزولها مكتوم الأجل ، مكنون العلل ، محفوظ العمل صريع بطنه وعبد شهوته ...
وفي وصية الباقر (عليه السلام) لــجابر الجعفي (في خبر طويل) :-واستجلب نور القلب بدوام الحزن . (1)
وعن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت علي بن الحسين (عليه السلام) يقول : يـا بن آدم ، لا تزال بخير ما دام لك واعظ من نفسك ، وما كانت المحاسبة من همك ، وما كان الخوف لك شعاراً ، والحزن دثاراً يـا بن آدم ، إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله ومسؤل فأعد جواباً . (2)
بيان :-
((الشّعار)) هو ما يلي شعر الجسد من اللباس و((الدثار)) هو لـباس فوق الشعار ، والمراد هنا كناية عن ملازمة العبد للخوف والحزن .
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :- عباد الله ، إن من أحب عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه ، فاستشعر الحزن ، وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه ... (3)
بيان :-
((تجلبب الخوف)) الجلباب : هو ما يكون فوق جمبع الثياب.
ويأتي في خطبة المتقين عنه (عليه السلام) : ((قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة)) نهج البلاغة صـ612 في خـ184 .
عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) ومعي رجل من أصحابنا فقلت له : جعلت فداك ، يـا بن رسول الله ، إني لأغتم وأحزن من غير أن أعرف لذلك سبباً ؟
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : إن ذلك الحزن والفرح يصل إليكم منا لانا إذا دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلاً عليكم لانا وإياكم من نور الله عز وجل فجعلنا وطينتنا وطينتكم واحدة ... (4)
قال الصادق (عليه السلام) : الحزن من شعار العارفين لـكثرة واردات الغيب على سرائرهم وطول مباهاتهم تحت ستر الكبرياء والمحزن ظاهره قبض وباطنه بسط ، يعيش مع الخلق عيش المرضى ، ومع الله عيش القربى ، والمحزون غير المتفكر ، لأن المتفكر متكلف والمحزون مطبوع والحزن يبدو من الباطن والتفكر يبدو من رؤية المحدثات وبينهما فرق ، قال الله تعالى في قصة يعقوب (عليه السلام) :- {إنّما أشكوا بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون} يوسف آية -86- فبسبب ما تحت الحزن علمٌ خصّ به من الله دون العالمين .
وفي الختام أقول :-
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن الله يحب كل قلب حزين . وسئل أين الله ؟ فقال : عند المنكسرة قلوبهم .
والحمد لله رب العالمين ....
____________________
1-تحف العقول صـ207 .
2-مشكوة الأنوار صـ70 بـ2 فـ3 (أمالي الطوسي جـ1 صـ114) .
3-نهج البلاغة صـ210 خـ 86 .
4-العلل جـ1 صـ93 بـ84 حـ2 .
المصدر : ينابيع الحكمة تأليـف : عباس الاسماعيلي اليزدي .
أعلم أن الحزن على نوعين :-
أحدهما مذموم وثانيهما محمود وهو الذي يكون من الهجران والبعد عن الله و ... وإنه مقام من مقامات الموقنين ، ولا يسكن إلا في قلب سليم ولا يحصل إلا بدوام الفكر .
وفي ارشاد القلوب صـ151 بـ31 :- وروي أن البني (صلى الله عليه وآله) كان دائم الفكر متواصل الحزن وإن الحزن من أوصاف الصالحين وإن الله تعالى يحب كل قلب حزين ، وإذا أحب الله قلباً نصب فيه نائحة من الحزن ، ولا يسكن الحزن إلا قلباً سليماً وقلب ليس فيه الحزن خراب ولو أن محزوناً كان في أُمة لـرحم الله تلك الأمة .
فقال مصنف هذا الكتاب اي -ينابيع الحكمة- ليس العجب من أن يكون الإنسان حزيناً بل العجب أن يخلو من الحزن ساعة واحدة ، وكيف لا يكون ذلك وهو يصبح ويمسي على جناح سفر بعيد أول منازله الموت ومورده القبر ومصدره القيامة وموقفه بين يدي الله تعالى ، أعضائه شهوده ، وجوارحه جنوده ، وضمائره عيونه وخلواته عيانه يمسي ويصبح بين نعمه يخاف زوالها ومنية يخاف حلولها وبلية لا يأمن نزولها مكتوم الأجل ، مكنون العلل ، محفوظ العمل صريع بطنه وعبد شهوته ...
وفي وصية الباقر (عليه السلام) لــجابر الجعفي (في خبر طويل) :-واستجلب نور القلب بدوام الحزن . (1)
وعن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت علي بن الحسين (عليه السلام) يقول : يـا بن آدم ، لا تزال بخير ما دام لك واعظ من نفسك ، وما كانت المحاسبة من همك ، وما كان الخوف لك شعاراً ، والحزن دثاراً يـا بن آدم ، إنك ميت ومبعوث وموقوف بين يدي الله ومسؤل فأعد جواباً . (2)
بيان :-
((الشّعار)) هو ما يلي شعر الجسد من اللباس و((الدثار)) هو لـباس فوق الشعار ، والمراد هنا كناية عن ملازمة العبد للخوف والحزن .
قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :- عباد الله ، إن من أحب عباد الله إليه عبداً أعانه الله على نفسه ، فاستشعر الحزن ، وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه ... (3)
بيان :-
((تجلبب الخوف)) الجلباب : هو ما يكون فوق جمبع الثياب.
ويأتي في خطبة المتقين عنه (عليه السلام) : ((قلوبهم محزونة وشرورهم مأمونة)) نهج البلاغة صـ612 في خـ184 .
عن أبي بصير قال : دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) ومعي رجل من أصحابنا فقلت له : جعلت فداك ، يـا بن رسول الله ، إني لأغتم وأحزن من غير أن أعرف لذلك سبباً ؟
فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : إن ذلك الحزن والفرح يصل إليكم منا لانا إذا دخل علينا حزن أو سرور كان ذلك داخلاً عليكم لانا وإياكم من نور الله عز وجل فجعلنا وطينتنا وطينتكم واحدة ... (4)
قال الصادق (عليه السلام) : الحزن من شعار العارفين لـكثرة واردات الغيب على سرائرهم وطول مباهاتهم تحت ستر الكبرياء والمحزن ظاهره قبض وباطنه بسط ، يعيش مع الخلق عيش المرضى ، ومع الله عيش القربى ، والمحزون غير المتفكر ، لأن المتفكر متكلف والمحزون مطبوع والحزن يبدو من الباطن والتفكر يبدو من رؤية المحدثات وبينهما فرق ، قال الله تعالى في قصة يعقوب (عليه السلام) :- {إنّما أشكوا بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون} يوسف آية -86- فبسبب ما تحت الحزن علمٌ خصّ به من الله دون العالمين .
وفي الختام أقول :-
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : إن الله يحب كل قلب حزين . وسئل أين الله ؟ فقال : عند المنكسرة قلوبهم .
والحمد لله رب العالمين ....
____________________
1-تحف العقول صـ207 .
2-مشكوة الأنوار صـ70 بـ2 فـ3 (أمالي الطوسي جـ1 صـ114) .
3-نهج البلاغة صـ210 خـ 86 .
4-العلل جـ1 صـ93 بـ84 حـ2 .
المصدر : ينابيع الحكمة تأليـف : عباس الاسماعيلي اليزدي .
تعليق