اختار طريق الحق فتخضب بدمه
حيدر عاشور العبيدي
لم أكن أتوقع أن كل ما رواه لي أبي سيكون حقيقة... وهو يضيف لبصيرتي بآصرة حب أهل البيت عليهم السلام فأصبح يقيني في ديني ومعتقدي.أبي إمام وخطيب جامع يبحث عن الطريق الحق ويرفض كل من يذكر (أهل البيت) عليهم السلام بسوء فكان يلزمهم الحجة دائما وحين رشح ليكون احد المشتركين في البحوث الدينية من بين علماء لهم صيتهم الإسلامي...منحه الله فرصة أن يزور مراقد الأئمة والصالحين مما جعله يتمسك بالعروة الوثقى ويموت من اجلها..وكان يروي لي دائما رؤيته في ذلك المرقد المقدس...حينما كانت السماء وكأنها شهبا احمرا ناريا يتساقط من على جانبي وخلفي ،وأمامي ذلك المعلم الإسلامي الجميل في بنائه وعمرانه وقببه الذهبية المتوهجة.. لحظتها تمركز الخوف في بؤرة قلبي مما جعل نبضاته ترتفع حد الصراخ... بدني يقشعر وحرارتي ترتفع بسرعة،وقدمأي لا تتحركان من موضعهما،ورحلت الذاكرة عن راسي،وأنا في عالم تفصلني عنه حدود مكاني..النجاة أمامي،والموت خلفي ، وأنا أقف عند خط شروع الموت من كل جوانبي..استسلمت جوانحي جميعها لروعة المشهد وهي خائفة مرتعشة، وقررت السير باتجاه المكان ودخلت بلا تردد وجلست قابلة الضريح شاخصا بصري لا أستطيع الكلام ولم أحاول أن أتحدث ..المكان يفرض قدسيته وهيبته..حاولت أن ابحث عن شخص يحدثني بعد أن استرخت روحي لجمال المكان وحلاوة منظره وعنفوان عطره الذي أتنفسه وكأنه يعيد إلي توازني ويقلل خوفي .
جلست منبهرا بالضريح وجماله وانعكاسات ضيائه المنبثقة من لونه الذهبي المطعم بالفضة.. وبلا شعور استمع إلى صوت آذان في غاية الروعة كأنه صوت مقدس قادم من السماء .. نهضت روحي تستعد للصلاة وهي تحلق في فضاء المكان وما أن قال المؤذن(اشهد أن عليا ولي الله) حتى استقرت على ارض المسجد يتقدمها ضوء شديد البيضاء، وأتممت خلفه الصلاة.. وبعد التسبيح بدأ الكلام يصل إلى أذني وكأنه أمر وأنا له مطيع:أنت يا شيخنا عليك أن تقدم أمران الأول أن ترعى عائلة (فلان ) تقطن في المدينة حتى يتم زواج أخر أبنائها وبناتها ومن ثم تعتلي منبرك الذي يسمعه الناس من مدينتك وستروي مصيبة استشهاد الحسين (عليه السلام) وستموت مخضبا بدمك وسيتبعك على نهجك اهلك وستكون من الفائزين .كأنها لحظات واستيقظت وكان رجلا يقف على راسي ،يحاول مساعدتي على النهوض حين وجدني على حالة يرثى لها من الرعب .انطبعت الإحداث في راسي وقررت البحث والتقصي عن الأمر الأول وذهبت إلى مكان العائلة وجدها في حالة يأس وفقر وتوليت أمرها.هكذا أنهى أبي الأمر الأول ونسينا الأمر الثاني حتى جاء محرم الحرام واعتلى المنبر وبدأ بالصلاة على محمد وتوقف وأمامه مئات من المصلين ومن ثم قال (اللهم صلي على محمد وال محمد ) وكررها ثلاث وبلا مقدمات، وبدأ يستذكر بصوت شجي مصيبة الحسين عليه السلام بعد أن ذاب في جسده وروحه حب محمد وال محمد .. وما هي إلا لحظات حتى انهال عليه سيل من الحجارة وضرب بالعصي والسكاكين حتى فاضت روحه إلى السماء مخضبة بدمه .
تعليق