
ذكر الفقيه المحدث الشيخ يوسف البحراني رحمة الله عليه في كشكوله ، أن حاتم الأصم كان رجلا كثير العيال وكان له أولأد
ذكور وبنات ، ولم يكن يملك حبة واحدة ، وكان قدمه التوكل ، فجلس ذات ليلة مع أصحابه يتحدث إليهم فعرضوا بذكر الحج ، فدخل
الشوق في قلبه فدخل على أولاده وجلس معهم يحدثهم ثم قال : لو أذنتم لأبيكم أن يذهب إلى بيت ربه في هذا العام حاجا
ويدعو لكم ماذا عليكم لو فعلتم ؟
فقال له أولاده وزوجته : انت على هذه الحالة لا تملك شيئاً ونحن على ما ترى من الفاقة فكيف تريد ذلك ، وكانت له ابنة صغيرة
فقال : ماذا عليكم لو أذنتم له يذهب حيث شاء فإنه أكال للرزق وليس برزاق ، فذكر لهم ذلك فقالوا :
صدقت والله يا هذه الصغيرة ، يا أبانا انطلق حيث أحببت ، فقام من وقته وساعته واحرم بالحج وخرج مسافراً ، وأصبح أهل بيته
يدخلون عليهم ويوبخونهم ويقولون لهم : كيف أذنتم بالحج ؟ وتأسف على فراقه جيرانه وأصحابه وجعل أولاده يلومون تلك
الصغيرة ويقولون : لو سكتت ما تكلمنا ، فرفعت الصبية رأسها إلى السماء وقالت : إلهي ومولاي وسيدي وعليك القوم
بفضلك وأنت لا تضيعهم ولا تخيبهم ولا تخجلني معهم .
فبينما هم على تلك الحالة إذ خرج امير البلدة متصيداً فانقطع من عسكره وأصابه عطش شديد فاجتاز بيت الرجل الصالح حاتم
الأصم فاستسقى منهم ماء وقرع الباب فقالوا : من أنت ؟ قال : الأمير ببابكم يستسقيكم ، فرفعت زوجة حاتم طرفها إلى
السماء وقالت : إلهي وسيدي سبحانك بتنا البارحة جياعاً واليوم يقف الأمير ببابنا يستسقينا ، ثم أنها أخذت كوزاً وملأته
ماءً وقالت للمتناول منها : أعذرونا ، فأخذ الأمير الكوز فشرب منه فاستطاب ذلك الماء فقال : هذه الدار لأمير ؟
فقالوا : لا بل لعبد من عباد الله الصالحين يعرف بحاتم الصم ، قال الأمير : لقد سمعت به ، فقال الوزير : لقد سمعت يا سيدي
أنه البارحة احرم بالحج وسافر ولم يخلف لعياله شيئاً وأخبرت بأنهم البارحة باتوا جياعاً ، فقال الأمير : ونحن قد ثقلنا عليهم
اليوم أيضاً وليس هذا من المروءة يثقل مثلنا مثلهم .
ثم إن الأمير حل منطقته ورمى بها في الدار ثم قال : من احبني فليلق منطقته ، فحل أصحابه مناطقهم ورموا بها إليهم ثم انصرفوا ..
فقال الوزير : السلام عليكم أهل البيت آتيكم الساعة بثمن هذه المناطق ، فلما نزل الأمير ورجع إليهم الوزير بثمن المناطق ،
مالاً جزيلاً ، فلما رأت الصغيرة ذلك بكت بكاءً شديداً ..
فقالوا لها : ما هذا البكاء إنما يجب أن تفرحي فإن الله تعالى قد وسع علينا ؟
فقالت والله إنما أبكي كيف بتنا جياعاً نظر إلينا مخلوق نظرة واحدة فأغنانا بعد فقرنا ، فالكريم الخالق إذا نظر إلينا لا يكلنا إلى أحد ،
اللهم انظر إلى أبينا ودبره بأحسن التدبير .
واما ما كان من أمر حاتم فإنه لما خرج محرماً ولحق بالقوم فتوجع أمير الركب فطلب طبيباً فلم يجد فقال : هل هنا من عبد صالح ؟
فدل على حاتم الأصم ، فلما دخل عليه وكلمه ودعا له فعوفي الأمير فأمر له يركب ويأكل وبما يشرب ، فنام تلك الليلة متفكراً في أمر
عياله فقيل له في منامه : يا حاتم من أصلح معاملته معنا أصلحنا معاملتنا معه ، ثم أخبر بما كان من أمر عياله فأكثر من الثناء على
الله تعالى ، فلما قضى الحج ورجع تلقته أولادهفعانق الصغيرة وبكى ، ثم قال : صغار قوم كبار قوم آخرين : إن الله لا
ينظر ألى أكبركم ولكن ينظر إلى أعرفكم به ، فعليكم بمعرفته والاتكال عليه فإنه من يتوكل على الله كفاه .
**************

تعليق