بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين إلى قيام يوم الدين
اسمه ونسبه
قال الزركلي في أعلامه(1):
صعصعة بن صوحان العبدي بن حجر بن الحارث العبدي، من سادات عبد القيس، ينتهي نسبه إلى ربيعة إبن نزار،
قال القرطبي، والجزري، وابن سعد إنّ صعصعة بن صوحان العبدي كان مسلماً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يره صغر عن ذلك، وكان سيّداً من سادات قومه عبد القيس، وكان فصيحاً، خطيباً، لسناً، ديّناً، فاضلاً، بليغاً، يُعدّ من أصحاب علي عليه السلام.
و صعصعة تلميذ أمير المؤمنين (عليه السلام) وحسبه بذلك فخراً وشرفاً، وكفاه مدحاً أن يثني عليه سيّد البلغاء ويطريه بالمهارة وفصاحة اللسان. ولقد منحه الله تعالى إلى فصاحته قوّة الجنان، حيث خاض غمار الحروب غير مرّة، وكان قد امَّره الإِمام علي (عليه السلام) على بعض الكراديس يوم صفّين.
كما انه وشهد مع الإِمام علي (عليه السلام) يوم الجمل، فقال: يا أمير المؤمنين ما أراني إلاّ مقتولاً، قال: وما علمك بذلك يا أبا سليمان؟ قال: رأيت يدي نزلت من السماء وهي تستشلني، فقتله عمرو بن يثربي يوم الجمل.
مولده رضوان الله عليه .
ولده في دارين «قرب القطيف».
بلاغته وعلمه .
قال المسعودي: لصعصعة بن صوحان أخبار حسان، وكلام في نهاية البلاغة والفصاحة والإِيضاح عن المعاني، على إيجاز واختصار(2)، وله أحاديث طريفة ومحاورات أدبيّة رائعة مع عبدالله بن العبّاس ذكرها المسعودي.
وشخصيّته تساير التاريخ بالفخر والاعتزاز.
كنيته: أبو طلحة، ويكنّى أيضاً بأبي عمر.
موقفه مع عثمان .
في الأمالي للطوسي عن صعصعة بن صوحان : دخلت على عثمان بن عفّان في نفر من المصريّين ، فقال عثمان : قدّموا رجلاً منكم يكلّمني ، فقدّموني ، فقال عثمان : هذا ، وكأنّه استحدثني .
فقلت له : إنّ العلم لو كان بالسنّ لم يكن لي ولا لك فيه سهم ، ولكنّه بالتعلّم .
فقال عثمان : هات ، فقلت : بسم الله الرحمن الرحيم ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتَوُاْ الزَّكَوةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )(3) .
فقال عثمان : فينا نزلت هذه الآية .
فقلت له : فمر بالمعروف وانه عن المنكر .
فقال عثمان : دع هذا وهات ما معك .
فقلت له : بسم الله الرحمن الرحيم ( الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله ) (4)إلى آخر الآية .
فقال عثمان : وهذه أيضاً نزلت فينا.
فقلت له : فأعطنا بما أخذت من الله .
فقال عثمان : يا أيّها الناس ، عليكم بالسمع والطاعة ، فإنّ يد الله على الجماعة وإنّ الشيطان مع الفذّ ، فلا تستمعوا إلى قول هذا ، وإنّ هذا لا يدري مَن الله ولا أين الله .
فقلت له : أمّا قولك : ( عليكم بالسمع والطاعة ) فإنّك تريد منّا أن نقول غداً : ( رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا )(5) ، وأمّا قولك : ( أنا لا أدري من الله ) فإنّ الله ربّنا وربّ آبائنا الأوّلين ، وأمّا قولك : ( إنّي لا أدري أين الله ) فإنّ الله تعالى بالمرصاد .
قال : فغضب وأمر بصرفنا وغلق الأبواب دوننا .
صعصعة رسول الإِمام لمعاوية .
ذكر المسعودي: قال: لمّا انصرف الإِمام علي (عليه السلام) من حرب الجمل، قال: لآذنه من بالباب من وجوه العرب؟ قال: محمّد بن عمير بن عطارد التميمي، والأحنف بن قيس، وصعصعة بن صوحان، في رجال سمّاهم، فقال: ائذن لهم، فدخلوا فسلّموا عليه بالخلافة فقال لهم: أنتم وجوه العرب عندي، ورؤساء أصحابي، فاشيروا عليَّ في أمر هذا الغلام المترف - يعني معاوية - فافتت بهم المشورة عليه، فقال صعصعة: إنّ معاوية أترفه الهوى، وجبت إليه الدنيا، فهانت عليه مصارع الرجال، وابتاع آخرته بدنياهم فإن تعمل فيه براي ترشد وتصيب، إن شاء الله، والتوفيق بالله وبرسوله وبك يا أمير المؤمنين، والرأي أن ترسل له عيناً من عيونك وثقة من ثقاتك، بكتاب تدعوه إلى بيعتك فإن أجاب وأناب كان له ما لك وعليه ما عليك، وإلاّ جاهدته وصبرت لقضاء الله حتّى يأتيك اليقين، فقال الإِمام علي (عليه السلام): عزمت عليك يا صعصعة إلاّ كتبت الكتاب بيدك، وتوجّهت به إلى معاوية، واجعل صدر الكتاب تحذيراً وتخويفاً، وعجزه استتابة واستنابة، وليكن فاتحة الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالله علي أمير المؤمنين إلى معاوية: سلامٌ عليك، أمّا بعد، ثمّ اكتب ما أشرت به عليَّ.
واجعل عنوان الكتاب «ألا إلى الله تصير الاُمور»، قال صعصعة: إعفني يا أمير المؤمنين من ذلك، قال: عزمت عليك لتفعلنّ، قال: افعل إن شاء الله، فخرج بالكتاب وتجهّز وسار حتّى ورد دمشق، فأتى باب معاوية، فقال للآذن: استأذن لرسول أمير المؤمنين علي إبن ابي طالب وبالباب أردفه من بني أُميّة، فأخذته الأيدي لقوله وهو يقول «أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي الله»، وكثرت الجلبة واللفظ، فاتّصل ذلك بمعاوية فوجه من يكشف الناس عنه، فكشفوا، ثمّ أذن لهم فدخلوا، فقال لهم: من هذا الرجل؟ فقالوا رجل من العرب يقال له صعصعة بن صوحان معه كتاب من علي، فقال: والله لقد بلغني أمره، هذا أحد سهام علي وخطباء العرب، ولقد كنت إلى لقائه شيقاً ائذن له يا غلام فدخل عليه فقال: السلام عليك يا ابن أبي سفيان، هذا كتاب أمير المؤمنين، فقال معاوية: أما أنّه لو كانت الرسل تقتل في الجاهليّة أو الإِسلام لقتلتك، ثمّ اعترضه معاوية في الكلام، وأراد أن يستخرج ليعرف قريحته أطيعاً أم تكلّفاً، وجرى نقاش طويل فيما بينهم، حتّى قال معاوية: ويحك يابن صوحان فما تركت لهذا الحيّ من قريش مجداً ولا فخراً، قال: بلى والله لقد تركت لهم ما لا يصلح إلاّ بهم إلى أن قال: وهم منار الله في الأرض، ونجومه في السماء، ففرح معاوية، وظنّ أنّ كلامه يشمل قريشاً كلّها، فقال: صدقت ياابن صوحان، إنّ ذلك كذلك، فعرف صعصعة ما أراد، فقال: ليس لك ولا لقومك في ذلك إصدار ولا إيراد، بعدتم أنف المرعى وعلوتم عن عذب الماء قال: فلم ذلك؟ ويلك يابن صوحان قال: الويل لأهل النار، ذلك لبني هاشم، قال: قم، فأخرجوه، فقال صعصعة: الصدق ينبي عنك لا الوعيد، من أراد المشاجرة قبل المحاورة، فقال معاوية لشيء ما سوّده قومه، وددت والله أنّي من صلبه، ثمّ التفت إلى بني أُميّة وقال: هكذا فلتكن الرجال.
حبس صعصعة في سجن معاوية.
يحدّثنا المسعودي في مروجه( 6) عن الحارث بن مسمار البهرائي، قال: حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي، ورجالاً آخرين من أصحاب علي (عليه السلام) مع رجال آخرين من قريش، فدخل عليهم معاوية يوماً، فقال: نشدتكم بالله إلاّ ما قلتم حقّاً وصدقاً، أي الخلفاء رأيتموني؟ فقام بعضهم وتكلّم بما يرد به معاوية ويضعه في موضعه، وقال أحدهم: يا ابن ابي سفيان إن لكلّ كلام جواباً، ونحن نخاف جبروتك، فإن كنت تطلق ألسنتنا ذببنا عن أهل العراق، بالسنة حداد لا تأخذها في الله لومة لائم، وإلاّ فإنّا صابرون حتّى يحكم الله ويضعنا على فرجه، قال معاوية: والله لا يطلق لك لسان.
ثمّ تكلّم صعصعة، فقال: تكلّمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت ولم تقصّر عمّا أردت، وليس الأمر على ما ذكرت، أنّى يكون الخليفة من ملك الناس قهراً ودانهم كبراً، واستولى بأسباب الباطل كذباً ومكراً؟؟ أما واللهِ ما لك يوم بدر مضرب ولامرمى، ما كنت فيه إلاّ كما قال القائل «لا حلّ ولا سير»(7)، ولقد كنت وأبوك في العير والنفير(8) ممّن أجلب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنّما أنت طليق وابن طليق، أطلقكما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنّى تصلح الخلافة لطليق؟ فقال معاوية: لولا أنّي أرجع إلى قول ابن أبي طالب حيث يقول: قابلت جهلهم حلماً ومغفرة، والعفو عن قدرة ضرب من الكرم لقتلتكم.
هكذا الطغاة والفراعنة يلجأون إلى القوّة حين يفشلون مع خصومهم.
منفاه مدفنه رضوان الله عليه .
ذكر العلاّمة القرشي في كتابه الإِمام الحسن (عليه السلام). وأخذ الأمان لأصحاب أبيه، وكان صعصعة من جملة الذين طلب لهم الأمان، وعدم التعرّض لهم بسوء ومكروه، ولكن معاوية لم يفِ بذلك، فقد روّعه، وأفزعه، وأودعه في سجنه، كما روّع غيره من الزعماء، وأنّ المغيرة نفاه أخيراً إلى الجزيرة كما مرّ عليك، فمات بها معتقلاً منفيّاً بعيداً عن أهله ووطنه.
فلمّا دخل عليه صعصعة، قال معاوية لصعصعة: أما والله إنّي كنت لأبغض أن تدخل في أمان، قال: وأنا والله أبغض أن أُسمّيك بهذا الاسم ثمّ سلّم عليه بالخلافة، فقال معاوية: إن كنت صادقاً فاصعد المنبر والعن عليّاً؟ ! قال: فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس أتيتكم من عند رجل قدّم شرّه وأخّر خيره وإنّه أمرني أن ألعن عليّاً فالعنوه لعنه الله، فضجّ أهل المسجد بآمين، فلمّا رجع إليه فأخبره، بما قال: قال: لا والله ما عنيت غيري، ارجع حتّى تسمّيه بإسمه، فرجع وصعد المنبر، ثمّ قال: أيّها الناس أنّ أمير المؤمنين أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب، فالعنوا من لعن علي بن أبي طالب، قال: فضجّوا بآمين. قال: فلمّا خُبّر معاوية قال: لا والله ما عني غيري أخرجوه لا يساكنني في بلد فأخرجوه.
فأُخرج من الكوفة منفياً الى جزيرة «أوال» في البحرين بأمر من معاوية فمات فيها سنة 56 هجريّة عن عمر يناهز السبعين عاماً وقبره لا يزال معروفاً في بلدة تسمّى «الكلابيّة» بالبحرين.
وقيل مات بالكوفة: [زمن معاوية] وفي تاريخها أنّ مسجده لا يزال معروفاً[ بإسمه] خلف مسجد السهلة في الكوفة إلى الآن(9).
ــــــــــــــــــــ
(1)الأعلام للزركلي ج3 ص205 .
(2) مروج الذهب للمسعودي ج3 ص43 .
(3) الحج الآية:41
(4)الحج الاية:40
(5)الأحزاب : 67 ، 68 .
(6) مروج الذهب ج2 ص340 .
(7) مثل يضرب به .
(8) معجم الرجال للسيّد الخوئي ج9 ص105 ، 106 .
(9) الإِصابة 412 .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين إلى قيام يوم الدين
اسمه ونسبه
قال الزركلي في أعلامه(1):
صعصعة بن صوحان العبدي بن حجر بن الحارث العبدي، من سادات عبد القيس، ينتهي نسبه إلى ربيعة إبن نزار،
قال القرطبي، والجزري، وابن سعد إنّ صعصعة بن صوحان العبدي كان مسلماً على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يره صغر عن ذلك، وكان سيّداً من سادات قومه عبد القيس، وكان فصيحاً، خطيباً، لسناً، ديّناً، فاضلاً، بليغاً، يُعدّ من أصحاب علي عليه السلام.
و صعصعة تلميذ أمير المؤمنين (عليه السلام) وحسبه بذلك فخراً وشرفاً، وكفاه مدحاً أن يثني عليه سيّد البلغاء ويطريه بالمهارة وفصاحة اللسان. ولقد منحه الله تعالى إلى فصاحته قوّة الجنان، حيث خاض غمار الحروب غير مرّة، وكان قد امَّره الإِمام علي (عليه السلام) على بعض الكراديس يوم صفّين.
كما انه وشهد مع الإِمام علي (عليه السلام) يوم الجمل، فقال: يا أمير المؤمنين ما أراني إلاّ مقتولاً، قال: وما علمك بذلك يا أبا سليمان؟ قال: رأيت يدي نزلت من السماء وهي تستشلني، فقتله عمرو بن يثربي يوم الجمل.
مولده رضوان الله عليه .
ولده في دارين «قرب القطيف».
بلاغته وعلمه .
قال المسعودي: لصعصعة بن صوحان أخبار حسان، وكلام في نهاية البلاغة والفصاحة والإِيضاح عن المعاني، على إيجاز واختصار(2)، وله أحاديث طريفة ومحاورات أدبيّة رائعة مع عبدالله بن العبّاس ذكرها المسعودي.
وشخصيّته تساير التاريخ بالفخر والاعتزاز.
كنيته: أبو طلحة، ويكنّى أيضاً بأبي عمر.
موقفه مع عثمان .
في الأمالي للطوسي عن صعصعة بن صوحان : دخلت على عثمان بن عفّان في نفر من المصريّين ، فقال عثمان : قدّموا رجلاً منكم يكلّمني ، فقدّموني ، فقال عثمان : هذا ، وكأنّه استحدثني .
فقلت له : إنّ العلم لو كان بالسنّ لم يكن لي ولا لك فيه سهم ، ولكنّه بالتعلّم .
فقال عثمان : هات ، فقلت : بسم الله الرحمن الرحيم ( الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُواْ الصَّلَوةَ وَءَاتَوُاْ الزَّكَوةَ وَأَمَرُواْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْاْ عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ )(3) .
فقال عثمان : فينا نزلت هذه الآية .
فقلت له : فمر بالمعروف وانه عن المنكر .
فقال عثمان : دع هذا وهات ما معك .
فقلت له : بسم الله الرحمن الرحيم ( الَّذِينَ أُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَن يَقُولُواْ رَبُّنَا الله ) (4)إلى آخر الآية .
فقال عثمان : وهذه أيضاً نزلت فينا.
فقلت له : فأعطنا بما أخذت من الله .
فقال عثمان : يا أيّها الناس ، عليكم بالسمع والطاعة ، فإنّ يد الله على الجماعة وإنّ الشيطان مع الفذّ ، فلا تستمعوا إلى قول هذا ، وإنّ هذا لا يدري مَن الله ولا أين الله .
فقلت له : أمّا قولك : ( عليكم بالسمع والطاعة ) فإنّك تريد منّا أن نقول غداً : ( رَبَّنَآ إِنَّآ أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَآءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا )(5) ، وأمّا قولك : ( أنا لا أدري من الله ) فإنّ الله ربّنا وربّ آبائنا الأوّلين ، وأمّا قولك : ( إنّي لا أدري أين الله ) فإنّ الله تعالى بالمرصاد .
قال : فغضب وأمر بصرفنا وغلق الأبواب دوننا .
صعصعة رسول الإِمام لمعاوية .
ذكر المسعودي: قال: لمّا انصرف الإِمام علي (عليه السلام) من حرب الجمل، قال: لآذنه من بالباب من وجوه العرب؟ قال: محمّد بن عمير بن عطارد التميمي، والأحنف بن قيس، وصعصعة بن صوحان، في رجال سمّاهم، فقال: ائذن لهم، فدخلوا فسلّموا عليه بالخلافة فقال لهم: أنتم وجوه العرب عندي، ورؤساء أصحابي، فاشيروا عليَّ في أمر هذا الغلام المترف - يعني معاوية - فافتت بهم المشورة عليه، فقال صعصعة: إنّ معاوية أترفه الهوى، وجبت إليه الدنيا، فهانت عليه مصارع الرجال، وابتاع آخرته بدنياهم فإن تعمل فيه براي ترشد وتصيب، إن شاء الله، والتوفيق بالله وبرسوله وبك يا أمير المؤمنين، والرأي أن ترسل له عيناً من عيونك وثقة من ثقاتك، بكتاب تدعوه إلى بيعتك فإن أجاب وأناب كان له ما لك وعليه ما عليك، وإلاّ جاهدته وصبرت لقضاء الله حتّى يأتيك اليقين، فقال الإِمام علي (عليه السلام): عزمت عليك يا صعصعة إلاّ كتبت الكتاب بيدك، وتوجّهت به إلى معاوية، واجعل صدر الكتاب تحذيراً وتخويفاً، وعجزه استتابة واستنابة، وليكن فاتحة الكتاب.
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبدالله علي أمير المؤمنين إلى معاوية: سلامٌ عليك، أمّا بعد، ثمّ اكتب ما أشرت به عليَّ.
واجعل عنوان الكتاب «ألا إلى الله تصير الاُمور»، قال صعصعة: إعفني يا أمير المؤمنين من ذلك، قال: عزمت عليك لتفعلنّ، قال: افعل إن شاء الله، فخرج بالكتاب وتجهّز وسار حتّى ورد دمشق، فأتى باب معاوية، فقال للآذن: استأذن لرسول أمير المؤمنين علي إبن ابي طالب وبالباب أردفه من بني أُميّة، فأخذته الأيدي لقوله وهو يقول «أتقتلون رجلاً أن يقول ربّي الله»، وكثرت الجلبة واللفظ، فاتّصل ذلك بمعاوية فوجه من يكشف الناس عنه، فكشفوا، ثمّ أذن لهم فدخلوا، فقال لهم: من هذا الرجل؟ فقالوا رجل من العرب يقال له صعصعة بن صوحان معه كتاب من علي، فقال: والله لقد بلغني أمره، هذا أحد سهام علي وخطباء العرب، ولقد كنت إلى لقائه شيقاً ائذن له يا غلام فدخل عليه فقال: السلام عليك يا ابن أبي سفيان، هذا كتاب أمير المؤمنين، فقال معاوية: أما أنّه لو كانت الرسل تقتل في الجاهليّة أو الإِسلام لقتلتك، ثمّ اعترضه معاوية في الكلام، وأراد أن يستخرج ليعرف قريحته أطيعاً أم تكلّفاً، وجرى نقاش طويل فيما بينهم، حتّى قال معاوية: ويحك يابن صوحان فما تركت لهذا الحيّ من قريش مجداً ولا فخراً، قال: بلى والله لقد تركت لهم ما لا يصلح إلاّ بهم إلى أن قال: وهم منار الله في الأرض، ونجومه في السماء، ففرح معاوية، وظنّ أنّ كلامه يشمل قريشاً كلّها، فقال: صدقت ياابن صوحان، إنّ ذلك كذلك، فعرف صعصعة ما أراد، فقال: ليس لك ولا لقومك في ذلك إصدار ولا إيراد، بعدتم أنف المرعى وعلوتم عن عذب الماء قال: فلم ذلك؟ ويلك يابن صوحان قال: الويل لأهل النار، ذلك لبني هاشم، قال: قم، فأخرجوه، فقال صعصعة: الصدق ينبي عنك لا الوعيد، من أراد المشاجرة قبل المحاورة، فقال معاوية لشيء ما سوّده قومه، وددت والله أنّي من صلبه، ثمّ التفت إلى بني أُميّة وقال: هكذا فلتكن الرجال.
حبس صعصعة في سجن معاوية.
يحدّثنا المسعودي في مروجه( 6) عن الحارث بن مسمار البهرائي، قال: حبس معاوية صعصعة بن صوحان العبدي، ورجالاً آخرين من أصحاب علي (عليه السلام) مع رجال آخرين من قريش، فدخل عليهم معاوية يوماً، فقال: نشدتكم بالله إلاّ ما قلتم حقّاً وصدقاً، أي الخلفاء رأيتموني؟ فقام بعضهم وتكلّم بما يرد به معاوية ويضعه في موضعه، وقال أحدهم: يا ابن ابي سفيان إن لكلّ كلام جواباً، ونحن نخاف جبروتك، فإن كنت تطلق ألسنتنا ذببنا عن أهل العراق، بالسنة حداد لا تأخذها في الله لومة لائم، وإلاّ فإنّا صابرون حتّى يحكم الله ويضعنا على فرجه، قال معاوية: والله لا يطلق لك لسان.
ثمّ تكلّم صعصعة، فقال: تكلّمت يا ابن أبي سفيان فأبلغت ولم تقصّر عمّا أردت، وليس الأمر على ما ذكرت، أنّى يكون الخليفة من ملك الناس قهراً ودانهم كبراً، واستولى بأسباب الباطل كذباً ومكراً؟؟ أما واللهِ ما لك يوم بدر مضرب ولامرمى، ما كنت فيه إلاّ كما قال القائل «لا حلّ ولا سير»(7)، ولقد كنت وأبوك في العير والنفير(8) ممّن أجلب على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وإنّما أنت طليق وابن طليق، أطلقكما رسول الله (صلى الله عليه وآله) فأنّى تصلح الخلافة لطليق؟ فقال معاوية: لولا أنّي أرجع إلى قول ابن أبي طالب حيث يقول: قابلت جهلهم حلماً ومغفرة، والعفو عن قدرة ضرب من الكرم لقتلتكم.
هكذا الطغاة والفراعنة يلجأون إلى القوّة حين يفشلون مع خصومهم.
منفاه مدفنه رضوان الله عليه .
ذكر العلاّمة القرشي في كتابه الإِمام الحسن (عليه السلام). وأخذ الأمان لأصحاب أبيه، وكان صعصعة من جملة الذين طلب لهم الأمان، وعدم التعرّض لهم بسوء ومكروه، ولكن معاوية لم يفِ بذلك، فقد روّعه، وأفزعه، وأودعه في سجنه، كما روّع غيره من الزعماء، وأنّ المغيرة نفاه أخيراً إلى الجزيرة كما مرّ عليك، فمات بها معتقلاً منفيّاً بعيداً عن أهله ووطنه.
فلمّا دخل عليه صعصعة، قال معاوية لصعصعة: أما والله إنّي كنت لأبغض أن تدخل في أمان، قال: وأنا والله أبغض أن أُسمّيك بهذا الاسم ثمّ سلّم عليه بالخلافة، فقال معاوية: إن كنت صادقاً فاصعد المنبر والعن عليّاً؟ ! قال: فصعد المنبر وحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها الناس أتيتكم من عند رجل قدّم شرّه وأخّر خيره وإنّه أمرني أن ألعن عليّاً فالعنوه لعنه الله، فضجّ أهل المسجد بآمين، فلمّا رجع إليه فأخبره، بما قال: قال: لا والله ما عنيت غيري، ارجع حتّى تسمّيه بإسمه، فرجع وصعد المنبر، ثمّ قال: أيّها الناس أنّ أمير المؤمنين أمرني أن ألعن علي بن أبي طالب، فالعنوا من لعن علي بن أبي طالب، قال: فضجّوا بآمين. قال: فلمّا خُبّر معاوية قال: لا والله ما عني غيري أخرجوه لا يساكنني في بلد فأخرجوه.
فأُخرج من الكوفة منفياً الى جزيرة «أوال» في البحرين بأمر من معاوية فمات فيها سنة 56 هجريّة عن عمر يناهز السبعين عاماً وقبره لا يزال معروفاً في بلدة تسمّى «الكلابيّة» بالبحرين.
وقيل مات بالكوفة: [زمن معاوية] وفي تاريخها أنّ مسجده لا يزال معروفاً[ بإسمه] خلف مسجد السهلة في الكوفة إلى الآن(9).
ــــــــــــــــــــ
(1)الأعلام للزركلي ج3 ص205 .
(2) مروج الذهب للمسعودي ج3 ص43 .
(3) الحج الآية:41
(4)الحج الاية:40
(5)الأحزاب : 67 ، 68 .
(6) مروج الذهب ج2 ص340 .
(7) مثل يضرب به .
(8) معجم الرجال للسيّد الخوئي ج9 ص105 ، 106 .
(9) الإِصابة 412 .