
اللهم صلِ على محمد وآل محمد
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عندما كنا صغاراً ونسمع بنية الأهل للذهاب الى زيارة الأماكن المقدسة وسيد الشهداء في كربلاء،نتحضر ونتهيء ونأخذ كل مستلزمات السفر،ثم ننتظر توقيت السفر من الأهل وكم كانت فرحتنا كبيرة في تلك اللحظة التي فيها نتوجه الى كربلاء .
وكنا نأتيها زائرين مشتاقين الى كل مزار ومقام فيها بعد زيارة حبيبنا وأمامنا رغم المخاطر التي كانت تنتظرنا بِطريق عودتنا الى ديارنا لو عرف به عدونا هناك بزيارتنا ،
فكنا نعود متنكرين خاصةً لو كان زيارتنا في شهر المحرم . كنا نضع على رؤوسنا شالات حمر وصفر وخضر، كيلا يعلموا بعودتنا من كربلاء وأننا شاركنا في العزاء .
والكُتب التي كنا نشتريها من مصادرها في كربلاء والنجف والكاظِمَين في بغداد وسامراء كنا نخفيها في أماكن خاصة حتى لا تصل ليد المفتشين في سيطرات المحافظات آنذاك ، وكم من طلاب العلم ذاقوا طعم السجن والأعدامات لانهم كانوا غير آبهين بالتفتيش وبمعيتهم أنواع الكُتب والمجلدات التي كانوا يتدارسون فيها . والتي هي نادرة أو شبه معدومة في مكاتبنا هناك ، وعندما وصلنا الى سنين التغيير وسقوط الطاغية حكمتنا حكومات الغدر والخيانا والذبح على الهوية .
ولكن موالوا أهل البيت بما هو معروف عنهم بأنهم لا يبالون بالموت في سبيل قضيتهم لم نقطع شعائرنا لا بل كنا نقوم بها في عقر دارهم متحدين بذلك مسمياتهم وقذفنا بالكفر والزندقة والرافضية وغير ذلك ، الى أن أتى اليوم الذي هُجَّرنا قسراً من أراضينا ومدننا ونواحينا وقُرانا جئنا وقررنا التوجه الى كربلاء ولكن هل الطريق هو نفس الطريق وهل النفسية التي كنا نأتي بها هي نفس النفسية .
ولماذا كربلاء لاغيرها ؟ عفوياً وبدون سابق أنذار أتيناها ونحن نبحث عن الأمان تركنا شيئاََ ورائنا .. البيت الأرض الممتلكات المكتبة العامرة التي زيناها بآلاف الكُتب والتي أستغرقت سنين وسنين بجمعها .
أنها مُعانات لا يشعر بها ألا من عاناه فعلاً وواقعاً . جئناكِ يا كربلاء ولكن هذه المرة مهجرين ونازحين طالبين ما كُنا نفقده ووجدنا الأمان والحنان بين طيات أحيائُكِ وبين سكانك المعروفين بالكرم وحسن الضيافة . ولكن هل نشعر كيف كانت نظرتنا أمس وكيف هي نظرتنا اليوم بعد أن أمضينا اكثر من تسعة أشهر ونحن نتقلب بين ساعاتٍ ولحظات لا تدع لنا راحة ولا صفاء بالٍ ألا وهي التفكير في المستقبل وكيف ستكون وما سيؤول عليه الأمور كل هذه الأمور وغيرها تعشعش في داخل كُل فردٍ منا ، فالنظر الى الأُم تراها مستغرقة في التفكير والى الأب أراه أكثر أنشغالاً وأكثر أستغراقاً فالمستقبل مجهول .. كل لحظة تمر تسرق من عمرنا الراحة وعدم التثبت في أي امر وعدم الأستقرارعلى رأي ولا القدرة على الأستقرار في مكان .
فالمهاجر قسراً كسقف معلق بدون أعمدة لا يعرف في أي لحظة يقع . كل هذا الشتات جعل النظرة الى كربلاء كملاذ آمن نحتمي به من قسوة وجنون العدو . أي ليست هي نفس النظرة التي كُنت اتي أليها وأنا أعرف بأنني مسافر وغير مقيم وأن هناك بيت وأرض ينتظرني للذهاب أليه ... أما الأن فلا أعرف انا مقيم أم زائر مارٌ بتجربة الهجرة هنا
وقد قال تعالى : بسم الله الرحمن الرحيم [ولاتَدري نَفسٌ بأي أرضٍ تَموت]سورة لقمان أية :32صدق الله العلي العظيم
فشتان بين نظرتين نظرة زائر عاشق هائم مستريح ونظرة انسان فاقد لمقر سكناه محبط قلق حائر مجهول المستقبل رغم اقناع نفسنا بـ[كيف ما كتبت تكون] .
نسالكم الدعاء
::::::::::
::::::
تعليق