إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أين الحقيقة ؟

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أين الحقيقة ؟









    ..كان يعلم أن الوقت الذي اتصل بي فيه هاتفياً هو وقت راحتي ،
    إذ تجاوزت الساعة
    حينها العاشرة مساءاً ، ولهذا فقد فوجئت باتصاله في تلك الساعة كما فوجئت
    بلهجته المرتبكة في الحديث وهو يقول : شيخي الجليل انا محتاج إلى لقاءك الآن
    ولو لعشر دقائق ، واضطررت لان اجيبه بعدم الممانعة بالرغم من حاجتي حينها إلى النوم .
    وبعد دقائق وصل بسيارته ليدخل علي في غرفة الاستقبال بعد أن فتح له أحد الأولاد الباب ،
    سلم وجلس في مكان اختاره هو قبل أن ينتظر مني اذنٌ بالجلوس ،
    ثم بعد استراحة قصيرة بادرني قائلا : شيخي جئت إليك لتساعدني في تطليقها .
    لا أبالغ حينما اقول اني فوجئت بطلبه الغريب هذا في مثل هذه الساعة من الليل
    فسألته من تعني ؟ فأجاب : أنها زوجتي رباب ام سفانة ،
    إنني لا استطيع العيش معها بعد هذا اليوم ابدا ، لقد جعلت حياتنا جحيما لا يطاق ،
    كل يوم تعلو أصواتنا بسببها أمام القريب والبعيد ، واضطرتني هذه الليلة
    إلى أن اطردها إلى بيت أهلها ، اوصلتها الآن إليهم قبل أن آتي إليك ،
    شيخي ، ساعدني في قطع صلتي بها .. الآن وليس غدا ..
    واستغربت انا من نفسي حينما ابتدرتني ضحكة عميقة لم أستطع كتمانها
    لمّا رأيته من حالته التي كان فيها ، بينما دهش هو لما رآه مني ،
    فقال : - والانزعاج باد عليه بالرغم من احترامه لي -
    وما المضحك في الموضوع ياشيخي العزيز ؟
    فأجبته ببرود : المضحك هو النكات الحارة التي اسمعها منك الآن ،
    ثم عقبت سائلا اياه -وكأن الموضوع مفروغ منه- ، إلا تستحق هذه النكات الحارة منك
    مثل هذا الضحك الحار ؟ ويبدو إنني بدأت بسؤالي هذا امتص الكثير من سورة غضبه ،
    إذ بدأ وكأنه يدافع ابتسامة في داخله وهو يقول : لا .. ياشيخي الجليل ؛ انا جاد في كل مااقول .
    اني أريد طلاقها .. لا أستطيع العيش معها .. حياتنا أصبحت ..
    فبادرته مقاطعا : ولكن انت تريد ذلك فما الذي يعنيني انا ؟ فقال : إن هذا لن يكون إلا بمساعدتك انت ؟
    قلت : أليس من حقي أن أسأل عن السبب الحقيقي الذي دعاك إلى اتخاذ ماتريده من هذا الطلاق ؟
    فقال : ألست شيخ البلد ؟.. ألست المرجع الذي يعول عليه الناس في مثل هذه المهمات ؟
    فقلت مبتسما : لنفترض إن ماتقوله صحيح ، ولكن هل هذا يعني أنني أتخذ موقفاً معيناً
    قبل أن أعرف الأسباب الحقيقية التي تدعو إليه ، ولا سيما في موضوع حساس ومصيري
    كالذي تطرحه الآن ، إذ تريد هدم حياة أسرة من الأسر العزيزة علي ؟
    أنني -بإختصار- لست مستعداً لاجابتك مالم تقنعني بالأسباب التي دعتك إلى إتخاذ هذا القرار ،
    -ثم بعد سكتة قصيرة وابتسامة وانا أؤكد على حروف الكلمة -السخييف.
    ولم يبدو أنه التفت إلى هذا التعليق الأخير إذ قال :
    شيخي الجليل ، إنني صبرت عليها منذ خمسة أعوام حتى الآن .. كانت جيدة معي للغاية
    منذ زواجنا حتى ولادة سفانة ابنتنا الأولى .. كان بيتنا جنة من الجنان ،
    نظيفا مرتبا لم احتج معها إلى تنبيه .. حتى كي ملابسي ، كانت تهيئ لي ماتعلم أنني أرغب فيه
    .. طعامي.. شرابي.. حاجاتي الأخرى.. كل أسباب سعادتي .. ولكن ما أن ولدت سفانة
    حتى اختلف كل شيء معي .. سفانة بكت.. سفانة جاعت.. سفانة تريد النوم..
    سفانة ارتفعت حرارتها.. سفانة تحتاج إلى تنظيف.. وبالكاد تذكر شيئا من أمري ،
    وما أن ولد أبننا زيد حتى أصبحتُ نكرة من النكرات ، انا أصنع الطعام لنفسي ،
    وقد اضطر أحياناََ إلى غسل ملابسي .. لا اهتمام بي ، لا ضحكة لي .. لا .. لا .. .
    فسحت له المجال ليلقي كل مافي جعبته من نفثات صدره المكبوت ..
    اعرف انها سورة لابد له من تصريفها ليرتاح .. وإن كانت هي للمبالغات أقرب منها للحقيقة
    لما يعتري الإنسان عادة في مثل هذه الحالات من رغبة في الافاضة بسلبيات الطرف الآخر ،
    ومحاولات الانتصار للذات أمام الآخرين ، وبعد أن شعرت إنه استنفد معظم مايريد قوله ،
    قلت له ببرود : لكنك لم تقل لي بمن كانت رباب زوجتك مشغولة عنك واهملتك -كما تقول- ؟
    لم يبدو أنه التفت إلى ماأعنيه بهذا السؤال ، بل بدا انه ارتاح له ، لشعوره أنني اتابع مايقول ،
    أو لاعتقاده أنني اتعاطف معه فيما طرحه .. ولهذا بادرني بالقول :
    طبعا بأولادها ، تنظيفهم .. نومهم .. غسيلهم .. و .. و .
    فسألته بعمق -وانا أركز على كل كلمة أقولها- : أولادها هي وليسوا أولادك انت ؟
    ويبدو أنه بُهِتَ لمفاجأتي إياه بسؤال لم يكن يتوقعه ، ولم يجب بكلمة ،
    بل تمتم بكلمات لم اسمعها على التفصيل .
    فبادرته مؤكدا ، اليسوا هم أولادك انت قبل أن يكونوا أولادها هي ،أوَليسوا هم مسؤوليتك
    قبل أن يكونوا مسؤوليتها ، أوَليست بأشتغالها بشؤونهم إنما هي مشغولة بشؤونك انت ؟
    استغللت سكوته لاتابع : أو لا تعلم -ياعزيزي- أن من حقها شرعا أن تترك خدمتهم لك انت ،
    لتتولى انت غسلهم وتنظيفهم والقيام بكل شؤونهم ؟ أوليس من حقها أن تلزمك ثمن خدمتها لهم ،
    بل وتلزمك ثمن رضاعها إياهم أن شاءت ذلك ، أليس من حقها أن تترك خدمة بيتك
    وتنظيفه وترتيبه عليك أنت ، فضلا عن غسلها لملابسك وخدمتك الشخصية
    غير ما الزمها الله به شرعاً ؟
    ليكن لديك معلوما -أيها الرجل المحترم- أن باستطاعة زوجتك شرعاً أن تأخذ منك
    حتى أجرة طبخها لطعامها منك ، لا أن تطبخ لك انت طعامك مجانا ، إلا حيث تتفضل هي عليك بذلك .
    عليك أن تعلم أن كل الذي قلته لي لا يدل على اكثر من كونك إنساناً انانيّ النزعة ،
    متجردا عن كل المسؤوليات التي حمّلك الله إياها تجاه أولادك وبيتك ،
    فضلا عن مسؤولياتك تجاهها هي .
    وسكت قليلا وانا اتابع بخفاء ردة فعله على كلماتي معه ، فلاحظته مطأطئاََ برأسه إلى الأرض
    ينظر إليها بعمق ، يستعظم كل ماقلته ، ولمّا لم يعقب بكلمة واصلت قائلاً :
    نعم ، أن زوجتك تقصر بحقك حينما تلقي عليك كل متعلقاتك التي يجب عليها شرعاً القيام بها
    لتعتني بنفسها وبمصالحها الخاصة التي لا تدخل بشيء من واجباتها تجاهك ..
    لأن عنايتها بنفسها التي تدخل ضمن هذه الواجبات هي جزء من القيام بشؤونك أيضا ..
    أما حيث تفني هي وقتها وشبابها ونضارتها من اجلك ، ومن أجل خدمة ابناءك ،
    ومن أجل العناية ببيتك ، وأنت -مع كل ذلك- ترميها بالتقصير في حقك ، فهذا هو الظلم غير المغتفر
    وهو تجاوز عليها وعلى حق الله تعالى فيها .
    كنت مسترسلا بهذا الحديث حينما التفت إليه ، وفوجئت أن أرى التماعة على خديه
    لدمعتين ابتدرتا من عينيه قبل أن اسمعه يهمهم بكلمات لم اتبين مايعنيه فيها ،
    حينها لمست انه بدأ يشعر بالضعف ، وعلمت أن الفرصة مؤاتية لأن استغل حالته
    في تسوية الأمور بالشكل الذي أريد ، فابتدرته قائلاً بحزم :
    هيا لتذهب الآن إلى رباب ولتعتذر إليها وإلى أولادها عن كل مابدر
    منك تجاههم في هذا الليل البهيم ..
    ويبدو أنه فوجيء بهذا الطلب ، إذ قال متسائلاً بلهجة احتجاج :
    وهل الأمور بهذه البساطة لديك ياشيخي الجليل .
    فقلت : ولم لا ؟ أنا على إستعداد لتسوية الأمور معك اذا اعطيتني عهدا أن تخرج من انانيتك
    إلى مسؤولياتك كرجل مؤمن .. ولم انتظر منه جوابا ، بل تناولت الهاتف لاتصل بزوجته ،
    وسمعتها تستقبلني بنشيج بكاء مكتوم قبل أن تسألني : من ؟
    فاخبرتها باسمي وقلت لها : انا وأبو سفانة قادمان لاخذك واولادك إلى البيت ،
    فكوني على إستعداد للذهاب معنا ، وقطعت الاتصال قبل أن أسمع منها كلمة تعليق .
    وبعد دقائق كنا أمام بيت أهلها .. كان اخوها حامد ذو العشرين ربيعا بانتظارنا ..
    لم أرغب في النزول من السيارة في البداية لضيق الوقت ، بل طلبت منه
    أن تأتي ام سفانة مع أبنائها إلينا ، إلا أنه قال : شيخنا ، أن ابي بانتظاركم في صالة الإستقبال .
    نزلت لاسلم عليه واعتذر إليه لزيارتهم في هذا الوقت المتأخر من الليل .
    كان الرجل عاقلا كيّسا ، ابتسم بمجرد أن رآني وهو يعتذر لي من إزعاج الأولاد
    لي في هذا الوقت المتأخر من الليل ، واخبرته أن يطمئن إلى أنني ساسوي الأمور
    بأفضل مما كانت عليه -أن شاء الله- وودعته دون أن اجلس ،
    ولما خرجت إلى السيارة وجدت ام سفانة والأطفال راكبين فيها مع أبي سفانة .
    وهنالك في بيتهم كانت الجلسة في البداية تشنجاََ مكبوتاََ ، فعتاباََ ، فمرحاََ هادئاً ،
    قبل أن يتطور إلى تعليقات وضحكات سرور متعالية منهما ،
    معي في البداية ثم فيما بينهما ،

    وخرجت عنهما ليستمر صدى ضحكاتهما يملأ أذني وانا عائد إلى البيت ،
    والساعة قد تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل .
    دمتــــــــــم بخيـــــــــر


    التعديل الأخير تم بواسطة فاطمة عبو ; الساعة 27-03-2015, 01:27 PM. سبب آخر:


  • #2

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وال محمد
    احسنتي اختي الغاليه (نور المجتبى) وفقك الله ورعاكِ
    وسدد خطاكي باليمن والبركة .



    تعليق

    يعمل...
    X