
الإمام الهادي عليه السّلام
إنّ علم الأئمّة "عليهم السّلام" بالغيب ليس علماً ذاتيّاً بل بما أعطاهم اللـه سبحانه وتعالى وبالقدر الذي شاءت حكمته، وبطرق شتّى, أبرزها توارث العلم عن النّبيّ "صلّى الله عليه وآله" وعبر آباءهم الطّاهرين.
روى الشّيخ الكُليني "رحمه الله" بإسناده عن عليّ بن مُحمّد النّوفلي، عن أبي الحسن صاحب العسكر "عليه السّلام"، قال: سمعته يقول: اسم الله الأعظم ثلاثة وسبعون حرفاً، كان عند آصف حرف فتكلّم به، فانخرقت له الأرض في ما بينه وبين سبأ، فتناول عرش بلقيس حتى صيّره إلى سُليمان، ثمّ انبسطت الأرض في أقلّ من طرفة عين، وعندنا منه اثنان وسبعون حرفاً، وحرف عند الله مستأثر به في علم الغيب.
وروي عن الإمام الهادي "عليه السّلام" قوله: إنّ الله لم يُظهر على غيبه أحداً إلاّ مَن ارتضى من رسول، فكلّ ما كان عند الرّسول كان عند العالم، وكلّ ما اطلع عليه الرّسول فقد اطلع أوصياؤه عليه، كيلا تخلو أرضه من حجّة يكون معه علم يدلّ على صدق مقالته، وجواز عدالته.
و من علوم الإمام الهادي "عليه السّلام"
1 - عن الحُسين بن يحيى، قال: اعتلّ المُتوكّل في أوّل خلافته، فقال: لئن برئت لأتصدقنّ بدنانير كثيرة. فلمّا برئ جمع الفُقهاء، فسألهم عن ذلك فاختلفوا، فبعث إلى عليّ بن مُحمّد بن عليّ بن موسى بن جعفر "عليهم السّلام" فسأله، فقال: يتصدّق بثلاث وثمانين ديناراً، فعجب قوم من ذلك، وتعصّب قوم عليه قالوا:
تسأله يا أمير المؤمنين من أين له هذا ؟ فرّد الرّسول إليه، فقال له: قُل لأمير المؤمنين في هذا الوفاء بالنّذر؛ لأنّ الله تعالى قال: لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ. فروى أهلنا جميعاً أنّ المواطن في الوقائع والسّرايا والغزوات كانت ثلاثة وثمانين موطناً، وأنّ يوم حنين كان الرّابع والثّمانين، وكُلّما زاد أمير المؤمنين في فعل الخير كان أنفع له، وأجر عليه في الدّنيا والآخرة.
2 - روى الطّبرسي عن الإمام الحسن العسكري "عليه السّلام" أنّه قال: اتصل بأبي الحسن عليّ بن مُحمّد العسكري "عليه السّلام" أنّ رجلاً من فُقهاء شيعته كلّم بعض النّصّاب، فأفهمه بحجّته حتى أبان عن فضيحته، فدخل إلى عليّ بن مُحمّد "عليه السّلام" وفي صدر مجلسه دست عظيم منصوب، وهو قاعد خارج الدّست، وبحضرته خلق من العلويين وبني هاشم، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدّست، وأقبل عليه، فاشتدّ ذلك على أولئك الأشراف، فأمّا العلويون فأجلوه عن العتاب، وأمّا الهاشميون فقال له شيخهم: يا بن رسول الله، هكذا تؤثر عامّياً على سادات بني هاشم من الطّالبيين والعبّاسيين ؟
فقال "عليه السّلام": إيّاكُم أن تكونوا من الذين قال الله تعالى فيهم:
أَلَمْ تَرَى إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ. أترضون بكتاب الله حكماً ؟
قالوا: بلى. قال: أليس الله يقول: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ ... إلى قوله: يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ. فلم يرض للعالم المؤمن إلاّ أن يرفع على المؤمن غير العالم، كما لم يرض للمؤمن إلاّ أن يرفع على من ليس بمؤمن.
أخبروني عنه قال: يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ. أو قال: يرفع الذين أوتوا شرف النّسب درجات ؟
أو ليس قال الله: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ. فكيف تنكرون رفعي لهذا لمّا رفعه الله ؟!
إنّ كسر هذا لفلان النّاصب بحجج الله التي علّمه إيّاها، لأفضل له من كلّ شرف في النّسب. فقال العبّاسي: يا بن رسول الله، قد أشرفت علينا، هو ذا تقصير بنا عمّن ليس له نسب كنسبنا، وما زال منذ أوّل الإسلام يقدّم الأفضل في الشّرف على من دونه فيه. فقال "عليه السّلام": سُبحان الله !
أليس العبّاس بايع أبا بكر وهو تيمي، والعبّاس هاشمي ؟
أو ليس عبد الله بن عبّاس كان يخدم عمر بن الخطاب، وهو هاشمي أبو الخُلفاء وعمر عدوي ؟!
وما بال عُمر أدخل البُعداء من قُريش في الشّورى ولم يدخل العبّاس ؟
فإن كان رفعنا لِمن ليس بهاشمي على هاشمي مُنكراً فأنكروا على العبّاس بيعته لأبي بكر، وعلى عبد الله بن عبّاس خدمته لعمر بعد بيعته، فإن كان ذلك جائزاً فهذا جائز، فكأنّما القُم الهاشمي حجراً.
السلام عليك يا مولاي يا علي الهادي
تعليق