بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
ان الذي يقرأ دعاء عرفة ويتدبر فيه، ويقرأ خطاب الامام الحسين ( عليه السلام ) في مكة المكرمة، وفي المدينة، ورسائله الى العلماء التي بعثها، ربما يكتشف جانباً بسيطاً من شخصيه الايمانية ويعرف لماذا كان الامام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء يفقد أعزّ أصحابه، وأعز أنصاره وهو يحبهم ويشفق عليهم ولكن مع ذلك حينما فقد كل أصحابه ومعظم أهل بيته وحتى طفله الرضيع، حمل على القوم يقول حميد بن مسلم: (فو الله ما رأيت مكسوراً قط قتل أصحابه وأبناؤه وأهل بيته أربط جأشاً منه).الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين
فقد كل شيء في الحياة ولكنه لم يفقد شيئاً واحداً هو أهم الاشياء، وهو الله سبحانه وتعالى، فدخل الامام الحسين ( عليه السلام ) المعركة وكلما قتل أحد يقول: ((الله أكبر)) ويرفع صوته بالتكبير لكي تعرف نساؤه وأهل بيته من الخيام أنه لا يزال حياً، لانه أمل النساء والاطفال والأرامل واليتامى الذين لم يكونوا-آنئذ-يملكون أحداً غير الامام الحسين وكل من كان يقتل ويستشهد في المعركة كانت تقول زوجته الارملة، وأولاده اليتامى، لابأس ان قتل أبونا أوقتل أخونا وقتل أزواجنا مادام الامام الحسين ( عليه السلام ) موجود، هو سبيلنا الفريد والعماد الذي نأوي اليه، لذلك كان يرفع صوته لهم بالتكبير وهو يخوض تلك اللجج من جيوش الاعداء الذين أحاطوا به من كل جانب، والبعض قال ان عددهم (30 ألف مقاتل، وقال البعض ان عددهم نصف مليون) ولكن حينما تتصور (30 ألف فارس مسلح) أمام رجل واحد هو الذي يحاربهم، وينكشفون أمامه انكشاف المعزى عن الاسد، انه لشيء عجيب!!.
وهنا لا نريد أن نبحث كل الجوانب المأساوية في قضية الامام الحسين ( عليه السلام ) وكيف رضخ بالحجارة، ورمي بالسهام، وضرب بالسيوف، وقد قاموا بكل الاعمال غير الانسانية، والجرائم بحق الامام الحسين ( عليه السلام ) ومع ذلك كشف القوم حتى دخل المشرعة، يقول الرواة:
(كان هو عطشاناً فأدخل الفرس رأسه في الماء ليشرب الماء فقال الامام الحسين ( عليه السلام ) أنت عطشان وأنا عطشان فاشرب الماء، وكأن الفرس أحس بذكاءه الخاص ونباهته وخصوصاً الفرس العربي الاصيل، وفرس الامام الحسين ( عليه السلام ) كان فرس النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، فرفع الفرس رأسه من الماء، والذي اغترف الامام الحسين-عليه الصلاة والسلام-مقداراً من الماء ليشرب، فقال له رجل: يا أبا عبد الله أتشرب الماء والخيل أحاطت بحرمك!! رمى الماء، وعاد ليتأكد من سلامة حرمه، فكشفهم عن حرمه ثم عاد الى المعركة، وعادوا مرة أخرى، وهكذا كلما انهزموا أمامه عادوا الى حرمه، ليهددوه بأسرهم، فيعود الى حرمه لا يعرف هل يحارب أم يدافع عن حرمه وهو يمنى الارامل واليتامى في مخيمه بالماء. عندها رضخوه بالحجارة فأصابت حجارة جبهته الكريمة كما أصاب السهم مرة جبهته، ثم أصيب اصابات بالغة).
يقول الرواة:
(في اللحظات الأخيرة من حياة الإمام الحسين-عليه الصلاة والسلام-تعرض جسده بما لا يقل عن مائة ضربة من مختلف الأسلحة، وجسمه الشريف أصبح كالقنفذ من كثرة نبت السهام عليه، لكن مع كل ذلك وفي كل تلك اللحظات يقول:
((هوّن عليّ ما نزل بي بعين الله).
إن الإمام الحسين ( عليه السلام ) حينما يقول ((الله أكبر)) فان قلبه يتجدد استقامة وصبراً وصموداً، وحينما هوى الى الارض لا يجد كلمة يعبر بها عن واقعه إلا تلك الكلمة التي تكشف طبيعته وشخصيته وتصبغ حركته كلها بصبغة الايمان قال:
((رضاً برضاك، لا معبود سواك)).
هذه هي الكلمة الوحيدة التي قالها الامام الحسين-عليه الصلاة والسلام-في تلك اللحظات يقول المؤرخون: حينما وقع الامام الحسين ( عليه السلام ) وبه تلك الجراحات الكثيرة وحوله الاعداء، جمع حفنة من التراب جعلها كالوسادة، ووضع رأسه عليها وأخذ يناجي ربه وكأنه في طرف والدنيا كلها في طرف آخر، ولا يهمه إلا كسب رضا الله سبحانه وتعالى.. ليؤكد مسيرته الالهية الخاصة.
تعليق