بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد (رسالة الامام زين العابدين (عليه السلام) في مفهوم الحج)
لما رجع الإمام زين العابدين (عليه السلام) من الحج استقبله الشبلي فقال (عليه السلام) حججت يا شبلي ؟
فقال (عليه السلام) : أنزلت الميقات وتجردت عن مخيط الثياب ، فاغتسلت ؟ قال : نعم .
قال (عليه السلام) : فحين نزلت الميقات نويت أنك خلعت ثوب المعصية ، ولبست ثوب الطاعة ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فحين تجردت عن مخيط ثيابك ، نويت أنك تجردت من الرياء والنفاق ، والدخول في الشبهات ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فما نزلت الميقات ، ولا تجردت عن مخيط الثياب ، ولا اغتسلت .
ثم قال (عليه السلام) : تنظفت وأحرمت وعقدت بالحج ؟ قال : نعم .
قال (عليه السلام) : فحين تنظفت وأحرمت وعقدت الحج نويت أنك تنظفت بنورة التوبة الخالصة لله تعالى ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فحين أحرمت ، نويت أنك حرمت على نفسك كل محرم حرمه الله عز وجل ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فحين عقدت الحج نويت أنك قد حللت كل عقد لغير الله ؟ قال : لا .
قال له (عليه السلام) : ما تنظفت ولا أحرمت ، ولا عقدت الحج .
ثم قال (عليه السلام) له : أدخلت الميقات وصليت ركعتي الإحرام ولبيت ؟ قال : نعم .
قال (عليه السلام) : فحين دخلت الميقات نويت أنك بنية الزيارة ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فحين صليت الركعتين ، نويت أنك تقربت إلى الله بخير الأعمال من الصلاة وأكبر حسنات العباد ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فحين لبيت نويت أنك نطقت لله سبحانه بكل طاعة ، وصمت عن كل معصية ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : ما دخلت الميقات ولا صليت ولا لبيت .
ثم قال (عليه السلام) له : أدخلت الحرم ورأيت الكعبة وصليت ؟ قال : نعم .
قال (عليه السلام) : فحين دخلت الحرم نويت أنك حرمت على نفسك كل غيبة تستغيبها المسلمين من أهل ملة الإسلام ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فحين وصلت مكة نويت بقلبك أنك قصدت الله ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فما دخلت الحرم ، ولا رأيت الكعبة ولا صليت .
ثم قال (عليه السلام) : طفت بالبيت ، ومسست الأركان وسعيت ؟ قال : نعم .
قال (عليه السلام) : فحين سعيت نويت أنك هربت إلى الله ، وعرف ذلك منك علام الغيوب ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فما طفت بالبيت ، ولا مست الأركان ولا سعيت .
ثم قال (عليه السلام) له : صافحت الحجر ، ووقفت بمقام إبراهيم (عليه السلام) ، وصليت به ركعتين ؟ قال : نعم .
فصاح ( عليه السلام) صيحة كاد يفارق الدنيا ، ثم قال : آه آه .
ثم قال (عليه السلام) : من صافح الحجر الأسود ، فقد صافح الله تعالى ، فانظر يا مسكين ، لا تضيع أجر ما عظم حرمته وتنقض المصافحة بالمخالفة ، وقبض الحرام نظير أهل الآثام .
ثم قال (عليه السلام) : نويت حين وقفت عند مقام إبراهيم (عليه السلام) أنك وقفت على كل طاعة وتخلفت عن كل معصية ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فحين صليت فيه ركعتين نويت أنك صليت بصلاة إبراهيم (عليه السلام) ، وأرغمت بصلاتك أنف الشيطان ؟ قال : لا .
قال عليه السلام) له : فما صافحت الحجر الأسود ، ولا وقفت عند المقام ، ولا صليت فيه ركعتين .
ثم قال (عليه السلام) له : أشرفت على بئر زمزم وشربت من مائها ؟ قال : نعم .
قال(عليه السلام) : أنويت أنك أشرفت على الطاعة ، وغضضت طرفك عن المعصية ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فما أشرفت عليها ولا شربت من مائها .
ثم قال(عليه السلام) له : أسعيت بين الصفا والمروة ومشيت وترددت بينهما ؟ قال : نعم .
قال (عليه السلام) له : نويت أنك بين الرجاء والخوف ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فما سعيت ولا مشيت ولا ترددت بين الصفا والمروة .
ثم قال (عليه السلام) : أخرجت إلى منى ؟ قال : نعم .
قال (عليه السلام) : نويت أنك آمنت الناس من لسانك وقلبك ويدك ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فما خرجت إلى منى .
ثم قال له : أوقفت الوقفة بعرفة وطلعت جبل الرحمة ، وعرفت وادي نمرة ، ودعوت الله سبحانه عند الميل والجمرات ؟ قال : نعم .
قال (عليه السلام) : هل عرفت بموقفك بعرفة معرفة الله سبحانه أمر المعارف والعلوم ، وعرفت قبض الله على صحيفتك ، واطلاعه على سريرتك وقلبك ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : نويت بطلوعك جبل الرحمة إن الله يرحم كل مؤمن ومؤمنة ، ويتوالى كل مسلم ومسلمة ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : نويت عند نمرة أنك لا تأمر حتى تأتمر ، ولا تزجر حتى تنزجر ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فعندما وقفت عند العلم والنمرات نويت أنها شاهدة لك على الطاعات ، حافظة لك مع الحفظة بأمر رب السماوات ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فما وقفت بعرفة ، ولا طلعت جبل الرحمة ، ولا عرفت نمرة ، ولا دعوت ولا وقفت عند النمرات .
ثم قال (عليه السلام) : مررت بين العلمين ، وصليت قبل مرورك ركعتين ، ومشيت بمزدلفة ، ولقطت فيها الحصى ، ومررت بالمشعر الحرام ؟ قال : نعم .
قال (عليه السلام) : فحين صليت ركعتين نويت أنها صلاة شكر في ليلة عشر ، تنفي كل عسر ، وتيسر كل يسر ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فعندما مشيت بين العلمين ، ولم تعدل عنهما يمينا وشمالا نويت ألا تعدل عن دين الحق يمينا وشمالا لا بقلبك ولا بلسانك ولا بجوارحك ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فعندما مشيت بمزدلفة ولقطت منها الحصى ، نويت أنك رفعت عنك كل معصية وجهل وثبت كل علم وعمل ؟ قال : لا .
قال(عليه السلام) : فعندما مررت بالمشعر الحرام نويت أنك أشعرت قلبك إشعار أهل التقوى والخوف لله عز وجل ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فما مررت بالعلمين ، ولا صليت ركعتين ، ولا مشيت بالمزدلفة ، ولا رفعت منها الحصى ، ولا مررت بالمشعر الحرام .
ثم قال (عليه السلام) له : وصلت منى ، ورميت الجمرة ، وحلقت رأسك ، وذبحت هديك ، وصليت في مسجد الخيف ، ورجعت إلى مكة ، وطفت طواف الإفاضة ؟ قال : نعم .
قال (عليه السلام) : فنويت عندما وصلت منى ، ورميت الجمار أنك بلغت إلى مطلبك ، وقد قضى ربك لك كل حاجتك ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فعندما رميت الجمار نويت أنك رميت عدوك إبليس ، وعصيته بتمام حجك النفيس ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فعندما حلقت رأسك ، نويت أنك تطهرت من الأدناس ، ومن تبعة بني آدم ، وخرجت من الذنوب ، كما ولدتك أمك ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام): فعندما صليت في مسجد الخيف ، نويت أنك لا تخاف إلا الله وذنبك ، ولا ترجو إلا رحمة الله تعالى ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام) : فعندما ذبحت هديك ، نويت أنك ذبحت حنجرة الطمع بما تمسكت به من حقيقة الورع ، وأنك اتبعت سنة إبراهيم (عليه السلام) بذبح ولده ، وثمرة فؤاده ، وريحان قلبه ، وحاجه سنته لمن بعده ، وقربه إلى الله تعالى لمن خلقه ؟ قال : لا .
قال (عليه السلام): فعندما رجعت إلى مكة ، وطفت طواف الإفاضة نويت انك أفضت من رحمة الله تعالى ، ورجعت إلى طاعته ، وتمسكت بوده ، وأديت فرائضه ، وتقربت إلى الله تعالى ؟ قال : لا .
قال له زين العابدين (عليه السلام): فما وصلت منى ، ولا رميت الجمار ، ولا حلقت رأسك ، ولا أديت ( ذبحت ) نسكك ، ولا صليت في مسجد الخيف ، ولا طفت طواف الإفاضة ولا تقربت ، ارجع فإنك لم تحج . فطفق الشبلي يبكي على ما فرطه في حجه ، وما زال يتعلم حتى حج من قابل بمعرفة ويقين .
* ورأى (عليه السلام): الحسن البصري عند الحجر الأسود يقص ، فقال (عليه السلام): يا هناه ، أترضى نفسك للموت ؟ قال : لا ، قال : فعملك للحساب ؟ قال : لا .
قال : فثم دار العمل ؟ قال : لا .
قال : فلله في الأرض معاذ غير هذا البيت ؟ قال : لا .
قال : فلم تشغل الناس عن الطواف ؟ ثم مضى .
قال الحسن : ما دخل مسامعي مثل هذه الكلمات من أحد قط ، أتعرفون هذا الرجل ؟ قالوا : هذا زين العابدين .
فقال الحسن : ذرية بعضها من بعض .
تعليق