بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد واله الطاهرين
اللهم صل على محمد واله الطاهرين
القطع
و يرادفه في اصطلاح الأصوليين العلم و اليقين.
و مفهوم هذه الأسماء واضح و لم يثبت لها في هذا الاصطلاح معنى يغاير معناها اللغوي، كما أنه لا إشكال في حجية المفهوم المراد بها أعني الوصف الحاصل في النفس المقابل للظن و الشك حجيّة ذاتيّة يحكم بها العقل غير قابل للجعل التشريعي إثباتا و نفيا، فالحجية بالنسبة إليه كالزوجية بالنسبة إلى الأربعة يكون جعلها لها تحصيلا للحاصل و نفيها عنها تفكيكا بين الشيء و ذاتياته و لذا قيل (القطع حجة بنفسه بلا)، (جعل و إلا دار أو تسلسلا) و قيل أيضا (وهو بنفسه طريق الواقع)، (و ليس قابلا لجعل الشارع).
ثم إنهم قد قسّموا القطع بتقسيمات:
منها : تقسيمه إلى القطع الطريقي و القطع الموضوعي.
فالأول: هو الذي يكون طريقا صرفا إلى حكم أو موضوع ذي حكم بحيث لا دخل له في الحكم شرعا و لم يؤخذ في متعلقه بنظر الشارع، فإذا ورد الخمر حرام و البول نجس، فقطعك هنا قطع طريقي سواء تعلق بالحكم الكلي فعلمت بأن الخمر حرام شرعا أو بالموضوع الخارجي فعلمت أن هذا الإناء خمر، إذ الفرض أن الحكم رتب على
العنوان الواقعي، و لم يلاحظ الشارع في مقام جعله إلا الحكم الكلي على الموضوع الكلي و القطع طريق إليه عند العقل.
و الثاني: هو الذي يكون مأخوذا في الخطاب و يكون له دخل في الحكم أو في موضوعه و هو على أقسام كثيرة بعضها ممكن و بعضها مستحيل.
و توضيحه: أن القطع المأخوذ في الموضوع إما أن يكون قطعا متعلقا بالحكم أو بموضوع ذي حكم أو بموضوع بلا حكم، و على التقديرين الأولين إما أن يقع موضوعا لعين الحكم الذي تعلق به أو بموضوعه أو يقع موضوعا لمثله أو موضوعا لضده أو موضوعا لخلافه، فصارت الأقسام تسعة، ستة منها مستحيلة و ثلاثة منها ممكنة.
أما الستة المستحيلة فهي أن يؤخذ القطع بالحكم أو بموضوع ذي حكم موضوعا لنفس ذلك الحكم أو موضوعا لحكم مثله أو لحكم ضده، و أما الثلاثة الممكنة فهي أن يؤخذ القطع بالحكم أو بموضوع ذي حكم في موضوع حكم مخالف له، أو يؤخذ القطع بموضوع بلا حكم في موضوع أيّ حكم كان.
أما أمثلة الأقسام :
فالأول و هي ما كان القطع بالحكم مأخوذا في موضوع عين ذلك الحكم كما إذا ورد إذا علمت بوجوب الجمعة فهي تجب عليك بعين ذلك الوجوب و هذا باطل لاستلزامه الدور فإن الوجوب يتوقف على العلم به و العلم به يتوقف على الوجوب.
والثاني: و هو ما كان القطع بالحكم موضوعا لمثل ذلك كما لو قال إذا علمت بوجوب صلاة الجمعة فهي تجب عليك بوجوب آخر، و هذا باطل لاجتماع المثلين أحدهما الوجوب الذي تعلق به القطع و الآخر الوجوب الذي تعلق هو بالقطع.
الثالث: و هو ما كان القطع بالحكم موضوعا لحكم ضد ذلك كما لو قال إذا علمت بوجوب الجمعة فهي عليك محرمة، و هذا باطل لاجتماع الضدين الوجوب و الحرمة في موضوع واحد.
الرابع: و هو ما كان القطع بالحكم مأخوذا في موضوع حكم مخالف لمتعلقه كما لو قال إذا علمت بوجوب الجمعة يجب عليك التصدق بدرهم، و هذا من قبيل القطع الموضوعي الممكن.
الخامس و السادس و السابع: و هي ما كان القطع بموضوع ذي حكم مأخوذا في موضوع نفس ذلك أو مثله أو ضده، كما لو قال إذا علمت بخمرية مائع فهو محرم بعين حرمته السابقة أو بمثلها أو هو واجب، و هذا الثلاثة مستحيلة للدور و اجتماع المثلين و الضدين.
الثامن: و هو ما كان القطع بالموضوع مأخوذا في موضوع حكم مخالف، كما لو قال إذا علمت بخمرية مائع وجب عليك التصدق بدرهم و هذا ممكن.
التاسع: و هو ما كان القطع بموضوع بلا حكم مأخوذا في موضوع أي حكم كان كما لو قال إذا علمت بأن هذا بول يجب عليك الاجتناب عنه بناء على كون الحكم مرتبا على العلم بالبولية لا على الواقع .
والحمد لله منتهى رضاه