القول المختصر في حق عقيلة آل الصدر

تقريرٌ
يسلط الضوء على خيال طيف السيرة العطرة لعقيلة الصدريين
العلوية الطاهرة آمنة بنت الهدى ((قدس الله روحها الطاهرة))
تقريرٌ
يسلط الضوء على خيال طيف السيرة العطرة لعقيلة الصدريين
العلوية الطاهرة آمنة بنت الهدى ((قدس الله روحها الطاهرة))
للمستشار القانوني رامي احمد الغالبي
أمين سر رابطة المستشارين القانونيين
بسم الله الرحمن الرحيم
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالُوا نَدْعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُم ثُمَّ نَبْتَهِلُ فَنَجْعَلُ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِين))
(فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُلْ تَعَالُوا نَدْعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُم ثُمَّ نَبْتَهِلُ فَنَجْعَلُ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِين))
صدق الله العلي العظيم
سورة آل عمران آية 61.
الإهداء
إلى زينب العصر وعقيلة آل الصدر.
إلى الفاطمية في خطبتها الحسينية في ثورتها.
إلى الشهيدة الطاهرة والعالمة الظافرة ((بنت الهدى)))
كتبته هذه الكلمات القصار لتسليط الضوء على خيال طيف سيرتك العطرة.
لأشرف نفسي بها, باذلاً جل جهدي للسير في ركابكم الشريف.
راجياً من الله أن اكون قد وفقت بما سعيت به في هذا القليل.
المقدمة
الحمد لله والحمد حقه حمداً كثيراً دائماً ابدا لا تحصي له الخلائق عددا, وصلاته وسلامه على خير خلقه محمدا, وعلى آله الطيبين الطاهرين صلاة وسلاما دائماً سرمدا.
اما بعد.
لا يخفى على كل متتبعٍ لسيرة أسرة آل الصدر الكرام, ما لهذهِ الأسرة العريقة من رصيدٍ ضخمٍ في كافة الأصعدة المعرفية, فهُم اهل علمٍ ومعرفةٍ ودينٍ وشهادة.
وتقريرنا الفقير هذا لم يكن اليوم عن احد رجالات هذه الأسرة المباركة بل عن إحدى نساءها الطاهرات ألا وهي العلوية الشهيدة ((أمنة بنت الهدى)) ((رضوان الله عليها)).
فالكلام في حق شخصية هذه الأديبة الفذة يُعجز التصور عن إستحضار صورةٌ تتناسب وإنجازاتها المباركة في ميادين العلم والمعرفة والتبليغ الإسلامي, فلم يَلد التأريخ المعاصر إمرأةً كعلويتنا الشهيدة بنت الهدى ((رضوان الله عليها)) ولا يأتي في تصوري أنه سيكون هنالك ولادةٌ لمثل هذه المرأة الطاهرة في المستقبل القريب.
وقد يتصور البعض أنني قد سلكت مسلك المغالين في ذوبانهم الصوفي عند التعرض إلى وصف الشخصيات الإسلامية الخالدة, خاصةً الشهداء منهم, إلا أنه من يُتابع معي هذا التقرير الموجز سيعلم أن خروج علويتنا الشهيدة مع اخيها الشهيد الصدر ((قدس سره)) كان بمثابة مباهلةٍ واقعيةٍ بينهم وبين حزب البعث الكافر, انتهت بسخط الله على هذا الحزب وجلاوزته, إضافةً إلى الترجمان الحقيقي من قبل علويتنا الشهيدة ((رضوان الله عليها)) وأخيها السيد الشهيد محمد باقر الصدر ((قدس سره)) لثورة الإمام الحسين ((عليه السلام)) وتطبيق شعار ((لبيك يا حسين)) بالنهج الحسيني الهادف.
فقد كان دورها ((رضوان الله عليها)) يتبلور في وضع الترجمان الحقيقي لسيرة مولاتها زينب الحوراء ((عليها السلام)) في رفد الثورة الحسينية.
ولعمري أن علويتنا الشهيدة قد ترجمت هذه الحالة اروع ترجمان في نصرة اخيها المظلوم ((قدس سره)).
فسيرتها العطرة تُبرهن على أنها ((رضوان الله عليها)) كانت عالمةً, واديبةً, ومبلغةً, وخطيبةً, وناصرةً لأخيها حين قل الناصر وشهيدةً في سبيل ربها الكريم.
كما وتقتضي الأمانة العلمية أن أؤكد انه ليس لي من فضلٍ في هذا البحث الموجز إلا إبراز ما دونه تلامذة واحباء ومريدي العلوية الطاهرة بنت الهدى ((رضوان الله عليها)), الذين تشرفت بتقرير وتدوين ومتابعة سردهم لسيرتها العطرة.
وإن كان لي من إضافةٍ في هذا المجال ، فهو جهد المُقل الذي لا يكاد يُذكر ، وحسبي أني جمعت المقالات والتقريرات بقدر ما استطعت للخروج بهذا البحث اليسير.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلِ اللهم على خير خلقك ابا الزهراء محمد الأمين وعلى آله الغر الميامين وسلم تسليماً كثيرا.
رامي الغالبي
9 / 4 / 2015
ولادتها ونشأتها 9 / 4 / 2015
السيّدة الجليلة العلويّة الشهيدة آمنة الصدر بنت آية الله الفقيه المحقّق السيّد حيدر الصدر ((قدس سره))، أحد كبار فقهاء الإسلام في العراق.
اما والدتها فهي من عائلة علميّة مرموقة، معروفة في الأوساط العلمية، وهي اُخت المرجع الديني آية الله الشيخ محمد رضا آل ياسين.
أخواها السيّد اسماعيل الصدر، وآية الله العظمى السيد الشهيدمحمّد باقر الصدر ((قدس سره)).
ولدت ((رضوان الله عليها)) في مدينة الكاظمية المقدسة عام 1937م، وترعرّت في كنفِ والدتها وأخويها، إذ أنّ والدها قد فارق الحياة وعمرها الشريف آنذاك سنتان.
تعلّمت القراءة والكتابة في بيتها دون أن تدخل المدارس الرسميّة، ثم درست النحو والمنطق والفقه والأصول وباقي المعارف الإسلامية، واطّلعت على المناهج الرسمية التي تدرّس في المدارس، ودرستها في بيتها، وبذلك تكون قد جَمعت بين الدراسة الحديثة وبين دراسة المعارف الإسلامية.
كانت وَلعةً بمطالعة الكتب غير مُقتصرة على الكتب الإسلامية فقد تناولت كتباً غير دينيّة أيضاً, ولأنّها من عائلةٍ فقيرةٍ فقد كانت تستعير الكتب من هنا وهناك، بل كانت تصرف ما يُعطى لها من مبلغٍ بسيط لسدّ حاجاتها الضرورية في شراء بعض الكتب التي ترغب في قرائتها.
عُرفت ((رضوان الله عليها)) بالذكاء الوقّاد، وسُرعة الحفظ، وقابليتها العالية على جذب النساء إليها بعذوبة لسانها ولطافة منطقها، فلم تكن تراها امرأة وتسمع كلامها إلاّ قد اُعجبت بها وأصبحت من مريداتها.
وقد لعبت الشهيدة بنت الهدى ((رضوان الله عليها)) دوراً فعّالاً وملموساً في هداية الفتيات ورجوعهن إلى التمسّك بتعاليم الدين الحنيف فمَنْ كان قريباً منها يعرف ذلك جيداً, فكم من فتاةٍ بل عائلةٍ كادت أن تخرج عن دينها وتصهرها الحضارة المستوردة من الغرب أو الشرق لولا وقوف الشهيدة بنت الهدى إلى جانبها وانقاذها من الغرق في عالم التبرّج والرذيلة، فكانت بحقّ رائدة العمل الإسلامي النسوي في العراق.
عَرفت علويتنا الشهيدة ((رضوان الله عليها)) أنّ التبليغ في أوساط النساء يمكن أن يؤدّي دوراً فعّالاً في تقدّم الحركة الإسلامية عموماً، لذلك نجدها تعقد جلسات دوريّة في بيتها وفي بيوت اُخرى، وبالتعاون مع بعض النساء المريدات لها واللواتي لهنّ اطّلاع على ما يجري في العراق من محاولات لإفساد المرأة العراقية. وقد استطاعت بعملها هذا أن تُربّي عدداً من النساء، حيث أصبحت كلّ واحدة منهن معلّمة لمجموعة من الفتيات والنساء.
ولم تكتفِ علويتنا الشهيدة بنت الهدى بهذا القدر من التبليغ، بل تعدّته إلى مجالٍ أوسع وأكثر فائدة، وهو مخاطبة الفتاة المسلمة عَبرَ مجلّة ((الأضواء)) التي أصدرتها جماعة العلماء في النجف الأشرف.
فيذكر انها ((رضوان الله عليها)) كتبت في أحد الأعداد مقالاً قالت فيه : ((لا تقعد بكنّ هذه التخرّصات، ولا تثنيكنّ أمثال هذه النفحات المشؤومة، بل تزيدكنّ عزماً وقوّة وشدّة ومضاء، لتثبتن لهنّ صواب نهجكن وخطأ سيرهن المتعرّج ذات اليمين وذات اليسار، ولتوضحن لهنّ أنّهنّ هنّ اللواتي رجعن بسلوكهن إلى أبعد عصور الجاهلية حيث لا أحكام، ولا قوانين، ولا مثل ومفاهيم)).
بصمتها الشريفة في عالم العلم والمعرفة .
في عام 1967م أصبحت علويتنا الشهيدة ((رضوان الله عليها)) المشرفة على مدارس الزهراء ((عليها السلام)) في مدينة النجف الأشرف والكاظمية المقدسة، إضافة لإشرافها على مدرسةٍ دينيةٍ اُخرى في مدينة النجف الأشرف.
فكانت تُشرف على تنظيم هذه المدارس، وتعيّن المناهج الدراسية التربوية الإسلامية لها، وتحلّ كلّ ما تواجهه هذه المدارس من مشاكل وصعوبات.
وكانت تقسّم أيام الإسبوع بين النجف الأشرف والكاظمية المقدسة، فبالإضافة إلى الدروس التي كانت تُلقيها على الطالبات، كانت لديها محاضرات تربوية تُلقيها على المعلّمات بعد انتهاء الدوام الرسمي للمدرسة.
وبعد الظُهر كانت لديها لقاءات مع طالبات الجامعة حيث تجيب على أسئلتهن، وتُلقي عليهنّ محاضرات ودروساً في المعارف الإسلامية.
وفي عام 1972م, وبعد صدور قانون تأميم التعليم، استقالت علويتنا الشهيدة بنت الهدى ((رضوان الله عليها)) من عملها بعد أن عرفت أنّها لن تستطع أن تؤدّي دورها الرسالي، وقد حرصت الدولة على إبقاء بنت الهدى في هذه المدارس، وبعثت لها كُتباً رسمية تُطالبها بالعودة إليها، إلاّ أنّها رفضت ذلك، وحينما سُئلت عن سبب رفضها للطلبات الرسمية قالت : ((لم يكن الهدف من وجودي في المدرسة إلاّ نوال مرضاة الله، ولما انتفت الغاية من المدرسة بتأميمها فما هو جدوى وجودي بعد ذلك )).
فيما بعد دخلت علويتنا الشهيدة ((رضوان الله عليها)) في مجال كتابة القصة الإسلامية الهادفة، والتي تستطيع بواسطتها أن تُوصل صوتها ودعوتها للحقّ إلى أكبر عدد من النساء في العالم الإسلامي.
فلم تكن كتاباتها للقصةِ عن هوايةٍ أو احتراف، بل لهدفٍ معيّن، وهو مخاطبة الجيل الناشئ بإسلوبٍ قصصيٍ بسيط، وإيصال التعاليم الإسلامية إليه.
وقد أثّرت هذه القصص أثراً كبيراً في حلّ كثيرٍ من المشاكل العائلية، وقد أقبلت الفتيات ولا زالت على اقتناء هذه القصص وقرائتها، وطبعت عدّة طبعات، مما يدلّ على طلب القرّاء لها.
وقد قامت دار التعارف للمطبوعات مؤخّراً بطبع قصصها كاملة في ثلاث مجلّدات صغيرة، وهي تحتوي على:
1. الفضيلة تنتصر : وهي اولى قصصها، والتي تحكي عن نموذجين للمرأة المسلمة المعاصرة، ((نقاء)) التي تمثل الفتاة المسلمة الملتزمة، و((سعاد)) ابنة خالتها وهي فتاة مفتونة بالحياة الغربية، وتسعى بشكلٍ متواصل وراء الأزياء والموضة.
((سعاد )) تخون زوجها ((محمود)) الضعيف الشخصية، وتنفق امواله في سبيل نزواتها التي لا تنتهي، وفي كل هذا، تشعر بأن الحقد يأكل قلبها، بسبب إعتصار ((نقاء)) بدينها وقيمها، وتحاول، آخر الأمر، إغواء ((محمود)) للتعرض إلى ((نقاء)) مستغلةً في ذلك فرصة سفر ((ابراهيم)) زوج ((نقاء)) إلى اوروبا، لمناقشة رسالة الدكتوراه.
ويكتشف ((محمود)) الحقيقة، آخر الأمر، ويعمد إلى التخلص من زوجته الخائنة ((سعاد)) بتطليقها.
2. امرأتان ورجل. في امرأتان ورجل نلتقي مرة اخرى بهذين النموذجين المتمثلين في ((حسنات))المؤمنة الملتزمة، و((رحاب)) اختها المفتونة أيضاً بمظاهر التقدم في الغرب، فتحاول جهدها، الحيلولة دون زواج اختها ((حسنات)) من ((مصطفى)) الذي كان يدرس في المهجر.
وتتمكن ((رحاب)) من إصطياد الرسائل التي كان يبعثها ((مصطفى))، وترد عليها باسم اختها، املاً في انّه سوف يراجع موقفه، وربما يتخلى عن ((حسنات))، ولكن ((مصطفى)) يتذرع بالصبر، ويرد على شبهات ((خطيبته)) ولكن هذه العملية تنتهي بإيمان ((رحاب)) واهتدائها لينبوع الحقيقة.
وتنتهي القصة بزواج ((مصطفى)) وأخيه ((محمد)) من ((حسنات)) واختها ((رحاب)).
3. ليتني كنتُ أعلم: تتضمن هذه القصة مجموعة رسائل متبادلة بين فتاتين هما: ((رجاء)) و((وفاء))، تصور فيها الشهيدة شكر ((رجاء»)) العميق لزميلتها ((وفاء)) لأنها كانت السبب في هدايتها.
4. الخالة الضائعة : تتضمن هذه القصة مجموعة رسائل متبادلة بين فتاتين هما ((زهراء وأسماء))، تعرض فيها السيدة الفاضلة المفاهيم الإسلامية بشكل هادئ.
5. الباحثة عن الحقيقة : تدور القصة، حول شخصيتين رئيسيتين، هما ((العالم الديني )) الذي لا تذكر الكاتبة له اسماً، ويمكن ان يكون رمزاً لكل عالم ملتزم، هدفه التغيير، و((سندس)) وهي فتاة غير مسلمة، تسعى إلى الزواج من فتى مسلم ((فؤاد))، غير ان العالم الديني يدخل مع ((سندس)) في حوارٍ طويل، يستمر اياماً، ينتهي بإقناعها بأن الإسلام هو الدين الحق وبعد ان يدخل الايمان قلبها بقوة، تقرر هي و((فؤاد)) الزواج.
6. كلمة ودعوة : مجموعة احاديث موجهة للمرأة المسلمة، تبحث فيها علويتنا الشهيدة عن منزلة المرأة في الإسلام، وتنتقد بعض الظواهر الاجتماعية الخاطئة.
7. ذكريات على تلال مكّة: وهي مجموعة من الخواطر التي دونتها علويتنا الشهيدة ((رضوان الله عليها)) في ايام حج بيت الله الحرام.
8. بطولة المرأة المسلمة : تتحدث فيه الشهيدة عن المرأة المسلمة، ومسؤولياتها في ميدان حمل الدعوة، والفكر، والعمل في سبيل الله تعالى.
9. المرأة مع النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم : تطرح شهيدتان الفذة, فيه مفاهيم إسلامية، توضح قيمة المرأة ومنزلتها في الإسلام، وتتحدث عن مسؤولياتها، سواء كانت فتاةً، ام زوجةً، أم أماً.
10. لقاء في المستشفى : ((آخر ما كتبته الشهيدة))
فبفضل الطبيب الدكتور ((سناد))، تهتدي الدكتورة ((معاد)) للإيمان، وعندما تبدأ احداث القصة، تكون معاد طبيبة في مستشفى ما.
في يوم ما، تزور فتاة محجبة تقليدية ((ورقاء)) وجدّتها، المستشفى الذي تعمل فيه معاد، وبعد فترة من التزاور، تستجيب ((ورقاء)) لأفكار ((معاد)) فتعرض عليها الأخيرة الزواج من اخيها ((سناد))، ولكن جدة ((ورقاء)) ترفض هذا الزواج، بسبب وهم الجدّة بأن والد ((ورقاء)) راح ضحية لمؤامرة دبرها والد ((معاد))
وبعد إتضاح حقيقة الأمر يوفق الطرفان للزواج، وتكون مساعي ((معاد)) قد آتت اكلها.
ولها ((رضوان الله عليها)) مؤلفات مخطوطة كانت قد صودرت من قبل النظام البعثي الكافر عند اعتقالها مع اخيها السيد الشهيد محمد باقر الصدر ((قدس سره)).
قصائدها
كتبت علويتنا الشهيدة قصائدٌ، ومقاطعٌ شعرية، حاولت فيها التركيز على غرس روح التحدي والثبات لدى المرأة المسلمة، ولم يكن شعرها ترفاً، بل كان نابعاً من حاجةٍ تراها الشهيدة فكانت تخاطب اخواتها وبناتها بإسلوبٍ واضحٍ لا لبس فيه، وعاطفةٍ متأججة:
|
وتؤكد علويتنا الشهيدة ثبات موقفها، وإصرارها على المضي حتى نهاية الشوط، مهما تلبد الأفق بسحب المصاعب والمشاكل، انها ماضية في غاية أسمى، ألا وهي الجهاد:
|
وتؤكد علويتنا الشهيدة ((رضوان الله عليها))، مفهوم أن سالكي طريق الحق قلة لوحشته ولكن النصر يكون حليف هؤلاء القلائل، ولم يكن في إختيارها لهذا الطريق جهلٌ أو نزوة، بل انّه كان عن قناعةٍ، فهو طريقٌ طويلٌ، مليءٌ بالأشواك موحش:
|
ولا ترى علويتنا الشهيدة بنت الهدى ((رضوان الله عليها))، في هذا الطريق إلاّ الخلود، والشموخ، طريق تهون دونه كل الصعاب فالإسلام عالٍ، وستبقى رايته ترفرف إلى الأبد:
|
تقول شهيدتنا الفذة ((رضوان الله عليها))، بصوتٍ جهوري، وبلهجةٍ حازمةٍ:
|
كما أن ادبها بأبي وأمي كان يدور في محيط المسائل الإجتماعية فكانت ((رضوان الله عليها)) تُعالج اموراً اُسرية، كالزواج، والطلاق، والتعلم بالنسبة للمرأة، إضافةً إلى العلاقات الاُسرية, حيث انها ادركت آنذاك خلو الساحة تقريباً من النساء الموجهات الرساليات.
الموقف الزينبي
إن علويتنا الشهيدة (( رضوان الله عليها)) ، كانت واعيةً لدورها الرسالي الحركي، وكانت تعاصر نمو الحركة الإسلامية إلى جانبها أخيها السيد الشهيد محمد باقر الصدر ((قدس سره))، فكانت ساحة عملها بتنظيم الجانب النسوي وفق مبادئ الحركة الإسلامية التي ارادها أخيها ((قدس سره)), واضعةً بذلك اروع ترجمانٍ ايمانيٍ في سيرها على نهج امها الزهراء ((عليها السلام)).
وقد عاشت كل الأحداث التي مرّ بها الشعب المسلم في العراق، ابتداءاً من عام 1972م، حينما اودع حزب البعث الكافر شقيقها السيد الشهيد في مستشفى مدينة الكوفة بعد اعتقاله مقيداً إلى سريره بسلاسلٍ حديديةٍ، وهو العام اذي أعدم فيها ((الشهيد الحاج أبو عصام))، احد مؤسسي الحركة الإسلامية في العراق, مروراً بعام 1974م، حينما اعدم النظام قبضة الهدى ((الشيخ الشهيد عارف البصري)) ورفاقه الأبرار، وأحداث انتفاضة صفر عام 1977م، حينما اعتقل السيد الشهيد ((قدس سره)) بتهمة التحريض للإنتفاضة.
وفي عام 1979م, تم إعتقال السيد الشهيد ((قدس سره)) مرة اخرى من قبل النظام الكافر, فما كان من علويتنا الشهيدة ((رضوان الله عليها)) إلا أن تفصح عن مكنون شخصيتها الزينبية الثائرة, مكبرةً في مرقد جدها امير المؤمنين ((عليه السلام))، ومناديةً بصوتها الشريف:
(( الظليمة الظليمة يا جداه يا أمير المؤمنين لقد اعتقلوا ولدك الصدر, يا جداه يا أمير المؤمنين، إني أشكو إلى الله وإليك ما يجري علينا من ظلمٍ واضطهاد))
ثم خاطبت الحاضرين قائلةً: ((أيها الشرفاء المؤمنون، هل تسكتون وقد أعتقل مرجعكم، هل تسكتون وإمامكم يُسجن ويعذب؟؟ ماذا ستقولون إذاً لجدي أمير المؤمنين ((عليه السلام)) إن سألكم عن سكوتكم وتخاذلكم ؟؟ اخرجوا وتظاهروا واحتجوا)).
وحقيقة الأمر أن موقفها الزينبي هذا يُعادل ألف رجلٍ ممن كانوا مكلفين شرعاً بهذا الأمر, فلم نرى مُبلغاً إنتصر للسيد الشهيد ((قدس سره)) بل للإسلام بشكلٍ عام, كما فعلته علويتنا الشهيدة ((رضوان الله عليها)), حتى الذين كانوا في بيوتهم كالأموات لم يستطيعوا ان يأتوا بجزءٍ يسيرٍ مما أتت به علويتنا الشهيدة, حيث يُذكر انه قد عُرض عليهم زيارة السيد الشهيد ((قدس سره)) في إقامته الجبرية, فلم يجرئ احدٌ منهم على زيارتهِ أو حتى مراسلتهِ من باب المواساة لا أقل.
واليوم يدعون زوراً وبهتاناً أنهم اصحاب دينٍ وقضيةٍ وتأريخٍ جهاديٍ زائفٍ, إتخذوا من إسم الشهيد الصدر ((قدس سره)) تجارةً تنفعهم لأغراض الدنيا, ولن تنفعهم يوم الحساب, يوم لا ينفع الإنسان إلا صدقه في عملهِ الصالح.
فكانت علويتنا الشهيدة روحي فداها كمولاتها زينب الحوراء ((عليها السلام)) بل هي حقاً زينب هذا العصر, فعلى أثر تلك الخطبة إنطلقت التظاهرات، في النجف الأشرف أولاً، وفي أغلب أنحاء العراق ثانياً، استجابة لإستغاثتها ((رضوان الله عليها)).
وعلى أثر تلك التظاهرات بادر النظام الكافر بإطلاق سراح السيد الشهيد ((قدس سره))، ولكنه وضعه تحت الإقامة الجبرية، مع اخته الطاهرة ((رضوان الله عليها)) ، واستمرت الإقامة فترة عشرة أشهرٍ تقريباً، عانى فيها البيت الكريم الأمرّين من الأذى والإضطهاد، إذ كانوا قد حوصروا بشكلٍ تام، من قبل أزلام حزب البعث الكافر، حيث دونت علويتنا الشهيدة معاناتها في هذه الفترة وجمعتها في كتاب ((أيام المحنة)).
إستشهادها
في يوم الخامس من شهر نيسان عام 1980م, قررت قيادة حزب البعث الكافر, اعتقال السيد الشهيد محمد باقر الصدر ((قدس سره الشريف)) , وأخته الطاهرة بنت الهدى ((رضوان الله عليها)).
فتم تعذيبهما بأبشع انواع التعذيب, وخضبت الشيبة الطاهرة لشهيدنا الصدر ((قدس سره)) وانتُهك خدر علويتنا الطاهرة من قبل يزيد العصر الملعون ((صدام)), واستشهدوا معاً ((رضوان الله عليهما)).
وفي مساء يوم التاسع من نيسان عام 1980 م, وفي حدود الساعة التاسعة مساءً، قطعت السلطة التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف.
وفي ظلام الليل الدامس تسللت مجموعة من قوات الأمن إلى دار السيد محمد صادق الصدر ((قدس سره)) فطلبوا منه الحضور إلى مديرية الأمن في محافظة النجف الأشرف، وهناك سلّموه جنازة السيد الشهيد ((قدس سره)) وأخته الطاهرة بنت الهدى ((رضوان الله عليها))، وحذروه من الإخبار عن شهادة بنت الهدى، ثم أخذوه إلى مقبرة وادي السلام ووارهما الثرى.
وقد حققت زينب العصر ما كانت تسعى اليه طوال حياتها الشريفة, ولم تتراجع، وبرّت بقسمها الذي قطعته على نفسها، وحققت أملها، الذي أعلنته لإحدى تلميذاتها بقولها: ((إنّ حياتي من حياة أخي، وسوف تنتهي مع حياته إن شاء الله)).
فسلام الله عليها وعلى أخيها يوم ولدوا ويوم استشهدوا ويوم يبعثون احياءً مع اجدادهم الطاهرين ((عليهم السلام)).
الخاتمة
عجبت ليدي كيف ارتجفت وعيناي كيف تلألأت عندما وصلت إلى الخاتمة.
فقد أدركت في ختام هذا الموجز أن قضية إستشهاد علويتنا الشهيدة ((رضوان الله عليها)) لم تكن قضية إستشهاد أخت مرجعٍ كبيرٍ بسبب تأييدها لمشروعه الإسلامي وحسب.
بل أنها قضية ملئ فراغٍ كبيرٍ ومؤلمٍ نعاني منه الأمرين في يومنا هذا, حيث أننا إلى الآن لم نشهد خروج خليفةٍ حقيقيةٍ لعلويتنا الشهيدة ((رضوان الله عليها)) لتُكمل المشروع الإسلامي التبليغي النسوي, الذي اسسته علويتنا الشهيدة, خاصةً ونحن نتعرض إلى هجمةٍ ثقافيةٍ غربيةٍ صهيونية, تستهدف جيل الشباب لا سيما الفتيات.
وما نحتاجه اليوم هو أن تكون علويتنا الشهيدة ((رضوان الله عليها )) بين صفوف المتصدين لهذه الهجمة التي تبلورت في تغلغلِ الفكر الغربي إلى داخل المجتمع الإسلامي في العراق, وظهور فكرٍ اسلاميٍ متطرفٍ وقحٍ, يُسيء إلى الإسلام برمته.
ولكن ماذا عساي أن اقول فقد ذهبت علويتنا الشهيدة وبقي دمها في أعناق الجميع أمانةً, ما أثقلها في ميزان حساب الأمم عند الله تعالى وعند التأريخ, وليس لنا إلا ان نبقى على املٍ مريرٍ في الإنتظار والترقب في أن تأتي خليفتها لتُكمل مشروعها المبارك في التبليغ الإسلامي الحقيقي, بعيداً عن الفئوية والحزبية والدينار والدرهم.
سلام الله عليكِ مولاتي الطاهرة بنت الهدى ابداً ما بقيتِ وبقي الليل والنهار, سلام الله عليك يوم ولدتِ ويوم استشهدتِ ويوم تبعثين حيةً مع اجدادك الطاهرين ((عليهم السلام)).
تعليق