بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين
إن مبايعة أمير المؤمنين عليه السلام أبا بكر بالخلافة تضاربت حولها الآراء واختلفت فيها الشواهد والأدلة عند الشيعة والسنة .
ففي الجانب الشيعي هناك اتجاهان يمكن ملاحظتهما في مصادر الشيعة وأقوال العلماء هما :
1- علي عليه السلام لم يبايع أبا بكر قط ، وعلى هذا الرأي لا توجد هناك بيعة إطلاقا ، فقد ذكر الشيخ المفيد في الفصول المختارة : (قد أجمعت الأمة على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) تأخر عن بيعة أبي بكر .... والمحققون من أهل الإمامة يقولون لم يبايع ساعة قط ) فأمير المؤمنين عليه السلام لم يبايع أبا بكر أبدا لا في بداية الأمر ولا بعد حين حتى يقال أنها تتنافى مع وجود النص على أمير المؤمنين عليه السلام
2- علي عليه السلام بايع مكرها ، وهذا الرأي يذهب أليه جمع من علماء الشيعة وهو أن بيعته عليه السلام كانت تحت الإكراه والتهديد الذي ربما وصل إلى حد التهديد بالقتل ، قال السيد المرتضى في الشافي في الإمامة : ( وروى إبراهيم بن عثمان بن أبي شيبة عن خالد بن مخلد البجلي عن داود بن يزيد الأودي عن أبيه عن عدي بن حاتم قال إني لجالس عند أبي بكر إذ جئ بعلي عليه السلام فقال له أبو بكر: بايع فقال له علي عليه السلام: (فإن لم أفعل) فقال: أضرب الذي فيه عيناك، فرفع رأسه إلى السماء ثم قال: (اللهم اشهد) ثم مد يده.
وقد روى هذا المعنى من طرق مختلفة، وبألفاظ متقاربة المعنى وإن اختلفت ألفاظها، وإنه عليه السلام كان يقول في ذلك اليوم لما أكره على البيعة وحذر من التقاعد عنها: " يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين " (1) ويردد ذلك ويكرره وذكر أكثر ما روي في هذا المعنى يطول فضلا عن ذكر جميعه، وفيما أشرنا إليه كفاية ودلالة على أن البيعة لم تكن عن رضى واختيار) وهذا أيضا لا يتنافى مع وجود النص على أمير المؤمنين عليه السلام .
وأما في جانب أهل السنة فتوجد عدة نصوص وروايات تناولت بيعة علي عليه السلام للخليفة الأول ويمكن تصنيفها إلى :
1- الحديث الدال على حصول البيعة أول الأمر
ذكرت بعض النصوص والأحاديث أن عليا عليه السلام بايع أبا بكر مباشرة وبدون تاخير ، فقد اخرج البيهقي في السنن الكبرى بسنده عندَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، ثَنَا أَبُو نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، قَالَ

ومع غضّ الطرف عن المناقشات السندية في هذا الحديث وعلى فرض التسليم بصحته ودلالته على أن بيعة علي عليه السلام كانت من أول الأمر إلا أنه لا دلالة فيه على أن بيعته كانت عن رضا وتسليم واختيار ، فالحديث ظاهر في أن البيعة كانت بالتهديد والوعيد والإكراه فلو لم يكن عليه السلام لديه خلاف ومعارضة للبيعة فلماذا يسأل عنه أبو بكر مباشرة بعد جلوسه على المنبر وجيء به من دون رغبة منه أو رضا وبعد مجيئه يجابهه أبو بكر بتلك اللهجة الحادة وينسب له بأنه يروم شق عصا المسلمين وهي لا تقال غلا لمن أعلن الخلاف واظهر المعارضة ، كما انه من الثابت والمسّلم تاريخيا أن عليا عليه السلام وجمعا كثيرا من بني هاشم وعددا من الأنصار لم يشهدوا إحداث سقيفة بني ساعدة التي تمخض عنها توّلي أبي بكر الخلافة لانشغالهم في تجهيز النبي صلى الله عليه وىله وسلم وإتمام مراسم رحلته المفجعة عن الدنيا ، وقد جاء في صحيح البخاري قال عمر بن الخطاب : ( وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا، وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا ) وروى الطبري في تأريخه قال : (وَتَخَلَّفَ عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ، وَاخْتَرَطَ الزُّبَيْرُ سَيْفَهُ، وَقَالَ: لا أَغْمِدُهُ حَتَّى يُبَايَعَ عَلِيٌّ ) وغير ذلك من الشواهد التي تدل على أن عليا عليه السلام ومعه عدد من الصحابة قد تخلفوا عن البيعة بل اعتبر أمير المؤمنين عليه السلام ذلك استبدادا منهم بالأمر ، فقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما أن أمير المؤمنين عليه السلام خاطب أبا بكر قائلا : (ولكنك استبددت علينا بالأمر وكنا نرى لقرابتنا من رسول الله صلى الله عليه و سلم نصيبا ) يتبع