اهتمام الإسلام بالأم
لقد اهتم الإسلام العظيم بالأم وأعطاها حقاً أكبر؛ وذلك لما تقدمه من تضحيات أكثر، فالأم هي التي يقع عليها وحدها عبء الحمل والوضع والإرضاع، وما يرافقهما من تضحيات وآلام، حيث يبقى الطفل في بطنها مدة تسعة أشهر في مرحلة الحمل، يتغذّى في بطنها من غذائها، ويقرّ مطمئناً على حساب راحتها وصحتها.
ثم تأتي مرحلة الوضع الذي لا يعرف مقدار الألم فيه إلا الأُم، حيث تكون حياتها ــ أحياناً ــ مهدَّدة بالخطر. ويوصي بها على وجه الخصوص([1]):
(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) (لقمان: 14).
جاء بالتذكير بالوالدة بعد الوالدين؛ إذ هي أحق الناس بحسن الصحبة -كما قال صلى الله عليه وسلم- وقد سئل: ( من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك.
قال: ثم من؟ قال: أمك.
قال ثم من؟ قال: أمك.
قال ثم من؟ قال: أبوك )[2].
والوصايا بالوالدين تكررت كثيراً في كتاب الله سبحانه وتعالى ، قال:
{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [الإسراء:23]، وقال تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [النساء:36].
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال : أفضل العمل الصلاة على ميقاتها، ثم بر الوالدين، ثم أن يسلم الناس من لسانك[3].
وعن الإمام جعفرالصادق (عليه السلام) –
لما سئل عن أفضل الأعمال قال -: الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله عز جل .
فَقُدّم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله ، وكذا في أبواب الجرائم، في الحديث:
( أي الذنب أعظم؟ قيل: الشرك بالله، قال: ماذا؟
قال: ثم عقوق الوالدين.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الجنة تحت أقدام الأمهات) ([4]).
وقال : (أربع من كنّ فيه ، بني الله له بيتا في الجنة : من آوى اليتيم ، ورحم الضعيف ، وأشفق على والديه ، ورفق بمملوكه)[5]
وقال الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام): (فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً، وأنها وَقَتْكَ بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها، مستبشرة بذلك فرحة موبلة محتملة لما فيه مكروهها وألمه وثقله وغمه، حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض فرضيت أن تشبع وتجوع هي وتكسوك وتعرى، وترويك وتظمأ، وتظلك وتضحى، وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها، وكان بطنها لك وعاء، وحجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك، فتشكرها على قدر ذلك، ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه) ([6]).
بهذه العبارات المضيئة والتعابير الدقيقة، يستثير الإمام زين العابدين (عليه السلام) الضمير والرحمة في قلب الإنسان تجاه من
(حملته كرهاً ووضعته كرهاً)، وتذكره بالمشاق العظيمة التي تحملتها الأم في سبيل فلذة كبدها، لذلك قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (حق الوالد أن تطيعه ما عاش، وأما حق الوالدة فهيهات هيهات.. لو أنه عدد رمل عالج[7] وقطر المطر أيام الدنيا قام بين يديها ما عدل ذلك يوم حملته في بطنها) ([8])،
وكان من دعائه لأبويه عليه السلام :
(اللّهُمّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السّلْطَانِ الْعَسُوفِ، وَ أَبَرّهُمَا بِرّ الْأُمّ الرّءُوفِ، وَ اجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيّ وَ بِرّي بِهِمَا أَقَرّ لِعَيْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ، وَ أَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظّمْ آنِ حَتّى أُوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا، وَ أُقَدّمَ عَلَى رِضَايَ رِضَاهُمَا وَ أَسْتَكْثِرَ بِرّهُمَا بِي وَ إِنْ قَلّ، وَ أَسْتَقِلّ بِرّي بِهِمَا وَ إِنْ كَثُرَ.
اللّهُمّ خَفّضْ لَهُمَا صَوْتِي، وَ أَطِبْ لَهُمَا كَلَامِي، وَ أَلِنْ لَهُمَا عَرِيكَتِي، وَ اعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي، وَ صَيّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً، وَ عَلَيْهِمَا شَفِيقاً.
اللّهُمّ اشْكُرْ لَهُمَا تَرْبِيَتِي، وَ أَثِبْهُمَا عَلَى تَكْرِمَتِي، وَ احْفَظْ لَهُمَا مَا حَفِظَاهُ مِنّي فِي صِغَرِي
اللّهُمّ وَ مَا مَسّهُمَا مِنّي مِنْ أَذًى، أَوْ خَلَصَ إِلَيْهِمَا عَنّي مِنْ مَكْرُوهٍ، أَوْ ضَاعَ قِبَلِي لَهُمَا مِنْ حَقّ ٍ فَاجْعَلْهُ حِطّةً لِذُنُوبِهِمَا، وَ عُلُوّاً فِي دَرَجَاتِهِمَا، وَ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِهِمَا، يَا مُبَدّلَ السّيّئَاتِ بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ)[9].
أقول من الذي يقرأ هذا القول ولا يترك في نفسه أعمق الآثار،
يهابهما هيبة السلطان العسوف مع مخالطته لهما ودنوه منهما و علمه برأفتهما،
أنها هيبة التعظيم و التوقير لاهيبة الخوف من الحساب و العقاب هيبة الأبوة التي لا يقدرها إلا العارفون.
ثم أقراء كلمات الإمام عليه السلام وهو يدعوا إلى أبويه عليهما السلام:
أللَّهُمَّ وَمَا تَعَدَّيَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ قَوْل، أَوْ أَسْرَفَا عَلَىَّ فِيْهِ مِنْ فِعْل، أَوْ ضَيَّعَاهُ لِي مِنْ حَقٍّ أَوْقَصَّرا بِي عَنْهُ مِنْ وَاجِب فَقَدْ وَهَبْتُهُ وَجُدْتُ بِهِ عَلَيْهِمَا، وَرَغِبْتُ إلَيْكَ فِي وَضْعِ تَبِعَتِهِ عَنْهُمَا فَإنِّي لا أَتَّهِمُهُمَا عَلَى نَفْسِي، وَلاَ أَسْتَبْطِئُهُمَا فِي بِرِّي، وَلا أكْرَهُ مَا تَوَلَّياهُ مِنْ أَمْرِي يَا رَبِّ فَهُمَا أَوْجَبُ حَقّاً عَلَيَّ، وَأَقْدَمُ إحْسَاناً إلَيَّ وَأَعْظَمُ مِنَّةً لَدَيَّ مِنْ أَنْ أقَاصَّهُمَا بِعَدْل، أَوْ أجازيهما عَلَى مِثْل، أَيْنَ إذاً يَا إلهِيْ طُولُ شُغْلِهِمَا بِتَرْبِيَتِي؟ وَأَيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِمَا فِي حِرَاسَتِيْ؟ وَأَيْنَ إقْتَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِلتَّوْسِعَةِ عَلَيَّ؟ هَيْهَاتَ مَا يَسْتَوْفِيَانِ مِنِّي حَقَّهُمَا، وَلاَ أدرك مَا يَجِبُ عَلَيَّ لَهُمَا وَلا أَنَا بِقَاض وَظِيفَةَ خِدْمَتِهِمَا. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأَعِنِّي يَا خَيْرَ مَنِ اسْتُعِينَ بِهِ. وَوَفِّقْنِي يَا أَهْدَى مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ، وَلاَ تَجْعَلْنِي فِي أَهْلِ الْعُقُوقِ لِلابآءِ والأمهات يَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ[10] .
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال موسى
ابن عمران عليه السلام يا رب أوصني قال اوصيك بي فقال يا رب أوصني قال اوصيك بي ثلاثا فقال يا رب أوصني قال اوصيك بامك: قال يا رب أوصني قال اوصيك بامك، قال أوصني
قال اوصيك بأبيك، قال فكان يقال لاجل ذلك أن للام ثلثا البر وللاب ؟ الثلث[11].
لأن الأم بطبيعة الحال، تتحمل النصيب الأوفر من العناية والرعاية لولدها لما تجود به من حنان وعطف بلا حدود، فنتيجة لتلك التضحيات اللا متناهية كان للأم حقها العظيم على الأبناء، وبخاصة إذا كانت طيبة ومؤمنة، لتأثيرها البالغ في جنينها، فتجعل منه إنساناً سوياً ومستقيماً، وحتى أثناء الرضاع تسري أخلاق الأم إليه. قال تبارك وتعالى: (وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً) (مريم: 32)، ومهما قلنا ومهما نقدم من توصيات في حقوق الأم، تتضاءل العبارات، وتعجز الكلمات أمام الواجب تجاه صانعة الأجيال على مر العصور.
[1] الحقوق الاجتماعية في الإسلام: 3 / 9.
[2] الينابيع الفقهية / 38 / 114 ،
[3] ميزان الحكمة / 7 /159 .
[4] ميزان الحكمة / 11 /368.
[5] الخصال / 223 .
[6]رسالة الحقوق / 14 .
[7] مجمع البحرين 3 / 230 هي جمع عالج ، وهو ما تراكم من الرمل
ودخل بعضه في بعض ، ونقل أن رمل عالج جبال متواصلة يتصل أعلاها بالدهناء ،
والدهناء بقرب اليمامة وأسفلها بنجد . وفي كلام البعض رمل عالج محيط بأكثر أرض العرب .
[8] عوالي اللآلي / 1 / 90 .
[9] الصحيفة السجادية الكاملة / 129 .
[10] الصحيفة السجادية الكاملة / 129 .
[11] البحار / 71 / 68 .
لقد اهتم الإسلام العظيم بالأم وأعطاها حقاً أكبر؛ وذلك لما تقدمه من تضحيات أكثر، فالأم هي التي يقع عليها وحدها عبء الحمل والوضع والإرضاع، وما يرافقهما من تضحيات وآلام، حيث يبقى الطفل في بطنها مدة تسعة أشهر في مرحلة الحمل، يتغذّى في بطنها من غذائها، ويقرّ مطمئناً على حساب راحتها وصحتها.
ثم تأتي مرحلة الوضع الذي لا يعرف مقدار الألم فيه إلا الأُم، حيث تكون حياتها ــ أحياناً ــ مهدَّدة بالخطر. ويوصي بها على وجه الخصوص([1]):
(وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ) (لقمان: 14).
جاء بالتذكير بالوالدة بعد الوالدين؛ إذ هي أحق الناس بحسن الصحبة -كما قال صلى الله عليه وسلم- وقد سئل: ( من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك.
قال: ثم من؟ قال: أمك.
قال ثم من؟ قال: أمك.
قال ثم من؟ قال: أبوك )[2].
والوصايا بالوالدين تكررت كثيراً في كتاب الله سبحانه وتعالى ، قال:
{ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [الإسراء:23]، وقال تعالى: { وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [النساء:36].
وعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال : أفضل العمل الصلاة على ميقاتها، ثم بر الوالدين، ثم أن يسلم الناس من لسانك[3].
وعن الإمام جعفرالصادق (عليه السلام) –
لما سئل عن أفضل الأعمال قال -: الصلاة لوقتها، وبر الوالدين، والجهاد في سبيل الله عز جل .
فَقُدّم بر الوالدين على الجهاد في سبيل الله ، وكذا في أبواب الجرائم، في الحديث:
( أي الذنب أعظم؟ قيل: الشرك بالله، قال: ماذا؟
قال: ثم عقوق الوالدين.
وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (الجنة تحت أقدام الأمهات) ([4]).
وقال : (أربع من كنّ فيه ، بني الله له بيتا في الجنة : من آوى اليتيم ، ورحم الضعيف ، وأشفق على والديه ، ورفق بمملوكه)[5]
وقال الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام): (فحق أمك أن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً، وأطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحداً، وأنها وَقَتْكَ بسمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها وجميع جوارحها، مستبشرة بذلك فرحة موبلة محتملة لما فيه مكروهها وألمه وثقله وغمه، حتى دفعتها عنك يد القدرة وأخرجتك إلى الأرض فرضيت أن تشبع وتجوع هي وتكسوك وتعرى، وترويك وتظمأ، وتظلك وتضحى، وتنعمك ببؤسها وتلذذك بالنوم بأرقها، وكان بطنها لك وعاء، وحجرها لك حواء، وثديها لك سقاء، ونفسها لك وقاء، تباشر حر الدنيا وبردها لك ودونك، فتشكرها على قدر ذلك، ولا تقدر عليه إلا بعون الله وتوفيقه) ([6]).
بهذه العبارات المضيئة والتعابير الدقيقة، يستثير الإمام زين العابدين (عليه السلام) الضمير والرحمة في قلب الإنسان تجاه من
(حملته كرهاً ووضعته كرهاً)، وتذكره بالمشاق العظيمة التي تحملتها الأم في سبيل فلذة كبدها، لذلك قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله): (حق الوالد أن تطيعه ما عاش، وأما حق الوالدة فهيهات هيهات.. لو أنه عدد رمل عالج[7] وقطر المطر أيام الدنيا قام بين يديها ما عدل ذلك يوم حملته في بطنها) ([8])،
وكان من دعائه لأبويه عليه السلام :
(اللّهُمّ اجْعَلْنِي أَهَابُهُمَا هَيْبَةَ السّلْطَانِ الْعَسُوفِ، وَ أَبَرّهُمَا بِرّ الْأُمّ الرّءُوفِ، وَ اجْعَلْ طَاعَتِي لِوَالِدَيّ وَ بِرّي بِهِمَا أَقَرّ لِعَيْنِي مِنْ رَقْدَةِ الْوَسْنَانِ، وَ أَثْلَجَ لِصَدْرِي مِنْ شَرْبَةِ الظّمْ آنِ حَتّى أُوثِرَ عَلَى هَوَايَ هَوَاهُمَا، وَ أُقَدّمَ عَلَى رِضَايَ رِضَاهُمَا وَ أَسْتَكْثِرَ بِرّهُمَا بِي وَ إِنْ قَلّ، وَ أَسْتَقِلّ بِرّي بِهِمَا وَ إِنْ كَثُرَ.
اللّهُمّ خَفّضْ لَهُمَا صَوْتِي، وَ أَطِبْ لَهُمَا كَلَامِي، وَ أَلِنْ لَهُمَا عَرِيكَتِي، وَ اعْطِفْ عَلَيْهِمَا قَلْبِي، وَ صَيّرْنِي بِهِمَا رَفِيقاً، وَ عَلَيْهِمَا شَفِيقاً.
اللّهُمّ اشْكُرْ لَهُمَا تَرْبِيَتِي، وَ أَثِبْهُمَا عَلَى تَكْرِمَتِي، وَ احْفَظْ لَهُمَا مَا حَفِظَاهُ مِنّي فِي صِغَرِي
اللّهُمّ وَ مَا مَسّهُمَا مِنّي مِنْ أَذًى، أَوْ خَلَصَ إِلَيْهِمَا عَنّي مِنْ مَكْرُوهٍ، أَوْ ضَاعَ قِبَلِي لَهُمَا مِنْ حَقّ ٍ فَاجْعَلْهُ حِطّةً لِذُنُوبِهِمَا، وَ عُلُوّاً فِي دَرَجَاتِهِمَا، وَ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِهِمَا، يَا مُبَدّلَ السّيّئَاتِ بِأَضْعَافِهَا مِنَ الْحَسَنَاتِ)[9].
أقول من الذي يقرأ هذا القول ولا يترك في نفسه أعمق الآثار،
يهابهما هيبة السلطان العسوف مع مخالطته لهما ودنوه منهما و علمه برأفتهما،
أنها هيبة التعظيم و التوقير لاهيبة الخوف من الحساب و العقاب هيبة الأبوة التي لا يقدرها إلا العارفون.
ثم أقراء كلمات الإمام عليه السلام وهو يدعوا إلى أبويه عليهما السلام:
أللَّهُمَّ وَمَا تَعَدَّيَا عَلَيَّ فِيهِ مِنْ قَوْل، أَوْ أَسْرَفَا عَلَىَّ فِيْهِ مِنْ فِعْل، أَوْ ضَيَّعَاهُ لِي مِنْ حَقٍّ أَوْقَصَّرا بِي عَنْهُ مِنْ وَاجِب فَقَدْ وَهَبْتُهُ وَجُدْتُ بِهِ عَلَيْهِمَا، وَرَغِبْتُ إلَيْكَ فِي وَضْعِ تَبِعَتِهِ عَنْهُمَا فَإنِّي لا أَتَّهِمُهُمَا عَلَى نَفْسِي، وَلاَ أَسْتَبْطِئُهُمَا فِي بِرِّي، وَلا أكْرَهُ مَا تَوَلَّياهُ مِنْ أَمْرِي يَا رَبِّ فَهُمَا أَوْجَبُ حَقّاً عَلَيَّ، وَأَقْدَمُ إحْسَاناً إلَيَّ وَأَعْظَمُ مِنَّةً لَدَيَّ مِنْ أَنْ أقَاصَّهُمَا بِعَدْل، أَوْ أجازيهما عَلَى مِثْل، أَيْنَ إذاً يَا إلهِيْ طُولُ شُغْلِهِمَا بِتَرْبِيَتِي؟ وَأَيْنَ شِدَّةُ تَعَبِهِمَا فِي حِرَاسَتِيْ؟ وَأَيْنَ إقْتَارُهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا لِلتَّوْسِعَةِ عَلَيَّ؟ هَيْهَاتَ مَا يَسْتَوْفِيَانِ مِنِّي حَقَّهُمَا، وَلاَ أدرك مَا يَجِبُ عَلَيَّ لَهُمَا وَلا أَنَا بِقَاض وَظِيفَةَ خِدْمَتِهِمَا. فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّد وَآلِهِ وَأَعِنِّي يَا خَيْرَ مَنِ اسْتُعِينَ بِهِ. وَوَفِّقْنِي يَا أَهْدَى مَنْ رُغِبَ إلَيْهِ، وَلاَ تَجْعَلْنِي فِي أَهْلِ الْعُقُوقِ لِلابآءِ والأمهات يَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْس بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَيُظْلَمُونَ[10] .
عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال موسى
ابن عمران عليه السلام يا رب أوصني قال اوصيك بي فقال يا رب أوصني قال اوصيك بي ثلاثا فقال يا رب أوصني قال اوصيك بامك: قال يا رب أوصني قال اوصيك بامك، قال أوصني
قال اوصيك بأبيك، قال فكان يقال لاجل ذلك أن للام ثلثا البر وللاب ؟ الثلث[11].
لأن الأم بطبيعة الحال، تتحمل النصيب الأوفر من العناية والرعاية لولدها لما تجود به من حنان وعطف بلا حدود، فنتيجة لتلك التضحيات اللا متناهية كان للأم حقها العظيم على الأبناء، وبخاصة إذا كانت طيبة ومؤمنة، لتأثيرها البالغ في جنينها، فتجعل منه إنساناً سوياً ومستقيماً، وحتى أثناء الرضاع تسري أخلاق الأم إليه. قال تبارك وتعالى: (وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً) (مريم: 32)، ومهما قلنا ومهما نقدم من توصيات في حقوق الأم، تتضاءل العبارات، وتعجز الكلمات أمام الواجب تجاه صانعة الأجيال على مر العصور.
[1] الحقوق الاجتماعية في الإسلام: 3 / 9.
[2] الينابيع الفقهية / 38 / 114 ،
[3] ميزان الحكمة / 7 /159 .
[4] ميزان الحكمة / 11 /368.
[5] الخصال / 223 .
[6]رسالة الحقوق / 14 .
[7] مجمع البحرين 3 / 230 هي جمع عالج ، وهو ما تراكم من الرمل
ودخل بعضه في بعض ، ونقل أن رمل عالج جبال متواصلة يتصل أعلاها بالدهناء ،
والدهناء بقرب اليمامة وأسفلها بنجد . وفي كلام البعض رمل عالج محيط بأكثر أرض العرب .
[8] عوالي اللآلي / 1 / 90 .
[9] الصحيفة السجادية الكاملة / 129 .
[10] الصحيفة السجادية الكاملة / 129 .
[11] البحار / 71 / 68 .
تعليق