بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وآله الطاهرين
اهتم الإمام علي الهادي عليه السلام بإرشاد الضالين والمنحرفين عن جادة الحق وسعى سعياً حثيثاً إلى هدايتهم إلى سواء السبيل ، وكان من بين من أرشدهم الإمام عليه السلام وهداهم جعفر بن القاسم الهاشمي البصري ، الذي كان يقول بالوقف ، فالتقى به الإمام الهادي عليه السلام في بعض الطرق فقال له : إلى كم هذه النومة ؟ أما آن لك أن تنتبه منها ؟ فأثرت هذه الكلمة في نفسه فرجع إلى الحق . ومن مظاهر إرشاده الضالين والمنحرفين إلى طريق الله وصراطه المستقيم ما رواه المسعودي بإسناده عن الفتح بن يزيد الجرجاني لما ضمه مع الإمام عليه السلام الطريق حين قدموا به من المدينة - في حديث - قال : تلطفت في الوصول إليه فسلمت عليه ، فرد السلام ، فقلت : يا بن رسول الله ، تأذن لي في كلمة اختلجت في صدري ليلتي الماضية ؟ الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وآله الطاهرين
فقال عليه السلام: سل واصغ إلى جوابها سمعك ، فإن العالم والمتعلم شريكان في الرشد مأموران بالنصيحة ، فأما الذي اختلج في صدرك ، فإن يشاء العالم أنبأك أن الله ( لم يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول ) ، وكل ما عند الرسول فهو عند العالم ، وكل ما أطلع الرسول عليه فقد أطلع أوصياءه عليه .
يا فتح ، عسى الشيطان أراد اللبس عليك ، فأوهمك في بعض ما أوردت عليك ، وأشكك في بعض ما أنبأتك حتى أراد إزالتك عن طريق الله وصراطه المستقيم ، فقلت : متى أيقنت أنهم هكذا ، فهم أرباب ؛ معاذ الله إنهم مخلوقون مربوبون مطيعون ، داخرون راغمون ، فإذا جاءك الشيطان بمثل ما جاءك به ، فاقمعه بمثل ما نباتك به . قال فتح : فقلت له : جعلني الله فداك ، فرجت عني وكشفت ما لبس الملعون علي ، فقد كان أوقع في خلدي أنكم أرباب ! قال : فسجد عليه السلام فسمعته يقول في سجوده : راغماً لك يا خالقي ، داخراً خاضعا ، ثم قال : يا فتح ، كدت أن تهلك ، وما ضر عيسى أن هلك من هلك ، إذا شئت رحمك الله .
قال : فخرجت وأنا مسرور بما كشف الله عني من اللبس ، فلما كان في المنزل الآخر دخلت عليه ، وهو متكئ ، وبين يديه حنطة مقلوة يعبث بها ، وقد كان أوقع الشيطان لعنه الله في خلدي أنه لا ينبغي أن يأكلوا ولا يشربوا .
فقال : اجلس يا فتح ، فإن لنا بالرسل أسوة ، كانوا يأكلون ويشربون ويمشون في الأسواق ، وكل جسم متغذي إلا خالق الأجسام الواحد الأحد منشئ الأشياء ومجسم الأجسام ، وهو السميع العليم ، تبارك الله عما يقول الظالمون وعلا علوا كبيرا ، ثم قال : إذا شئت رحمك الله .
وكان عليه السلام دقيقا في تتبع أصحابه حريصاً على إرشادهم إلى الصواب ، قال الحسن بن مسعود : دخلت على أبي الحسن علي بن محمدالهادي عليهما السلام وقد نكبت إصبعي ، وتلقاني راكب وصدم كتفي ، ودخلت في زحمة فخرقوا علي بعض ثيابي فقلت : كفاني الله شرك من يوم ، فما أشأمك .
فقال عليه السلام لي : يا حسن ، هذا وأنت تغشانا ! ترمي بذنبك من لا ذنب له . قال الحسن : فأثاب إلي عقلي ، وتبينت خطأي ، فقلت : يا مولاي ، أستغفر الله .
فقال : يا حسن ، ما ذنب الأيام حتى صرتم تتشأمون بها إذا جوزيتم بأعمالكم فيها .
قال الحسن : أنا أستغفر الله أبدا ، وهي توبتي يا بن رسول الله .
قال عليه السلام : والله ما ينفعكم ، ولكن الله يعاقبكم بذمها على ما لا ذم عليها فيه ، أما علمت يا حسن أن الله هو المثيب والمعاقب والمجازي بالأعمال عاجلا وآجلا ؟ قلت : بلى يا مولاي .
قال عليه السلام : لا تعد ، ولا تجعل للأيام صنعا في حكم الله .
قال الحسن : بلى يا مولاي .
لقد كان الإمام عليه السلام يدعو إلى الإصلاح والإرشاد بمكارم أخلاقه وحسن سيرته وتواضعه وإحسانه ، وقد استطاع ببركة وعظه وإرشاده أن ينقذ جماعة ممن أغرتهم الدنيا فضاعوا في متاهتها ، فتركوا ما هم فيه وساروا إلى ساحل الأمان .
ولقد أسمع الموعظة والإرشاد حتى لألد أعدائه وهو المتوكل العباسي ، حين استنشده الشعر ، فأنشده عليه السلام : باتوا على قلل الأجبال تحرسهم * غلب الرجال فما أغنتهم القلل القصيدة ، فجعل المتوكل يبكي ويبكي الحاضرين من ندمائه وهو في نشوة السكر والتكبر والزهو .
هؤلاء هم ائمة اهل بيت العصمة كلهم نور وهداية بهم يهتدي الضالون وبنورهم يستضاء الى درب العدل والارشاد صلوات ربي عليهم اجمعين...
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطاهرين
المصدر- موسوعة أهل البيت عليهم السلام /موسوعة الامام علي ابن محمد الهادي عليهما السلام
تعليق