بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يُحكى ان أربعة نفرٍ اصطحبوا في طريقٍ واحدةٍ ،أحدُهُمُ ابن ملك والثاني ابن تاجر والثالث ابن شريف ذو جمالٍ والرابعُ ابنُ الحراث .اللهم صلِ محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وكانوا جميعاً مُحتَاجين ،وقد أصابهم ضررٌوَجَهدٌ شديد في موضعِ غُربة لا يملكون إلا ما عليهم من ثياب .فبينما هم يمشون إذ فكروا في أمرهم وكان كل انسان منهم راجعاً إلى طباعه وما كان يأتيه منه الخيرُ.قال ابنُ الملكِ :إن أمر الدنيا كله بالقضاء والقدر ،والذي قُدّر على الانسان يأتيه على كُل حالٍ ؛والصبر للقضاء والقدر وأنتظارهما أفضل الامور .وقال ابن التاجر :العقل أفضل من كُل شيءٍ.
وقال ابن الشريف :الجَمال أفضلُ مما ذَكرتم . ثم قال ابن الحراث : ليس في الدنيا افضل من الاجتهاد في العمل .
فلما قربوا من مَدينةٍ يُقال لها مطرُونُ ،
جلسوا في ناحية منها يتشاورون :فقالوا لأبن الحراث :ـ انطلق فاكتسب لنا باجتهادك طعاماً ليومنا هذا .فانطلق ابن الحراث ،وسأل عن عمل اذا عمله الإنسان يكتسب فيه طعام أربعة نفرٍ فعرفوه أنه ليس في تلك المدينة شيءٌ اعز من الحطب ؛ وكان الحطب منها على فَرسخٍ .
فانطلق ابن الحراث فاحتطب حزمة من الحطب وأتى به المدينة فباعه بدرهمٍ وأشترى به طعاماً وكَتبَ على باب المدينة :عملُ يومٍ واحدٍ اذا اجتهد فيه الرجل بدنه قيمته درهم .ثم انطلق الى اصحابه بالطعام فأكلوا .
فلما كان من الغد قالوا : ينبغي للذي قال إنه ليس شيءٌ اعز من الجمال ان تكون نوبته . فانطلق ابن الشريف ليأتي المدينة ، ففكر في نفسه وقال : انا لستُ احسن عملاً فما يدخلني المدينة ؟ثم أستحيا أن يرجع الى أصحابه بغير طعامٍ ،وهم بمُفارقتهم .فانطلق حتى اسند ظهره إلى شجرةٍ عظيمةٍ، فغلبه النوم فنام فمر به رجل مُصور وبصر به فأعجبه حُسنه ان يصوره ويكتسب من صورته اذا عمل منها صوراً وباعها . فأيقضه وذهب به إلى منزله ليصوره .فلما كان المساء اجازه بمئة درهم .فخرج وكتب على باب المدينة :جمالُ يومٍ واحدٍ يساوي مئة درهم .وأتى بالدراهم الى اصحابه .
فلما اصبحوا في اليوم الثالث قالوا :لابن التاجر انطلق انت فاطلب لنا بعقلك وتجارتك ليومنا هذا شيئا فانطلق ابن التاجر فلم يزل حتى بصر بسفينة من سفن البحر كثيرة المتاع قد قدمت الى الساحل فخرج اليها جماعةٌ من التجار يريدون ان يبتاعوا مما فيها من المتاع فجلسوا يتشاورون في ناحية من المركب فقال بعضهم لبعض ارجعوا يومنا هذا لا نشتري منهم شيئا حتى يكسد المتاع عليهم فيرخصوه علينا مع اننا محتاجون اليه وسيرخص فخالف الطريق وجاء الى اصحاب المركب ، فأبتاع منهم ما فيه بمائة الف دينار نسيئة واظهر انه يريد ان ينقل متاعه الى مدينة اخرى فلما سمع التجار ذلك خافوا ان يذهب ذلك المتاع من ايديهم فأربحوه على ما اشتراه مائة الف درهم وأحال عليهم اصحاب المركب بالباقي وحمل ربحة الى اصحابه وكتب على باب المدينة :عقلُ يومٍ واحدٍ ثمنه مائة الف درهم .
فلما كان اليوم الرابع قالوا لابن الملك انطلق انت واكتسب لنا بقضاءك وقدرك فانطلق ابن الملك حتى اتى الى باب المدينة فجلس على دكة في باب المدينة واتفق ان ملك تلك الناحية مات ولم يخلف ولداً ولا احد ذا قرابة فمروا عليه بجنازة الملك ولم يحزنه وكلهم يحزنون فأنكروا حاله وشتمه البواب وقال له : من انت يا هذا؟ وما يجلسك على باب المدينة ؟ ولا نراك تحزن لموت الملك ؟ وطرده البواب عن الباب.
فلما ذهبوا عاد الغلام فجلس مكانه . فلما دفنوا الملك ورجعوا بصر به البواب فغضب وقال له : الم انهك عن الجلوس في هذا الموضع؟
وأخذه فحبسه .فلما كان الغد اجتمع اهل تلك المدينة يتشاورون فيمن يملكونه عليهم وكن منهم يتطاول ينظر صاحبه ويختلفون بينهم.
فقال لهم البواب : اني رأيت امس غلاماً جالساًعلى الباب ولم اره يحزن لحزننا فكلمته فلم يجبني فطردته عن الباب .
فلما عدت رايته جالساً فادخلته السجن مخافة ان يكون عينا . فبعثت اشراف اهل المدينة الى الغلام فجاءوا به وسألوه عن حاله وما اقدمه الى مدينتهم فقال : انا ابن الملك اصطهر ملك ارض قور ماه . وانه لما مات والدي غلبني اخي على الملك فهربت من يديه حذراً على نفسي حتى انتهيتُ الى هذه الغاية .
فلما ذكر الغلام ما ذكر من امره عرفه من كان يغشى ارض ابيه منه واثنوا على ابيه خيرا .ثم ان الاشراف اختاروا الغلام ان يملكوه عليهم ورضوا به وكان لاهل تلك المدينة سُنة ، اذا ملكوا عليهم ملكاً حملوه على فيل ابيض وطافوا به حوالي المدينة . فلما فعلوا به ذلك مر بباب المدينة فراى الكتابة على الباب فأمر ان يكتب : ان الاجتهاد والجمال والعقل وما اصاب الرجل في الدنيا من خير وشر انما هو بقضاء وقدر من الله عزوجل وقد ازددتُ في ذلك اعتباراً بما ساق الله الي من الكر امة والخير .
والحمد لله على كل الاحوال
تعليق