الذنوب الكبائر ومدى تأثيرها في الخلود بالنار
مدارس السادة الغوالب
قال المحقق النراقي في مستند الشيعة ( 18 / 122 ) : وقد اختلفوا أولاً في تقسيم الذنوب إلى الكبائر والصغائر ، فحكي عن جماعة - منهم : المفيد والطبرسي والشيخ في (العدة) والقاضي والحلبي - إلى عدم التقسيم ، بل الذنوب كلّها كبائر .
ونسبه الثاني في تفسيره إلى أصحابنا ـ [مجمع البيان 2 / 38] ـ مؤذناً بدعوى الاتفاق ، وكذلك الحلي ، حيث قال - بعد نقل القول بالتقسيم إلى الكبائر والصغائر وعدم قدح الثاني نادرا في قبول الشهادة عن المبسوط - : ولا ذهب إليه أحد من أصحابنا ، لأنه لا صغائر عندنا في المعاصي إلا بالاضافة إلى غيرها [ السرائر 2 / 118 ] .
والحاصل : أن الوصف بالكبر والصغر إضافي ... .
وذهب طائفة ، منهم : الشيخ في (النهاية والمبسوط) ، وابن حمزة والفاضلان والشهيدان ، بل أكثر المتأخرين كما في (المسالك) ، بل عامتهم كما قيل ، ونسب إلى الإسكافي والديلمي أيضا - إلى انقسام المعاصي إلى الكبائر والصغائر ، بل يستفاد من كلام الصيمري ، وشيخنا البهائي في (الحبل المتين) - على ما حكي عنهما - الإجماع عليه .
وهو الحق ، لظاهر قوله سبحانه : ( إن تَجتَنبوا كَبَآئرَ مَا تنهَونَ عَنه نكَّفر عَنكم سَيّئَاتكم ) [النساء: 31] .
وقوله : ( وَالَّذينَ يَجتَنبونَ كَبَائرَ الإثم وَالَفوَاحشَ ) [الشورى: 37] .
ولقول علي ( عليه السلام ) : (من كبير أوعد عليه نيرانه ، أو صغير أرصد له غفرانه) [نهج البلاغة بشرح محمد عبده 1 / 20 ] .
ورواية ابن سنان : (لا صغيرة مع الإصرار ، ولا كبيرة مع الاستغفار) [الكافي 2 : 288 / 1 ، الوسائل 15 / 337 أبواب جهاد النفس ب 48 ح 3 ] .
ومرسلة الفقيه : (من اجتنب الكبائر كفّر الله عنه جميع ذنوبه) [ الفقيه 3 / 376 / 1781 ، الوسائل 15 / 316 أبواب جهاد النفس ب 45 ح 4 وفيه بتفاوت يسير ] .
وفي خبر آخر : (إن الأعمال الصالحة تكفّر الصغائر) .
وفي آخر : (هل تدخل الكبائر في مشيئة الله ؟ قال : نعم) [ الفقيه 3 / 376 / 1780 ، الوسائل 15 / 334 أبواب جهاد النفس ب 47 ح 7 ] .
وتشهد له الأخبار الواردة في ثواب بعض الأعمال : أنه يكفّر الذنوب إلا الكبائر ... .
ثم اختلف القائلون بالتقسيم في تفسير الكبائر وتحديدها .
فمنهم من قال : إن كل ما وجب فيه حد فهو كبيرة ، وما لم يقرّر فيه حد فهو الصغيرة .
ومنهم من قال : ما ثبت تحريمه بقاطع فهو كبيرة .
ومنهم من قال : كل ما آذن بقلة الاكتراث في الدين فهو كبيرة .
ومنهم من قال : ما يلحق صاحبه العقاب الشديد من كتاب أو سنة .
وقيل : إنها ما نهى الله عنه في سورة النساء من أولها إلى قوله سبحانه : ( إن تَجتَنبوا كَبَآئرَ مَا تنهَونَ عَنه ) .
وقيل : إنها سبع .
وقيل : إنها تسع .
وقيل : عشرون .
وقيل : أزيد .
وعن ابن عباس : انها إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبعة ، وبه صرح في الروضة [الروضة 3 / 129] .
وفي الدروس : أنها إلى السبعين أقرب منها إلى السبعة [ الدروس 2 / 125 ] .
والمشهور بين أصحابنا : أنها ما توعد عليها إيعاداً خاصا ، ولكن اختلفت كلماتهم في بيان الايعاد الخاص ....
وحاصل ما نستفيده من كلام المحقق النراقي هو :
في مسألة الذنوب قولان ، قول يرى أن الذنوب كلّها كبيرة ، ولا توجد ذنوباً صغيراً ، وقول يرى أن الذنوب كبيرة وصغيرة .
وعلى القول الثاني، فأساس التقسيم يختلف باختلاف تعريفهم للكبيرة .
ثم إن عدد الذنوب الكبيرة مختلف فيه ، وعليه لا يمكن إعطاء عدداً معيناً للذنوب التي يستلزم منها الخلود في النار .
ولكن ورد في بعض الروايات ذكر بعضها ، منها : (الكفر بالله تعالى ، والشرك به ، والزنا) .
فعن جعفر بن محمد عن أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنه قال في وصية له : (يا علي في الزنا ست خصال ، ثلاث منها في الدنيا ، وثلاث في الآخرة : فأما في الدنيا فيذهب بالبهاء ، ويعجل الفناء ، ويقطع الرزق ، وأما التي في الآخرة فسوء الحساب ، وسخط الرحمن ، والخلود في النار) [ تفسير نور الثقلين للشيخ الحويزي 3 / 161 ] .
تعليق