بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين محمد واله الطاهرين .
علي بن يقطين بن موسى ، البغدادي مسكناً ، والكوفي أصلاً ، مولى بني أسد يكنى أبا الحسن ، من وجوه هذه الطائفة ، جليل القدر ، وقد
ضمن له الإمام الكاظم (عيله السلام) الجنة وأن لا تمسه النار .
كان علي بن يقطين وزيراً للخليفة وكان يشرف على بلاد واسعة وكان من أقرب المستشارين لهارون الرشيد وفي الوقت ذاته كان من الموالين لأهل البيت (عليهم السلام) فكانت مواقف علي بن يقطين والتي تكشف أن سياسة التقية أو العمل السري لم تكن سياسة مرحلية مؤقتة ، بل كانت بمثابة إستراتيجية عمل بعيدة المدى ، فلعل أئمة الهدى رأوا أن تمكين رجالهم من مراكز الحكم بصورة أو بأخرى ، أفضل وسيلة لإصلاح أمر الأمة ، ولم يجدوا حاجة إلى التغيير السريع في قمة الهرم السلطوي ، وتحمل مسؤوليات الحكم بصورة مباشرة وحتى ولو لم يكن بناء الأمة الحضاري قد بلغ من النضج ما يحتمل نظاماً إلهيّاً ، كالذي كان أهل البيت (عليهم السلام) يريدونه .
في الوقت الذي كان علي بن يقطين مقرباً إلى الرشيد ، كان جواسيسه لا يفتأون يحيطون به وبسائر الوزراء ، إذ كان هاجس موالاة وزراءه للإمام الحق موسى بن جعفر (عليه السلام) يلاحق الرشيد ليل نهار ، إلاّ أن العلم الإلهي الذي كان لأئمة آل البيت (عليه السلام) منع الرشيد من إثبات أي شيء بحق علي بن يقطين ، كما أن انضباط علي بن يقطين وشدة التزامه بالأوامر القيادية فوّتت على الرشيد فرصاً كثيرة ، ومنها ما ذكرت في قضية الوضوء وهي :
روى محمد بن إسماعيل ، عن محمد بن الفضل قال : ( اختلفت الرواية بين أصحابنا في مسح الرجلين في الوضوء هو من الأصابع إلى الكعبين ؟ أم من الكعبين إلى الأصابع ؟ فكتب علي بن يقطين إلى أبي الحسن موسى (عليه السلام) أن أصحابنا قد اختلفوا في مسح الرجلين ، فإن رأيت أن تكتب إليّ بخطك ما يكون عملي عليه فعلت إن شاء الله ، فكتب إليه أبو الحسن (عليه السلام) : فهمتُ ما ذكرتَ من الاختلاف في الوضوء والذي آمرك به في ذلك فأن تتمضمض ثلاثاً وتستنشق ثلاثاً ، وتغسل وجهك ثلاثاً ، وتخلل شعرلحيتك وتمسح رأسك كله ، وتمسح ظاهر أذنيك . وباطنها ، وتغسل رجليك إلى الكعبين ثلاثاً ولا تخالف ذلك إلى غيره .
فلما وصل الكتاب إلى عليّ بن يقطين تعجب بما رسم فيه ، ممّا أجمع العصابة على خلافه ، ثم قال : مولاي أعلم بما قال وأنا ممتثل أمره ، وكان يعمل في وضوئه على هذا الحدّ ، ويخالف ما عليه جميع الشيعة امتثالاً لأمر أبي الحسن (عليه السلام) ، وسعي بعليّ بن يقطين إلى الرشيد ، وقيل له : إنه رافضي مخالف لك .
فقال الرشيد لبعض خاصّته : قد كثر عندي القول في عليّ بن يقطين والقذف له بخلافنا وميله إلى الرفض ولست أرى في خدمته لي تقصيراً ، وقد امتحنته مراراً فما ظَهَرْتُ منه على ما يُقذف به ، وأحبّ أن استبرئ أمره من حيث لا يشعر بذلك فيتحرز منّي .
فقيل له : إنّ الرّافضة يا أمير المؤمنين تخالف الجماعة في الوضوء فتخفّفه ولا ترى غسل الرّجلين فامتحنه يا أمير المؤمنين من حيث لا يعلم ، بالوقوف على وضوئه ، فقال : أجل إنّ هذا الوجه يظهر به أمره ، ثم تركه مدّة وناطه بشيء من الشغل في الدّار ، حتّى دخل وقت الصلاة ، وكان علي بن يقطين يخلو في حجرة في الدار لوضوئه وصلاته ، فلمّا دخل وقت الصلاة وقف الرّشيد من وراء حائط الحجرة بحيث يرى عليّ بن يقطين ، ولا يراه هو، فدعا بالماء للوضوء ، فتمضمض ثلاثاً ، واستنشق ثلاثاً ، وغسل وجهه ثلاثاً ، وخلّل شعر لحيته ، وغسل يديه إلى المرفقين ثلاثاً ، ومسح رأسه وأذنيه ، وغسل رجليه والرشيد ينظر إليه .
فلما رأه وقد فعل ذلك ولم يملك نفسه حتّى أشرف عليه بحيث يراه ، ثمّ ناداه : كذب يا علي بن يقطين من زعم أنّك من الرافضة ، وصلحت حاله عنده ، وورد عليه كتاب أبي الحسن (عليه السلام) : ابتداءً من الآن يا علي بن يقطين فتوضّأ كما أمر الله ، واغسل وجهك مرة فريضة ، وأخرى إسباغاً ، واغسل يديك من المرفقين كذلك وامسح مقدم رأسك وظاهر قدميك بنداوة وضوئك ، فقد زال ما كان يخاف عليك والسلام )[1]
من هنا نعلم ان شيعة اهل البيت عليهم السلام في اي درجة من درجات منازلهم الا ان مواقفهم واحدة ، وشخصيتهم لا تخيرها المناصب ونحوها ..
[1]- هامش كتاب البحار :( ص 38 - 39 ) .
تعليق