بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم
الذي رحمنا بمحمد وآله الطاهرين صلوات ربي عليهم اجمعين
.. لم يذكر لنا التاريخ ولم نقرأ ولم نعرف أناساً على مر الدهور ازهد واعبد من محمد وآل محمد الذين نالوا ما نالوا من الدرجات الرفيعة والمقام المحمود عند ربهم بعبادتهم وزهدهم عن هذه الدنيا الدنيه وزخرفها وزبرجها فشهدوا لله بالوحدانية وجعلهم السبيل الوحيد الى معرفته ونيل مغفرته ورضوانه ، وحارت الاقلام والعقول عن وصف عبادتهم .
وما نقل لنا هو النزر اليسير من عبادتهم لله عزوجل وهنا اورد مثالا ً لعبادة آل محمد وهو :
باب الحوائج راهب بني هاشم الامام موسى ابن جعفر عليهما السلام فلقد كان ابو الحسن موسى (عليه السلام) أعبد أهل زمانه وأفقههم وأسخاهم كفاً وأكرمهم نفساً.. وروي انه كان يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتى تطلع الشمس ويخر للّه ساجداً فلا يرفع رأسه من السجود والتحميد حتى يقرب زوال الشمس .
وكان يدعو كثيراً فيقول : اللهم اني اسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب ويكرر ذلك.
وكان من دعائه (عليه السلام) : عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك .. وكان يبكي من خشية اللّه حتى تخضل لحيته بالدموع .
قيل في اعترافهم بالذنب مع عصمتهم (عليهم السلام) وخلوهم عن المعاصي ان حسنات الابرار سيئات المقربين .. حيث ان انعطافهم عنه تعالى ذنب عندهم ، وقيل ان ذلك كناية عن دنو مقامهم في جنب عظمة اللّه ونحو من التذلل ، وقيل ان ذلك صدر عنهم تعليماً للعباد في التضرع والاستكانة ، وقيل ان معنى الذنب هو الفقر الذاتي المعبر عنه بالامكان الذي لا يخلو منه غيره تعالى ، ولكن في غير الوجهين الأولين ما لايخفى على العارف بحالاتهم ومقالاتهم (عليهم السلام) .
وكان اوصل الناس لأهله ورحمة ، وكان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل اليهم الزبيل فيه العين والورق والادقة والتمور فيوصل اليهم ذلك ولايعلمون من أي جهة هو، وكان كريماً بهياً وعتق الف مملوك .
وانه قد حضره فقير مؤمن يسأله سد فاقته فضحك (عليه السلام) في وجهه فقال اسألك مسألة فان أصبتها اعطيتك عشرة اضعاف ما طلبت ، وكان قد طلب منه مئة درهم يجعلها في بضاعة يتعيش بها ، فقال الرجل سل ، فقال موسى (عليه السلام) لو جعل اليك التمني لنفسك في الدنيا ماذا كنت تتمنى ؟ قال : كنت اتمنى ان ارزق التقية في ديني وقضاء حقوق اخواني ، قال (عليه السلام) : وما لك لم تسأل الولاية لنا اهل البيت ، قال ذلك قد اعطيته وهذا لم اعطه ، فانا اشكر على ما اعطيت وأسأل ربي ما منعت ، فقال احسنت اعطوه الفي درهم ، وقال اصرفها في كذا يعني في العفص فانه متاع يابس..
وقد روى الناس عنه فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب اللّه وأحسنهم صوتاً بالقرآن ، وكان اذا قرأه يُحزن ويُبْكي السامعون بتلاوته وكان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين وسمي الكاظم لما كظمه من الغيظ وصبر عليه من فعل الظالمين حتى مضى قتيلاً في حبسهم ووثاقهم .. وكان يقول : اني استغفر اللّه في كل يوم خمسة آلاف مرة .
وروى الصدوق انه كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال ، قال : فكان هارون ربما صعد سطحاً يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه ابا الحسن (عليه السلام) فكان يرى أبا الحسن (عليه السلام) ساجداً ، فقال للربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع ؟ قال يا أمير ما ذاك بثوب وانما هو موسى بن جعفر له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الى وقت الزوال قال الربيع : فقال لي هارون اما ان هذا من رهبان بني هاشم ، قلت فما لك فقد ضيقت عليه في الحبس ، قال هيهات لا بد من ذلك .
وروي انه عليه السلام دخل مسجد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فسجد سجدة في اول الليل فسمع وهو يقول عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك ، يا اهل التقوى ويا أهل المغفرة فجعل يرددها حتى اصبح .
وبالجملة كان (عليه السلام) حليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة وكان له غلام اسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين انفه من كثرة سجوده :
طالت لطول سجود منه ثفنته*** فقرحت جبهةً منه وعرنينا
رأى فراغته في السجن منيته*** ونعمةً شكر الباري بها حينا
فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سَادَةٍ غَائِبِينَ وَ مِنْ سُلاَلَةٍ طَاهِرِينِ وَ مِنْ أَئِمَّةٍ مَعْصُومِينَ اللَّهُمَّ فَأْذَنْ لَنَا بِدُخُولِ عَرَصَاتِهِم الَّتِي اسْتَعْبَدْتَ بِزِيَارَتِهَا أَهْلَ الْأَرَضِينَ وَ السَّمَاوَاتِ وَ أَرْسِلْ دُمُوعَنَا بِخُشُوعِ الْمَهَابَةِ وَ ذَلِّلْ جَوَارِحَنَا بِذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ وَ افَرْضِ الطَّاعَةِ حَتَّى نُقِرَّ بِمَا يَجِبُ لَهُمْ مِنَ الْأَوْصَافِ
وَ نَعْتَرِفَ بِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ الْخَلاَئِقِ إِذَا نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ فِي يَوْمِ الْأَعْرَافِ...
وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ سَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِين
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم
الذي رحمنا بمحمد وآله الطاهرين صلوات ربي عليهم اجمعين
.. لم يذكر لنا التاريخ ولم نقرأ ولم نعرف أناساً على مر الدهور ازهد واعبد من محمد وآل محمد الذين نالوا ما نالوا من الدرجات الرفيعة والمقام المحمود عند ربهم بعبادتهم وزهدهم عن هذه الدنيا الدنيه وزخرفها وزبرجها فشهدوا لله بالوحدانية وجعلهم السبيل الوحيد الى معرفته ونيل مغفرته ورضوانه ، وحارت الاقلام والعقول عن وصف عبادتهم .
وما نقل لنا هو النزر اليسير من عبادتهم لله عزوجل وهنا اورد مثالا ً لعبادة آل محمد وهو :
باب الحوائج راهب بني هاشم الامام موسى ابن جعفر عليهما السلام فلقد كان ابو الحسن موسى (عليه السلام) أعبد أهل زمانه وأفقههم وأسخاهم كفاً وأكرمهم نفساً.. وروي انه كان يصلي نوافل الليل ويصلها بصلاة الصبح ثم يعقب حتى تطلع الشمس ويخر للّه ساجداً فلا يرفع رأسه من السجود والتحميد حتى يقرب زوال الشمس .
وكان يدعو كثيراً فيقول : اللهم اني اسألك الراحة عند الموت والعفو عند الحساب ويكرر ذلك.
وكان من دعائه (عليه السلام) : عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك .. وكان يبكي من خشية اللّه حتى تخضل لحيته بالدموع .
قيل في اعترافهم بالذنب مع عصمتهم (عليهم السلام) وخلوهم عن المعاصي ان حسنات الابرار سيئات المقربين .. حيث ان انعطافهم عنه تعالى ذنب عندهم ، وقيل ان ذلك كناية عن دنو مقامهم في جنب عظمة اللّه ونحو من التذلل ، وقيل ان ذلك صدر عنهم تعليماً للعباد في التضرع والاستكانة ، وقيل ان معنى الذنب هو الفقر الذاتي المعبر عنه بالامكان الذي لا يخلو منه غيره تعالى ، ولكن في غير الوجهين الأولين ما لايخفى على العارف بحالاتهم ومقالاتهم (عليهم السلام) .
وكان اوصل الناس لأهله ورحمة ، وكان يتفقد فقراء المدينة في الليل فيحمل اليهم الزبيل فيه العين والورق والادقة والتمور فيوصل اليهم ذلك ولايعلمون من أي جهة هو، وكان كريماً بهياً وعتق الف مملوك .
وانه قد حضره فقير مؤمن يسأله سد فاقته فضحك (عليه السلام) في وجهه فقال اسألك مسألة فان أصبتها اعطيتك عشرة اضعاف ما طلبت ، وكان قد طلب منه مئة درهم يجعلها في بضاعة يتعيش بها ، فقال الرجل سل ، فقال موسى (عليه السلام) لو جعل اليك التمني لنفسك في الدنيا ماذا كنت تتمنى ؟ قال : كنت اتمنى ان ارزق التقية في ديني وقضاء حقوق اخواني ، قال (عليه السلام) : وما لك لم تسأل الولاية لنا اهل البيت ، قال ذلك قد اعطيته وهذا لم اعطه ، فانا اشكر على ما اعطيت وأسأل ربي ما منعت ، فقال احسنت اعطوه الفي درهم ، وقال اصرفها في كذا يعني في العفص فانه متاع يابس..
وقد روى الناس عنه فأكثروا ، وكان أفقه أهل زمانه وأحفظهم لكتاب اللّه وأحسنهم صوتاً بالقرآن ، وكان اذا قرأه يُحزن ويُبْكي السامعون بتلاوته وكان الناس بالمدينة يسمونه زين المجتهدين وسمي الكاظم لما كظمه من الغيظ وصبر عليه من فعل الظالمين حتى مضى قتيلاً في حبسهم ووثاقهم .. وكان يقول : اني استغفر اللّه في كل يوم خمسة آلاف مرة .
وروى الصدوق انه كانت لأبي الحسن موسى بن جعفر (عليه السلام) بضع عشرة سنة كل يوم سجدة بعد ابيضاض الشمس إلى وقت الزوال ، قال : فكان هارون ربما صعد سطحاً يشرف منه على الحبس الذي حبس فيه ابا الحسن (عليه السلام) فكان يرى أبا الحسن (عليه السلام) ساجداً ، فقال للربيع ما ذاك الثوب الذي أراه كل يوم في ذلك الموضع ؟ قال يا أمير ما ذاك بثوب وانما هو موسى بن جعفر له كل يوم سجدة بعد طلوع الشمس الى وقت الزوال قال الربيع : فقال لي هارون اما ان هذا من رهبان بني هاشم ، قلت فما لك فقد ضيقت عليه في الحبس ، قال هيهات لا بد من ذلك .
وروي انه عليه السلام دخل مسجد رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله وسلم) فسجد سجدة في اول الليل فسمع وهو يقول عظم الذنب من عبدك فليحسن العفو من عندك ، يا اهل التقوى ويا أهل المغفرة فجعل يرددها حتى اصبح .
وبالجملة كان (عليه السلام) حليف السجدة الطويلة والدموع الغزيرة وكان له غلام اسود بيده مقص يأخذ اللحم من جبينه وعرنين انفه من كثرة سجوده :
طالت لطول سجود منه ثفنته*** فقرحت جبهةً منه وعرنينا
رأى فراغته في السجن منيته*** ونعمةً شكر الباري بها حينا
فَصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سَادَةٍ غَائِبِينَ وَ مِنْ سُلاَلَةٍ طَاهِرِينِ وَ مِنْ أَئِمَّةٍ مَعْصُومِينَ اللَّهُمَّ فَأْذَنْ لَنَا بِدُخُولِ عَرَصَاتِهِم الَّتِي اسْتَعْبَدْتَ بِزِيَارَتِهَا أَهْلَ الْأَرَضِينَ وَ السَّمَاوَاتِ وَ أَرْسِلْ دُمُوعَنَا بِخُشُوعِ الْمَهَابَةِ وَ ذَلِّلْ جَوَارِحَنَا بِذُلِّ الْعُبُودِيَّةِ وَ افَرْضِ الطَّاعَةِ حَتَّى نُقِرَّ بِمَا يَجِبُ لَهُمْ مِنَ الْأَوْصَافِ
وَ نَعْتَرِفَ بِأَنَّهُمْ شُفَعَاءُ الْخَلاَئِقِ إِذَا نُصِبَتِ الْمَوَازِينُ فِي يَوْمِ الْأَعْرَافِ...
وَ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَ سَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ الطَّاهِرِين
المصدر
- كتاب الأنوار البهية في تواريخ الحجج الألهية للشيخ عباس القمي رضوان الله عليه
تعليق