خلق الله الانسان للرحمة
قد يبدو للوهة الاولى من هذه الاية {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } [1] ان غاية الله من خلق الناس و الاختلاف فيما بينهم ،لكن قبول هذا الامر يخالف الحكمة الالهية بل هذا مخالف لما ذكره الله صريحا من غاية الخلق {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[2] ثم لو كانت الغاية الاختلاف فلماذا ذمه الله وحذر منه ومن عواقبه.
قال الشيخ الطوسي في تفسيره[3] :هذه الآية تتضمن الاخبار عن قدرته تعالى بأنه لو شاء تعالى لجعل الناس أمة واحدة أي على دين واحد،... لكن ذلك ينافي التكليف ويبطل الغرض بالتكليف لان الغرض به استحقاق الثواب.
ثم قوى الشيخ ان معنى " ولايزالون مختلفين " معناه في الاديان كاليهود والنصارى والمجوس وغير ذلك من اختلاف المذاهب الباطلة.
وبين الشيخ (رحمه الله) الاختلاف في الدين بانه :اعتقاد كل واحد نقيض ما يعتقده الآخر، وهو مالا يمكن أن يجتمعا في الصحة وان امكن ان يجتمعا في الفساد، ألاترى أن اليهودية والنصرانية لايجوز أن يكونا صحيحين مع اتفاقهما في الفساد، ويجوز ان يكون في اختلاف اهل الملل المخالفة للاسلام حق، لان باعتقاد اليهودي ان النصرانية باطلة واعتقاد النصراني ان اليهودية فاسدة حق.
ثم قال رحمه الله: ولا يجوز ان تكون اللام لام الغرض (اي في قوله تعالى ولذلك خلقهم)، ويرجع إلى الاختلاف المذموم، لان الله تعالى لا يخلقهم ويريد منهم خلاف الحق، لانه صفة نقص يتعالى الله عن ذلك. و ايضا فلو أراد منهم ذلك الاختلاف، لكانوا مطيعين له، لان الطاعة هي موافقة الارادة والامر، ولو كانوا كذلك لم يستحقوا عقابا.
وقد قال تعالى " وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون " فبين تعالى انه خلقهم وأراد منهم العبادة، فكيف يجوز مع ذلك ان يكون مريدا لخلاف ذلك، وهل هذا الا تناقض؟ ! يتعالى الله عن ذلك .انتهى
(عن ابي عبيدة الحذاء قال : سألت ابا جعفر عليه السلام عن الاستطاعة وقول الناس ؟
فقال : وتلا هذه الآية : " ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك ولذلك خلقهم "
يا ابا عبيدة ! الناس مختلفون في اصابة القول وكلهم هالك ،
قال : قلت : قوله : " الا من رحم ربك " قال : هم شيعتنا ولرحمته خلقهم ، وهو قوله : " ولذلك خلقهم "...)[4]
(عن ابي عبد الله عليه السلام قال :خلقهم ليفعلوا ما يستوجبون به رحمة الله فيرحمهم) [5].
(عن عبدالله بن غالب عن أبيه عن رجل قال سألت علي بن الحسين عليهما السلام عن قول الله : " ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك " قال : عنى بذلك من خالفنا من هذه الامة مخالف بعضهم بعضا في دينهم واما قوله : " الا من رحم ربك ولذلك خلقهم " فاولئك اوليائنا من المؤمنين " ولذلك خلقهم " من الطينة طيبا ، اما تسمع لقول ابراهيم : " رب اجعل هذا البلد آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله " قال : ايانا عنى واوليائه وشيعته وشيعة وصيه ، قال : " ومن كفر فأمتعه قليلا ثم اضطره إلى عذاب النار " قال : عنى بذلك من جحد وصيه ولم يتبعه من امته ،وكذلك والله حال هذه الامة) [6].
و(عن عبدالله ابن سنان قال : سئل ابوعبدالله عليه السلام عن قول الله تبارك وتعالى : " ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة ولا يزالون مختلفين الا من رحم ربك " فقال : وكانوا امة واحدة فبعث الله النبيين ليتخذ عليهم الحجة)[7].
ان الله قادر على يجعل الله الناس امة واحدة وهذا لا غبار عليه فان لله القادرة المطلقة لكن الاية تخبر عن حالة كانت موجودة وان الناس كانوا امة واحدة في فترة من تأريخ البشرية وهذا ما يؤكده قوله عز وجل كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ )[8]وقوله تعالى ( وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)[9].
[1] هود: 118، 119
[2] الذاريات: 56
[3] الشيخ الطوسي ، التبيان في تفسير القرآن.
[4] في اصول الكافي باب الحجة باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية ص430.
[5] علل الشرائع ج1 علة خلق الخلق واختلاف أحوالهم ح10
[6] المحدث الجليل ابى النضر محمد بن مسعود بن عياش السلمى السمرقندى ،تفسير العياشى مجلد: 1ص60.
[7]الكليني ،كتاب الكافي ، روضة الكافي ص380.الكليني ،كتاب الكافي ، روضة الكافي ص380.
[8] البقرة: 213
[9] يونس: 19
تعليق