بسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ
الَلَّهٌمَّ صَلَِ عَلَىَ مٌحَمَّدْ وَآلِ مُحّمَّدْ
وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ اَلْشَرِيِفْ وَأَرْحَمْنَاْ بِهِمْ يَا كَرِيِمْ
سر الحاجة الى الخالق ..
.. إن السر الذي يجمع بين المخلوقات والباري تعالى يصح أن يقال عنه : أنه سر مكنون
لأنه يجذب الموجودات نحو الخالق لتدور في أفقه ، وتحوم حول فلكه ،ولقد حير هذا السر عقول العلماء
والمتكلمين ، فمضوا يفسرون هذه العلاقة العجيبة بنظريات تتباين في تصوير عامل الجذب
.. النظريات في تفسير علاقة الموجودات ، لقد اعتاد علماء الفكر والعقيدة على إدراج الأدلة
التي بها يحللون علاقة الموجودات ومنها ، الإنسان بالخالق وهي الأدلة ذاتها التي بها يثبتون وجود الخالق
وهي تتفق في أن الحاجة هي مناط علاقة الإنسان -وسائر الموجودات- بالله تعالى ولكنها تختلف
في تفسير هذه الحاجة ، فالبعض يرى -وهم المتكلمون- أن كل الأشياء لم تكن موجودة في أن ما من الزمان
إذ لم يكن أي شيء مخلوقا ، ثم بعد ذلك خلقت وتمتعت بنعمة الوجود ، فهي محتاجة إلى الخالق في إيجادها
أو كما يقول المتكلمون في حدوثها لأنها حادثة ثم حدثت ، فملاك الحاجة هو الحدوث ويمكن متابعة هذا القول
عند الرازي في كتابه (المطالب العالية) وشوارق الإلهام لعبدالله اللاهيجي ، ولكن هذا التفسير لآ يعد كافيا
لأن الأشياء محتاجة الخالق في أصل خلقها أو حدوثها ، ولكن ماذا بعد الحدوث والخلق ،
هل تستغني عن الخالق لأنها تمتعت بالوجود ؟ ... هنا التفسير لايشمل حاجة الموجودات للخالق في بقائها
وهذه المسألة هي التي ولدت الخلاف بين المتكلمين والفلاسفة في مسألة الحدوث الزماني للعالم
ولذلك فقد انبرى الفلاسفة ليضعوا تفسيرا آخر لحقيقة حاجة المخلوقات إلى الخالق ، فقالوا :
انه الإمكان ويراد بالإمكان تساوي طرفي الوجود والعدم بالنسبة للشيء ، وبمعنى آخر ان الشيء يوصف
ممكن اذا كان وجوده او عدمه خارجا عن ذاته فلا يمكنه أن يتصف بالوجود لوحده وإنما يحتاج
إلى من يغدق عليه الوجود ليتمتع به ويصير موجودا ، فإذا صار موجودا بفعل خالقه
أو كما يقول الفلاسفة بفعل علته ، فإن حقيقته تبقى غير قادرة على إيجاد نفسها حتى بعد أن ظهرت للوجود
فهي ـ أي الممكنات ـ تبقى محتاجة في كل آن إلى علتها التي اعطتها الوجود ، وبعبارة أخرى أن الأشياء
حتى بعد أن تظهر إلى الوجود تبقى محتاجة إلى الخالق في اتصافها بالوجود في كل لحظة
لأنها لا تستطيع أن تعطي لنفسها الوجود ولو للحظة واحدة فيكون معنى الحاجة هو كونها ممكنات .
يتبع

تعليق