
أشرنا الى أن انفتاح المسلمين في عصر الامام السجاد {عليه السلام}
على ثقافات متنوعة وأعراف مختلفة للشعوب التي دخلت في الاسلام أدى الى خطر التأثر بهذه الأعراف.كما أن الحكومة الأموية من أجل احكام سيطرتها على رقاب المسلمين سارت في خط اماتة الوعي ومحاربة العلم وانشاء مذاهب أو تيارات عقيد ية الى الجمود الفكري والركود العلمي بالتدريج.
من هنا قام الامام زين العابدين {عليه السلام } بتأسيس مدرسة علمية وايجاد حركة فكرية اجتهادية تفتح الافاق الذهنية للمسلمين ,وذلك بما بدأه من حلقات البحث والتدريس
في مسجد الرسول {صلى الله عليه واله وسلم } وبما كان يثيره في خطبه في صلوات الجمع أسبوعيا.
وقد تخرج من هذه الحلقات عدد كبير من فقهاء المسلمين,يحمل وعي الامام وروحه وعلمه. وكانت هذه الحلقات هي المنطلق لما نشأ بعد ذلك من مدارس فقهية وشخصيات علمية.والتف حوله {عليه السلام} القراء والفقهاء والعلماء بنحو لا نجد له نظيرا في غيره من العصور ,حتى قال سعيد بن المسيب
ان القراء كانوا لا يخرجون الى مكة حتى يخرج علي بن الحسين
{عليه السلام} فخرج وخرجنا معه ألف راكب )1
وقام الامام {عليه السلام } بأداء دور مهم في ميدان الاصلاح الثقافي أيضا
فتصدى لنشر حديث الرسول متحديا لحظر السلطة,ودعا الى العمل بالسنة الشريفة واهتم بتدريس القرآن وتفسيره وحفظه واكرام حملته ,وشيد قواعد التوحيد الالهي وأجاب عن الشبهات التي كان يثيرها دعاة الجبر والتجسيم والتشبيه والارجاء .
ولما كانت غاية الحكام اقصاء أئمة أهل البيت {عليهم السلام }
عن الامامة والحاكمية والولاية ونفى امامتهم الدينية ,أعلن الامام السجاد{ عليه السلام } عن امامة نفسه بكل وضوح وصراحة ومن دون أية تقية وخفاء ,واهتم بارشاد الناس الى هذا المعين الصافي للشريعة.
قال أبو المنهال نصربن أوس الطائي :
قال لي علي بن الحسين {عليه السلام } الى من يذهب الناس )؟
قال: قلت:يذهبون ها هنا وها هنا .قال {عليه السلام } (قل لهم :يجيئون الي).1
وقد خرجت مدرسة الامام السجاد {عليه السلام } كوكبة من العلماء الكبار ,منهم الفقهاء والمفسرون
يعود الفضل اليهم في دفع عجلة الاحياء العلمي في ذلك العصر الرهيب
وفي مقدمتهم الامام أبوجعفر الباقر {عليه السلام } وأخواه زيد والحسين ابنا علي بن الحسين عليهما السلام وأبان بن تغلب الذي كان يقول له الامام الباقر عليه السلام اجلس في مسجد المدينة وافت الناس فاني أحب أن يرى في شيعتي مثلك )2
وثابت بن أبي صفية (أبو حمزة الثمالي ),وكانت الشيعة ترجع اليه في الكوفة لاحاطته بفقه أهل البيت عليهم السلام حتى شبه بسلمان الفارسي ورشيد الهجري الذي صلبه الأمويون لعقيدته وولائه ,وأبو خالد الكابلي الذي كان باب الامام وموضع سره ,وغيرهم كثير.
وحقق النشا ط العلمي للامام {عليه السلام } غاياته المتوخاة,فالمسجد النبوي الشريف
ودار الامام {عليه السلام} شهدا طوال خمسة وثلاثين عاما وهي فترة امامته
ونشاطا فكريا من الطراز الأول.
وكان انفراط عقد الشيعة بعد استشهاد الامام الحسين {عليه السلام } وتشتت قواهم من أعظم ماواجه الامام السجاد {عليه السلام} لاستجامع القوى وتوسيعة القاعدة الموالية لأهل البيت عليهم السلام ,وهذا كان بحاجة الى اعداد نفسي وعقيدي واحياء الأمل في القلوب وبث العزم في النفوس.
وقد تمكن الامام عليه السلام بحكمته وعمله الهادئ من تحقيق المراد.وكل هذا يشير الى تخطيط واضح في سلوك الامام عليه السلام ولايجاد حركة ثقافية واسعة يتسنى لها أن تقف أمام التيارات المنحرفة والمخطط الأموي الذي يريد هدم أركان الاسلام ..
خلاصة الدرس
-اتسم عصر الامام علي بن الحسين عليه السلام – والذي أعقب موجة الفتح الأولى-بانفتاح الأمة الاسلامية على سائر الشعوب مما أدى الى أن تواجه خطرين كبيرين:خطر المسخ الثقافي وخطر الانهيار الأخلاقي.
- كانت نشاطات الامام متجة الى معالجة هذيـن الخطرين من خلال التأصيل العلمي والثقافي والتربية الأخلاقية عن طريق ربط الانسان بربه من خلال الدعاء .
-يتخلص نشاط الامام في كشف الأقنعة المزيفة التي قبع الحكام تحتها مستغلين غطاء دينيا من فقهاء السلطة ووعاظ السلاطين .
- وكان نشاط الامام التثقيفي والعلمي مدرسة حقيقية حتى أصبحت الأساس الأول لمدرسة أهل البيت عليهم السلام وجامعتهم العلمية على مدى القرون حتى يومنا هذا.
- يعتبر خريجـوا مدرسة الامام وصحابته وخاصتـه دليلا آخر على
عظمة النشاط الذي مارسه الامام عليه السلام الى جانب الأنشطة العبادية والاجتماعية ذات الآثار السياسية الحقيقية والأصيلة في المجتمع الاسلامي.
{بحوث قي الحياة السياسية لأهل البيت عليهم السلام }
تعليق