بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى
(حتى اذا جاء احدهم الموت قال رب ارجعون لعلي اعمل صالحا فيما تركت كلا انها كلمه هو قائلها ومن ورائهم برزخ الى يوم يبعثون )
المؤمنون 99-100
كان هناك ثلاثة اصدقاء مؤمن وسعيد وجمال ،كان جمال يحب الحياه الدنيا وجمالها
وبعيدا عن الله اما سعيد كان ايمانه ضعيفا وكان بحاجه الى من يقوي ايمانه ،فصديقه
مؤمن هو الذي ارشد سعيد للالتزام بدينه ،بعد ان اخذه الى عالم جليل، قائلا له ارجو
ان تسمح لي ان اشغل وقتك قليلا فقد ضاق صدري ولا اجد من يفتح قلبه لي ويستمع
بتمعن لما اقول فبقينا حيارى في ميدان نظر ألي بتأمل عميق وظهرت عليه ملامح
التأثر والاهتمام بي فقال بني ماهي مشكلتك ،قلت ان الدنيا صغرت في عيني وحقرت
في نفسي ،حتى أصبحت كالصفحة السوداء تمنعني من الوصول الى الله وكانت كلماتي
ممزوجة بالبكاء الذي منعني من الاستمرار في الكلام مما جعل العالم الجليل ان يؤخر
اللقاء الى يوم غد بعد صلاه المغرب ،غادرت المجلس الى بيتي مشيا على الاقدام
لأتمكن من التفكير بالمسائل والمطالب التي سوف اعرضها على العالم الجليل يوم غد
،وبعد وصولي الى البيت وخلال طرقي للباب فتحه ولدي مرتضى الذي يبلغ السنه
الرابعة من عمره وهو مرتبك ويقول أن والدته خرجت لتشتري بعض الحاجيات ولم تعد
الى الان ،اصطحبت مرتضى لنبحث عن امه ما إن وصلنا الدكان الذي نشتري عاده
احتياجاتنا منه ظهر الارتباك على وجه البائع فعلمت أن امرا ما قد حصل وبعد السؤال
عن ام مرتضى اخبرنا عند عبورها الشارع تعرضت إلى حادث دهس وهي الآن في
المستشفى ،حين وصول سعيد للمستشفى اخبر بوفاة زوجته وبعد انقضاء الايام الثلاثة
لمراسيم الفاتحة ، اخذ يفكر كثيرا بالآخرة وهو يقول آه الويل لي ،إذن أيامي في الدنيا
قليله ،آه...كيف بالصكوك التي لم يصل وقتها وكيف بحساب العمال الذي كله في
دفتري الخاص ولا يكتبه ويقدمه للشركة أحد غيري أم كيف بالأسرار التي في صدري
والتي طالما ترددت في كشفها متأملا ان يعود جمال لرشده ويتوب من أعماله انها
اسرار سرقاته من الشركة وقد لا يعلم بها احد غيري أم كيف ب ...الخ . احس بصداع
شديد في رأسه فقرر أخذ ابنه مرتضى لأحد الحدائق وملاعبته كي ينشغل عن التفكير
القاتل ، شعر مرتضى بالتعب من اللعب ناد والده واسرع راكضا نحو أبيه وحضنه
وضمه والده الى صدره قال مرتضى لوالده أريد ماما لماذا لم تأتي معنا ، قال سعيد :
تحيرت بالإجابة فقلت له إنها بجوار الله الرحمن الرحيم الذي تصلي له كل يوم وأنت
تلعب بسباحها هل تتذكر؟ اثنى رقبته الى الارض وبدأت دموعه تسيل دون أن يصرخ
أو يصدر منه صوت .ذهبنا الى مسجد قريب لأداء فريضه الصلاة وبعد أدائها أحسست
أن صلاتي هذه المرة تختلف عما قبلها فتساءلت في نفسي لماذا انقضى عمري وانا لم
احس بطعمها إلا هذه المرة أترى انها غير مقبولة عند ربي ؟ ام أنها لم تكن كامله ؟
فيا ويلاه ماذا عن صلاتي السابقة وهل هي في محل قبول عند الحق تعالى أم انها
مردوده على رأسي ؟ وتساءلت مره أخرى :إذا كانت صلاتي هذه المرة صلاه مودع
للدنيا فلماذا لم تكن كذلك قبل هذا الوقت ؟ وتلوح في الأفق كلمات الامام زين العابدين
عليه السلام في دعاء ابي حمزه الثمالي فأقتبس الأمل منها عندما يقول ((فاعطني من
عفوك بمقدار أملي ولا تؤاخذني بأسوأ عملي فإن كرمك يجل عن مجازاه المذنبين
وحلمك يكبر عن مكافأة المقصرين )) او عندما يقول ((إلهي ان أدخلتني النار ففي
ذلك سرور نبيك وانا والله أعلم أن سرور نبيك أحب أليك من سرور عدوك )). وبينما
انا في حديقة المنزل وإذا بجرس الهاتف يرن رفعت السماعة وإذا بمدير الشركة يسأل
إذا كان السقف الخامس للمبنى المسؤول عنه هل هو جاهز للصب غدا ؟ أجبته فيه
بعض النواقص يمكن إصلاحها في الغد إن شاء الله وسأشرف عليها بنفسي . بعد ان
قال سعيد لمدير الشركة إني سوف اشرف على العمل بنفسي طلب منه أن يلتقي معه
اليوم بشأن جمال الذي يشتغل معه في الشركة والسرقات التي يقوم بها وغيرها من
الاعمال التي لا يرضى الله عنها كي يزيح هذا الثقل عن قلبه ويصفي نفسه من كل هذه
الشوائب التي يمقتها الله سبحانه وتعالى ذهب سعيد لمدير الشركة وصارحه بكل شيء
واحس ان هذا الثقل أخذ يخف عنه شيئا فشيئا بادره مدير الشركة ولماذا لم تخبرني
من قبل وأولا بأول قال كنت أتأمل ان يعود الى رشده ويعيد الاموال الى محلها كما كان
يعد بذلك بين مده وأخرى ويلمح على إنها قرض وله صلاحيه التصرف بها . قال
المدير لسعيد ان جمال سيأتي غدا قبل الظهر الى المبنى وأن لا تتكلم معه بشيء عن
حديثنا هذا فاني اعلم كيف سأتصرف معه وبينما انا في دوامه الفكر هذه وإذا بأمر
يخطر على ذهني .....انا شكوت للعالم الجليل الحجب التي تمنعني الوصول الى الله
،وقد علمت الان أنه لم يتركني دون جواب عن عدم مبالاة عنه بل أراد لي معرفه
الطريق بنفسي وقد لمست الآن أن الوصول الى الله والدنو منه لا يكون إلا بالتحرر من
تبعات الدنيا ومادياتها والتزود بزاد التقوى للرحيل إليه .....آه لماذا كل هذه الحجب قد
وضعتها أمامي لا ادري لماذا يصنع الانسان شقاوته بيده ليعيش في الدنيا في ظلمات
الحيرة والظلال والحرص والغضب ولا يذوق السعادة حتى لقطره منها بل الأكبر من
ذلك لماذا يفشل الأنسان في معبر قصير ونعيم الابد ينتظره ولماذا يقدم الانسان بنفسه
الى جهنم كان يعلم انها امامه .....آه لماذا كنت هكذا ولم أذق السعادة إلا هذه اللحظة
وقد خالطها الندم والحسرة على ما سبق . وفي اليوم التالي ذهبت الى المبنى وصعدت
سلالمه حتى وصلت الطابق الرابع وإذا بجمال واقف كأنه ينتظر شخصا ما ولما رآني
ابتسم ابتسامته الكاذبة التي تعودت عليها ثم قال بلهجه ساخرة ماذا ستفعل يا مهندس
سعيد الصب غدا والسقف غير مهيأ . قال سعيد لدي الوقت الكافي لم يبق إلا الشيء
القليل ، قال سعيد فأخذ بيدي يجرها وهو يقول :هيا نصعد فليس لدينا وقت كاف
...أخيرا صعدا الى الطابق الخامس وكانت خطوات سعيد بطيئة وهادئة تدل على
الجولات التي قام بها في المبنى ،اما جمال فكانت خطواته مرتبكه ، ووجهه مضطرب
ولونه يتغير بين الحين والآخر ،وبعد وصولهم الى السقف الخامس واستقرت أقدامهم
فوقه قال جمال لسعيد تعال وانظر الى الحديد كيف تم ربطه كما اردت وكان على حافه
السقف وكان مربوطا بشكل جيد ،ما إن التفت سعيد على جمال ليقول له إنه عمل جيد
حتى أحس بوضع يدي جمال على ظهره ودفعه بقوه من على السقف الى الأسفل . إن
لحظات السقوط بين الطابق الخامس والارض ماهي اللانهاية حياه سعيد حيث لاحظ قطع
الحديد الحاده والمبعثرة هنا وهناك ،وماهي الا لحظات قليله وستنكشف الأسرار ويظهر
الغيب الذي أخفي طوال عمر سعيد وسيصل الى ما تخوف منه تارة وما اشتاق اليه
تارة أخرى . يقول سعيد : إن في هذا السقوط لم يبق لي احد في الوجود اتوجه إليه
ولم يبق لي سواه هو الله ، حقا في تلك اللحظات احسست بمعنى التوحيد وتذوقت طعمه
حينها نطق لساني صارخا يا الله يا الله يا... يقول ولم اكمل الثالثة حتى سمعت صوت
السقوط قويا على الارض وبدأ الألم شديدا في بدني وسلبت مني القدرة على الصراخ
وانشلت أعضائي عن الحركة وحجبت عني الرؤية فلم أعد أرى شيئا ولا أبصر احدا
وغرقت في إغماء شديد وعميق ....
الى اللقاء في الجزء الثاني لنرى ماذا حصل لسعيد بعد ذلك
تعليق