اللهم صل على محمد وال محمد وعجل فرجهم الشريف
تكملة البحث

الأمر الرابع / رعاية أبي طالب له وكفالته
وكان عبد المطلب خائفاً على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأ خذه إلى مكة وأقام بها حتى حضرته الوفاة، فأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله أبو طالب،وكان أبي طالب أخاً لعبد الله والد النبي من جهة ألام والأب وأقبل به
إلى منزله، ودعا بزوجته فاطمة بنت أسد، وكانت شديدة المحبة لرسول الله
صلى الله عليه وآله، شفيقة عليه، فقال لها أبو طالب: اعلمي أن هذا ابن أخي، وهو أعز عندي من نفسي ومالي، وإياك أن يتعرض عليه أحد فيما يريد، فتبسمت فاطمة من قوله، وكانت تؤثره على سائر أولادها، وكان لها عقيل وجعفر، فقالت له: توصيني في ولدي محمد وإنه أحب إلي من نفسي وأولادي، ففرح أبو طالب بذلك، فجعلت تكرمه على جملة أولادها، ولا تجعله يخرج عنها طرفة عين أبدا "، وكان يطعم من يريد فلا يمنع، وقد كان يشب في اليوم ما يشب غيره في السنة وينمو، فتعجب أهل مكة من ذلك وحسنه وجماله، فلما نظر أبو طالب إلى حسنه وجماله قال: شعرا ":نور وجهك الذي فاق في الحسن * على نور شمسنا وآلهلا لأنت والله يا مناي وسؤلي * الذي فاق نوره المتعالي أنت نور الأنام من هاشم الغر * فقت كل العلا وكل الكمال وعلو الفخار والمجد أيضا * ولقد فقت أهل كل المعالي ثم بعد ذلك شاع ذكره في البلاد ثم إنه توجه يوما " إلى نحو الكعبة وأهل مكة حولها، وكان قد عمروا فيها عمارة، وشالوا الحجر الأسود من مكانه، فارأدوا أن يردوه إلى مكانه الأول اختلفوا فيمن يرده، فكان كل منهم يقول: أنا أرده، يريد الفخر لنفسه، فقال لهم ابن المغيرة: يا قوم حكموا في أمركم من يدخل من هذا الباب،وأجمعوا على ذلك وإذا بالنبي صلى الله عليه وآله قد اقبل عليهم، فقالوا: هذا محمد، نعم الصادق الأمين، ذو الشرف الأصيل ثم نادوه فأقبل عليهم، فقالوا: قد حكمناك في أمرنا، من يحمل الحجر الأسود إلى محله؟ فقال صلى الله عليه وآله: هذه فتنة، أتوني بثوب فأتوه به، فقال:ضعوا الحجر فوقه، وارفعوه من كل طرف قبيلة، فرفعوه إلى مكانه، والنبي صلى الله عليه وآله هو الذي وضعه في مكانه فتعجبت القبائل من فعله.(1)روى الكاذروني: في المنتقى عن برة قال: أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه وآله ثويبة بلبن ابن لها يقال له: مسروح أياما " قبل أن تقدم حليمة، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي،
وكانت تدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله فيكرمها، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يبعث إليها بعد الهجرة بكسوة- وأورد الحافظ أبو القاسم الأصبهاني في دلائل النبوة مسندا " عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)مناقب ال ابي طالب ج 1 والفروع ج1ص225)
(17)
دعاني إلى الدخول في دينك أمارة لنبوتك، رأيتك في المهد تناغي القمر، وتشير إليه بإصبعك، فحيث أشرت إليه مال،قال: إني كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء، وأسمع وجبته يسجد تحت الكرسي- وروى عن مجاهد قال: قلت لابن عباس: وقد تنازعت الظئر في رضاع محمد صلى الله عليه وآله؟ قال: إي والله، وكل نساء الجن، وذلك لما رد إلى آمنة من السماوات نادى الملك في سماء الدنيا: هذا محمد سيد الأنبياء، فطوبي لثدي أرضعته، فتنافست الطير والجن،في رضاعه، قال: فنوديت كلها: أن كفوا، فقد أجرى الله ذلك علي أيدي الأنس،فخص الله بذلك حليمة عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب، عن أبي طالب قال خرجت إلى الشام تاجرا " سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان في أشد ما يكون من الحر فلما أجمعت على السير قال لي رجال قومي ما تريد أن تفعل بمحمد؟ وعلى من تخلفه؟ فقلت: لا أريد أن أخلفه على أحد، يكون معي، فقيل: صغير في حر هذا تخرجه معك؟ فقلت: والله لا يفارقني حيث توجهت أبدا "، وإني لا وطئ له الرحل، فذهبت فحشوت له حشية زكتأ وكنا ركبانا كثيرا فكان والله البعير الذي عليه محمد أمامي لا يفارقني وكان يسبق الركب كلهم، وكان إذا اشتد الحر جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه وتقف على رأسه ولا تفارقه، وكانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا، وضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا لا نصيب قربة إلا بدينارين، وكنا حيث ما نزلنا تمتلئ الحياض، ويكثر الماء وتخضر الأرض، فكنا في كل خصب وطيب من الخير، وكان فينا قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول الله ومسح عليها فسارت ، فلما قربنا من بصرى إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتى إذا قربت منا وقفت، فإذا فيها راهب وكانت السحابة لا تفارق رسول
الله صلى الله عليه وآله ساعة واحدة، وكان الراهب لا يكلم الناس، ولا يدري ما الركب،وما فيه من إلتجار فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله عرفه، فسمعته يقول: إن كان أحد فأنت أنت، قال: فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الأغصان، ليس لها حمل، وكان الركب ينزل تحتها، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وآله اهتزت الشجرة، وألقت أغصانها على رسول الله، وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة: فاكهتان للصيف، وفاكهة للشتاء، فتعجب جميع
من معنا من ذلك، فلما رأى بحيراء الراهب ذهب فاتخذ طعاما " لرسول الله بقدر ما يكفيه، ثم جاء وقال: من يتولى أمر هذا الغلام؟ فقلت: أنا، فقال، أي شئ تكون منه؟ فقلت:أنا عمه، فقال: يا هذا إن له أعماما "، فأي الأعمام أنت؟ فقلت أنا أخو أبيه من أم واحدة،tفقال: أشهد أنه هو وإلا فلست بحيراء، ثم قال: يا هذا أتأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه ليأكله، فقلت له: قربه إليه فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقلت له: يا بني رجل أحب أن يكرمك فكل، فقال: هو لي دون أصحابي؟ فقال بحيراء: نعم هو لك خاصة،فقال النبي صلى الله عليه وآله: فإني لا آكل دون هؤلاء، فقال بحيراء: إنه لم يكن عندي أكثر من هذا، فقال: أفتأذن يا بحيراء أن
يأكلوا معي؟ فقال: نعم، فقال: بسم الله فأكل وأكلنا معه، فالله لقد كنا مأة وسبعين
رجلا وأكل كل واحد منا حتى شبع و تجشأ، وبحيراء قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله يذب عنه، ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام، وفي كل ساعة يقبل رأسه ويافوخه ويقول: هو هو ورب المسيح، والناس لا يفقهون فقال رجل من الركب: إن لك لشأنا "، وقد كنا نمر بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البر، فقال بحيراء: والله إن لي لشأنا "
وشأنا "،وإني لأرى مالا ترون، وأعلم ما لا تعلمون، وإن تحت هذه الشجرة لغلاما
لو كنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه، والله ما
أكرمتكم إلا له، ولقد رأيت وقد أقبل نور من أمامه ما بين السماء والأرض، ولقد
رأيت رجالا " في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه، وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه، ثم هذه السحابة لا تفارقه، وصومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها، ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان وقد كثرت أغصانها واهتزت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه: فاكهتان للصيف، وفاكهة للشتاء، ثم هذه الحياض التي غارت وذهب ماءها أيام تمرج بني إسرائيل بعد الحواريين حين وردو عليهم، فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت وذهب ماءها، ثم قال: متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنه لأجل نبي يخرج في أرض تهامة، مهاجره إلى المدينة، اسمه في قومه الأمين، وفي السماء أحمد، وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه، فوالله إنه لهو، ثم قال بحيراء: يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزى
إلا ما أخبر تنيها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله عند ذكر اللات والعزى، وقال: لا تسألني بهما، فوالله ما أبغضت شيئا " كبغضهما، إنهما صنمان من حجارة لقومي، فقال بحيراء:هذه واحدة، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتني، فقال: سل عما بدا لك فإنك قد سألتني بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شئ، فقال: أسألك عن نومك ويقظتك، فأخبره عن نومه و يقظته وأموره وجميع شأنه فوافق ذلك ما عند بحيراء فأكب عليه بحيراء يقبل رجليه ويقول: يا بني ما أطيب ريحك؟ يا أكثر النبيين أتباعا "، يا من بهاء نور الدنيا من نوره، يا من بذكره تعمر المساجد، كأنني بك قد قدت الأجناد والخيل الجياد، وتبعك العرب والعجم طوعا " وكرها "، وكأنني باللات والعزى وقد كسرتهما، وقد صار البيت العتيق لا يملكه
غيرك، تضع مفاتيحه حيث تريد، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه؟! معك مفاتيح الجنان والنيران، معك الذبح الأكبر وهلاك الأصنام، أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قمئة، فلم يزل يقبل يديه مرة ورجليه مرة ويقول:لئن أدركت زمانك لأضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند، أنت سيد ولد آدم، و سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، والله لقد ضحكت الأرض يوم ولدت فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحا " بك، والله لقد بكت البيع والأصنام، والشياطين فهي باكية إلى يوم القيامة، أنت بدعوة إبراهيم
وبشارة عيسى، أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية، ثم التفت إلى أبي طالب فقال: ما يكون هذا الغلام منك فإني أراك لا تفارقه؟ فقال أبو طالب: هو أبني، فقال: ما هو ابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الذي ولده حيا " ولا أمه، فقال: إنه ابن أخي وقد مات أبوه وأمه حاملة به، وماتت أمه وهو ابن ست سنين، فقال: صدقت هكذا هو، ولكني أرى لك
أن ترده إلى بلده عن هذا الوجه، فإنه ما بقي على ظهر الأرض يهودي ولا نصراني ولا صاحب كتاب إلا وقد علم بولادة هذا الغلام، ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغنه شرا وأكثر ذلك من اليهود، فقال أبو طالب: ولم ذلك؟ قال: لأنه كائن لابن أخيك الرسالة والنبوة، ويأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى، فقال أبو طالب: كلا إن شاء الله لم يكن الله ليضيعه، ثم خرجنا به إلى الشام فلما قربنا من الشام رأيت والله قصور الشامات كلها قد اهتزت، وعلا منها نور أعظم من نور الشمس، فلما توسطت الشام ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحم الناس ينظرون إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله، وذهب الخبر إلى جميع الشامات حتى ما بقي فيها حبر ولا راهب إلا اجتمع عليه، فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطور فجلس مقابله ينظر إليه ولا يكلمه بشئ، حتى فعل ذلك ثلاثة أيام متوالية، فلما كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتى قام إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا "، فقلت: يا راهب كأنك تريد منه شيئا "؟ قال: أجل إني أريد منه شيئا "، ما اسمه؟ قلت: محمد بن عبد الله، فتغير والله لونه، ثم قال:m
فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لأنظر إليه؟ فكشف عن ظهره فلما رأى الخاتم أكب عليه يقبله ويبكي، ثم قال: يا هذا أسرع برد هذا الغلام إلى موضعه الذي ولد فيه، فإنك لو تدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي تقدمه معك، فلم يزل يتعاهده في كل يوم ويحمل إليه الطعام، فلما خرجنا منها أتاه بقميص من عنده، فقال له: ترى أن تلبس هذا القميص لتذكرني به؟ فلم يقبله، ورأيته كارها " لذلك، فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم، وقلت: أنا ألبسه، وعجلت به حتى رددته إلى مكة، فوالله ما بقي بمكة يومئذ امرأة ولا كهل ولا شاب ولا صغير ولا كبير إلا استقبله شوقا إليه ماخلا أبو جهل لعنه الله، فإنه كان فاتكا ماجناً
يتبع
والحمد الله على نعمة الله وفضله علينا
تكملة البحث

الأمر الرابع / رعاية أبي طالب له وكفالته
وكان عبد المطلب خائفاً على رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأ خذه إلى مكة وأقام بها حتى حضرته الوفاة، فأوصى به إلى عمه أبي طالب فكفله أبو طالب،وكان أبي طالب أخاً لعبد الله والد النبي من جهة ألام والأب وأقبل به
إلى منزله، ودعا بزوجته فاطمة بنت أسد، وكانت شديدة المحبة لرسول الله
صلى الله عليه وآله، شفيقة عليه، فقال لها أبو طالب: اعلمي أن هذا ابن أخي، وهو أعز عندي من نفسي ومالي، وإياك أن يتعرض عليه أحد فيما يريد، فتبسمت فاطمة من قوله، وكانت تؤثره على سائر أولادها، وكان لها عقيل وجعفر، فقالت له: توصيني في ولدي محمد وإنه أحب إلي من نفسي وأولادي، ففرح أبو طالب بذلك، فجعلت تكرمه على جملة أولادها، ولا تجعله يخرج عنها طرفة عين أبدا "، وكان يطعم من يريد فلا يمنع، وقد كان يشب في اليوم ما يشب غيره في السنة وينمو، فتعجب أهل مكة من ذلك وحسنه وجماله، فلما نظر أبو طالب إلى حسنه وجماله قال: شعرا ":نور وجهك الذي فاق في الحسن * على نور شمسنا وآلهلا لأنت والله يا مناي وسؤلي * الذي فاق نوره المتعالي أنت نور الأنام من هاشم الغر * فقت كل العلا وكل الكمال وعلو الفخار والمجد أيضا * ولقد فقت أهل كل المعالي ثم بعد ذلك شاع ذكره في البلاد ثم إنه توجه يوما " إلى نحو الكعبة وأهل مكة حولها، وكان قد عمروا فيها عمارة، وشالوا الحجر الأسود من مكانه، فارأدوا أن يردوه إلى مكانه الأول اختلفوا فيمن يرده، فكان كل منهم يقول: أنا أرده، يريد الفخر لنفسه، فقال لهم ابن المغيرة: يا قوم حكموا في أمركم من يدخل من هذا الباب،وأجمعوا على ذلك وإذا بالنبي صلى الله عليه وآله قد اقبل عليهم، فقالوا: هذا محمد، نعم الصادق الأمين، ذو الشرف الأصيل ثم نادوه فأقبل عليهم، فقالوا: قد حكمناك في أمرنا، من يحمل الحجر الأسود إلى محله؟ فقال صلى الله عليه وآله: هذه فتنة، أتوني بثوب فأتوه به، فقال:ضعوا الحجر فوقه، وارفعوه من كل طرف قبيلة، فرفعوه إلى مكانه، والنبي صلى الله عليه وآله هو الذي وضعه في مكانه فتعجبت القبائل من فعله.(1)روى الكاذروني: في المنتقى عن برة قال: أول من أرضع رسول الله صلى الله عليه وآله ثويبة بلبن ابن لها يقال له: مسروح أياما " قبل أن تقدم حليمة، وكانت قد أرضعت قبله حمزة بن عبد المطلب، وأرضعت بعده أبا سلمة بن عبد الأسد المخزومي،
وكانت تدخل على رسول الله صلى الله عليه وآله فيكرمها، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يبعث إليها بعد الهجرة بكسوة- وأورد الحافظ أبو القاسم الأصبهاني في دلائل النبوة مسندا " عن العباس بن عبد المطلب قال: قلت: يا رسول الله
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)مناقب ال ابي طالب ج 1 والفروع ج1ص225)
(17)
دعاني إلى الدخول في دينك أمارة لنبوتك، رأيتك في المهد تناغي القمر، وتشير إليه بإصبعك، فحيث أشرت إليه مال،قال: إني كنت أحدثه ويحدثني ويلهيني عن البكاء، وأسمع وجبته يسجد تحت الكرسي- وروى عن مجاهد قال: قلت لابن عباس: وقد تنازعت الظئر في رضاع محمد صلى الله عليه وآله؟ قال: إي والله، وكل نساء الجن، وذلك لما رد إلى آمنة من السماوات نادى الملك في سماء الدنيا: هذا محمد سيد الأنبياء، فطوبي لثدي أرضعته، فتنافست الطير والجن،في رضاعه، قال: فنوديت كلها: أن كفوا، فقد أجرى الله ذلك علي أيدي الأنس،فخص الله بذلك حليمة عن أبي صالح، عن ابن عباس، عن أبيه العباس بن عبد المطلب، عن أبي طالب قال خرجت إلى الشام تاجرا " سنة ثمان من مولد رسول الله صلى الله عليه وآله، وكان في أشد ما يكون من الحر فلما أجمعت على السير قال لي رجال قومي ما تريد أن تفعل بمحمد؟ وعلى من تخلفه؟ فقلت: لا أريد أن أخلفه على أحد، يكون معي، فقيل: صغير في حر هذا تخرجه معك؟ فقلت: والله لا يفارقني حيث توجهت أبدا "، وإني لا وطئ له الرحل، فذهبت فحشوت له حشية زكتأ وكنا ركبانا كثيرا فكان والله البعير الذي عليه محمد أمامي لا يفارقني وكان يسبق الركب كلهم، وكان إذا اشتد الحر جاءت سحابة بيضاء مثل قطعة ثلج فتسلم عليه وتقف على رأسه ولا تفارقه، وكانت ربما أمطرت علينا السحابة بأنواع الفواكه وهي تسير معنا، وضاق الماء بنا في طريقنا حتى كنا لا نصيب قربة إلا بدينارين، وكنا حيث ما نزلنا تمتلئ الحياض، ويكثر الماء وتخضر الأرض، فكنا في كل خصب وطيب من الخير، وكان فينا قوم قد وقفت جمالهم فمشى إليها رسول الله ومسح عليها فسارت ، فلما قربنا من بصرى إذا نحن بصومعة قد أقبلت تمشي كما تمشي الدابة السريعة حتى إذا قربت منا وقفت، فإذا فيها راهب وكانت السحابة لا تفارق رسول
الله صلى الله عليه وآله ساعة واحدة، وكان الراهب لا يكلم الناس، ولا يدري ما الركب،وما فيه من إلتجار فلما نظر إلى النبي صلى الله عليه وآله عرفه، فسمعته يقول: إن كان أحد فأنت أنت، قال: فنزلنا تحت شجرة عظيمة قريبة من الراهب قليلة الأغصان، ليس لها حمل، وكان الركب ينزل تحتها، فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وآله اهتزت الشجرة، وألقت أغصانها على رسول الله، وحملت من ثلاثة أنواع من الفاكهة: فاكهتان للصيف، وفاكهة للشتاء، فتعجب جميع
من معنا من ذلك، فلما رأى بحيراء الراهب ذهب فاتخذ طعاما " لرسول الله بقدر ما يكفيه، ثم جاء وقال: من يتولى أمر هذا الغلام؟ فقلت: أنا، فقال، أي شئ تكون منه؟ فقلت:أنا عمه، فقال: يا هذا إن له أعماما "، فأي الأعمام أنت؟ فقلت أنا أخو أبيه من أم واحدة،tفقال: أشهد أنه هو وإلا فلست بحيراء، ثم قال: يا هذا أتأذن لي أن أقرب هذا الطعام منه ليأكله، فقلت له: قربه إليه فالتفت إلى النبي صلى الله عليه وآله فقلت له: يا بني رجل أحب أن يكرمك فكل، فقال: هو لي دون أصحابي؟ فقال بحيراء: نعم هو لك خاصة،فقال النبي صلى الله عليه وآله: فإني لا آكل دون هؤلاء، فقال بحيراء: إنه لم يكن عندي أكثر من هذا، فقال: أفتأذن يا بحيراء أن
يأكلوا معي؟ فقال: نعم، فقال: بسم الله فأكل وأكلنا معه، فالله لقد كنا مأة وسبعين
رجلا وأكل كل واحد منا حتى شبع و تجشأ، وبحيراء قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله يذب عنه، ويتعجب من كثرة الرجال وقلة الطعام، وفي كل ساعة يقبل رأسه ويافوخه ويقول: هو هو ورب المسيح، والناس لا يفقهون فقال رجل من الركب: إن لك لشأنا "، وقد كنا نمر بك قبل اليوم فلا تفعل بنا هذا البر، فقال بحيراء: والله إن لي لشأنا "
وشأنا "،وإني لأرى مالا ترون، وأعلم ما لا تعلمون، وإن تحت هذه الشجرة لغلاما
لو كنتم تعلمون منه ما أعلم لحملتموه على أعناقكم حتى تردوه إلى وطنه، والله ما
أكرمتكم إلا له، ولقد رأيت وقد أقبل نور من أمامه ما بين السماء والأرض، ولقد
رأيت رجالا " في أيديهم مراوح الياقوت والزبرجد يروحونه، وآخرين ينثرون عليه أنواع الفواكه، ثم هذه السحابة لا تفارقه، وصومعتي مشت إليه كما تمشي الدابة على رجلها، ثم هذه الشجرة لم تزل يابسة قليلة الأغصان وقد كثرت أغصانها واهتزت وحملت ثلاثة أنواع من الفواكه: فاكهتان للصيف، وفاكهة للشتاء، ثم هذه الحياض التي غارت وذهب ماءها أيام تمرج بني إسرائيل بعد الحواريين حين وردو عليهم، فوجدنا في كتاب شمعون الصفا أنه دعا عليهم فغارت وذهب ماءها، ثم قال: متى ما رأيتم قد ظهر في هذه الحياض الماء فاعلموا أنه لأجل نبي يخرج في أرض تهامة، مهاجره إلى المدينة، اسمه في قومه الأمين، وفي السماء أحمد، وهو من عترة إسماعيل بن إبراهيم لصلبه، فوالله إنه لهو، ثم قال بحيراء: يا غلام أسألك عن ثلاث خصال بحق اللات والعزى
إلا ما أخبر تنيها، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله عند ذكر اللات والعزى، وقال: لا تسألني بهما، فوالله ما أبغضت شيئا " كبغضهما، إنهما صنمان من حجارة لقومي، فقال بحيراء:هذه واحدة، ثم قال: فبالله إلا ما أخبرتني، فقال: سل عما بدا لك فإنك قد سألتني بإلهي وإلهك الذي ليس كمثله شئ، فقال: أسألك عن نومك ويقظتك، فأخبره عن نومه و يقظته وأموره وجميع شأنه فوافق ذلك ما عند بحيراء فأكب عليه بحيراء يقبل رجليه ويقول: يا بني ما أطيب ريحك؟ يا أكثر النبيين أتباعا "، يا من بهاء نور الدنيا من نوره، يا من بذكره تعمر المساجد، كأنني بك قد قدت الأجناد والخيل الجياد، وتبعك العرب والعجم طوعا " وكرها "، وكأنني باللات والعزى وقد كسرتهما، وقد صار البيت العتيق لا يملكه
غيرك، تضع مفاتيحه حيث تريد، كم من بطل من قريش والعرب تصرعه؟! معك مفاتيح الجنان والنيران، معك الذبح الأكبر وهلاك الأصنام، أنت الذي لا تقوم الساعة حتى تدخل الملوك كلها في دينك صاغرة قمئة، فلم يزل يقبل يديه مرة ورجليه مرة ويقول:لئن أدركت زمانك لأضربن بين يديك بالسيف ضرب الزند بالزند، أنت سيد ولد آدم، و سيد المرسلين، وإمام المتقين، وخاتم النبيين، والله لقد ضحكت الأرض يوم ولدت فهي ضاحكة إلى يوم القيامة فرحا " بك، والله لقد بكت البيع والأصنام، والشياطين فهي باكية إلى يوم القيامة، أنت بدعوة إبراهيم
وبشارة عيسى، أنت المقدس المطهر من أنجاس الجاهلية، ثم التفت إلى أبي طالب فقال: ما يكون هذا الغلام منك فإني أراك لا تفارقه؟ فقال أبو طالب: هو أبني، فقال: ما هو ابنك وما ينبغي لهذا الغلام أن يكون والده الذي ولده حيا " ولا أمه، فقال: إنه ابن أخي وقد مات أبوه وأمه حاملة به، وماتت أمه وهو ابن ست سنين، فقال: صدقت هكذا هو، ولكني أرى لك
أن ترده إلى بلده عن هذا الوجه، فإنه ما بقي على ظهر الأرض يهودي ولا نصراني ولا صاحب كتاب إلا وقد علم بولادة هذا الغلام، ولئن رأوه وعرفوا منه ما قد عرفت أنا منه ليبغنه شرا وأكثر ذلك من اليهود، فقال أبو طالب: ولم ذلك؟ قال: لأنه كائن لابن أخيك الرسالة والنبوة، ويأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى وعيسى، فقال أبو طالب: كلا إن شاء الله لم يكن الله ليضيعه، ثم خرجنا به إلى الشام فلما قربنا من الشام رأيت والله قصور الشامات كلها قد اهتزت، وعلا منها نور أعظم من نور الشمس، فلما توسطت الشام ما قدرنا أن نجوز سوق الشام من كثرة ما ازدحم الناس ينظرون إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وآله، وذهب الخبر إلى جميع الشامات حتى ما بقي فيها حبر ولا راهب إلا اجتمع عليه، فجاء حبر عظيم كان اسمه نسطور فجلس مقابله ينظر إليه ولا يكلمه بشئ، حتى فعل ذلك ثلاثة أيام متوالية، فلما كانت الليلة الثالثة لم يصبر حتى قام إليه فدار خلفه كأنه يلتمس منه شيئا "، فقلت: يا راهب كأنك تريد منه شيئا "؟ قال: أجل إني أريد منه شيئا "، ما اسمه؟ قلت: محمد بن عبد الله، فتغير والله لونه، ثم قال:m
فترى أن تأمره أن يكشف لي عن ظهره لأنظر إليه؟ فكشف عن ظهره فلما رأى الخاتم أكب عليه يقبله ويبكي، ثم قال: يا هذا أسرع برد هذا الغلام إلى موضعه الذي ولد فيه، فإنك لو تدري كم عدو له في أرضنا لم تكن بالذي تقدمه معك، فلم يزل يتعاهده في كل يوم ويحمل إليه الطعام، فلما خرجنا منها أتاه بقميص من عنده، فقال له: ترى أن تلبس هذا القميص لتذكرني به؟ فلم يقبله، ورأيته كارها " لذلك، فأخذت أنا القميص مخافة أن يغتم، وقلت: أنا ألبسه، وعجلت به حتى رددته إلى مكة، فوالله ما بقي بمكة يومئذ امرأة ولا كهل ولا شاب ولا صغير ولا كبير إلا استقبله شوقا إليه ماخلا أبو جهل لعنه الله، فإنه كان فاتكا ماجناً
يتبع
والحمد الله على نعمة الله وفضله علينا
تعليق