بسم الله الرحمن الرحيم
لما سأل سعيد وماذا بعد ضغطه القبر ، قال ملك الموت : سيأتيك ملكان ويسألانك عن ربك ودينك ونبيك وإمامك وكتابك وقبلتك فإن أجبتهما تنجو ويفتح لك باب من أبواب الجنه . قلت له متعجبا : إن هذه الأسئله بسيطه .
قال ملك الموت : كلا ليس كما تتصور فهنا في عالم الملكوت تظهر الحقائق كما هي ، فإن حفظتها في الدنيا ولم تكن قد صدقت بها عن علم وفهم وتدقيق لم ينفعك ذلك إذ إن أصول العقائد لايكفي حفظها فقط ولايمكن التقليد بها ومن كان يقلد فيها لم ينطق لسانه عند سؤال الملكان ابدا . أراد ملك الموت الذهاب لكن سعيد ترجاه بسؤال أخير ، فقال لابأس قل ماعندك ، قال سعيد : كنا في الدنيا نخاف حتى من اسمك ونتصور انك تأتي وتقبض ارواحنا بقسوه وشده وبصوره موحشه لكن الآن أرى خلاف ذلك ، قال ملك الموت : إن ماتقوله صحيح بل اشد قسوه ووحشه لكن هذا حين وصول أجل الكافر والعاصي إذ آتيه بهيأه موحشه ومرعبه فيكون ذلك أول عذابه حين موته وانزع روحه بسيخ من نار فيصرخ ويستغيث ولامغيث له .(في الكافي (عن ابي عبد الله عليه السلام أن امير المؤمنين عليه السلام اشتكى عينه فعاده النبي صلى الله عليه واله وسلم فإذا هو يصيح ، فقال له النبي : أجزعا أم وجعا ؟ فقال يارسول الله ما وجعت وجعا قط أشد منه ، فقال : ياعلي إن ملك الموت إذا نزل لقبض روح الكافر نزل معه سفود من نار فينزع روحه به ......) قال سعيد أحسست بشيء من الخجل لكثره السؤال من أكون أنا حتى أكثر من الاسئله وهو ملك موت كل الدنيا ، لذا شكرته ثم فارقني فأحسست بغربه ووحشه شديده ، غرقت في تفكير عميق لم أفق منه إلا بعد أن رأيت الجنازه قد حملوها بعيدا عني فأسرعت للحاق بها ... كانت السياره تسير بسرعه بالغه بعد أن وضعت الجنازه فوقها واستقلت عددا من الناس داخلها وكان صديقي مؤمن أحدهم وقد سررت كثيرا عند رؤيته وهو مشغول بقراءه القرآن والدعاء حتى وصلنا المقصد ، وهو فحص الجثه وأخذتهم الحيره وأنا أحوم حولهم فياليتهم يسمعون كلامي لأقول لهم ان جمالا هو الذي دفع بي من أعلى السقف الخامس ، بعد الانتهاء من الفحص حملوا الجنازه واتفقوا على موعد ومكان التغسيل والتكفين والتشييع ....
وبعد ان اتفقوا على موعد ومكان التغسيل والتكفين والتشييع ، يقول سعيد : كنت أحس بعلاقه غريبه تشدني إلى جنازتي كما انه لن تغيب عن مخيلتي أنوار المعصومين والجنه التي تمثلت لي وقدح ماء الكوثر الذي تذوقته عند الاحتضار حتى نسيت ضغطه القبر التي تنتظرني ، لذا كنت أنادي بمن يحمل جنازتي أن عجلوا بي إلى مثواي وغايتي (في مختصر بصائر الدرجات عن ابي جعفر عليه السلام قال: قال علي ابن الحسين عليه السلام موت الفجأه تخفيف على المؤمن وأسف على الكافر وان المؤمن ليعرف غاسله وحامله ، فإذا كان له عند ربه خير ناشد حملته بتعجيله وان كان غير ذلك ناشدهم أن يقصروا به ....) . وبعد ان انتهت مراحل التغسيل والتكفين والناس شهود على ذلك بين مدهوش ومبهور وبين من يستعجل الإنهاء ليلحق في عمله ويغرق مره أخرى في دنياه وكأن الموت كتب على غيره دونه ثم وضعوا الجنازه مره أخرى في التابوت وأرادوا حملها للدفن وإذا بأحدهم يقول لقد أجل الدفن الى غد لوجود مشكله في شراء أرض القبر ، ووضعت الجنازه في أرض مسجد المنطقه لتبيت الى اليوم الثاني . قال سعيد : أصابني قلق واضطراب شديدين وكيف سأقضي هذه الليله ومن سيكون مؤنسي وبدءوا يأتون جمعا وفرادى ليقرءوا الفاتحه ، بعدها ازداد سواد الليل وبدأ الحاضرون يغادرون المسجد وهذا مما زاد وحشتي في عالمي الجديد ، حتى خلا المسجد تماما إلا من شخص أجبروه على البقاء وهو لايعرف آيه من القرآن أو كلمه من دعاء فلم يكن غير مؤنس فقط بل ازددتُ وحشه وخيفه منه . وأخذ يغط في نوم عميق وارتفع صوت شخيره وبدأت أحوم في المسجد من مكان الى آخر حتى جلست في زاويه منه وأحسست بأطمئنان وسكون وهذا المكان الذي كنت أخلو فيه لقراءه القرآن في عالمي الدنيوي نظرتُ الى جنازتي وإذا بوحوش مخيفه مرعبه قد اقتربت منها وأحاطت بها وتهيأت لافتراسها ياإلهي ماذا أفعل ليس لدي سلاح لأبعدهم وكلما دنوت منهم توجهوا نحوي وألقوا عليَ نظرات مخيفه أكاد أذوب من هولها ، وكلما وضعوا أنيابهم على جنازتي أحس بألم لايطاق وكأنهم يقطعون روحي ويمزقونها وليس بدني الملقى فلا أدري ماهذه العلاقه بيني وبين بدني بعد أنفصالي منه ولم يكن هناك معين استعين به ولا ناصر انتصر به وألوذ إليه فبدأت أصرخ وأستغيث بصوت عالِ وقلت في نفسي عجيب هذا الذي انتخبوه ليبيت معي في المسجد ألايسمع صراخي ألا ينهض ياويلي ماذا أفعل . وبعد الصراخ والاستغاثه ومامن مجيب يجيب ، ساعه مضت من العذاب وكأنها سنين ، هنالك أطلت إشراقه صديقي مؤمن وهو يدخل المسجد وبيده قرآنه الصغير ، فتنفست الصعداء عند رؤيته واوجهت أنظار الوحوش نحوه فتعجبت من عدم خوفه منهم وجلوسه جنب التابوت وقد أحاطوا به ، لكن مجرد ان فتح القرآن وبدأ يتلو ماتيسر منه ، حتى لاذت الوحوش بالفرار من كل جانب حينها اردت أن اشكر مؤمن لكن لم تكن لي طاقه الكلام معه ، فألقيت بنفسي في مكاني ، زال الألم عني بتلاوه القرآن ورنين آياته فقمت وجلست بجنب مؤمن وسلمت عليه وكلمته مره وناديته أخرى لكن لاجواب حينها قلت لنفسي يبدو إنك لاتريدين القبول بأنك خرجت من دار الدنيا ، وكل آدمي مازال فيها لايسمع كلامك ولايرد جوابك حينها تمنيت العوده للدنيا لالشيء إلا لأشكر صديقي مؤمن وأمسح دموعه وأقول له أني مازلت بخير على الرغم من غموض المسير وجهل المصير .
وبعد أن أشرقت شمس الصباح حتى حان موعد الرحيل فحملوا النعش مسرعين بين بيوت المنطقه وهم ينادون ((لااله الا الله محمد رسول الله علي ولي الله )) وقد حلقت فوقهم أرى من ينادي ومن يبكي ومن يذكر الله ويستغفر ورأيت ابني الصغير يبكي ويصرخ بين أحضان خالته ، فاختلطت دموعه بدموعها وبعد دخولهم المقبره وقد هيئوا الحفره ووضعوا النعش بجنبها كان خوفي عميقا وفكري مشغولا بظلمه القبر ووحشته وغربته ووحدته وماهي إلاساعه وكل هذا الجمع العظيم سيغادر المكان ولا يبقى غيري أنا وبدني داخل الحفره الضيقه وتحت هذا التراب الذي سيصب فوق رأسي ولا أدري مايجري بعدها لاأدري .....
حملوا البدن المطوي بكفنه ترافقه أصوات الناس بالصلاه على محمد وآله ووضعوه في محله ومأواه الأخير حينها بدأ الملقن بالتلقين وكلما نطق كلمه أعدتها خلفه وكلما قال ياعبد الله أجبت إني أسمع ماتقول "" في كتاب الزلفى (عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه واله لقنوا موتاكم لا إله الا الله ، فإنها انس للمؤمن حين يموت وفي قبره )"" وبعد انتهاء الملقن من كلامه ونادى بالحاضرين الصلاه على محمد مره أخرى وبعد أكمالهم الصلاه حتى بدأوا بإلقاء التراب على البدن المسكين ولم يتركوه حتى امتلأت الحفره ...... الى اللقاء في الجزء الخامس لنقرأ المزيد من التفاصيل