إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حياة الإمام الكاظم وبعض حالاته ( عليه السلام )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حياة الإمام الكاظم وبعض حالاته ( عليه السلام )

    بسم الله الرحمن الرحيم

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على اشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين إلى قيام يوم الدين
    ان شخصيات الأولياء الذين استولى سلطانهم على الأرواح والقلوب ، وكان في طليعتهم الإمام موسى بن جعفر الكاظم ( عليه السلام ) الاثر الاكبر لحفظ بيضة الدين الحنيف وكان هو ( عليه السلام ) السبيل الامتدادي لرسالة النبي ( صلى الله عليه وآله ) ولهذا السبب كان البغدادي يدين بالولاء الظاهر للسلطة ، لكن ولاءه الواقعي للأولياء ، وفي طليعتهم أهل البيت ( عليهم السلام ) ولأجل ما قدمه الامام الكاظم ( عليه السلام ) من منهج قويم ربى به الاجيال وخصواً من كان يحف به اصبح هو السبب الذي قضى من اجله الامام في بغداد بضع سنوات ، بين الإقامة الجبرية في أحد أحيائها ، والسجن الخاص في سجونها .
    وقد اعترف هارون الرشيد بهذه الحقيقة فقال لابنه المأمون :
    « أنا إمام الجماعة في الظاهر والغلبة والقهر ، وموسى بن جعفر إمام حق ، والله يا بني إنه لأحق بمقام رسول الله مني ومن الخلق جميعاً ! ووالله لو نازعتني هذا الأمر لأخذت الذي فيه عيناك ، فإن الملك عقيم »! ([1])
    ان شخصية الامام الكاظم ( عليه السلام ) محن في مولده وموجز من أحواله الشخصيّة والاجتماعية والسياسيّة وغيرها ; وكذا أولاده وتاريخ شهادته ( عليه السلام ) وكيفيّتها :
    اسمه ( عليه السلام ) ونسبه الشريف
    هو الإمام موسى الكاظم بن الإمام جعفر الصادق بن الإمام محمد الباقر بن الإمام علي بن زين العابدين بن الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب ، وسيدة نساء العالمين ، السيدة فاطمة الزهراء ، بنت سيدنا ومولانا وجدنا محمد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأما أم الإمام الكاظم فهي السيدة " حميدة " البربرية ([2]).
    تاريخ ومحلّ ولادته ( عليه السلام ) :
    ولد الإمام أبو الحسن موسى الكاظم - صلوات اللّه وسلامه عليه - يوم الأحد ، السابع من شهر صفر المظفّر ، سنة 128 ، أو 129 الهجري القمري ، في قرية واقعة بين مكّة المكرّمة والمدينة المنوّرة ، يقال لها : الأبواء ، بعد منصرف والده الإمام أبي عبد اللّه جعفر الصادق ( عليه السلام ) مع أسرته من مكّة إلى المدينة . ([3])
    كيفيّة ولادته ( عليه السلام ) :
    عن أبي بصير ، قال : حججنا مع أبي عبد اللّه ( عليه السلام ) في السنة التي ولد فيها ابنه موسى ( عليه السلام ) ، فلمّا نزلنا الأبواء وضع لنا الغداء . . . ، فبينا نحن نأكل إذ أتاه رسول حميدة . . . ، فقام أبو عبد اللّه ( عليه السلام ) فانطلق مع الرسول ، فلمّا انصرف ، قال له أصحابه : سرّك اللّه وجعلنا فداك ، فما أنت صنعت من حميدة ؟
    قال ( عليه السلام ) : سلّمها اللّه ، وقد وهب لي غلاماً ، وهو خير من برأ اللّه في خلقه ، ولقد أخبرتني حميدة عنه بأمر ظنّت أنّ ي لا أعرف ، ولقد كنت أعلم به منها .
    فقلت : جعلت فداك ، وما الذي أخبرتك به حميدة عنه ؟
    قال : ذكرت أنّه سقط من بطنها حين سقط ، واضعاً يديه على الأرض ، رافعاً رأسه إلى السماء . . . ، يقول : ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئمَا بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) . ([4])
    قال : فإذا قال ذلك أعطاه اللّه العلم الأوّل والعلم الآخر ، واستحقّ زيارة الروح في ليلة القدر . . . ([5])
    اسمه ( عليه السلام ) في الكتب السماويّة :
    سمّى كعب الأحبار الأئمّة الاثني عشر ( عليهم السلام ) بأسمائهم في التوراة : ينبوذ، قيدورا، أُوبايل ، ميسور، مشموع، دموه، سوه، حيدور، وتمر، بطور، بوقيش، قيدمه .
    قال أبو عامر هشام الدستواني : سألت عنها يهوديّاً عالماً ؟
    فقال : هذه نعوت أقوام بالعبرانيّة صحيحة . . . ، ثمّ نعت لي أسماء تخالف ما سلف ، وأظنّها من تصحيف الكتّاب . . . ، " سوه " مسهو ] أي أبا الحسن موسى الكاظم ( عليه السلام ) [ خير المسجونين في سجن الظالمين . . . ([6])
    وأسند الشيخ الفاضل أحمد بن محمّد بن عيّاش إلى السُدُوسي أنّه لقى في بيت المقدس عِمران بن خاقان الذي أسلم من اليهوديّة على يد أبي جعفر ( عليه السلام ) ، وكان يحاجّ اليهود ، فلا يستطيعون جحد علامات النبيّ ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، والخلفاء ( عليهم السلام ) من بعده ، فقال لي يوماً : إنّا نجد في التوراة محمّداً واثني عشر من أهل بيته خلفاء ، وليس فيهم تيميّ ، ولا عدويّ ، ولا أموي .
    قلت : فأخبرني بهم . . . ، فقال : . . . ، عايذ [ أي موسى الكاظم ( عليه السلام ) ] . . . ([7])
    وقد ورد في هامش عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) أسماء النبيّ والأئمّة الاثني عشر صلوات اللّه عليهم ، في التوراة بلسان العبرانيّة ، بهذه العبارة : ميذميذ محمّد المصطفى ، إليا عليّ المرتضى . . . ، ذومرا موسى الكاظم . . . ([8])
    كناه ( عليه السلام ) :
    أبو الحسن ، أبو إبراهيم ، أبو عليّ ([9]) ، أبو الحسن الأوّل ، أبو الحسن الماضي ([10]) ، أبو إسماعيل ([11]) ، أبو إسحاق ، أبو الحسن الهاشمي ([12]) ، أبو محمّد ([13]) ، و . . .
    نقش خواتيمه ( عليه السلام ) :
    كانت لخواتيمه ( عليه السلام ) خمسة نقوش : " حسبي اللّه " ([14])، و " المُلْك للّه وحده " ([15]) ، و " اللّه الملك " ([16])، و " كن من اللّه على حذر " ([17])، و " أنت ثقتي فاعصمني من الناس " . ([18])
    الإمام الكاظم وهارون الرشيد :
    يقول الشبلنجي في نور الأبصار : يحكى أن هارون الرشيد ( 170 -193 ه‍ / 876 - 809 م ) سأل الإمام موسى الكاظم يوما فقال : كيف قلتم نحن ذرية رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، وأنتم بنو علي ، وإنما ينسب الرجل إلى جده لأبيه ، دون جده لأمه ؟ .
    فقال الإمام الكاظم : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( ومن ذريته داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين ، وزكريا ويحيى وعيسى ) ([19]) ، وليس لعيسى أب ، وإنما ألحق
    بذرية الأنبياء من قبل أمه ، وكذلك ألحقنا بذرية النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، من قبل أمنا فاطمة .
    ثم قال الإمام الكاظم : وزيادة أخرى يا أمير المؤمنين ، قال الله عز وجل : ( فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم ، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبنائكم ونساءنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ، ثم نبتهل ) ([20]) ، ولم يدع رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، عند مباهلة النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين ، رضي الله عنهم ، وهم الأبناء ([21]) .
    وفي " عيون أخبار الرضا للصدوق " أن الرشيد قال للإمام الكاظم : كيف جوزتم للناس أن ينسبوكم إلى رسول الله ، ويقولوا لكم : يا أبناء رسول الله ، وأنتم بنو علي ، وإنما ينسب المرء إلى أبيه ، لا إلى أمه ؟ .
    فقال له الإمام : لو أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) نشر ، وخطب إليك كريمتك ، هل كنت تجيبه ؟ قال الرشيد : سبحان الله ، وكيف لا أجيبه ؟ قال الإمام : ولكنه لا يخطب إلي ، ولا أجيبه ، قال الرشيد : ولم ؟
    قال الإمام : لأنه ولدني ، ولم يلدك .
    وروى ابن عمران العبدي في " العفو والاعتذار " : أن الرشيد سأل يحيى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب : أينا أقرب إلى
    رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، قال يحيى : يا أمير المؤمنين إن الطينة واحدة ، والنسب واحد ، وأنا أسألك لما أعفيتني من الجواب في هذا ، فحلف بالعتق والطلاق والصدقة ([22]) ، لا يعفيه ، فقال : يا أمير المؤمنين ، ليس من يمين إلا ولها كفارة ،
    وأنا أسأل أمير المؤمنين بحق الله ، وحق رسوله ، وبقرابته منه لما أعفاني ، قال : قد حلفت ، هبني أحتال لكفارة اليمين في المال والرقيق ، فكيف الحيلة في الطلاق وبيع أمهات الأولاد ؟ قال يحيى : إن في نظر أمير المؤمنين ، وتفضله ما
    يصلح هذا ، قال : لا والله ، لا أعفيك .
    قال يحيى : أما إذا كان ذاك ، فنشدتك الله ، لو بعث فينا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ، أفكان له أن يتزوج فيكم ؟ قال : نعم ، قال : أفكان له أن يتزوج فينا ؟ قال : لا ، قال : فهذه ، فوثب الرشيد عنه ، وقام إلى غير مجلسه .
    قال : وخرجنا - والفضل بن الربيع ساكت ينفخ ، ثم قال لي ( أي لعبد الله بن محمد بن زبير ، وقد حضر المجلس ) أسمعت أعجب مما كنا فيه
    قط ، يقول ( أي الرشيد ) ليحيى : أينا أحسن وجها ؟ وأينا أسخى نفسا ، وأينا أقرب إلى رسول لله ( صلى الله عليه وسلم ) ، والله لوددت أني فديت هذا المجلس بشطر ما أملك ([23]) .
    وفي عيون أخبار الرضا للصدوق : أن المأمون قال : ما زلت أحب أهل البيت ، ولكنه أظهر للرشيد بغضهم تقربا إليه ، فلما حج الرشيد كنت معه ، ولما كان بالمدينة دخل عليه الإمام موسى بن جعفر الكاظم ، فأكرمه ، وجثى على ركبتيه ، وعانقه يسأله عن حاله وعياله ، ولما قام الإمام نهض الرشيد ، وودعه بإجلال واحترام ، فلما خرج سألت أبي ، وقلت له : من هذا الذي فعلت معه شيئا لم تفعله بأحد سواه ؟ ، فقال : هذا وارث علم النبيين ، هذا موسى بن جعفر ، فإن أردت العلم الصحيح فعند هذا ([24]) .
    وروى الصبان في " إسعاف الراغبين " لما اجتمع الرشيد والإمام الكاظم في المدينة المنورة أمام الوجه الشريف ( في الروضة الشريفة بالمسجد النبوي الشريف ) ، قال الرشيد : " سلام عليك يا ابن عم " ، وقال موسى : " السلام عليك يا أبة " ، فلم يحتملها الرشيد ، فحمله إلى بغداد مقيدا ، فلم يخرج من حبسه إلا مقيدا ميتا مسموما ([25]) .
    وفي رواية الحافظ ابن الكثير : لما حج الرشيد ودخل ليسلم على قبر النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ، ومعه موسى بن جعفر الكاظم ، فقال الرشيد : السلام عليك يا رسول الله ، يا بن العم ، فقال موسى الكاظم : السلام عليك يا أبة ، فقال الرشيد : هذا هو الفخر يا أبا الحسن ، ثم لم يزل ذلك في نفسه ، حتى استدعاه في سنة تسع وستين وسجنه ، فأطال سجنه ، فكتب إليه موسى رسالة يقول فيها : " أما بعد يا أمير المؤمنين ، إنه لم ينقض عني يوم من البلاء ، إلا انقضى عنك يوم من الرخاء ، حتى يفضي بنا ذلك إلى يوم يخسر فيه المبطلون " ([26]) .
    الانقسامات في عهده ( عليه السلام ):
    لقد حدث خلاف على خلافة الإمام جعفر الصادق بعد موته ، بل يبدو أن الانقسام إنما قد بدأ على أيام الإمام الصادق نفسه ، إذ أن نفرا من أتباع الصادق قد توقفوا في موت ولده إسماعيل - وهم الذين سيطلق عليهم الإسماعيلية فيما بعد - وتوقف فريق في موت الإمام الصادق نفسه ، وهم أتباع " عجلان بن ناووس " وأعلنوا أن الصادق حي لم يمت ، ولن يموت حتى يظهر ، فيظهر أمره ، وهو القائم المهدي ، ورووا عنه أنه قال : " لو رأيتم رأسي يدهده عليكم من الجبل فلا تصدقوا ، فإن صاحبكم صاحب السيف " وقد عرف هؤلاء باسم " الناووسية " ([27]). على أن هناك فريقا آخر عرفوا باسم " الأفطحية " وهم الذين نادوا بإمامة " عبد الله الأفطح " ، أسن أولاد الإمام الصادق ، ونقلوا عن الصادق " الإمامة في أكبر أولاد الإمام " غير أن أهم الفرق تلك التي جعلت الإمامة في الإمام موسى الكاظم ، لأنه أعلم أبناء الإمام الصادق ، ومن ثم فقد اجتمع عليه وجوه الشيعة ومتكلميهم - وخاصة هشام بن سالم وهشام بن الحكم ومؤمن الطاق وغيرهم - .وكانت إمامة الإمام كاظم طوال ربع قرن ( 148 - 183 ه‍ ) ، وقد دخلتفيها الإمامة دورها السري ، ودورها العبادي ، وانتهى دور الفقه إلى حد ما ، فلا نسمع فقها خاصا للإمام الكاظم ، فضلا عن الدور الكلامي في عقائد الإمامية ، فقد قضى الإمام الكاظم معظم حياته يتنقل من سجن إلى سجن ، حيث صب عليه المهدي والرشيد صنوفا كثيرة من العذاب ، احتملها الإمام بصبر عجيب ، حتى لقب " بالكاظم " .
    وكان الإمام الكاظم أقرب إلى جده الأكبر الإمام علي زين العابدين ، نقلت عنه أوراد الليل ، ودعاؤه المشهور في جوف الليل ، ما زال يردده أهل مصر من السنة " عظم الذنب من عندي ، فليحسن العفو من عندك ، يا أهل التقوى ، يا أهل المغفرة " ([28]).
    مكائد المنصور لقتله ( عليه السلام )
    اولها: قال كاتب أبو جعفر المنصور أبو أيوب الخوزي كما في الكافي([29])، وغيبة الطوسي([30])، واللفظ له : « بعث إلي أبو جعفر المنصور في جوف الليل فدخلت عليه وهو جالس على كرسي ، وبين يديه شمعة وفي يده كتاب ، فلما سلمت عليه رمى الكتاب إلي وهو يبكي وقال : هذا كتاب محمد بن سليمان يخبرنا أن جعفر بن محمد قد مات ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ( ثلاثاً ) وأين مثل جعفر ؟ ! ثم قال لي : أكتب فكتبت صدر الكتاب ، ثم قال : أكتب إن كان أوصى إلى رجل بعينه فقدمه واضرب عنقه ! قال : فرجع الجواب إليه : إنه قد أوصى إلى خمسة : أحدهم أبو جعفر المنصور ، ومحمد بن سليمان ( واليه على المدينة ) وعبد الله وموسى ابني جعفر ، وحميدة ! فقال المنصور ليس إلى قتل هؤلاء سبيل » .
    وهذا يدل على أن المنصور كان يريد مبرراً لقتل الإمام موسى الكاظم ( عليه السلام ) ، لأن أباه كان ينص عليه من صغره بأنه الإمام بعده ، وقد امتحنه أبو حنيفة وهو صبي وأجابه وأفحمه ، وظهرت منه معجزات . لذا وسع الإمام الصادق ( عليه السلام ) وصيته وجعل أوصياءه خمسة أولهم المنصور نفسه ، ثم واليه على المدينة ، ليحفظ حياة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) ويحبط تعطش المنصور لدماء أبناء علي ( عليه السلام ) !
    وثانيها : ورد أن الإمام الكاظم ( عليه السلام ) غادر المدينة ، وتخفَّى عن السلطة في قرى الشام ، لفترة لم يحددها الراوي . ففي مناقب آل أبي طالب([31]): « دخل موسى بن جعفر ( عليه السلام ) بعض قرى الشام متنكراً هارباً ، فوقع في غار وفيه راهب يعظ في كل سنة يوماً ، فلما رآه الراهب دخله منه هيبة فقال : يا هذا أنت غريب ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم . قال : منا أو علينا ؟ قال ( عليه السلام ) : لست منكم . قال : أنت من الأمة المرحومة ؟ قال ( عليه السلام ) : نعم . قال : أفمن علمائهم أنت أم من جهالهم ؟ قال ( عليه السلام ) : لست من جهالهم . فقال : كيف طوبى أصلها في دار عيسى ، وعندكم في دار محمد وأغصانها في كل دار ؟ فقال ( عليه السلام ) : الشمس قد وصل ضوؤها إلى كل مكان وكل موضع وهي في السماء . قال : وفي الجنة لا ينفد طعامها وإن أكلوا منه ولا ينقص منه شئ ؟ قال ( عليه السلام ) : السراج في الدنيا يقتبس منه ولا ينقص منه شئ .
    قال : وفي الجنة ظل ممدود ؟ فقال ( عليه السلام ) : الوقت الذي قبل طلوع الشمس كلها ظل ممدود ، قاله تعالى : أَلَمْ تَرَ إِلَى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا .
    قال : ما يؤكل ويشرب في الجنة ، لا يكون بولاً ولا غائطاً ؟
    قال ( عليه السلام ) : الجنين في بطن أمه !
    قال : أهل الجنة لهم خدم يأتونهم بما أرادوا بلا أمر ؟ فقال ( عليه السلام ) إذا احتاج الإنسان إلى شئ عرفت أعضاؤه ذلك ، ويفعلون بمراده من غير أمر .
    قال : مفاتيح الجنة من ذهب أو فضة ؟ قال ( عليه السلام ) : مفتاح الجنة لسان العبد لا إله إلا الله . قال : صدقت ، وأسلم والجماعة معه » .
    شهادته ( عليه السلام ) :
    رفض عيسى بن جعفر والى البصرة قتل الامام حين كلف بذلك واستعفى الرشيد منه ، وطلب
    نقله من سجنه فنقله الرشيد إلى سجن الفضل بن الربيع ، فأثرت شخصيته ( ع ) في نفس الفضل
    بن الربيع ، كما أثرت في نفس عيسى بن جعفر من قبل ، فرفض الفضل قتل الامام وتحمل
    أوزار الجريمة التي أراد منه الرشيد أن يرتكبها فلم يجد الرشيد بدا من نقله إلى
    الفضل بن يحيى ، فاستلمه الفضل بن يحيى ، ووسع عليه وخفف عنه أعباء السجن ، وطلب منه
    الرشيد أن ينفذ في الامام جريمة القتل فرفض ، وحينما علم الرشيد بالمعاملة الحسنة
    التي يبديها الفضل بن يحيى للامام شق عليه هذا الميل ، وعظم عليه هذا الموقف فأمر
    بمعاقبة الفضل ، فجرد من ثيابه ، وضرب مئة سوط في مجلس العباس بن محمد .
    فلم يجد الرشيد في أنصاره وحاشيته أفضل من مدير شرطته في بغداد ، السندي بن شاهك ، و
    كان فظا غليظا قاسيا - شأن كل الجلادين والقتلة - .
    وكما رأينا من سير البحث فإن السندي بن شاهك قد تسلم الامام من الفضل بن يحيى ، و
    وضعه في سجنه فأرهقه بالسلاسل والقيود ، وضيق عليه وعامله معاملة خشنة قاسية ، و
    حينما بلغ يحيى بن خالد خبر ابنه الفضل شق عليه موقف الرشيد من الفضل وضربه و
    إهانته ، فأراد أن يسترضى الرشيد ، ويستميله ويرد اعتبار الأسرة عند الحاكم
    العباسي . فلم ير ثمنا لشراء هذا الرضى الرخيص الا دم الامام الطاهر ، وقطع هذا
    الغصن من شجرة النبوة وإغضاب رسول الله ( ص ) وفرى كبده .
    فانطلق يحيى بن خالد إلى بغداد بعد أن تشاور مع الرشيد وأكد له أن الفضل شاب غير
    مجرب ، ولا بارع في تنفيذ مخططات الجور والارهاب ، فعرض عليه استعداده للتوجه إلى
    بغداد ([32])، فسر الرشيد بهذا المنفذ المطيع وأذن له بارتكاب الجريمة النكراء ، فتوجه
    يحيى بن خالد إلى بغداد يتأبط الشر . ويخطط لارتكاب الجريمة وما أن وصل بغداد حتى
    اجتمع بالسندي بن شاهك مدير شرطة الرشيد ، وقدم له صورة المخطط وكيفية التنفيذ ،
    فأجاب متقبلا طائعا فدس السم في رطب قدم
    للامام ، وقيل جعل السم بطعام آخر ، فتناول الامام طعام الغدر والفاجعة فأحس بالسم
    يسرى في جسده الطاهر ، وراح يقاوم آثار السم ثلاثة أيام ، فلم يستطع مغالبة المنية ،
    فلفظ أنفاسه الأخيرة وفاضت روحه الطاهرة في اليوم الثالث في سجن السندي بن شاهك ، و
    قيل في مسجد هارون المسمى بمسجد المسيب ، ففاز بالشهادة في اليوم الخامس والعشرين من
    شهر رجب سنة ثلاث وثمانين ومئة للهجرة ([33]).

    [1]الاحتجاج : 2 / 165 .
    [2]تاريخ بغداد 13 / 27 - 32 ، شذرات الذهب 304- 305 وفيات الأعيان 5 / 308 - 310 .
    [3]الكافي : 1 / 476 ، دلائل الإمامة : 303 وفيه : سنة 127.
    [4]آل عمران : 3 / 18 .
    [5]الكافي : 1 / 385 ح 1 ، المحاسن : 314 ، ح 32.
    [6])) الصراط المستقيم : 2 / 141 .
    [7]الصراط المستقيم : 2 / 238 .
    [8]هامش عيون أخبار الرضا ( عليه السلام ) : 1 / 164 .
    [9]تهذيب الأحكام : 6 / 81 ، الإرشاد للمفيد : 288 ، الهداية الكبرى : 263 ، إعلام الورى : 2 / 6 ، بحار الأنوار : 48 / 11 ح 6 .
    [10]المناقب لابن شهر آشوب : 4 / 323 ، بحار الأنوار : 48 / 11 ح 7 ، أعيان الشيعة : 2 / 5 .
    [11]كشف الغمّة : 2 / 212 ، أعيان الشيعة : 2 / 5 .
    [12]تاريخ بغداد : 13 / 27 ، إحقاق الحقّ : 12 / 296 .
    [13]جامع الرواة : 2 / 464 ، تنقيح المقال : 1 / 187 .
    [14]دلائل الإمامة : 309 ، مكارم الأخلاق : 85 .
    [15]بحار الأنوار : 48 / 11 ح 9 ، أعيان الشيعة : 2 / 5 ، الفصول المهمّة : لابن الصبّاغ : 232 .
    [16]كافي : 6 / 472 ح 2 .
    [17]المصباح للكفعمي : 691 س 10 .
    [18]كافي : 6 / 472 ح 4 .
    [19]سورة الأنعام : آية 84 - 85 .
    [20]سورة آل عمران : آية 61 .
    [21]الشبلنجي : نور الأبصار ص 148 - 149 .
    [22]العتق : أن يعتق رقيقه وجواريه ، والصدقة : أن يخرج عن ماله كله .
    [23]أبو الحسن محمد بن عمران العبدي : العفو والاعتذار 2 / 572 - 575 ( تحقيق عبد القدوس أبو صالح - نشر جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - الرياض 1981 ) .
    [24]الصدوق : عيون أخبار الرضا ص 193 ( ط 1377 ) ، محمد جواد مغنية : الشيعة والحاكمون ص 161 .
    [25]الصبان : إسعاف الراغبين ص 227 .
    [26]ابن كثير : البداية والنهاية 10 / 183 .
    [27]الشهرستاني : الملل والنحل 1 / 166 - 167 ، أبو خلف القمي : كتاب المقالات ص 80 ،النوبختي : فرق الشيعة ص 67 .
    [28]النشار : المرجع السابق ص 279 - 281 .
    [29]الكافي : 1 / 311 .
    [30]غيبة الطوسي / 198
    [31]مناقب آل أبي طالب: 3 / 427
    [32]كان الرشيد وقتها في الرقة ببلاد الشام .
    [33]فقُبض على الامام ونقل إلى بغداد ، فسجنه وبقى في السجن حتى يوم شهادته في 25 رجب 183 ه‍ ، فعلى هذه الرواية تكون مدة سجن الامام نحو أربع سنوات ورواية أخرى تقول ان الرشيد سجن الامام بعد مضى ست أو سبع سنوات من تسلمه زمام السلطة ، فتكون المدة التي قضاها الامام في السجن هي ست أو سبع سنوات تقريبا أبو الفرج الأصفهاني / مقاتل الطالبيين / ص 505 ، وذكر المفيد في الارشاد أن استشهاده كان في 6 رجب سنة 183 ه‍
    قل للمغيب تحت أطباق الثرى إن كنت تسمع صرختي و ندائيا
    صبت علي مصائب لو أنها صبت على الأيام صرن لياليا
    ************
    السلام عليكِ يا أم أبيها

  • #2
    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم


    بسم الله الرحمن الرحيم

    اللهم صل على الأمين المؤتمن موسى بن جعفر البر الوفي الطاهر الزكي
    النور المبين المجتهد المحتسب الصابر على الأذى فيك
    اللهم وكما بلغ عن أبائه ما استودع من أمرك ونهيك وحمل على المحجة
    وكابد أهل العزة والشدة فيما كان يلقى من جهال قومه
    رب فصل عليه أفضل وأكمل ما صليت على أحد ممن اطاعك
    ونصح لعبادك أنك غفور رحيم




    السلام على الإمام الزاهد
    السلام على الإمام العابد
    السلام على المقتول الشهيد
    السلام على معدن التنزيل وصاحب التأويل
    وحامل التوراة والأنجيل
    السلام على المعذب في قعر السجون وظلم المطامير
    ذي الساق المرضوض بحلق القيود



    جزاكم الله خيراً أخي الكريم
    وعظم الله لنا ولكم الأجر

    تعليق

    يعمل...
    X