بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآل محمد
طوائف المغرورين
ان طوائف المغرورين كثيرة ، وجهات غرورهم ودرجاتهم مختلفة ومامن طائفة في العالم مشتركين في وصف مجتمعين على امره ، الا ويوجد فيهم فرق من المغترين ، وتوجد بعض الطوائف كلهم مغرورين كالكفار والعصاة والفساق .طوائف المغرورين
ونشير هنا الى مجاري الغرور والى غرور كل طائفة ليتمكن طالب السعادة من الاحتراز عنه وياخذ منها حذره :
الطائفة الاولى : الكفار وهم مغرورون بأسرهم ، وهم ما بين من غرته الدنيا وبين من غره الشيطان . والذين غرتهم الحياة الدنيا فان باعث غرورهم قياسان نظمهما الشيطان في قلوبهم ، اولهما ان الدنيا نقد والاخرة نسيئه ، والنقد خير من النسيئة ، وثانيهما ان لذات الدنيا يقينية ولذات الاخرة مشكوك فيها . واليقيني خير من المشكوك .
وهذه أقيسه فاسدة تشبه قياس ابليس ،حيث قال (انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين)سورة الاعراف الايه 12.
وعلاج هذا الغرور بعد تحصيل اليقين بوجود الله تعالى وبحقيقة النبي صلى الله عليه واله هو غاية في السهولة لوضوح الطرق والامثلة ، فاما ان يتبع ايمانه ويصدق الله تعالى في قوله (ماعندكم ينفذ وماعند الله باق) وقوله ( الاخرة خير وابقى) وهما سورتي النحل الايه 96والاعلى الايه 17على التوالي.
واما ان يعرف بالبرهان فساد القياسين حتى يزول عن نفسه مادخل اليه من الغرور .فالقياس الاول وهو كون الدنيا نقد والاخرة نسيئه غيرصحيح .لان ليس كل نقد هو خير من النسيئه . لأن خيرية النقد على النسيئة ان كان مثلها في المقدار والمنفعة والمقصود والبقاء ، أما اذا كان أقل منها وأدون فالنسيئه خير.
وان جميع اعمال الناس وصنائعهم في الدنيا مبنية على هذا الاساس فهم يعطون نقد لياخذوا نسيئة سواء كان في الطب عند ذهابك الى الطبيب او في الزراعة والصناعة والتجارة والمعاملات الاخرى .
واما فساد القياس الثاني وهو ان الدنيا يقينية والاخرة مشكوك فيها غلط . لأن الاخرة يقينية عند اهل البصيرة . وله مدركان احدهما ما يدركه عظماء الناس من الانبياء والاولياء والحكماء والعلماء فان ذلك يورث اليقين .
وثانيهما مالايدركه الا الانبياء والاولياء وهو الوحي والالهام . فالوحي للأنبياء والالهام والكشف للأولياء . فانه قد كشفت لهم حقائق الاشياء كما نشاهد المحسوسات بالبصر الظاهر .
وهنالك المغرورون بالله والذين يقدرون لانفسهم ويقولون ان كان لله معاد فنحن منه اوفر حظا" واسعد حالا" من غيرنا .
كما قال الله سبحانه وتعالى : (وما اظن الساعه قائمة ولئن رددت الى ربي لأجدن خيرا" منها منقلبا)الآيه 36من سورة الكهف . وهذا الظن من بواعث الشيطان في انفسهم فيقيسون ما انعم الله عليهم في الدنيا كذلك سينعم عليهم في الأخرة.
ومرة ينظرون الى المؤمنين وهم فقراء محتاجون فيقولون لو احبهم الله لأحسن اليهم في الدنيا ولو لم يحبنا لما أحسن الينا فيها. ومادام احسن الينا ولم يحسن اليهم فهو محبا"لنا وليس محبا"لهم . وكذلك هكذا يكون الأمر في الأخرة.
ولاشك في ان كل ذلك خيالات فاسدة وقياسات باطلة ، ومن ظن أن النعم الدنيوية دليل الحب والأكرام فقد اغتر بالله .
فالخائفون من ذوي البصائر اذا اقبلت عليهم الدنيا حزنوا وقالوا

ومنشأ هذا الغرور : الجهل بالله وبصفاته فأن من عرفه لا يأمن مكره ولايغتر بأمثال هذه الخيالات الفاسدة ، وينظر الى قارون وفرعون وغيرهم من الملوك والجبابرة ، كيف احسن اليهم ابتدا" ثم دمرهم تدميرآ.
المصدر
جامع السعادات الجزء الثالث
جامع السعادات الجزء الثالث
تعليق