قسوة القلب
بقلم/ خالد غانم الطائيلقد خاطب الله تعالى بني اسرائيل في قرآنه المجيد ((..ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة...) سورة البقرة الآية 74 وقد توعد الله عزّ وجلَّ ـ قساة القلوب بقوله المبارك (..فويل للقاسية قلوبهم...) سورة الزمر الآية 22.
ابتداءاً لابد من بيان معنى القسوة وهو عدم الشعور بالعاطفة والاهتمام والحُب والشفقة والرحمة لمن يجب لهم ذلك وقد ورد عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) قوله (..وما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب) وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قوله (قلب الكافر اقسى من الحجر)، اما كلمة القلب فتُطلق تارةً على ذلك العضو الكمثري الشكل الواقع إلى يسار صدر الإنسان وبواسطة حركاته وضرباته يتدفق الدم منه الذي يولدهُ الكبد ويصفيه جهاز التنفس ويتصاعد منه بخار لطيف فيجري إلى الدماغ وجميع اعضاء الجسم وبواسطته يتم الحس والحركة في البدن ويُسميه الحكماء بالروح الحيوانية.. والثاني عبارة عن ذلك المخلوق الابداعي والنفخة الربانية التي ليست من سنخ الموجودات لهذا العالم بل عالم الامر المُجرد عن المادة والمتعلق بهذا البدن وهو مرادنا من الكلام.
وقيل ان القلب سُمي بهذا الاسم لأنه يتقلَّب.
وهنالك امور كثيرة تصل بالمرء إلى قسوة قلبه وهي مصادقة الظالمين والفاسدين وسييئي الخُلق، وكثرة المال خصوصاً لمَنْ لا ينفعه في سبيل الله والاستماع إلى اللهو والاغاني وكثرة الكلام بما لا يُرضي الله وترك قراءة القرآن الكريم وذكر الله والتعلق بالدنيا وزينتها وحب الدنيا (وقد جاء فيما ناجى الله تعالى به موسى عليه السلام): يا موسى لا تطوَّل في الدنيا املك فيقسو قلبك والقاسي القلب مني بعيد) الكافي ج2 ص329 ح1/ وكذلك مما يورث قسوة القلب الاصرار على الذنب فعن الإمام علي عليه السلام قاله: (وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب) (المصدر السابق نفسه) وجمود العين فعن الإمام علي عليه السلام قوله (ما جفت الدموع إلا لقسوة القلب) الوسائل ج16 ص45 ح20938.. وكثرة الضحك والاستهزاء بالآخرين وأيضاً التخمة من الطعام والشراب فعن الإمام الصادق عليه السلام قوله (وليس شيء اضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل وهي مورثة لشيئين قسوة القلب وهيجان الشهوة اضافةً إلى اطلاق العنان للسان وعن رسول الله الاكرم الاعظم الانور (صلى الله عليه واله وسلم) قوله (لا يستقيم ايمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه) ومما يُقسَّي القلب أيضاً العناد والجدال والرياء وطول الامل ومواقعة الذنوب قال ـ تبارك اسمه ـ (..كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون) سورة المطففين الآية 14 وعن أمير المؤمنين عليه السلام قوله (..وما قست القلوب إلا لكثرة الذنوب ومجالسة اصحاب السوء والفجار والانذال وعبيد الدنيا) وعن رسول الله الاكمل الاشرف الاقدس (صلى الله عليه واله وسلم) (ثلاثة مجالستهم تميت القلب الجلوس مع الانذال والحديث مع النساء والجلوس مع الاغنياء).
وبعد هذا العرض للعوامل والاسباب المؤدية إلى قسوة القلب لابد من بيان طرق علاجه وهي الاستماع للقرآن الكريم وقراءته
والتدبر في آياته وقراءة الكتب الدينية والاكثار من الدعاء والتوسل والصلاة بخشوع لله ـ جلَّ وعلاَّ ـ والاستماع للموعظة، قال تعالى (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور) سورة يونس الآية 57 وتعلَّم الآداب الاسلامية وتطبيقها في كافة جوانب الحياة ومصادقة اصحاب الخُلق الحسن والعلماء وحضور مجالس الوعظ والارشاد والمشاركة في صلاة الجماعة في المساجد وقضاء حوائج الناس واطعام المساكين والمسح على رأس اليتيم والاكثار من ذكر الموت وتذكَّر مصائب الدنيا وتذكَّر اخبار الماضين. أعاذنا الله من القسوة وجعل في قلوبنا الرحمة.
ملحوظه: تم نشر مقالة قسوة القلب في مجلة الروضه الحسينية الصادره من اعلام العتبه الحسينيه المقدسه في العدد 89 ذي القعده 1436هــ في الصفحه 42 بقلم خالد غانم الطائي
تعليق