إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

رحله البقاء الجزء الحادي عشر

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • رحله البقاء الجزء الحادي عشر

    بسم الله الرحمن الرحيم
    عندما فكر سعيد بالشفاعة وتوجه الى أحد الأنوار المشعة وطرح عليه هذه الفكرة لنجاته من هذا الموقف،
    لكن أحد ذوي الأنوار المشعة قال لسعيد: أنت تعلم أنني لستُ ذا درجة عالية في المقام حتى أتمكن من الشفاعة لنفسي ، فضلا عن غيري .
    قال سعيد : وماذا نفعل ، وإلى أي وجهة نتوجه؟
    قال النور المشع: علينا بالأولياء المخلصين .
    قال سعيد مستغربا: ألستَ أنت منهم ؟!
    قال النور المشع وهو يتحسر من أمر ما: إنني من الأولياء المخلصين لله ، وأعلى من مقامي الأولياء المخلصين الذين استخلصهم الله لنفسه بعد أن رأى صدق اخلاصهم له.
    قال سعيد: انطلقنا ومعنا جمع غفير إلى أحد أولياء الله المخلصين. وكنت ألاحظ خلال مسيرنا ما تبقى من أهل المحشر ،
    فرأيتُ ذوي الابدان العارية ، والصور القبيحة ، لايتجرءون على الذهاب معنا ، بل لشدة خجلهم وذهاب ماء وجههم نكسوا رؤوسهم ،
    وبعضهم من ذوي الدرجات السفلى لايتمكنون من القيام ، فضلا عن المسير ، فتراهم قد غرقوا في عرق أهل المحشر ، وهم في كل مرة يخرجون رؤوسهم ثم يدخلونها ، وهذا هو حالهم ، وأول مراحل عذابهم .
    اقتربنا من أحد أولياء الله المخلصين ، اذ دلنا عليه نوره المشع الذي طغى على أنوار الأولياء الذين كنا برفقتهم ، دنونا منه اكثر واكثر حتى بان بياض وجهه ، وتألق ضياء صورته وهيبة وقفته و.......
    يإلهي ماذا أرى ! أحقيقة هو ام خيال ! توقفت عن التقدم نحوه . فالتفت لي ولي الله الذي أتيت معه
    وقال: ماالذي حدث؟ أراك مندهشا مستغربا مضطربا !
    قال سعيد : أجبته بدموع جارية: إنه مؤمن ، إنه صديقي مؤمن ، إنه....... آه بأي وجه سألاقيه ، وبأي مقام أتقابل معه ، لا، لا ، اراد الولي أن يهون علي موقفي ، فقال: إنك بحمد الله على صورة إنسان ، وعليك لباس التقوى يسترك، فماذا تقول في غيرك ممن تخلفوا عنا من أهل المعاصي والذنوب؟
    قال سعيد : نظرت إلى بدني ولباسي ، وقلت الحمد لله على كل حال ، ولولا هداية ربي لكنت اسوأ من ذلك .
    نظرت إلى مؤمن مرة أخرى ، ورأيت عرق أهل المحشر لم يغط سوى قدميه وجزء يسير من ساقيه .
    ياإلهي إنه يتقدم نحوي ، لابد إنه قد علم بقدومي ، ماذا أفعل ، إنه يقصدني لا غيري ، نعم ها هو أمامي .... عانقني وضمني إلى صدره ،
    وقال: لا ياسعيد، لماذا تهرب مني ألست انا الذي ادخلتك خيمة الأسلام في الدنيا بعد أن رأيتك اهلا لها؟ وماتخليت عنك حتى عند فراقك الدنيا ونزولك في منزلك البرزخي ، فكيف أتخلى عنك الآن ، ألم يقل الله تعالى في قرآنه الكريم ((الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين )) وأنا وأنت الحمد لله من المتقين ، رغم
    اختلاف مقاماتنا ، وإن شاء الله سأشفع لك في مواضع عدة ، لترفع من مقامك الذي انت عليه الآن .
    كنتُ أنصت لكلامه والعبرة تحرقني ، والدمعة تغلبني وكلما نطق بكلمة يعظم بكائي
    أمسك بي وأوقفني بجنبه ليتحدث مع أولياء الله بعد أن طرحوا عليه أمر المأزق الذي يمر به أهل المحشر
    فقال : إن أمرا كهذا لا أتمكن منه ، وقد طرحته على أمثالي في المقام ،
    واتفقنا على ان ننطلق إلى أهل مقامات الرضا، الذين هم أعلى درجة منّا، ونرى مايمكن لهم ان يفعلوه.
    طلب الحاضرون مرافقته ، ولكنه تعذر وقال: إن المقامات التي سوف ننطلق إليها ليس من الهين وصولها إلا لأمثالي في الدرجة والمقام ، وسوف أبذل مافي وسعي إن شاء الله لتحقيق ماطلبتموه مني .
    انصرف الحاضرون ، ثم التفت مؤمن إلي
    وقال: ما من إنسان في عالم القيامة إلا وهو محتاج لشفاعة من هو أعلى منه في الدرجة والمقام، حتى الأولياء والأنبياء .
    قال سعيد: وكيف ذلك ؟ وهل هناك نبي يدخل النار ، أو يتعرض إلى عذاب كي يحتاج الشفاعة .
    قال مؤمن: الأنبياء على تفاوت في الدرجة ، أما قرأت في القرآن ((تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات )) فكل رسول منهم يحتاج شفاعة رسول أعلى منه كي يرفع درجته ، لا أن ينجيه من النار والعذاب قال سعيد : سألته مستغربا من كلامه: حتى أولياء أولي العزم ؟
    نعم حتى هؤلاء.
    الكثير من البشر في عالم يوم القيامة محتاج الى شفاعة من هو أعلى منه في الدرجة والمقام حتى الأولياء والأنبياء بل وحتى أنبياء أولي العزم ، نعم حتى هؤلاء ، فهم بحاجة إلى شفاعة الخاتم ( صلى الله عليه واله ) وأظن أن مشكلة أهل المحشر ليس لها إلا الرسول الأعظم الذي ختم مقامات القرب إلى الله بمقامه ، وبلغ موقعا لم يبلغه أحد قبله ولابعده ، فهو الذي قال القرآن بشأنه : ((ثم دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى )) طلب سعيد من مؤمن ان يرافقه في رحلته،
    تبسم مؤمن وقال : لا يمكن السماح لك بمرافقتي إذ أن درجتك التي اكتسبتها في عالم الدنيا والبرزخ لاتمكنك من ذلك .قال سعيد: عدنا الى مواضعنا على أمل ان تصلنا أخبار مسيرة مؤمن وامثاله ، وفعلا علمنا أن الأمر قد وصل إلى نبي الله آدم ، ثم قطع مراحل أخرى ومراتب عدة حتى ان الأنبياء من غير أولي العزم انطلقوا الى نبي الله نوح
    وقال لهم : أن هذا الأمر عظيم وأنا لست له ، اذهبوا إلى نبي الله ابراهيم ،
    نبي الله ابراهيم دلهم على نبي الله موسى الذي دلهم على نبي الله عيسى ، وعندما وصلوا اليه
    قال لهم : إن الله خص مقام المحمودية للرسول الخاتم محمد ، وهو أهل لهذا الأمر .
    جمعوا أمرهم ، وانطلقوا إلى الخاتم ( ص ) وقالوا له: يامن ختم الرسالات برسالته ، والمقامات بمقامه ، يامن هو أولنا إسلاما ، وأرفعنا درجة ، وأوجهنا عند النار ، يا من أقو للعبودية لله وآدم بين الروح والجسد ، عن رسول الله (ص) قال: (كنت نبيا ، وآدم بين الروح والجسد ) يامن يشهد على الشهداء ونحن الشهداء ،
    قال تعالى : ((فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا ))
    يارسول الله أشفع لنا ولأهل المحشر عند الله ، فًإن الحرارة كادت تذيب أبدانهم ، والعرق يصل الى أعناقهم ، بل إلى أفواه البعض منهم.
    أجابهم الرسول الخاتم اذ قال: أنا لها يا أنبياء الله وأولياءه.
    وانطلق الخاتم ( ص ) وسجد لله سجدة أطال فيها ، ومارفع رأسه الشريف منها حتى قيل له
    : يا محمد إسئل تُعطى واشفع تُشَفّع ،
    فقال : يارب أُمّتي أُمّتي. هنالك ارتفعت الشمس عن رؤوس العباد ، ونفذ العرق في الأرض،
    وعاد الرسول الخاتم ، وكل من في المحشر ينطق باسمه ، ويحمده على شفاعته ، وذلك قوله تعالى : ((عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا)) قال سعيد: بعد ان رفع البلاء العام وقد شمل عموم أهل المحشر بشفاعة خاتم الأنبياء(ص)
    قال سعيد: بقي كل شخص منا يعيش عذاب نفسه ، وحسرة أعماله، والذي يزيد من العذاب عذابا، أن كل شخص منا كان معروفا بين أهل المحشر بملامحه أنه فلان الذي كان في الدنيا ، رغم تغير صور وأبدان البعض منهم الى صور قبيحة منبوذة ، كهيئة الخنازير والقردة وأمثالها ، والبعض تفوح منه رائحة كريهة نتنه تجعل أهل المحشر يفرون منهم ، وذلك يجعلهم في عزلة وذلة منبوذين لدى الخلائق أجمعين ،
    ثم قال سعيد : كنت أجول في عرصة المحشر عسى أن أجد ما ينفس كربتي في أول موقف من مواقف القيامة فأرى بعض أصحاب الدرجة السفلى يتمسكون بأطرافي ، ويتوسلون بي لنجاتهم ، أو على الأقل بتأمين لباس يسترون به أبدانهم ، وذات مرة سألني أحدهم أن أهب له شيئا من نوري رغم ضعفه
    اذ قال: أعطني نورك ، أو دلني من أين أتيت به ؟
    تذكرت آية القرآن التي تشير إلى هذا الطلب من المنافقين يوم القيامة ،
    والتي تقول )) يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا)) حينها أجبته بما أجابهم القرآن ،
    إذ قلت له : ارجع ورائك فالتمس نوراً.
    قال: أتسخر مني ، أين النور الذي تقول عنه ورائي ؟
    قال له سعيد : أنا أقول ارجع إلى الدنيا والتمس النور من هناك ، وهيهات لك ذلك . لقد تركتم نور الله ورائكم ، فلماذا لم تستضيئوا به ، ولم تلتمسوا منه وقد قضيتم عمرا فيها ! أما المخاصمات يوم المحشر فحدث ولاحرج ، وكثيرا ما كنت أشاهد مخاصمات بين أفراد يبدو من كلامهم أنهم كانوا في الدنيا أصدقاء على السوء ، أو شركاء على الباطل ، أما الآن فقد أصبح الواحد منهم أشد الأعداء للآخر ويود لو يقطّعه قِطَعا قِطَعا .رأى سعيد في المحشر مخاصمات بين الأفراد كانوا أصدقاء في الدنيا وفي الآخرة أعداء ، وذلك عندما شاهد سعيد مشاجرة شديدة بين أفراد المحشر وقال إنهم ليسوا غرباء عني ، ويبدو أني أعرفهم دنوت منهم وتمعنت فيهم .....
    ياإلهي ماذا أرى ! إنه جمال !! نعم ، إن ما أشاهده حقيقة لاخيال ، هو جمال بعينه وشخصه ، إنه هو الذي كان سبب مفارقتي للدنيا بعد أن ألقى بي من سطح مبنى ذي خمس طوابق ، والشخص الذي كان يتشاجر معه صديقه في العمل ، ومعروف بسيرته الحسنة في الشركة توقفت في موضعي ، وأصغيت لهما .
    قال جمال وهو في أبشع صورة، عاري البدن ، أسود الوجه ، نتن الرائحة ، يقطر الدم من جروحه التي ملأت جميع أنحاء جسده ، وهو يتلوى ألما منها،
    قال لصاحبه: أنت الذي غررتني ودفعت بي إلى سرقة أموال الشركة دفعة بعد أخرى ، حتى انكشف أمري ،وقتلنا سعيد بسببها.
    صرخ صاحبه في وجهه وهو يقول: لاتقل قتلنا سعيدا ، بل انت قتلته ، وأنت الذي كنت تأخذ جميع أموال سرقاتك ، ولاتعطيني إلا القليل منها ، و.....
    قلتُ سبحان الله ! هنا تنكشف الأسرار، وتظهر الحقائق المكنونة
    في الصدور، فجمال كنتُ أعرف سرقاته وقتله لي ، أما الآخر فكنت أحسبه من المخلصين في عمله وتعامله، وقد ظهر الآن أنه شريك جمال في سرقاته .
    تركتهما يتشاجران وانصرفتُ عنهما موكلا الأمر الى الله تعالى،
    وقلت : ربي أريد العدل والقصاص منهما، فأنت الشاهد وانت الحاكم .
    وكانت نار جهنم تزفر بلهيبها بين فترة وأخرى على أهل المحشر ، فيبلغ حرها الأجوف ، وتسيل لها الأعراق ، وتذوب لشدة حرارتها الجلود ، وكل يتألم حسب درجته ومقامه.
    كان عسيرا المكوث لحظة واحدة في تلك العرصة ، ونحن في اول موقف من مواقف يوم القيامة الكبرى ،
    فكيف بي ومدته تطول الف سنة ،
    أم كيف بي في المواقف الأخرى التي تليه حتى الخمسين .قال تعالى : ((في يوم كان مقداره خمسين الف سنة))
    جفت دموعي من شدة البكاء على نفسي فأصبحت أبكي دما ، ومارأيت أحدا قبل هذا الموقف يبكي ولكنني بكيت .... ! أسفا على لحظات الدنيا التي انقضت ولم استثمرها كما ينبغي .
    كل من في المحشر مشغول بنفسه ، فلا أحد من الجن أو الانس. ، ولا من الملائكة ينظر إلي فيسالني عما بي او يترحم علي سوى عملي ........ قلت لعملي الصالح : بالله عليك قل لي شيئا يهون علي مانزل بي ، ويطمئن قلبي الملتهب حسرة وندما قال العمل الصالح : إنشاء الله ستنال الشفاعة في آخر المطاف ، وسأقودك حينها الى الجنة ، فإن لدي الأمل بذلك .
    سألته مستغربا : ومتى يكون ماتقوله ؟
    طأطأ رأسه وقال: إن ذلك لايكون إلا في آخر موقف من مواقف القيامة الكبرى ، إذ لاسبيل لها الآن .
    قال سعيد: إنك لم تطفئ ناري المشتعلة في أحشائي ، إن قلبي يلتهب الآن ، وتقول أني أنال الشفاعة بعد خمسين الف سنة !
    قال العمل الصالح : ياعزيزي ، إنك تعلم أني خلاصة أعمالك الصالحة ، وملكاتك الحسنة ، فلا تتوقع مني أكثر مما ادخرته لنفسك في عالم الدنيا ، ولو كنت أعطيتني من القوة أكثر مما لدي الآن ، لتمكنتُ من تخفيف بعض آلامك ، ولكن لاتقنط من رحمة الله ، ولاتيأس من فضله ....
    لم يكمل كلامه حتى سمعنا نداءا هزّ أهل المحشر ، وسمعه أولهم كما سمعه آخرهم
    ماهو هذا النداء الهزاز ...........؟؟؟؟؟
    بعد ان قال العمل الصالح لسعيد لاتقنط من رحمة الله ولا تيأس من فضله
    لم يكمل كلامه حتى سمعوا نداءا هزّ أهل المحشر ، وسمعه أولهم كما سمعه آخرهم
    )) يامعشر الخلائق أنصتوا واستمعوا منادي الجبار ))
    انكسرت الأصوات عند ذلك ، وخشعت الأبصار ، وفزعت القلوب، ورفع الجميع رؤوسهم منصتين (( مهطعين إلى الداع ))
    فكان النداء : يامعشر الخلائق إن الله تعالى يقول: (( أنا الله لا إله إلا أنا الحكم العدل الذي لايجور ، اليوم احكم بينكم بعدلي وقسطي ، لايُظلم اليوم عندي أحد، اليوم آخذ للضعيف من القوي بحقه، ولصاحب المظلمة بالمظلمة بالقصاص من الحسنات والسيئات، وأثيب على الهبات، ولايجوز هذه العقبة اليوم عندي ظالم ، ولا أحد عنده مظلمة إلا مظلمة يهبها لصاحبها ، وأثيبه عليها ، وآخذ له بها عند الحساب))
    قال سعيد : توجه عملي الصالح نحوي
    وقال: إن الله تعالى جعل هذا الموقف موقف تصفية الحقوق بين أهل المحشر ، إذ هنا يأخذ المظلوم حقه من ظالمه ، والمسروق من سارقه ، والمغتاب ممن اغتابه و.....
    قاطعتُ كلامه بقولي له: وهل أخذُ حقي منهم يخفف عني ما أعانيه ، وما أتألم منه ؟
    قال العمل الصالح: بالتأكيد ، وجميع ذلك ينفعك في موقف الميزان والحساب .
    بعدها اصطحبنا عدد من الملائكة ، يسمونهم ملائكة أخذ المظالم ، وقد كان معهم كتابا سجل فيه كل مظلمة وتبعة كانت لي ولم استوفي حقي منها في عالم الدنيا .
    كان أول إنسان توجهوا إليه هو جمال!.... ولكن بأي حال سيء كان . رأيته عاري البدن مسود الوجه والجسم وقد اختلط سواده بالدماء السائلة من جروحه ، يحاول ستر نفسه ، ولكن بأي شئ يستره !
    قلتُ: سبحان الله ! أهذا جمال الذي كان يتكبر ويتملق لمسؤولي الشركة، أهذا جمال الذي كان يرتدي الملابس الفاخرة ، ويركب السيارة الحديثة ، ويسكن المنزل المجهّز بأحدث الوسائل والإمكانات ! أهذا المهندس الذي كان يصرخ باطلا على العمال ، ولايحترم أحدا دونه ، بل كان ينقص من حقهم ، ولا يبالي بأجورهم.
    التفت نحو عملي الصالح وقلت له مشيرا بيدي إلى جمال: اترجو من هذا شئ وهو بتلك الحالة؟ ! هل لديه حسنة واحدة حتى أرجو أن تُعطى لي ، لا أظن ذلك.
    قال العمل الصالح : لاتعجل الأمور ياعزيزي ، وترقب ماسيحدث
    اقترب المأمور من جمال ، وقال مخاطبا إياه بلهجة غاضبة
    :
    إن لسعيد هذا مظلومية عندك، فماذا لديك كي يستوفيها منك ؟
    صاعقة كبرى نزلت على جمال حينما رآني لأول مرة في ساحة المحشر ، وصُدِم صدمة عظيمة جعلته ساكنا جامدا، لاترى في أعضائه حركة ولادبيب إلا دبيب العرق الجاري ، والدماء السائلة على بدنه المحترق .
    قال سعيد: العجيب أني شاهدت عليه نفس ملكاته التي كانت حاكمة عليه في عالم الدنيا ، من الغضب والكذب ونكران الحق ،
    فاشتعل وجهه غضبا ، وازداد سوادا وتفحما ، وصرخ بوجه الملك قائلا: إنني لم أعرف سعيد ، وليس لديه أي مظلومية عندي.
    غضبت لكلامه ، وصرخت بوجهه: إنك قتلتني ، وعدمتني الحياة في الدنيا ، حرمتني من فرصة لاتقدّر بأثمان ، ولولا فعلتك هذه لشغلتُ مابقي من عمري في طاعة الله ، ولرفعت درجتي بأعمالي ، ولادخرت ليومي هذا ما وسعني .
    قال الملك المأمور: إن حالك وصورتك ياجمال تدل وتشهد على ذنبك بحقه.
    صرخ جمال مرة أخرى وقال: إنه يكذب إنه يكذب......
    وبين ذلك الصراخ والعويل ، وأذا بصوت يخرج من نفس بدن جمال
    صمت الجميع وإذا بيديه تنطقان وتقولان . كما قال تعالى : ((يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ))
    ونحن نشهد عليه ، إنه قتل سعيدا ظلما، اذ استعملَنا لإلقائه من أعلى الطابق الخامس إلى الأرض، وكنا شاهدين على ذلك.
    دُهش الجميع من شهادة اليدين
    وبقي جمال مبهورا مدهوشا، لايعلم مايقول
    وقبل ان يتفوه بكلمة واحدة نطق جلده ليشهد هو الآخر بقوله
    : وأنا أشهد عليه ، إنه قتل سعيدا ظلما بغير حق .
    أما جمال فعاد يصرخ على يديه وجلده: لِمَ شهدتما بهذه الشهادة ، ألا تخافان أن يصيبكما العذاب والنار ؟
    نطق جلده مرة أخرى وقال: لقد كنتَ غافلا يا جمال عن اليوم الذي يتحقق فيه قول الله تعالى : ((وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون )) مَن شهد عليه أيضاً ؟؟؟
    عندما انطق الله اليدين والجلد حيث اتم حديثه مع جمال
    وقال: لقد عدت يا جمال إلى الله الذي خلقك أول مرة ، ولكن إلى اسمه المنتقم الجبار ، بينما عاد غيرك إلى الله باسمه الرحيم الغفار ، والعذاب يصيبك أنت لاغيرك ، وما انا سوى ناقل له إليك ، وسوف يتحقق وعيد الله لك، ويكون حالك معي
    كما قال تعالى : ((كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب )) ما أن أكمل الجلد كلامه حتى سمعنا نداءا من الأرض ، ويبدو أنها كانت منتظرة فرصتها في الشهادة ،
    إذ قالت : أنا الأرض أشهد أن جمال ألقى بسعيد من مكان مرتفع ، وفارق حياته الدنيا على سطحي الممتلئ بقطع من الحديد المبعثر.
    لم يبقَ لجمال كلمة واحدة يتفوه بها ليدافع عن نفسه أو يكذب بها شهوده ، لذا استسلم ونكس رأسه منتظرا ماسيُفعل به .
    قال الملك المأمور لمرافقيه من الملائكة : لا أحد في كتابه حسنات يمكن إعطائها لغريمه ، لذا علينا نقل سيئات من سعيد إليه بمقدار جرم القتل الذي ارتكبه بحقه, في شرح أصول الكافي ، سأل رجل من قريش الإمام السجاد قائلا له : يابن رسول الله إذا كان للرجل المؤمن عند الرجل الكافر مظلمة ، أي شئ يأخذ من الرجل الكافر وهو من أهل النار ؟ فقال له السجاد (ع) يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ماله على الكافر فيعذب الكافر بها ))....
    قال سعيد : ما أن أنهى الملك كلامه حتى أحسست ُ بخفة الثقل على ظهري ، وزيادة في نوري ، وانخفاض الحرارة التي كانت تحرق أحشائي ،
    وفي الوقت نفسه رأيت جمالا قد ازداد صراخه ، وشدة آلامه ، وسواد وجهه الذي خالطه دمه الجاري عليه ، فازددت وحشة منه ، ونفرة من رائحته النتنة.
    توجه الملك نحوي ، وقال: ألديك حق آخر تأخذه منه ؟ التفت لعملي الصالح أسأله وقبل ان ينطق بكلمة واحدة سمعنا نداءا من الأرض
    يقول: نعم ، أنا أشهد أنه كان المدبر لقتل زوجة سعيد بحادث سيارة متعَّمد ! قلت سبحان الله ! وهذا سر آخر ما كنت أعلمه
    نظرت لعملي الصالح متسائلا عما يجب فعله ، فأشار إلى الملك الذي بادرني بقوله
    :
    كل حق ، صغير أو كبير ، مدون في هذا الكتاب الذي لا يضل ولا ينسى ، سواءً كان حرمانك من تكميل حياتك مع زوجتك في الدنيا ، أو غيبته لك، أو تسقيطه لسمعتك بأكاذيب وافتراءات عليك ، او سرقاته لأموالك ، ومامن ذرة مظلمة لك عنده إلا وانتزعنا لك حقها منه .
    قال سعيد : تحسن حالي بعد تصفية الحساب مع جمال ، بينما هو اصبح أسوأ حالا مما سبق .
    كنتُ أشاهد دخّان ناره المحترقة فيه يخرج من جميع أنحاء بدنه، أما نار باطنه فهي سوداء تتأجج في أعماق قلبه ، وتخرج من فمه ومناخره ، وهو يقوم ويقعد ، ويعوي كعويل الكلاب والذئاب.
    كنت مستحضرا في فكري كبرياء جمال وتملقاته ، وافتراءاته علي في دار الدنيا . استحضرت نصائحي له بترك الأعمال السيئة وسرقاته من الشركة ،
    ولكنه ما كان يصغي لجملة واحدة منها .
    ولم أفق من هذه الذكريات إلا بنداء عملي الصالح الذي قال: سعيد أرأيتَ ماحصل لجمال ؟
    قال سعيد : نعم قد رأيتُ .
    انطلقنا نبحث عن مظالم أخرى نأخذها، وخلال مسيرتنا لفت نظري شخص مسودا وجهه ، مزرقة عيناه، مائلا شدقه، سائلا لعابه ، دالعا لسانه من قفاه ، بيده قدح وهو أنتن من كل جيفة على وجه الأرض ، يلعنه كل من يمر به من الخلائق
    فقلت لعملي الصالح : ماذا كان يفعل هذا في دنياه؟
    تمعن به قليلا ثم قال: لايشرب عبد خمرا في دنياه إلا وحشره الله بهذه الهيئة التي تراها، وقد أقسم ربي جل جلاله انه لايشرب عبد خمرا إلا وسقاه يوم القيامة مثل ماشرب منه من الحميم
    (( في بحار الأنوار،، عن الصادق ( ع ) عن النبي ( ص ) انه قال : اقسم ربي جل جلاله لايشرب عبد لي خمرا في الدنيا إلا سقيته يوم القيامة مثل ماشرب من الحميم معذبا بعد أو مغفورا له ، ثم قال: إن شارب الخمر يجئ يوم القيامه مسودا وجهه ، مزرقه عيناه ، مائلا شدقه ، سائلا لعابه ، دالعا لسانه من قفاه ))
    وصل بنا الملك المأمور إلى رجل كان بدنه عاريا متعفنا ، تخرج منه رائحة جيفة الأموات، وهو يقطّع لحم بدنه المتعفن ويأكل منه ، كان يتلوى ألما حينما يمضغ لحمه بأسنانه الصفراء !
    أمر عجيب ! لماذا يأكل هذا الشخص بهذه الصورة ، تحيرت أكثر عندما أخبرني الملك أن لي مظلمة عنده ، فتمعنت فيه أكثر ولكني ماعرفته .
    سألت الملك عن أي حق لي عند هذا الشخص .
    لنتابع في الجزء القادم ماهو هذا الحق ؟؟......
يعمل...
X