إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

لمحة تاريخية على مسألة اصالة الوجود 3

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • لمحة تاريخية على مسألة اصالة الوجود 3

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وال محمد

    2 ـ البرهان الثاني: وله مقدمات، هي:
    أ ـ أن الماهيات مثار الكثرة والمغايرة، فكل ماهية مغايرة للماهيات الأخرى، وهذه المغايرة تستند لذات الماهية، ولهذا يقال الماهيات منشأ الاختلاف والكثرة.
    ب ـ أن الحمل هو الاتحاد في جهة ما، والاختلاف في جهة أخرى.
    ولهذا ذكروا للحمل شرطين:
    الأول: وجود المغايرة بين الموضوع والمحمول، وإلا فلا فائدة في الحمل، لأنه حمل الشيء على نفسه.
    الثاني: أن يكون هناك اتحاد بينهما من جهة ما، وإلا فالمتباينان من كل جهة لا يصح حمل أحدهما على الآخر، مثل: الإنسان حجر، فهذه قضية كاذبة، إذاً نحتاج مناط وحدة واتحاد بين الأمرين.
    ج ـ أن تحقق وجود الحمل أمر بديهي، كقولنا: الإنسان ضاحك، والإنسان ناطق.
    فالحاصل من هذه المقدمات الثلاث، من الأولى: أن الماهيات مثار الكثرة والاختلاف، ومن الثانية، أن للحمل شرطين هما الاتحاد من جهة والاختلاف من جهة أخرى، والثالثة: أنه لا يمكن إنكار أن هناك حملاً فهو أمر بديهي.
    وعلى هذا الأساس نقول أن جهة التغاير في كل حمل تعود إلى الماهيات، وهنا يجب أن نبحث عن جهة الاتحاد بين الماهيات في الحمل، وليس هناك سوى الوجود، لأنه لو كانت الماهية هي مناط الاتحاد في الحمل، لما تحقق حمل أصلاً في القضايا، لأن الماهيات ـ كما قلنا ـ هي مثار الكثرة والمغايرة، فلا يمكن أن يكون منشأ الاختلاف منشأ للاتحاد، منشأ الاتحاد لابدّ أن يكون شيئاً آخر، وهو الوجود، فالاتحاد بين الموضوع والمحمول في القضية الحملية هو الوجود، فهو جهة الوحدة بين الماهيتين المختلفتين، وهذا الكلام إنما يتم على القول بأصالة الوجود، وأنه المنشأ لترتب الآثار، أما لو كان الوجود اعتبارياً، فيتحقق الركن الأول فقط في الحمل دون تحقق الركن الثاني.
    3 ـ البرهان الثالث: ويتم بيانه من خلال مقدمتين وهما:
    أ ـ أن إدراكنا للأشياء، إنما يتم من خلال الماهيات، أي أن الماهيات هي الرابطة بين الذهن والخارج، فالرابطة بين الذهن والكتاب الخارجي مثلاً هي رابطة ماهوية لا وجودية.
    ب ـ أن ماهية المعلوم بالذات، أي صورته، في الذهن، هي عين ماهيته بالذات.
    فماهية الإنسان في الذهن نفسها في الخارج، لكن الإنسان في الذهن لا تترتب عليه الآثار المترتبة على ماهيته في الخارج، وهنا نقول لو كانت الماهية أصيلة، أي أنها هي المنشأ لترتب الآثار الخارجية، والوجود أمراً اعتبارياً، وأدركنا ماهية ما، كالنار مثلاً، للزم أن تأتي آثارها، كالإحراق والحرارة للذهن.
    ولكن ذلك باطل جزماً، إذ لا تترتب الآثار على صورة الماهية، فإنّ ماهية النار في الذهن ومع ذلك لا يترتب عليها آثار النار وهي الاحراق، إذاً فالمنشأ لترتب الآثار هو الأصيل، وهو الوجود.
    4 ـ البرهان الرابع: وله مقدمتان، وهما:
    أ ـ أن الموجودات في الواقع الخارجي مختلفة من حيثُ التقدمُ والتأخرُ، والشدةُ والضعفُ، والقوةُ والفعلُ، فالعلة متقدمة على المعلول، ووجود العلة أشد من وجود المعلول ... الخ.
    ب ـ أن الماهية بالمعنى الأخص متساوية النسبة، أي لا يختلف حال الماهية بالنسبة للقديم والحديث والشديد والضعيف ... الخ، لأن الماهية لا يقع فيها التشكيك.
    فالماهية متساوية الحال بالنسبة لجميع الأمور، فلا يختلف حال الماهية بالنسبة للإنسان المتقدم والمتأخر، فالجنين والكبير، والحي والميت، نسميهم جميعاً إنساناً.
    ولذلك قالوا: لا تشكيك في الماهية، فلو كانت الماهية هي الأصيلة لما وقع في الخارج تقدم وتأخر، أو شدة وضعف، لأن الماهية متساوية النسبة للجميع ـ حسب المقدمة الثانية ـ وفي المقدمة الأولى أثبتنا وجود التفاوت في الموجودات من حيثُ التقدم والتأخر و ... الخ.
    إذاً الماهية ليست أصيلة. وإنما تثبت الأصالة لأمر آخر هو الوجود، ويكون التفاوت ـ التشكيك ـ للوجود لا للماهية.
    ـ القول بأصالة الماهية:
    القول الثاني وهو أصالة الماهية، ومنسوب إلى شيخ الإشراق السهروردي، وأشهر كتاب له هو (حكمة الإشراق) وفيه عنوان: «حكومة الماهية على الوجود»، وذكر برهاناً نتيجته أن الماهية أصيلة والوجود اعتباري، ويقوم هذا البرهان على ما يلي:
    عندما نقول (الكتاب موجود)، نجد المحمول ـ موجود ـ اسم مفعول، وهو مشتق من المشتقات، أي أنه يشتمل على ذات ومبدأ للاشتقاق، بمعنى ذات ثبت لها الوجود كقولنا: عالم، شيء ثبت له العلم، أي ذات ومبدأ للاشتقاق.
    كذلك هنا، موجود ينحل إلى شيء ثبت له الوجود، فننقل الكلام للوجود، ونسأل أَهو موجود أم معدوم؟ فإن كان موجوداً، فهذا معناه، أنه شيء ثبت له الوجود، فننقل الكلام للوجود الثالث، وهكذا ننقل الكلام حتى يتسلسل الأمر إلى ما لا نهاية، والتسلسل في الوجودات المحمولة محال، فلابدّ أن يكون الوجود اعتبارياً والماهية أصيلة.
    وهذا الكلام يبتني على قاعدة قررها شيخ الإشراق ومفادها: (كل شيء لزم من تحققه تكرره لا إلى نهاية فهو اعتباري)، وهنا الوجود شيء ويلزم من تحققه في الخارج تكرره، فحينئذ يكون اعتبارياً، وصدر الدين الشيرازي في كتابه الأسفار قال: نقبل هذه القاعدة، ولكن لا نقبل النتيجة التي ذكرها السهروردي، أي أن تطبيق القاعدة غير صحيح.
    والجواب على كلام السهروردي سهل، والمسألة تعود أساساً إلى بحث المشتق، ففي ضوء معرفة بحث المشتق تنحل هذه المسألة.
    إن قولنا موجود، الموجود ليس ذات ثبت لها الوجود، وإنما الموجود هو عين الوجود وعين الواقعية، فهذا البرهان أو الإشكال ينشأ من تفسير المشتق بأنه ذات ثبت لها المبدأ، ولكن نقول أن المشتق يستعمل في موردين:
    تارة نستعمله في ذات ثبت لها المبدأ، كما نقول: (الجدار أبيض)، أو (زيد عالم)، فعالم ذات ثبت لها العلم، لأن العلم شيء وزيد شيء آخر، ومرة أخرى قد نستعمل المشتق في موارد يكون المحمول عين الموضوع كما نقول: البياض أبيض، والنور مضيء، فالبياض هو عين الأبيض، وكذلك النور هو نفس الضوء.
    وهكذا في الوجود موجود، فالمشتق هنا بنفس معنى مبدأ الاشتقاق، الوجود وموجود بمعنى واحد.
    وقد ذهب صاحب الكفاية إلى أن الوجود دائماً بنفس معنى مبدأ الاشتقاق، وقال بأن الفرق بينهما اعتباري، لأن الفرق بين عالم وعلم، ليس في المعنى، المعنى واحد. وبذلك يثبت أن الأصيل هو الوجود.
    ـ القول بأصالة الوجود في الواجب وأصالة الماهية في الممكن:
    هناك قول ثالث بالتفصيل، أي أصالة الوجود في الواجب وأصالة الماهية في الممكن، وهذا القول منسوب إلى المحقق جلال الدين الدواني، وهو يعني بأصالة الوجود في الواجب، أي ليس هناك موجود غير الواجب تعالى، أي ما يتصف بالوجود حقيقةً هو (الواجب تعالى) واتصاف غيره بالوجود بمعنى انتسابه للوجود.
    فعندما نقول (الماهيات موجودة) أي منتسبة للوجود، والانتساب يعني وجود رابطة بين الشيء والمبدأ، بينما يعني الاتصاف، الاتحاد بين الشيء ـ الذات ـ والمبدأ.
    فعندما نقول (زيد قائم) يعني متصف بالقيام، أي هناك اتحاد بين الذات ـ زيد ـ والمبدأ ـ القيام ـ . وعندما نقول (بغدادي، تامر) فهناك شخص منسوب إلى بغداد، أو إلى التمر وهو بائع التمر.
    وهذا يعني عدم وجود اتحاد بين الذات والمبدأ، أي بين زيد وبغداد، ولا بين زيد والتمر، وإنما هناك ارتباط ونسبة بين بغداد وزيد، بين المبدأ والذات، بينما عندما نقول (عالم) فهناك اتحاد بين زيد وبين العلم، فالانتساب يعني عدم الاتحاد، والاتصاف يعني الاتحاد، والانتساب كما في انتساب شخص إلى مدينة أو إلى مهنة ما، كالتمر نقول تامر، يعني أنه يبيع التمر، ولا يوجد اتحاد بينه وبين التمر.
    وعلى هذا الأساس قال الدواني: إن معنى الإنسان موجود، يعني أنه منتسب إلى الوجود ومرتبط به، أي توجد علاقة وارتباط بين الوجود وزيد ولا يوجد بينهما اتحاد، فالماهية قبل الانتساب اعتبارية ولكنها توجد وتتحقق بالانتساب إلى الجاعل.
    والجواب على ذلك: إنْ حصل للماهية ثبوت وتحقق بعد الانتساب للوجود تعالى ـ للواجب ـ فهذا هو معنى القول بأصالة الوجود، وإن ظلت الماهية على حالها بعد الانتساب للجاعل الواجب كما هي، فيلزم من ذلك الانقلاب وهو محال.
    ومعنى الانقلاب أن الماهية كانت قبل الانتساب أمر اعتباري، وبعد الانتساب ـ مع أنه لم يطرأ عليها أي تغير في ذاتها ـ فإنها تكون أصيلة، وهذا يعني أنها في ذاتها تكون اعتبارية وأصيلة، وهذا اجتماع للنقيضين، لأن الاعتباري مقابل الأصيل وهذا معنى الانقلاب، وهو محال .
    منقول
يعمل...
X