بسم الله الرحـــمن الرحيــــــــم
اللهم صلّ الله على نبيك محمد وعلى آله الغر المياميـــــــــن
لقد رأى الامام الحسين عليه السلام ضرورة تطبيق قوله تعالى : (( إن أُريد إلا الاصلاح ما استطعت)) في زمن انعدم فيه الصلاح ، وضاع الفلاح، وكاد المؤمن أن يقع في المتاهة ، وشاعت فيه الضلالة ، وساد على الناس الظلم والجور ، وانتشر الفسق والفجور ، واظلمت الدنيا بفساد الامور ، وتكالب الظالمون على ضمائر الأحرار ، وقلّ الديانون ، وكثر المجرمون ، وتسلط على رقاب المسلمين المنافقون .
فإذن لعمرك إن الناس في عصر الإمام الحسين عليه السلام كانوا فس سكرتهم يعمهون ، وفي الدين يتملقون ، وعند البلاء يقل فيهم الديانون ، وكان في عصره يتسلط الفاجرون ، ويتبختر المجرمون ، ويتجول الفاسدون ، ويتغطرس المتجبرون ، فالله أكبر من زمان انعدم فيه الحق الا قليلا ، وضل الناس ضلالا كبيرا .
فإذن كان ذلك العصر ليس مضرا بأهله فحسب بل سيمتد الى بقية العصور والاجيال لأنه سيترك فيها الاثر الكبير والمحور العظيم ، ممايقتضي وجود مصلح عظيم يأخذ على عاتقه مهمة الاصلاح ، مهما كانت تلك المهمة صعبه للغاية ، ومهما قل لأجلها الانصار والاصحاب.
لذا عقد الامام الحسين عليه السلام مع ربه ومع جده النبي صلى الله عليه واله ومع ابيه امير المؤمنين عليه السلام عقد الاصلاح وإن كلفه دمائه الطاهرة ، ولذا نجده عليه السلام قد أعلن قبل المضي قدما الى ارض الشهادة كربلاء عن نيته في النهضة ضد الفساد وضد الظلم وضد الانحراف وضد الضلال وضد الجهل وضد الفسق وضد الانحطاط الاخلاقي الانحلال الاجتماعي.
فقد روي عنه عليه السلام انه قال : (( ماخرجت الا لطلب الاصــــــــلاح )) ، فإذن الاصلاح هو روح النهضة التي ارتئاها الامام الحسين عليه السلام ، هو اساس الثورة الحسينية ، وهو مطلب الامام الحسين عليه السلام باعتباره الامتداد الطبيعي لجده رسول الله صلى الله عليه واله ، وبأنه الخيرة الباقية من ال الرسول ، والبقية النقية من سلالة الاوصياء .
ومما تجدر الاشارة اليه أن حجم الفساد في ذلك الزمان كان كبيرا جدا ، وأن رأس الفساد المتسلط على رقاب الناس كان عملاقا بفساده ، وغواصا ماهرا في سفك الدماء ، وانتهاك الاعراض وهو يزيد بن معاوية بن ابي سفيان المنحدر من صلب تلك السلالة الخبيثة والمعروفة لدى اهل ذلك الزمان بشغفها بالفسق وحب الفجور وشرب الخمور والزنا وسفك الدماء ، فإذن دحض فساد فاسد مثل يزيد يمتلك السلطة الحكومية يحتاج الى تضحية من مصلح عظيم ، كي يقوم هذا المصلح بإنقاذ الناس من الجهالة وحيرة الضلالة ، ولم يكن أحد اهل لهذه المهمة اي شخصية ماخلا الامام الحسين عليه السلام.
ولكن هنا فلنتوقف لنقول ماهو الاصـــــــــــــــــــلاح؟؟ : هو تحيق الحق و المعروف و العدل والقيم وجعل الامور بمسارها الصحيح وتجسيد احكام الله تعالى في مختلف جوانب الحياة.
ويجب ان نلتفت الى ان الاصلاح الذي اراده الامام الحسين عليه السلام هو إصلاح شامل لكل مايرتبط بحياة الإنسان في ذلك العصر وفي العصور التي تليه ، وأن ذلك الاصلاح له مراتب متسلسلة ، ومنها :
أ-اصلاح النفس والسريرة : فأراد الامام الحسين عليه السلام ان يصلح الانسان نفسه بأن يجعلها تسير في درب الانبياء واوصيائهم وتلتزم بكل مصاديق الخير والسلام والخلق والقيم والمثل والمبادىء.
ب- إصلاح الاقربين : بأن يصلح الانسان زوجته او الزوجة تصلح زوجها وبالتدرج اصلاح الاولاد والاقرباء والاصدقاء والزملاء والاصحاب.
ج_ اصلاح المجتمع : من خلال التوعية والتثقيف .
د- اصلاح الأمة .
ه- اصلاح العالم.
كما ان الاصلاح الذي أراده الامام الحسين عليه السلام حينما أعلن عن عزمات عقد يقينه بقوله عليه السلام : (( ماخرجت إلا لطلب ؟ الاصلاح )) هو الاصلاح بكل الابعاد ، ومن هذه الابعاد :
أ- الاصلاح الذاتي : بأن يصلح الانسان نفسه .
ب- الاصلاح الاجتماعي : وهو ان يصلح الانسان عائلته واقربائه ومجتمعه .
ج- الاصلاح الفكري : وهو ان يجتهد الانسان في تثقيف الناس بالفكر السليم وتنبيههم بخطر الفكر الشاذ ولاسيما ذلك الفكر الذي تبناه بنو امية وهو فكر الطاعة لمن غلب ، وطاعة الحاكم والسلطان وعباده الطاغوت ، واقرب مثال هنا هو ذلك الفكر الوهابي التكفيري والذي انجب من رحمه مايعرف بتنظيم داعش الارهابي .
ه- الاصلاح العلمي : من خلال تحديد وتشخيص الأخطاء العلمية في مختلف صنوف العلم وبيان المعلومة الصحيحة.
د- الاصلاح الديني : وهو ان يتدين الانسان بدين النبي صلى الله عليه واله ودين امير المؤمنين عليه السلام وبقية العترة الطاهرة من ائمة اهل البيت عليهم السلام لأنهم القدوة الحقيقية ولأنهم سفراء الله في ارضه ولأنهم خزان علمه وأعلام هدايته وسبل نجاته ولأ رضاه رضاهم ، والابتعاد عن أعدائهم وعن كل من نصب لهم العداوة ورفع عليهم السلام او حاربهم بالفكر او باللسان او بالقلب ، والابتعاد عن كل فكر خالف فكرهم ، وتجنب كل حكم ينسب الى الاسلام وقد خالف حكمهم ، وعن كل عقيدة خالفت عقيدتهم ، وعن كل خلق خالف اخلاقهم .
و- الاصلاح العقائدي : وهو ان يعتقد الانسان بكل ماذكره الله تعالى في كتابه وعلى لسان نبيه واهل بيته الطاهرين ، وان يعتقد الانسان بكل ما اعتقد به رسول الله والائمة من آله ، ونبذ كل إعتقاد خالف اعتقاد اهل البيت عليهم السلام وان كان ذلك الاعتقاد منحدرا من عالم له وزن في العلم والمجتمع ، لأن اهل البيت عليهم السلام هم العلماء الحقيقيون وهم خزنة علم الله ، فلاينافسهم احد في علم ، ولايجاريهم احد في فهم.
ي- الاصلاح الاخلاقي : بأن يحلي الانسان نفسه بكل خلق حسن وكل سلوك سليم وان يتحلى بمكارم الصفات من التحلي بالرحمة والانسانية والكرم والانصاف والصدق والامانة وحب الخير ومساعدة الضعفاء .
فإذن على الانسان الذي يدعي الانتماء الى الامام الحسين عليه السلام عليه ان يكون مصلحا بكل ماتقدم من مفاهيم ومصاديق الاصلاح ، ليكون بذلك قد قرأ قضية الامام الحسين عليه السلام فرأى روح نهصته الخالدة ، وأحب ان يكون من المصلحين ماستطاع لذلك سبيلا.
ولنكتفِ بهذا القدر
والحمد لله اولا وآخرا
**************************
إعداد وإشراف : المحقق
تعليق