بسم الله الرحمن الرحيم
يقع الكلام حول البداء بامور
الامر الاول : في مفاده ومعناه
البداء لغة : بمعنى ( ظهر , بان , تجلى ) وياتي بمعنى خطور الرأي او استصواب شيء غير الاول ويقال فلان ذا بداوة , او لا يزال يبدوا له رأي جديد .
اما اصطلاحاً : فيأتي بمعنيين
1- الظهور والوضوح والتجلي .
2- العلم بعد الجهل .
فعلى المعنى الاول يكون موافقاً للذات الالهية وهو الاظهار بعد الاخفاء , اي اظهار ما كان مخفياً عن العباد لاعنه تعالى فهو محيط وعالم بكل شيء سبحانه .
وقد ورد عن الائمة عليهم السلام : ما بعث الله نبياً حتى يقر له بالبداء . اي يقر له بقضاء متجدد في كل يوم يظهر للعباد بعد ان كان مخفياً عنهم .
اما المعنى الثاني : وهو العلم بعد الجهل فهو مستحيل عليه تعالى عقلاً ونقلاً وقد رفضته الشيعة جملة وتفصيلا وذلك لانه يستلزم النقص على الذات المقدسة ويستلزم انفكاك العلم الذي هو من الصفات الذاتية التي لاتنفك عنه , والانفكاك علامة الفقر والحاجة وحاشاه عز ذكره وتقدست اسماءه ان يكون كذلك واضافة الى هذا وجود الايات التي تبين علمه واحاطته سبحانه بكل شيء ( ان الله لايخفى عليه شيء في الارض ولا في السماء ) آل عمران -6 .
وكذلك الروايات الواردة بهذا الشأن كما في نهج البلاغة ج1/ ص 223/ عن امير المؤمنين علي عليه السلام انه قال : ( ونستغفره مما احاط به علمه واحصاه كتابه , علم غير قاصر , وكتاب غير مغادر , ونؤمن به ايمان من عاين الغيوب ووقف على الموعود ).
الامر الثاني : انواع البداء
1- البداء التكويني .
2- البداء التشريعي .
البداء التكويني وهو انكشاف امر مادي للعباد لم يكن مكشوفاً من قبل كالمرض بعد الصحة والفقر بعد الغنى والجوع والعطش والموت وكل الحوادث الكونية التي لم يعلم الانسان بوقوعها ثم وقعت فالبداء فيها تكويني مادي واقع في الخارج .
اما الثاني وهو كشف عن حكم شرعي لاحق على حكم قد سبقه , اي ان الحكم الاخير يلغي ويرفع الحكم الاول فيكون الثاني باديً وظاهراً بعد ان كان مخفياً من قبل الشارع لمصلحة ما اقتضت اخفاءه في ذلك الزمن الذي سبق البداء , كما يعبر عنه بالنسخ التشريعي حيث يكون حكما شرعياً يتوهم المكلفون انه يقتضي الدوام والاستمرار لكنه خلاف ذلك فيرفع بحكم اخر, وكبداية التشريع الاسلامي حيث جعل الاحكام تدريجية ولم يبلغ بها دفعة واحدة .
الامر الثالث : حقيقة البداء واين يقع ؟
تذكير : قد عرفنا في درس القضاء والقدر , ان القدر هو الامر الغير محتوم , والقضاء هو الامر المحتوم الذي لايتبدل ولا يتخلف .
وما نريد بيانه انه قد ثبت في الايات والاخبار ان لله تعالى لوحين , اثبت فيهما سبحانه وتعالى ما يحدث من الكائنات والاحداث .
اللوح الاول :يسمى لوح المحو والاثبات وهو المسمى ( بالقدر) وقد كتب الله تعالى فيه الآجال والارزاق وجميع مايكون واقعاً في العالم لكن هذه الامور معلقة على الاسباب والشروط فمن لم يتحقق سببه او شرطه لايقع , مثلاً كتب ان عمر فلان من الناس يكون مائة سنة بشرط الطاعة واذا لم يحقق هذا الشرط وصار عاصياً فانه ينقص من عمره عشر سنين . فهنا يمكن التغيير والتبديل على حسب الاسباب والشروط في هذا اللوح , وهذا اللوح هو نفسه الذي وصف سبحانه به نفسه بأنه (كل يوم في شأن ) الرحمن 30-
واما اللوح الثاني وهو اللوح المحفوظ ,والمعبر عنه بالقضاء المحتوم فهو قد كتب الله تعالى فيه كل الحوادث مع علمه به منذ الازل وهذا العلم المكتوب لايتغير ولا يتبدل لانه مربوط بالاسباب والمسببات وهو عالم بوقوع الاسباب او عدم وقوعها .
وما نريد الوصول اليه هو ان البداء يقع في القضاء الغير محتوم (القدر) , واما المحتوم فلا يقع فيه البداء لانه لايتغير ولا يتبدل .
الامر الرابع : الحكمة من البداء
ان للبداء حكم كثيرة ..
منها : جعل العباد بين حالتي الخوف والرجاء من خلال عدم اظهار الحوادث المستقبلية بتمام ظهورها .
ومنها : الاثر التربوي وهو بعث الرجاء والامل في القلوب وعدم اليأس والقنوط لانه لازال هناك امل بالتغيير والتبديل .
ومنها : زيادة الاجر والثواب للعباد من خلال التشديد في التكليف لان تكليفهم بحكم ثانِ غير الاول فيه نوع من المشقة واذعانهم للحكم الثاني سبب في زيادة الاجر .
ومنها : الانسة والتسلية وازالة الهموم والغموم من قلوب المنتظرين لفرج اولياء الله تعالى من خلال الاخبار بالبداء كما روي في فرج اهل البيت عليهم السلام وغلبتهم ونصرهم .
والحمد لله رب العالمين
تعليق