الدرس السادس عشر: اأقسام منهج التفسير الإشاري (2) تفسير العرفاء والصوفيّين | |||||||||||||||||||||||||
|
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
دراسات في مناهج التفسير 16و17و18و19و20
تقليص
X
-
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
-
الدرس السابع عشر: الاتجاه الكلامي في تفسير القرآن أهداف الدرس
1- أن يتعرّف الطالب إلى أكثر ما يهتمّ به المفسِّر في الاتجاه الكلامي
2- أن يعدِّد أشهر المدارس الكلامية
3- أن يدرك أهمّ الموضوعات الّتي كانت مورد بحث في التفاسير الكلامية .
نبذة تاريخية181
"الكلام" في اللغة بمعنى الحديث، أمّا في الاصطلاح فيطلق على علم العقائد. ولم يكن هناك اختلاف ملحوظ في المسائل العقائدية في زمن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وإنّما حدث ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وآله وسلم وخصوصاً في مسألة الإمامة. واتّسعت دائرة هذه الخلافات تدريجياً إلى مسائل صفات الله والنبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ تكوَّن علم الكلام في أواخر القرن الأوّل الهجري وبداية القرن الثاني، وظهرت المدرسة الاعتزالية في الكلام بواسطة واصل بن عطاء (80 131هـ). وتبلورت مدرسة الأشاعرة عن طريق أبي الحسن الأشعري (ت: 330هـ تقريباً) عاش في أواخر القرن الثالث الهجري وأوائل القرن الرابع الهجري، ثمّ بعد ذلك ظهرت الفرقة الماتريدية. وقد تكوّنت المدرسة الكلامية للشيعة عن طريق أهل البيت عليهم السلام في بداية ظهور الإسلام والّتي لها عقائد مستوحاة من القرآن الكريم وأحاديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في مسألة الإمامة والعصمة، ثمّ أصبحت أكثر ترتيباً وتنظيماً على يد بعض العلماء أمثال الشيخ المفيد (336 413هـ). وقد مارست هذه المدارس الكلامية التفسير أيضاً، فكانت تأخذ من الآيات ما يوافق آراءها وتؤوّل الآيات المخالفة أو تقوم بتوجيهها بحقٍّ أو بغير حقٍّ؛ ومن هنا ظهرت الاتجاهات الكلامية في
التفسير بأنواع مختلفة، وسوف نذكر بصورة مختصرة أهمّ هذه الاتجاهات مع ذكر كتبهم التفسيريّة.183
الاتجاه الكلامي
أكثر ما يهتمّ به المفسِّر في الاتجاه الكلامي هو:
1ـ الاهتمام بتفسير آيات العقائد (التوحيد العدل النبوّة الإمامة المعاد).
2ـ الاهتمام بالآيات المتشابهة في القرآن.
3ـ إثبات عقائده ونفي عقائد الآخرين عن طريق تفسير الآيات.
4ـ إنّ بواعث المفسِّر هو الدفاع عن عقائد المسلمين أو الدفاع عن المدرسة الكلامية الّتي يتبنّاها.
5ـ الاستفادة من المنهج الاجتهادي والعقلي في التفسير، واتّباع الطريقة الاستدلالية، إضافة إلى استخدام الروايات والآيات أيضاً، ولهذا فقد تشتمل التفاسير الكلامية على مناهج واتجاهات متعدّدة.
أشهر المدارس الكلامية في التفسير
1ـ الاتجاه الكلامي الاعتزالي في التفسير
المعتزلة هم أتباع واصل بن عطاء (80 131هـ)، ومن أهمّ الشخصيات البارزة في هذه المدرسة هم: عمرو بن عبيد (ت: 143هـ)، أبو الهذيل العلّاف (ت: 235هـ)، إبراهيم النظّام (ت: 231هـ)، الجاحظ (ت: 255هـ)، القاضي عبد الجبّار المعتزلي (ت: 415هـ) والزمخشري (ت: 538هـ).
يعتقد المعتزلة أنّ الإنسان حرٌّ ومختار، وأنّ القرآن يمكن تفسيره عن طريق العقل، وأنّه يمكن إدراك كثير من الحقائق بواسطة العقل (دون هداية الشرع)، وفي حالة تعارض الحديث مع العقل فإنّهم يقدّمون العقل، وكذلك يعتقدون أنّ الفاسق ليس بمؤمن ولا كافر (المنزلة بين المنزلتين)، وأنّه لا يمكن للإنسان الحصول على المغفرة دون توبة. وكذلك يعتقدون بالتوحيد الصفاتي، وينكرون التوحيد الأفعالي فهم من العدلية، حيث يعتقدون بعدالة الله وأنّ أفعاله لها غاية وهدف، وكلامه مخلوق، ويحصرون القدم بالله سبحانه وتعالى.184
وقد استمرّت عقائد المعتزلة في الازدهار إلى زمن المتوكِّل، حيث نُكِّل بهم في زمانه بشدّة، ثمّ انتشر المذهب الأشعري من ذلك الزمان.
من أهمّ التفاسير الكلامية للمعتزلة هي:
1ـ متشابه القرآن، القاضي عبد الجبّار الهمداني (ت: 415هـ)، وهو شافعي في المذهب الفقهي، ومعتزلي في الكلام.
2ـ تنزيه القرآن عن المطاعن، عبد الجبّار المعتزلي.
3ـ الكشّاف، أبو القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت: 538هـ) وقد تعرّض إلى المسائل الأدبية واللغوية أيضاً.
4ـ أنوار التنزيل وأسرار التأويل (تفسير البيضاوي) القاضي ناصر الدِّين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمّد بن عليّ البيضاوي الشافعي (ت: 685هـ)، وقد كتب هذا التفسير بالاعتماد على تفسير الكشّاف للزمخشري، والمشهور أنّ البيضاوي أشعريُّ المذهب، ولكن بعض المحقّقين يعتقدون أنّه معتزلي؛
لأنّه أعطى أهميّة كبيرة للعقل والعدل في تفسيره1.185
5ـ جامع التأويل لمحكم التنزيل، أبو مسلم الأصفهاني (ت: 322هـ)، ولا يوجد أصل هذا التفسير ولكن الفخر الرازي نقل عنه في تفسيره، وكذلك الطبرسي في مجمع البيان، وقد طُبعت آراء أبي مسلم الأصفهاني التفسيريّة في مصر وإيران بصورة مستقلّة، ويتميّز أبو مسلم بمنهجه العقلي في التفسير.
6ـ وهناك تفاسير أُخرى للمعتزلة ليست في متناول اليد الآن، مثل: تفسير أبي بكر عبد الرحمن بن كيان الأصم (ت: 240هـ)، محمّد بن عبد الوهّاب بن سلام (أبو علي الجبائي (ت: 303هـ). وهناك تفسير كبير لعبد السلام بن محمّد بن يوسف (ت: 483هـ) شيخ المعتزلة.
2ـ الاتجاه الكلامي الأشعري في التفسير
الأشاعرة2 هم أتباع أبي الحسن الأشعري (ت: 330هـ تقريباً)، ومن أهمّ الشخصيات البارزة عندهم: القاضي أبو بكر الباقلاني (ت: 403هـ)، أبو إسحاق الأسفرايني، إمام الحرمين الجويني، الإمام محمّد الغزالي (ت: 505هـ)، والإمام الفخر الرازي.
من أهمّ التفاسير الكلامية المدوّنة للأشاعرة هي:
1ـ تأويلات القرآن، أبو منصور محمود الماتريدي (ت: 333هـ)، وهو في الفقه
من أتباع مذهب أبي حنيفة، ويميل إلى المدرسة الكلامية الأشعرية.186
2ـ مدارك التنزيل وحقائق التأويل (تفسير النسفي)، عبد الله بن أحمد بن محمود بن محمّد النسفي (القرن السابع). وقد دوّن هذا الكتاب من أجل نقد آراء الزمخشري في الكشّاف، والنسفي من أئمة المذهب الحنفي في زمانه.
3ـ بيان المعاني، عبد القادر الملّا حويش آل غاري، حنفي المذهب، ومن أتباع المذهب الأشعري في الكلام.
4ـ مفاتيح الغيب (التفسير الكبير) للفخر الرازي (ت: 602هـ)3 ويطلق عليه إمام المشكّكين، وقد أسرف في ذكر المباحث الكلامية حتّى قيل في تفسيره: فيه كلّ شيء إلّا التفسير. ورغم كونه أشعريّاً في الكلام، ولكنّه قد يتكلّم خلاف العقيدة الأشعرية في بعض الأحيان4.
3ـ الاتجاه الكلامي للشيعة في التفسير
الشيعة هم أتباع الأئمّة الإثني عشر - من الإمام عليّ عليه السلام إلى الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف -، وقد استفاد الشيعة من أئمّة أهل البيت عليهم السلام في القرون الأولى، وأخذوا عنهم أهمّ المسائل الكلامية، وقد شاع المذهب الكلامي للشيعة بعد انتهاء الغيبة الصغرى لإمام العصرعجل الله تعالى فرجه الشريف سنة (329هـ)، بواسطة علماء الشيعة الكبار أمثال: الشيخ المفيد، والسيّد المرتضى، والشيخ الطوسي، والخواجة نصير الدِّين الطوسي، و...
تعتقد الشيعة بالتوحيد الصفاتي، والعدل الإلهي، وقد أعطوا أهمية لكل من العقل والنقل، وذهبوا إلى أنّ الإنسان مختار في أفعاله (ليس بصورة مطلقة ولكن أمر بين أمرين)، وينكرون التكليف بما لا يطاق، ويعتقدون بأنّ الله لا يُرى بالعين المادّية لا في الدنيا ولا في الآخرة. ومن أهمّ المسائل الكلامية للشيعة هو الاعتقاد بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، والأئمّة الإثني عشر عليهم السلام ، وكذلك الاعتقاد بعصمة الأنبياء والأئمّة عليهم السلام. وأمّا الاتجاه التفسيري للشيعة فهو الالتفات إلى كلّ من الظاهر والباطن للقرآن.187
من أهمّ التفاسير الكلامية للشيعة هي:
1ـ غرر الفوائد ودرر القلائد (أمالي السيّد المرتضى)، الشريف المرتضى (ت: 436هـ)، والّذي جمع بين الظاهر والباطن.
2ـ تفسير التبيان، الشيخ أبو جعفر الطوسي (ت: 460هـ).
3ـ تفسير مجمع البيان، أبو علي الطبرسي (ت: 548هـ) رغم كون التفسيرين المذكورين من التفاسير الجامعة ولكنّهما كثيراً ما يهتمّان بالمباحث الكلامية.
4ـ متشابه القرآن ومختلفه، ابن شهر آشوب المازندراني (ت: 588هـ)، وقد دوّن هذا التفسير بصورة موضوعية.
5ـ حدائق ذات بهجة، أبو يوسف عبد السلام القزويني (ت: 488هـ)، ويشمل جميع آيات القرآن وهذا التفسير كان موجوداً حتّى زمان الصفويّين.
6ـ بلابل القلاقل، أبو مكارم محمّد بن محمّد الحسني (القرن السابع) باللغة الفارسية. وقد بدأ بالآيات الّتي تبدأ بلفظ "قل".
7ـ دقائق التأويل وحقائق التنزيل، أبو المكارم محمّد بن محمّد الحسني، وقد فسّر الآيات الّتي تشتمل على العبارات التالية: ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواï´¾، ï´؟إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ï´¾.188
8 جلاء الأذهان وجلاء الأحزان، أبو المحاسن حسين بن الحسن الجرجاني (القرن الثامن) باللغة الفارسيّة، وهو مأخوذ من تفسير أبي الفتوح الرازي الشيعي إلى حدّ ما.
9ـ لوامع التنزيل وسواطع التأويل، أبو القاسم الرضوي اللاهوري (ت: 1324هـ)، باللغة الفارسية، والمؤلِّف من علماء الهند.
10ـ آلاء الرحمن، محمّد جواد البلاغي النجفي (1282 1352هـ)، وآخر هذا التفسير هو الآية (57) من سورة النساء، وكثيراً ما يتعرّض إلى المسائل الكلامية بين الأديان.
11ـ الميزان في تفسير القرآن، محمّد حسين الطباطبائي (1321 1402هـ) باللغة العربية، وهو يتعرّض كثيراً إلى المباحث الاعتقادية (وخصوصاً في المجلّدات الأولى من تفسيره)، ورغم أنّ منهجه هو تفسير القرآن بالقرآن ولكنّه يهتم كثيراً بالمباحث الكلامية والفلسفية.
12ـ مواهب الرحمن، السيّد عبد الأعلى السبزواري (1328 - 1414هـ).
13ـ تفسير نمونه، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ومعاونوه (معاصر)، فارسي.
14ـ تفسير "كلامي قرآن مجيد"، بالفارسية، محمّد حسين الروحاني. تعرّض فيه إلى المباحث الاعتقادية للشيعة والدفاع عنها، وإن كان تفسيره جامعاً ذا اتجاه اجتماعي.
النماذج189
من أهمّ الموضوعات والآيات الّتي كانت مورد بحث ونقاش في التفاسير الكلامية هي:
1ـ التوحيد الصفاتي
2ـ التوحيد الأفعالي
3، عصمة الأنبياء عليه السلام
4ـ العدل الإلهي
5ـ الإمامة وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم
6ـ الهداية والضلال وعلاقتهما بحرية واختيار الإنسان
7ـ رؤية الله بالعين وعلاقة ذلك بمسألة التجسيم والتشبيه.
مثال: قال إسحاق المروزي، وهو من الحنابلة أشعري الكلام في الآية الكريمة ï´؟وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًاï´¾5. إنّ الله سبحانه يُقعِد النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم معه على العرش وذلك جزاءً لهُ على تهجّده، في حين نفى المعتزلة هذا المعنى وقالوا: "إنّ حديث الجلوس على العرش محال، ووقعت الفتنة فقتل بينهم عدد كبير!! واضطر الجند إلى التدخّل لإيقافها"6.
وكذلك بالنسبة إلى الآية الشريفة ï´؟وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌï´¾7 فقد ذهب بعض المفسِّرين إلى أنّ الله سوف يُرى في الآخرة،
وهناك روايات في صحيح البخاري تؤيّد هذا المعنى أيض8. وأما المعتزلة فقالت: إنّ ظاهر الآية يتعارض مع الآية الكريمة ï´؟لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَï´¾9 وأنّ هذا المعنى رؤية الله في الآخرة هو من المعاني المجازية.190
قال العلّامة الطباطبائي قدس سره في تفسير الآية السابقة: "والمراد بالنظر إليه تعالى ليس هو النظر الحسّي المتعلّق بالعين الجسمانية المادّية الّتي قامت البراهين القاطعة على استحالة في حقّه تعالى، بل المراد النظر القلبي ورؤية القلب بحقيقة الإيمان على ما يسوق إليه البرهان ويدلّ عليه الأخبار المأثورة عن أهل العصمة10.
-
الدرس الثامن عشر: التفسير على ضوء منهج الأشعري أهداف الدرس
1- أن يتعرّف الطالب إلى نموذج تطبيقي للتفسير على ضوء المنهج الأشعري
إنّ فخر الدِّين محمّد بن عمر بن الحسين الرازي (543 606هـ) ممّن فسّر كثيراً من الآيات القرآنية على ضوء مذهبه ومنهجه الّذي يتبعه وهو مذهب الإمام الأشعري، وهو أشعري في العقيدة، شافعي في الفقه، فلنذكر نماذج من تفاسيره.193
1ـ جواز التكليف بما لا يطاق
إنّ جواز التكليف بما لا يطاق من مذاهب الأشاعرة ولقد احتجّ الرازي على مذهبهم بالآيات التالية:
ï´؟إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَï´¾1.
ï´؟لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَï´¾2.
ï´؟ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَّمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا * وَمَهَّدتُّ
لَهُ تَمْهِيدًا * ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ * كَلَّا إِنَّهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدًا * سَأُرْهِقُهُ صَعُودًاï´¾3.ï´؟تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّï´¾4.195
ثمّ أخذ بتقرير دلالة هذه الآيات على جواز التكليف بما لا يطاق بوجوه:
1- أنّه تعالى أخبر عن أشخاص معيّنين أنّهم لا يؤمنون قط، فلو صدر منهم الإيمان، لزم انقلاب خبر الله تعالى الصادق كذباً.
2- أنّه تعالى لمّا علم منهم الكفر، فكان صدور الإيمان منهم مستلزماً لانقلاب علمه تعالى جهلاً.
3- أنّه تعالى كلّف هؤلاء الّذين أخبر عنهم بأنّهم لا يؤمنون بالإيمان البتة، والإيمان يعتبر فيه تصديق الله تعالى في كلّ ما أخبر عنه، وممّا أخبر عنه أنّهم لا يؤمنون قط، فقد صاروا مكلّفين بأن يؤمنوا بأنّهم لا يؤمنون قط، وهذا تكلّف بالجمع بين النفي والإثبات5.
يلاحظ عليه: أنّ الوجدان السليم والعقل الفطري يحكم بامتناع تكليف ما لا يطاق، فلا تنقدح الإرادة في لوح نفس الآمر وضمير روحه إذا علم أنّ المأمور غير قادر على العمل، ولذلك فإنّ مرجع التكليف بما لا يطاق إلى كون نفس التكليف محالاً، ولذلك يقول سبحانه:ï´؟لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَاï´¾6.
وأمّا الوجوه الّتي اعتمد عليها الرازي فموهونة جدّاً، وذلك لأنّ علمه تعالى الأزلي الّذي اعتمد عليه الرازي في الوجهين الأوّلين لم يتعلّق بصدور كلّ فعل عن فاعله على وجه الإطلاق، بل تعلّق علمه بصدور كلّ فعل عن فاعله حسب
الخصوصيات الموجودة فيه، وعلى ضوء ذلك تعلّق علمه الأزلي بصدور الحرارة من النار على وجه الجبر، بلا شعور كما تعلّق علمه الأزلي بصدور الرعشة من المرتعش، عالماً بلا اختيار، ولكن تعلّق علمه سبحانه بصدور فعل الإنسان الاختياري منه بقيد الاختيار والحرية، فتعلّق علمه بوجود الإنسان وكونه فاعلاً مختاراً وصدور فعله عنه اختياراً فمثل هذا العلم يؤكّد الاختيار ويدفع الجبر عن ساحة الإنسان.196
وإن شئت قلت: إنّ العلّة إذا كانت عالمة شاعرة، ومريدة ومختارة كالإنسان، فقد تعلّق علمه بصدور أفعالها منها بتلك الخصوصيات وانصباغ فعلها بصبغة الاختيار والحرّية، فلو صدر فعل الإنسان منه بهذه الكيفية كان علمه سبحانه مطابقاً للواقع غير متخلّف عنه، وأمّا لو صدر فعله عنه في هذا المجال عن جبر واضطرار بلا علم وشعور، أو بلا اختيار وإرادة، فعند ذلك يتخلّف علمه عن الواقع.
إذا عرفت ذلك فلنرجع إلى تحليل ما ذكره الرازي بلفظه، قال:
فلو صار منهم الإيمان لزم انقلاب خبر الله تعالى الصادق كذباً، فنقول:
إنّ هؤلاء لا يصدر منهم الإيمان إلى يوم القيامة قطعاً لكن لا من جهة إخباره سبحانه عنه بل لأجل اختيارهم وانتخابهم عدم الإيمان إلى يوم القيامة، فالإخبار عن عدم تديّنهم شيء، وكون الإيمان خارجاً عن الاختيار شيء آخر، والآية تخبر عن الأوّل دون الثاني.
ومنه يظهر ضعف كلامه الثاني حيث قال: "فكان صدور الإيمان منهم مستلزماً لانقلاب علمه تعالى جهلاً"، وذلك لأنّه سبحانه أخبر عن عدم صدور الإيمان وبما أنّه مخبر صادق لا يصدر منهم الإيمان لكن لا لأجل أنّ الله أخبر عنه، بل
لأجل مبادئ كامنة في أنفسهم تجرّهم إلى عدم الإيمان، فالإخبار عن عدم الإيمان شيء وكون الإيمان خارجاً عن اختيارهم شيء آخر، والآية تخبر عن الأوّل دون الثاني.197
وبما ذكرنا من التحليل تقدر على تحليل الوجه الثالث إذ نمنع أنّهم كانوا مكلّفين بعدم الإيمان بل كان أبو لهب مكلّفاً بالتوحيد والرسالة فقط.
2ـ إمكان رؤية الله
ذهبت الأشاعرة إلى جواز رؤيته سبحانه يوم القيامة، وهذا هو الأصل البارز في مدرستهم الكلامية، ثمّ إنّ هناك آيات تدّل بصراحتها على امتناع رؤيته سبحانه فحاولوا إخضاع الآيات لنظريّتهم، وإليك نموذجاً واحداً، يقول سبحانه:
ï´؟ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ * لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُï´¾7.
ومن المعلوم أنّ الإدراك مفهوم عامّ لا يتعيّن في البصري أو السمعي أو العقلي، فالإدراك بالبصر يراد منه الرؤية بالعين، والإدراك بالسمع يراد منه السماع، هذا هو ظاهر الآية، وهي تنفي إمكان الإدراك بالبصر على الإطلاق.
ولمّا وقف الرازي على أنّ ظاهر الآية أو صريحها لا يوافق أصله الكلامي، لأنّها ظاهرة في نفي الإدراك بالبصر، قال: إنّ أصحابنا (الأشاعرة) احتجّوا بهذه الآية على أنّه يجوز رؤيته والمؤمنون يرونه في الآخرة، وذلك لوجوه:
أ- أنّ الآية في مقام المدح فلو لم يكن جائز الرؤية لما حصل التمدّح بقوله: ï´؟لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُï´¾ ألا ترى أنّ المعدوم لا تصحّ رؤيته، والعلوم والقدرة والإرادة والروائح والطعوم لا تصحّ رؤية شيء منها ولا يمدح شيء منها في كونها ï´؟لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُï´¾ فثبت أنّ قوله: ï´؟لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُï´¾ لا يفيد المدح، إلّا إذا صحّت الرؤية.198
والعجب غفلة الرازي عن أنّ المدح ليس بالجزء الأوّل فقط، أعني: ï´؟لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُï´¾، بل المدح بمجموع الجزأين المذكورين في الآية كأنّه سبحانه يقول: والله جلّت عظمته يدرك أبصاركم، ولكن لا تدركه أبصاركم، فالمدح بمجموع القضيتين لا بالقضية الأولى.
ب- أنّ لفظ "الأبصار" صيغة جمع دخل عليها الألف واللام فهي تفيد الاستغراق بمعنى أنّه لا يدركه جميع الأبصار، وهذا لا ينافي أن يدركه بعض الأبصار8.
يلاحظ عليه: أنّ الآية تفيد عموم السلب لا سلب العموم، بقرينة كونه في مقام بيان رفعة ذاته، وشموخ مقامه.
كأنّه سبحانه يقول:
"لا يدركه أحد من جميع ذوي الأبصار من مخلوقاته ولكنّه تعالى يدركهم، وهذا نظير قوله سبحانه: ï´؟كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍï´¾9.
إلى غير ذلك من الوجوه الواهية الّتي ما ساقه إلى ذكرها إلّا ليُخضِعَ الآية، لمعتقده.
هوامش 1- سورة البقرة، الآية: 6.
2- سورة يس، الآية: 7.
3- سورة المدثر، الآيات: 11ـ 17.
4- سورة المسد، الآية:1.
5- تفسير الرازي، محمّد بن إدريس، ج 2، ص 42، المكتبة العصرية، صيدا، د. ت.
6- سورة البقرة، الآية: 286.
7- سورة الأنعام، الآيتان: 102ـ 103.
8- تفسير الرازي، محمّد بن إدريس، ج 13، ص 125.
9- سورة غافر، الآية: 35.
يتبع
تعليق
-
الدرس التاسع عشر: تفسير الآيات على ضوء مدرسة الاعتزال (نموذج تطبيقي) أهداف الدرس
1- أن يتعرّف الطالب إلى نموذج تطبيقي للتفسير على ضوء المنهج الاعتزالي
1ـ الشفاعة حطّ الذنوب أو رفع الدرجة201
إنّ الشفاعة لم تكن فكرة جديدة ابتكرها الإسلام وانفرد بها، بل كانت فكرة رائجة بين جميع أُمم العالَم من قبلُ وخاصةً بين الوثنيّين واليهود. نعم إنّ الإسلام قد طرحها مهذَّبة من الخرافات. ومن وقف على آراء اليهود والوثنيّين في أمر الشفاعة يقف على أنّ الشفاعة حسب اعتقادهم كانت مبنيّة على رجائهم لشفاعة أنبيائهم أو أوثانهم في حطّ الذنوب وغفران آثامهم، ولأجل هذا الاعتقاد كانوا يقترفون المعاصي ويرتكبون الذنوب، تعويلاً على ذلك الرجاء، فالآيات النافية للشفاعة والمثبتة لها تحت شرائط خاصّة كلّها راجعة إلى الشفاعة بهذا المعنى فلو نُفِيَت فالمنفي هو هذا المعنى، ولو قُبِلت فالمقبول هو هذا المعنى. إنّ الآيات الواردة في مجال الشفاعة على سبعة أنواع لا يصحّ تفسيرها إلّا بتفسير بعضها ببعض، وتمييز القسم المردود منها عن المقبول.
ومع ذلك نرى أنّ المعتزلة يخصُّون آيات الشفاعة بأهل الطاعة دون العصاة ويرتكبون التأويل في موردها، وما هذا إلّا للموقف الّذي اتّخذوه في حقّ العصاة ومقترفي الذنوب، في أبحاثهم الكلامية، فقالوا بخلود أهل العصيان في النار إذا ماتوا بلا توبة.
قال القاضي عبد الجبار: إنّ شفاعة الفسّاق الّذين ماتوا على الفسوق ولم يتوبوا، (تتنزّل) منزلة الشفاعة لِمن قتلَ ولدَ الغير، وترصّد للآخر حتّى يقتله، فكما أنّ ذلك يقبح، فكذلك هاهن1.203
والّذي دفع القاضي إلى تصوير الشفاعة في حقّ المذنب بما جاء في المثال، هو اعتقاده الراسخ بالأصل الكلامي الّذي يعدّ أصلاً من أُصول منهج الاعتزال (خلود العاصي إذا مات بلا توبة في النار) وفي الوقت نفسه يعرب عن غفلته عن شروط الشفاعة، فإنّ بعض الذنوب الكبيرة تقطع العلائق الإيمانية بالله سبحانه كما تقطع الأواصر الروحية بالشفيع، فأمثال هؤلاء العصاة محرومون من الشفاعة، وقد وردت في الروايات الإسلامية شروط الشفاعة وحرمان طوائف منها.
ولو افترضنا صحّة ما ذكره من التمثيل فحكمه بحرمان العصاة من الشفاعة اجتهاد في مقابل نصوص الآيات وإخضاع لها لمدرسته الفكرية.
يقول الزمخشري في تفسير قوله سبحانه: ï´؟أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌï´¾2: ï´؟وَلاَ خُلَّةٌï´¾ حتّى يسامحكم أخلّاؤكم به، وإن أردتم أن يحطّ عنكم ما في ذمّتكم من الواجب لم تجدوا شفيعاً يشفع لكم في حطّ الواجبات، لأنّ الشفاعة ثمّة في زيادة الفضل لا غير3.
يلاحظ عليه: أنّ الآية بصدد نفي الشفاعة بالمعنى المتعارف بين اليهود والوثنيّين لأجل أنّهم من المشركين، وانقطاع صلتهم عن الله سبحانه، وبالتالي إثباتها في حقّ غيرهم بإذنه سبحانه ويقول في الآية التالية: ï´؟مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُï´¾، وأمّا أنّ حقيقة الشفاعة زيادة الفضل لا حطّ الذنوب فهو
تحميل للعقيدة على الآية، فلو استدلّ القائل بها على نفي الشفاعة بتاتاً لكان أولى من استدلاله على نفي الشفاعة للكفّار، وذلك لأنّ المفروض أنّ الشفاعة بمعنى زيادة الفضل لا حطُّ الذنوب، وهو لا يتصوّر في حقّ الكفّار لأنّهم لا يستحقّون الثواب فضلاً عن زيادته.204
2- هل مرتكب الكبيرة يستحقّ المغفرة أم لا؟
اتفقت المعتزلة على أنّ مرتكب الكبيرة مخلّد في النار إذا مات بلا توبة4 وفي ضوء ذلك التجأوا إلى تأويل كثير من الآيات الظاهرة في خلافه نذكر منها آيتين:
الأُولى: يقول سبحانه: ï´؟وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِّلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِï´¾5.
فالآية ظاهرة في أنّ مغفرة الربّ تشمل الناس في حال كونهم ظالمين، ومن المعلوم أنّ الآية راجعة إلى غير صورة التوبة وإلّا فلا يصحّ وصفهم بكونهم ظالمين، فلو أخذنا بظاهر الآية فهو يدّل على عدم جواز الحكم القطعي بخلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة، لرجاء شمول مغفرة الربّ له، ولمّا كان ظاهر الآية مخالفاً للأصل الكلامي عند صاحب الكشّاف، حاول تأويل الآية بقوله: "فيه أوجه:
1ـ أن يريد بقوله ï´؟عَلَى ظُلْمِهِمْï´¾ السيئات المكفّرة لمجتنب الكبائر.
2ـ أو الكبائر بشرط التوبة.
3ـ أو يريد بالمغفرة الستر والإمهال6.
وأنت خبير بأنّ كلّ واحد من الاحتمالات مخالف لظاهر الآية أو صريحها.
الثانية: ï´؟إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءï´¾7.205
والآية واردة في حقّ غير التائب، لأنّ الشرك مغفور بالتوبة أيضاً، فيعود نتيجة ذلك عدم جواز الحكم القطعي بخلود مرتكب الكبائر في النار، ولمّا كان مفاد الآية مخالفاً لما هو المحرّر في المدرسة الكلامية للمعتزلة حاول صاحب الكشاف تأويل الآية فقال:
الوجه أن يكون الفعل المنفي والمثبت جميعاً موجهين بقوله تعالى: ï´؟لِمَن يَشَاءï´¾ كأنّه قيل: "إنّ الله لا يغفر لمن يشاء الشرك ويغفر لمن يشاء ما دون الشرك" على أنّ المراد بالأوّل من لم يتب وبالثاني من تاب، نظير قولك: إنّ الأمير لا يبذل الدينار ويبذل القنطار لمن يشاء، تريد لايبذل الدينار لمن لا يستأهله ويبذل القنطار لمن يستأهله8.
يلاحظ عليه: أنّ ما ذكره خلاف ظاهر الآية وقد ساقته إليه مدرسته الكلامية فنزّل الأوّل في غير مورد التوبة، والثاني موردها، حتّى تتّفق الآية ومعتقده.
كما أنّه لا دلالة في الآية على تقييد الثاني بالتوبة، لأنّه تفكيك بين الجملتين بلا دليل، بل هما ناظرتان إلى صورة واحدة وهي صورة عدم اقترانهما بالتوبة فلا يغفر الشرك لعِظَم الذنب ويغفر ما دونه.
ومن هذا القبيل أيضاً، تفسيره لقوله سبحانه: ï´؟وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًاï´¾9.
فقد فسّره الزمخشري على ضوء مذهب الاعتزال من خلود أصحاب الكبائر
إذا ماتوا بلا توبة في النار، وجعل هذه الآية من أدلّة عقيدته، فقال: هذه الآية فيها من التهديد والإيعاد، والإبراق والإرعاد، أمر عظيم وخطب غليظ، إلى أن قال والعجب من قوم يقرأون هذه الآية ويرون ما فيها ويسمعون هذه الأحاديث العظيمة، ثمّ لا تدعهم أشعبيتهم وطمّاعيتهم الفارغة، واتّباعهم هواهم، وما يخيل إليهم مناهم، أن يطمعوا في العفو عن قاتل المؤمن بغير توبة ï´؟أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَاï´¾10.206
فإن قلت: هل فيها دليل على خلود من لم يتب من أهل الكبائر؟ قلت: ما أبين الدليل، وهو تناول قوله ï´؟وَمَن يَقْتُلْï´¾ أي قاتل كان من مسلم أو كافر، تائب أو غير تائب، إلّا أنّ التائب أخرجه الدليل، فمن ادّعى إخراج المسلم غير التائب فليأت بدليل مثله11.
إنّ ما ذكره الزمخشري بطوله قد ذكره القاضي عبد الجبّار على وجه الإيجاز، وقال: وجه الاستدلال أنّه تعالى بيّن أنّ من قتل مؤمناً عمداً جازاه، وعاقبه، وغضب عليه، ولعنه وأخلده في جهنّم12.
يلاحظ عليه أوّلاً: أنّ دلالة الآية بالإطلاق، فكما خرج منه القاتل الكافر إذا أسلم، والمسلم القاتل إذا تاب، فليكن كذلك من مات بلا توبة ولكن اقتضت الحكمة الإلهية أن يتفضّل عليه بالعفو، فليس التخصيص أمراً مشكلاً.
وثانياً: أنّ المحتمل أن يكون المراد القاتل المستحلّ لقتل المؤمن، أو قتله لإيمانه وهذا غير بعيد لمن لاحظ سياق الآيات. ومثل هذا يكون كافراً خالداً في النار.
هوامش 1- شرح الأُصول الخمسة، عبد الجبّار المعتزلي، ص 688.
2- سورة البقرة، الآية: 254.
3- الكشّاف، الزمخشري، ج 1، ص 291 في تفسير الآية رقم 254 من سورة البقرة، دار الكتاب العربي، مصر، 1385هـ 1966م
4- أنظر: أوائل المقالات، الشيخ المفيد، ص 14، وشرح الأصول الخمسة، عبد الجبار المعتزلي، ص 659.
5- سورة الرعد، الآية: 6.
6- الكشّاف، الزمخشري، ج 2، ص 158.
7- سورة النساء، الآية: 48.
8- الكشّاف، الزمخشري، ج 1، ص 401 في تفسير الآية المذكورة.
9- سورة النساء، الآية: 93.
10- سورة محمد، الآية: 24.
11- الكشّاف، الزمخشري، ج 1، ص 416.
12- شرح الأصول الخمسة، عبد الجبار المعتزلي، ص 659.
يتبع
تعليق
-
الدرس العشرون: الاتجاه الفقهي في تفسير القرآن أهداف الدرس
1- أن يتعرّف الطالب إلى الاتجاه الفقهي في تفسير القرآن
2- أن يتعرّف إلى خصائص المفسِّر ذي الاتجاه الفقهي
3- أن يدرك الاتجاهات الفقهية المذهبية وبعض ما ألّف فيها
تمهيد209
ذكرنا سابقاً بعض المسائل المتعلّقة بالمناهج والاتجاهات التفسيريّة والفارق بينها، وفي هذه المباحث كان لا بدّ من التعرّض لبعض الاتجاهات التفسيريّة والّتي منها الاتجاه الفقهي ولتوضيح المراد منه لا بدّ من الإشارة إلى هذه النقاط
المهمّة:
نبذة تأريخية
أشار القرآن الكريم في آيات متعدِّدة إلى الأحكام التكليفية للإنسان والّتي قيل إنّها تقارب الخمسمائة آية. وكان العمل بهذه الآيات قائماً في زمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان الصحابة يسألون النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم عن أيّ إبهام حولها.
ولمّا توفيّ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أخذ الصحابة يستنبطون الأحكام من هذه الآيات ويعملون بها، وقد يختلفون حولها.
من ذلك أنّه لمّا رفعت امرأة إلى عمر وكانت قد وَلَدَت لستّة أشهر، فَهَمّ عمر أن يرجمها لولا أن تداركها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام وقال: "إنّ لها عذراً
في كتاب الله"، يقول تعالى: ï´؟وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِï´¾1. وقال: ï´؟وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًاï´¾ فإذا كان الفصال وهي مدّة الرضاع عامين، فالباقي للحمل ستّة أشهر، فاقتنع عمر بذلك وخلّى سبيلها. ثمّ قال: "اللّهم لا تبقني لمعضلة ليس لها ابن أبي طالب"2.211
وبعد نشوء المذاهب الفقهية في القرن الثاني الهجري فما بعد، قام أتباع وعلماء المذاهب كالشيعة، والحنفية، والمالكية، والحنابلة و... بتفسير آيات الأحكام وتأليف الكتب في هذا المجال. وقد أفرط بعضهم بتأويل الآيات المخالفة لآرائهم إلى حدّ أنّ عبد الله الكرخي (ت: 340هـ) أحد متعصّبي المذهب الحنفي قال: "كلّ آية أو حديث يخالف ما عليه أصحابنا فهو مؤوّل أو منسوخ"3. ومن الطبيعي فإنّ الكثير من المفسّرين الّذين كتبوا في هذا الاتجاه لزموا طريق الإنصاف.
واليوم نحن بأشدّ الحاجة إلى كتب في تفسير آيات الأحكام تضمّ أدلّة جميع المذاهب بصورة مقارنة.
خصائص الاتجاه الفقهي
إنّ المفسّر ذا الاتجاه الفقهي غالباً ما يهتمّ بالعناصر التالية:
1ـ تفسير الآيات الّتي تتضمّن أحكاماً فقهية تخصّ حياة الإنسان، وتبيّن تكليفه عن طريق الواجب، المستحب، الحرام، المكروه، والمباح، في أبواب العبادات والمعاملات والأحكام (قصاص وحدود وديات).
2ـ اهتمام المفسّر يكمن في استنباط الأحكام الشرعية الفرعية عن طريق آيات القرآن.
3ـ عادة ما يكون المفسّر لآيات الأحكام مجتهداً في الفقه، حيث يقوم ببيان رأيه في نهاية المطاف.212
4ـ عادة ما يستخدم المفسّر في هذا الاتّجاه المنهج الفقهي في التحليل ويستفيد من الكتاب والسنّة والإجماع والعقل.
5ـ يتنوّع التفسير الفقهي تبعاً للمباني الّتي يختارها المفسّر في الفقه والأُصول، فإذا ما ذهب المفسّر الفقيه إلى حجيّة الخبر الواحد، أو الإجماع، فإنّ نتائج التفسير سوف تختلف عن المفسّر الّذي لا يعتقد بحجّيّتها.
الأنواع والمصادر
إنّ الاتجاه الفقهي للتفسير يختلف تبعاً لاختلاف المذاهب الفقهية، والآن نشير إلى أهمّ هذه الاتجاهات:
1- الاتجاه الفقهي الشيعي
يتحرّك فقهاء الشيعة على أساس مذهب أهل البيت عليهم السلام ، ويفسّرون آيات الأحكام بالاستفادة من الروايات الواردة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم وأهل البيت عليهم السلام ، بالإضافة إلى القرائن العقلية والنقلية الأخرى، ويمكن ذكر بعض التفاسير الفقهية للشيعة:
1ـ أحكام القرآن (فقه القرآن)، الراوندي (ت: 573هـ).
2ـ زبدة البيان في أحكام القرآن، المقدّس الأردبيلي (ت: 993هـ).
3ـ كنز العرفان في فقه القرآن، السيوري، المشهور بالفاضل المقداد (ت: 826هـ).
4ـ تفسير شاهي، السيّد أمير الفتوح الحسيني الجرجاني (ت: 976هـ) باللغة الفارسية.
5ـ مسالك الأفهام إلى آيات الأحكام، جواد الكاظمي (توفي في القرن الحادي عشر الهجري).213
6ـ تفسير آيات الأحكام، السيّد محمّد حسين الطباطبائي اليزدي (ت: 1386هـ).
2ـ الاتجاه الفقهي الشافعي
يطلق على أتباع محمّد بن إدريس الشافعي (ن: 204هـ) في الفقه لقب الشافعية، حيث ذهبوا في تفسير آيات الأحكام طبقاً لآرائه الفقهية. ومن كتبهم في التفسير الفقهي:
1ـ أحكام القرآن، المنسوب إلى الشافعي.
2ـ أحكام القرآن، الهرّاسي (ت: 504هـ).
3ـ نيل المرام من تفسير آيات الأحكام، أبو الطيب سيّد محمّد صدّيق بن حسن خان القنوجي البخاري (ت: 1307هـ).
3ـ الاتجاه الفقهي المالكي
يطلق على أتباع مالك بن أنس (ت: 179هـ) لقب المالكية، وقد فسّروا آيات الأحكام طبقاً لآرائه الفقهية، ومن كتبهم في التفسير الفقهي:
1ـ أحكام القرآن، أبو بكر ابن العربي (ت: 543هـ).
2ـ الجامع لأحكام القرآن، القرطبي (ت: 671هـ).
4ـ الاتجاه الفقهي الحنفي
يطلق على أتباع أبي حنيفة النعمان بن ثابت (80 153هـ) في الفقه لقب الحنفية، حيث كتبوا وفسّروا آيات الأحكام على أساس آراء أبي حنيفة الفقهية. ومن كتبهم في التفسير الفقهي:
1ـ أحكام القرآن، الجصّاص (ت: 370هـ).214
2ـ التفسيرات الأحمدية، أحمد بن أبي سعيد بن عبد الله (ت: 1130هـ)، المعروف باسم "ملاجيون" الحنفي.
5ـ الاتجاه الفقهي الحنبلي
يطلق على أتباع أحمد بن حنبل (164 241هـ) في الفقه لقب الحنابلة، حيث ذهبوا في تفسير آيات الأحكام طبقاً لآراء أحمد الفقهية، ومن كتبهم في التفسير الفقهي:
1ـ آيات الأحكام، محمّد بن الحسين بن محمّد بن الفرّاء (ت: 458هـ).
2ـ تفسير آيات الأحكام، شمس الدِّين محمّد أبو بكر الدمشقي المشهور بابن قيّم الجوزية (ت: 751هـ).
3ـ أحكام الرأي من أحكام الآلاء، شمس الدِّين محمّد بن عبد الرحمن ابن الصايغ (ت: 776هـ).
ملاحظة (1): هناك بعض الكتب تناولت تفسير آيات الأحكام بطريقة مقارنة مثل تفسير آيات الأحكام، محمّد علي السايس (ت: 1396هـ)؛ روائع البيان في تفسير آيات الأحكام، محمّد علي الصابوني؛ وتفسير آيات الأحكام، الطباطبائي اليزدي (ت: 1386هـ).
ملاحظة (2): تناولت بعض الكتب آيات الأحكام على الطريقة الموضوعية مثل: أحكام القرآن، الدكتور محمّد الخزائلي؛ آيات الأحكام، زين العابدين القرباني.
وهناك من دوّن آيات الأحكام على الطريقة الترتيبية مثل آيات الأحكام، الميرخاني؛ آيات الأحكام، السيّد محمّد حسين الطباطبائي اليزدي.
نماذج وموضوعات215
ثمّة آيات مختلف في معناها في الاتجاه الفقهي، من أهمّها:
1ـ آية المتعة (النساء: 24).
2ـ آية الوضوء (المائدة: 20).
3ـ آية الخمس (الأنفال: 41).
4ـ حجّ التمتع و...
وقد صُنِّفت آيات الأحكام على أساس التقسيم الفقهي إلى العبادات (الصلاة، الصوم و...)، العقود (النكاح و...)، الإيقاعات (الطلاق و...)، الأحكام القضائية (القصاص و...) وهناك من أضاف إليها الأحكام الحكوميّة (الولاية، الجهاد و...)، والأحكام الاجتماعية (الإرث، الوصية و...).
تعليق
تعليق