بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
(علم الكلام وفائدته والغرض من وضعه)
تعريفه :الظاهر أنْ لا اختلاف كبير في تعريف علم الكلام وفائدته والغرض من وضعه ، فقد قال الايجي : « الكلام علم يقتدر معه على إثبات العقائد الدينيّة بإيراد الحجج ودفع الشبه ».
قال : فائدته ، أمور
الأول : الترقي من حضيض التقليد الى ذروة الايقان ...
الثاني : إرشاد المسترشدين بإيضاح المحجّة ، وإلزام المعاندين بإقامة الحجة.
الثالث : حفظ قواعد الدين عن أن تزلزلها شبه المبطلين.
الرابع : أنْ يبنى عليه العلوم الشرعيّة فإنّه أساسها ...
الخامس : صحة النّية والاعتقاد ، إذ بها يرجى قبول العمل .
قال : « وغاية ذلك كلّه الفوز بسعادة الدارين ».
وقال التفتازاني : « الكلام هو العلم بالعقائد الدينية عن الأدلّة اليقينية » قال : « وغايته : تحلية الايمان بالايقان ، ومنفعته : الفوز بنظام المعاش ونجاة المعاد ».
والفيّاض اللاهيجي شارح التجريد ذكر كلا التعريفين في كتابه ( شوارق الإلهام في شرح تجريد الكلام )
فالغرض الذي من أجله وضع علم الكلام من قبل علماء الاسلام هومعرفة أصول الدين عن طريق الاستدلال بالعقل والنقل ، ليكون أبناء الدين على علم بالأسس التي بنيت عليها عقائدهم ، إذ التقليد في الأصول غير جائز عند اكثر العلماء ـ إن لم يكن كلّهم ـ وأنّه لا بد على كلّ مكلّف من النظر فيها.
فهذا هو الهدف الأول من وضع هذا العلم وتدوينه والتأليف فيه ، فهو من العلوم الضرورية للأمة ، لأنه العلم المتكفّل لبيان ما على المكلّفين الالتزام به من الناحية الاعتقادية ، كما أن علم الفقه يتكفّل بيان ما يجوز وما لا يجوز لهم من الناحية العملية مع جواز التقليد فيه.
وكما أن علم الفقه هو السبب في بقاء الشريعة في أحكامها الفرعية ، كذلك علم الكلام في الحفاظ على الأصول الاعتقاديّة.
على أن من الطبيعي أنّه إذا استوعب الإنسان الأدلّة والبراهين ، تمكّن من الدّفاع عن معتقداته ، والاجابة عن الشبهات المتوجهة اليه ، بل ودعوة الآخرين إليها بقلمه ولسانه..ومن هنا كثر اهتمام العلماء بهذا العلم ، وكثرت الكتب المؤلّفة فيه من مختلف المذاهب الاسلاميّة.
علم الكلام من أسباب هزائمنا؟
تبيّن أن موضوع علم الكلام هو أصول الدين ، من التوحيد وصفات الباري ، والنبوة وشئونها والنّبي وصفاته ، والمعاد ... وغير ذلك ... وأن الغرض منه معرفة هذه الأصول ودعوة الآخرين إليها بالحكمة والموعظة الحسنة ... فكيف يكون من أسباب هزائم المسلمين أمام أعداء الاسلام؟
إنّه طالما بنيت الأصول الإعتقادية على الحق ، وقصد بالبحث عنها الوصول الى الحقيقة والواقع ، والتزم الباحث ـ لا سيّما في مرحلة إقامة الحجة على الغير ـ بالعدل والانصاف ، والاخلاق الكريمة ، والقواعد المقرّرة للمناقشة والمناظرة ... كان علم الكلام من خير أسباب صمودنا أمام الأعداء. ووحدتنا فيما بيننا ...
أمّا إذا كان الغرض من علم الكلام هو التغلّب على الخصم ولو بالسبّ والشتم ، فلا شك في أن هذا الأسلوب فاشل ، وأنّه سيودّي الى تمزّق المسلمين وتفرّق صفوفهم ، وإلى الهزيمة أمام الأعداء ...
فالقول بأنّ « أسلوب علم الكلام فشل حتى الآن » وأنه « أحد أسباب هزائمنا » على اطلاقه ليس بصحيح ...
وعلى الجملة ، فإنّ علم الكلام لم يكن في يومٍ من الأيام من أسباب ضعف المسلمين ، وهزيمتهم ، بل كان ـ متى ما استخدم على حقيقته واتّبعت أساليبه الصحيحة ، وطبقّت قواعده الرّصينة ـ من أسباب وحدة كلمة المسلمين ورصّ صفوفهم وصمودهم أمام الخصوم ...
ولا ننكر أن بعض المتكلّمين اتّخذوه وسيلةً لتوجيه عقائدهم الباطلة وأفكارهم الفاسدة ، إلاّ أنّ هذا لا يختص بعلم الكلام ، فقد اتخذ غيره من العلوم الاسلامية وسيلةً للأهداف والأغراض المخالفة للحق والدين ... وهذا لا يسوّغ إتهام « العلم » بل على النّاس أن يفرّقوا بين المتكلّمين ، فيعرفوا المحق فيتبّعوه ، ويعرفوا المغرض فيحذروه ..
السيّد علي الحسيني الميلاني
تعليق