إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من بدع عمربن الخطاب مصادر سنية

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من بدع عمربن الخطاب مصادر سنية

    من بدع عمربن الخطاب
    ماهي البدعة
    لـغـة :
    (البَدع : إحداثُ شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة)

    اصطلاحا:
    يقول ابن حجر العسقلاني (أصلها ما أُحدِثَ على غير مثال سابق ، وتطلق في الشرع في مقابل السُنّة فتكون مذمومة)

    اولا بدعة التراويح
    الصلاة المكتوبة والصلاة النافلة



    صحيح البخاري - أبواب صلاة الجماعة والإمامة - باب صلاة الليل

    698 - حدثنا : عبد الأعلي بن حماد قال : ، حدثنا : وهيب قال : ، حدثنا : موسى بن عقبة ، عن سالم أبى النضر ، عن بسر إبن سعيد ، عن زيد بن ثابت أن رسول الله (ص) إتخذ حجرة ، قال : حسبت إنه قال : من حصير في رمضان فصلى فيها ليالى فصلى بصلاته ناس من أصحابه فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم ، فقال : قد عرفت الذى رأيت من صنيعكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّّ المكتوبة.




    صحيح البخاري - كتاب صلاة التراويح - باب فضل من قام رمضان

    ‏1906 - وعن ‏ ‏إبن شهاب ‏ ‏، عن ‏ ‏عروة بن الزبير ‏ ‏، عن ‏ ‏عبد الرحمن بن عبد القارئ ‏ ‏أنه قال : ‏خرجت مع ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏(ر) ‏ ‏ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس ‏ ‏أوزاع ‏ ‏متفرقون ‏ ‏يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته ‏ ‏الرهط ‏، ‏فقال عمر ‏: ‏إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على ‏ ‏أبي بن كعب ‏ ‏ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر ‏: ‏نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون أوله. ‏


    صحيح مسلم - كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب إستحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد

    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]

    781 - وحدثنا : محمد بن المثنى ، حدثنا : محمد بن جعفر ، حدثنا : عبد الله بن سعيد ، حدثنا : سالم أبو النضر مولى عمر بن عبيد الله ، عن بسر بن سعيد ، عن زيد بن ثابت قال : إحتجر رسول الله (ص) حجيرة بخصفة أو حصير فخرج رسول الله (ص) يصلى فيها قال : فتتبع إليه رجال وجاؤا يصلون بصلاته قال : ثم جاؤا ليلة فحضروا وأبطأ رسول الله (ص) عنهم ، قال : فلم يخرج إليهم فرفعوا أصواتهم وحصبوا الباب ، فخرج إليهم رسول الله (ص) مغضباًً ، فقال لهم رسول الله (ص) : ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت إنه سيكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلاّّ الصلاة المكتوبة ....



    موطأ مالك - كتاب للصلاة في رمضان - باب ما جاء في قيام رمضان

    ‏252 - حدثني : ‏مالك ‏ ‏، عن ‏ ‏إبن شهاب ‏ ‏، عن ‏ ‏عروة بن الزبير ‏ ‏، عن ‏ ‏عبد الرحمن بن عبد القارئ ‏ ‏أنه قال : ‏ ‏خرجت مع ‏ ‏عمر بن الخطاب ‏ ‏في رمضان إلى المسجد فإذا الناس ‏ ‏أوزاع ‏ ‏متفرقون ‏ ‏يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته ‏ ‏الرهط ‏ ‏، فقال عمر ‏ ‏والله إني ‏ ‏لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل فجمعهم على ‏ ‏أبي بن كعب ‏ ‏، قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ‏ ‏فقال عمر ‏: ‏نعمت البدعة هذه ، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون ‏ ‏يعني آخر الليل ‏ ‏وكان الناس يقومون أوله.



    صحيح إبن حبان - باب الإمامة والجماعة - باب الحدث في الصلاة

    2593 - أخبرنا : عبد الله بن محمد الأزدي ، قال : ، حدثنا : إسحاق بن إبراهيم الحنظلي ، قال : ، حدثنا : عبد الله بن الحارث المخزومي ، عن يونس بن يزيد الأيلي ، عن الزهري ، قال : أخبرني : عروة بن الزبير ، أن عائشة أخبرته : أن رسول الله (ص) خرج في جوف الليل فصلى في المسجد ، فصلى الناس ، فأصبح الناس يتحدثون بذلك ، فكثر الناس ، فخرج عليهم الليلة الثانية فصلى ، فصلوا بصلاته ، فأصبحوا يتحدثون بذلك حتى كثر الناس ، فخرج من الليلة الثالثة ، فصلى فصلوا بصلاته ، فأصبح الناس يتحدثون بذلك ، فكثر الناس حتى عجز المسجد ، عن أهله ، فلم يخرج إليهم ، فطفق الناس يقولون : الصلاة ، فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الفجر ، فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد ، ثم قال : أما بعد ، فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة ، ولكني خشيت أن تفرض عليكم صلاة الليل ، فتعجزوا ، عن ذلك ، وكان يرغبهم في قيام رمضإن من غير أن يأمرهم بعزيمة ، يقول : من قام ليلة القدر إيماناً وإحتساباً ، غفر الله له : ما تقدم من ذنبه قال : فتوفي رسول الله (ص) والأمر على ذلك ، ثم كذلك كان في خلافة أبي بكر وصدر من خلافة عمر ، حتى جمعهم عمر بن الخطاب على أبي بن كعب ، فقام بهم في رمضان ، وكان ذلك أول إجتماع الناس على قارئ واحد في رمضان.



    حاية الأولياء - قال الشيخ (ر) - ذكر الأئمة والعلماء له

    13640 - حدثنا : أبوبكر الآجري ، ثنا : عبد الله بن محمد العطشي ، ثنا : إبراهيم بن الجنيد ، ثنا : حرملة بن يحيى ، قال : سمعت محمد بن إدريس الشافعي ، يقول : البدعة بدعتان بدعة محمودة ، وبدعة مذمومة ، فما وافق السنة فهو محمود ، وما خالف السنة فهو مذموم ، وإحتج بقول عمر بن الخطاب في قيام رمضان : نعمت البدعة هي.



    إبن أبي شيبة - المصنف - كتاب صلاة التطوع

    7588 - حدثنا : شبابة ، قال : ، ثنا : ليث بن سعد ، عن إبن شهاب ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ ، قال : خرج عمر بن الخطاب في شهر رمضان والناس يصلون قطعاً ، فقال : لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان خيراًًً ، فجمعهم على أبي بن كعب.



    إبن أبي شيبة - المصنف - كتاب صلاة التطوع - من كان لا يقوم مع الناس في رمضان

    7600 - حدثنا : وكيع ، عن سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد قال : سأل رجل إبن عمر أقوم خلف الإمام في شهر رمضان فقال تنصت كأنك حمار.



    إبن شبة النميري - تاريخ المدينة - جمع عمر الناس

    1091 - حدثنا : أبو ذكير قال : سمعت محمد بن يوسف الأعرج ، يحدث عن السائب بن يزيد قال : جاء عمر (ر) ليلة من ليالي رمضان إلى مسجد الرسول (ص) ، والناس متفرقون ، يصلي الرجل بنفسه ، ويصلي الرجل ومعه النفر فقال : لو إجتمعتم على قارئ واحد كان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم جاء من العالية وقد إجتمعوا عليه وإتفقوا فقال : نعمت البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يصلون ، وكان الناس يصلون أول الليل ويرقدون آخره.



    إبن شبة النميري - تاريخ المدينة - جمع عمر الناس

    1095 - حدثنا : موسى بن مروان الرقي قال : ، حدثنا : محمد بن حرب الخولاني ، عن الأوزاعي قال : ، حدثني : الزهري ، عن عروة بن الزبير بن العوام قال : خرج عمر (ر) ليلة في رمضان والناس يصلون أوزاعاً فقال : لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد كان خيراًًً ، ثم جمعهم على أبي بن كعب (ر) ، وقال : نعمت البدعة هذه ، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون ، يريد آخر الليل.



    إبن سعد - الطبقات الكبرى - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 281 )

    3542 - وهو أول من سن قيام شهر رمضان وجمع الناس على ذلك وكتب به إلى البلدان ، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة وجعل للناس بالمدينة قارئين قارئاً يصلي بالرجال وقارئاً يصلي بالنساء.



    مسند إسحاق بن راهويه - ما يروى عن عروة بن الزبير - عن خالته عائشة

    721 - أخبرنا : عبد الله بن الحارث المخزومي ، نا : يونس الأيلي ، عن الزهري ، أخبرني : عروة بن الزبير ، أن عائشة ، أخبرته : أن رسول الله (ص) خرج في جوف الليل فصلى في المسجد فصلى الناس وأصبح الناس يتحدثون ذلك ، فكثر الناس فخرج عليهم الليلة الثانية فصلى فصلوا بصلاته فأصبحوا يتحدثون ذلك حتى كثر الناس فخرج الليلة الثالثة فصلى فصلوا بصلاته فأصبحوا يتحدثون ذلك فكثر الناس حتى عجز المسجد ، عن أهله فلم يخرج إليهم فطفق الناس يقولون : الصلاة فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الفجر فلما قضى الفجر أقبل على الناس فتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة ولكني خشيت أن يفرض عليكم صلاة الليل فتعجزوا ، عن ذلك قال : فكان يرغبهم في قيام الليل من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر ويقول : من قام ليلة القدر إيماناً وإحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه ، قال : فتوفي رسول الله (ص) والأمر على ذلك ثم كذلك حتى كان في خلافة أبي بكر الصديق وصدراًً من خلافة عمر حتى جمعهم عمر على أبي بن كعب ، فقام بهم في رمضان فكان ذلك أول إجتماع الناس على قارئ واحد في رمضان.



    الفريابي - كتاب الصيام - باب ما روي عن النبي (ص)

    148 - حدثنا : قتيبة ، حدثنا : مالك ، عن إبن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ ، أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد كان أمثل ، فجمعهم على أبي بن كعب ، قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى ، والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد القيام من آخر الليل ، وكان الناس يقومون أوله ، حدثنا : إسحاق بن موسى ، حدثنا : معن هو إبن عيسى ، حدثنا : مالك بمثله.



    الفريابي - كتاب الصيام - باب ما روي عن النبي (ص)

    149 - حدثنا : عمرو بن عثمان بن كثير بن دينار ، حدثنا : بشر بن شعيب ، عن أبيه ، عن الزهري قال : أخبرني : عروة بن الزبير الأنصاري ، أن عائشة ، زوج النبي (ص) أخبرته : أن رسول الله (ص) خرج ليلة في جوف الليل فصلى في المسجد ، فصلى رجال بصلاته ، فأصبح الناس يتحدثون بذلك ، فإجتمع أكثر منهم ، فخرج في الليلة الثانية وكثر أهل المسجد في الليلة الثانية ، فصلى فصلوا بصلاته فأصبح الناس يتحدثون بذلك ، وكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة ، فخرج رسول الله (ص) فصلى فصلوا بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد ، عن أهله ، فلم يخرج إليهم فطفق رجال يقولون : الصلاة ، فلم يخرج إليهم حتى خرج لصلاة الفجر ، فلما قضى الصلاة أقبل على الناس ، وتشهد ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة ، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها ، فكان رسول الله (ص) يرغبهم في قيام رمضإن من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه ، ويقول : من قام رمضان إيماناً وإحتساباً غفر له : ما تقدم من ذنبه فتوفي رسول الله (ص) ، والأمر على ذلك ، ثم كان على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراًً من خلافة عمر قال عروة فأخبرني عبد الرحمن بن عبد القارئ وكان من عمال عمر وكان يعمل مع عبد الله بن الأرقم على بيت مال المسلمين ، أن عمر خرج ليلة في رمضان وهو معه فطاف في المسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : والله إني لأظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم على أن يجمعهم على قارئ واحد فأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم في رمضان فخرج عمر والناس يصلون بصلاة قارئهم ومعه عبد الرحمن بن عبد القارئ فقال له عمر : نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله.



    الفريابي - كتاب الصيام - باب ما روي عن النبي (ص)

    153 - حدثنا : قتيبة بن سعيد ، حدثنا : الليث بن سعد ، عن إبن شهاب ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ ، أنه قال : خرج عمر بن الخطاب ليلة في رمضان والناس يصلون قطعاً فقال : لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان خيراًًً ، فجمعهم على أبي بن كعب ، فقال : نعمت البدعة هذه.



    محمد بن نصر المروزي - قيام رمضان - باب ذكر الصلاة

    1 - حدثنا : محمد بن أبي رافع ، ثنا : عبد الرزاق ، أخبرنا : إبن جريج قال : أخبرني : عطاء ، عن إبن عباس (ر) قال : بت ليلة عند خالتي ميمونة (ر) ، فقام النبي (ص) ليصلي تطوعاً من الليل ، فقام إلى القربة فتوضأ فقام يصلي ، فقمت لما رأيته صنع ذلك ، فتوضأت من القربة ثم قمت إلى شقه الأيسر ، فأخذ بيدي من وراء ظهره يعدلني كذلك من وراء ظهره إلى الشقالأيمن فقلت : في تطوع كل ذلك ؟ ، قال : نعم قلت لعطاء : أيصلي القوم بصلاة الرجل في التطوع ، فإن إبن عباس (ر) قد صلى إلى جنب النبي (ص) تطوعاً ؟ ، قال : أجل وعمر بن الخطاب (ر) رأى الناس في شهر رمضان يقوم القوم وليس معهم قرآن مع رجل ، والقوم كذلك في ناحية المسجد الأخرى وراء الرجل الآخر ، فقال : لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد ، فجمع الناس على قارئ واحد ، قلت : وصلاة الأجراس بصلاة الإمام في ركعتين يركعهما على سبعة ، قلت : أتكره ذلك ؟ ، قال : لا.



    محمد بن نصر المروزي - قيام رمضان - باب صلاة النبي

    16 - حدثنا : يحيى ، عن مالك ، عن إبن شهاب ، عن عروة ، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال : خرجت مع عمر بن الخطاب (ر) ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر (ر) : والله إني لأراني لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب (ر) ، قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر (ر) : نعمت البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون ، يريد آخر الليل.



    البيهقي - معرفة السنن والآثار - كتاب الجمعة

    1817 - أخبرنا : أبو سعيد ، قال : ، حدثنا : أبو العباس قال : ، أخبرنا : الربيع قال : ، أخبرنا : الشافعي قال : ولا أعلم التسبيح في التكبير ، والسلام في الصلاة إلاّّ محدثاًً ، ولا أراه قبيحاً مهما أحدث إذا كبر الناس ، قال : والمحدثات من الأمور ضربان : أحدهما ما أحدث مخالفاًً كتاباًً أو سنةً أو أثراً أو إجماعاًً ، فهذه البدعة الضلالة ، والثانية ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا ، وهذه محدثة غير مذمومة ، وقد قال عمر (ر) في قيام شهر رمضان : نعمت البدعة هذه يعني : أنها محدثة لم تكن وإذ كانت فليس فيها رد لما مضى قال أحمد : قد روينا في حديث مرض النبي (ص) وصلاتهم خلفه ، قال : وأبوبكر يسمع الناس تكبيره ، فصار هذا أصلاًً لما أحدث في الجمعة ، والله أعلم.



    البيهقي - المدخل إلى السنن الكبرى - باب ما يذكر..

    190 - أخبرنا : أبو سعيد بن أبي عمرو ، ثنا : أبو العباس محمد بن يعقوب ، ثنا : الربيع بن سليمان ، قال : قال الشافعي (ر) : المحدثات من الأمور ضربان : أحدهما : ما أحدث يخالف كتاباًً أو سنة أو أثراً أو إجماعاًً ، فهذه لبدعة الضلالة. والثانية : ما أحدث من الخير لا خلاف فيه لواحد من هذا ، فهذه محدثة غير مذمومة وقد قال عمر (ر) في قيام شهر رمضان : نعمت البدعة هذه يعني أنها محدثة لم تكن ، وإن كانت فليس فيها رد لما مضى.



    البيهقي - فضائل الأوقات - باب صلاة التراويح

    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]

    118 - أنبئنا : أبو زكريا يحيى بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، أنبئنا : أبو الحسن الطرائفي ، حدثنا : عثمان بن سعيد ، حدثنا : يحيى بن بكير ، قال : ، وحدثنا : القعنبي ، فيما قرأ على مالك ، عن إبن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ ، قال : خرجت مع عمر بن الخطاب (ر) ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر بن الخطاب : والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعمت البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ، يريد آخر الليل ....



    البيهقي - السنن الصغرى - كتاب الصلاة

    644 - قال عروة : فأخبرني عبد الرحمن بن عبد القارئ ، وكان من عمال عمر وكان يعمل مع عبد الله بن الأرقم على بيت مال المسلمين أن عمر بن الخطاب خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن فطاف في المسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرجال ، قال عمر : والله إني لأظن لو جمعناهم على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم على أن يجمعهم على قارئ واحد فأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم في رمضان فخرج عمر والناس يصلون بصلاة قارئ لهم ومعه عبد الرحمن بن عبد القارئ ، فقال عمر : نعمت البدعة هذه والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون ، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون في أوله ، لفظ حديث إبن بشران ، قلت : قد بين النبي (ص) : إنه إنما منع أن يصلي بهم في الليلة الرابعة خشية أن يفرض عليهم فلما قبضه الله عز وجل إلى رحمته تناهت فرائضه فلم يخف عمر (ر) من ذلك ما كان النبي (ص) يخافه ورأى أن جمعهم على قارئ واحد أمثل فجمعهم ، ولم يكن فيما صنع خلاف ما مضى من كتاب أو سنة أو إجماع فلم يكن بدعة ضلالة بل كان إحداث خير له أصل في السنة وهي ما ذكرنا من صلاة النبي (ص) في خبر عائشة ثلاث ليال وفي خبر أبي ذر زيادة تحريض عليها وذكر ما فيها من الفضل وزيادة الأجر.



    البيهقي - معرفة السنن والآثار - كتاب الصلاة

    1442 - قال أحمد : والأصل في حديث عمر (ر) في صلاة التراويح ما أخبرنا : أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان قال : ، أخبرنا : أحمد بن عبيد الصفار قال : ، حدثنا : عبيد بن شريك قال : ، حدثنا : يحيى بن بكير قال : ، حدثنا : الليث ، عن عقيل ، عن إبن شهاب : أنه قال : أخبرني : عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي (ص) أخبرته : أن رسول الله (ص) خرج ليلة في جوف الليل يصلي في المسجد ، فصلى رجال بصلاته فأصبح الناس ، فتحدثوا بذلك فإجتمع أكثر منهم ، فخرج رسول الله (ص) الليلة الثانية فصلى فصلوا معه ، فأصبح الناس فتحدثوا بذلك ، وكثر أهل المسجد في الليلة الثالثة ، فخرج رسول الله (ص) فصلوا بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد ، عن أهله ، فلم يخرج إليهم رسول الله (ص) حتى خرج لصلاة الصبح ، فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس ، فتشهد ، ثم قال : أما بعد ، فإنه لم يخف علي شأنكم ولكني خشيت أن يفرض عليكم فتعجزوا عنها ، وكان رسول الله (ص) يرغبهم في قيام رمضإن من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه فيقول : من قام رمضان إيماناً وإحتساباً غفر له : ما تقدم من ذنبه فتوفي رسول الله (ص) والأمر على ذلك خلافة أبي بكر ، وصدراًً من خلافة عمر قال عروة : قال عبد الرحمن بن عبد القارئ وكان يعمل مع عبد الله بن الأرقم على بيت مال المسلمين ، أن عمر بن الخطاب خرج ليلة في رمضان ، فخرج معه عبد الرحمن فطاف في المسجد ، وأهل المسجد أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، قال عمر : والله إني لأظن لو جمعناهم على قارئ واحد لكان أفضل ، وقال غيره : لكان أمثل ، ثم عزم عمر على أن يجمعهم على قارئ واحد ، فأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم في رمضان ، فخرج عمر والناس يصلون بصلاة قارئ لهم ، ومعه عبد الرحمن بن عبد القارئ فقال عمر : نعم البدعة هذه ، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون في أوله ، أخرج البخاري حديث عائشة ، عن يحيى بن بكير ، وأخرج حديث عمر من حديث مالك ، عن إبن شهاب الزهري.



    البيهقي - شعب الإيمان - قيام شهر رمضان

    3122 - وبهذا الإسناد ، عن إبن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ ، قال : خرجت مع عمر بن الخطاب (ر) ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر بن الخطاب (ر) : والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد ، لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى ، والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر (ر) : نعمت البدعة هذه التي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون أوله ، أخرجه البخاري في الصحيح.



    البيهقي - السنن الكبرى - كتاب الصلاة

    4274 - وأنبأ : أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران العدل ببغداد ، ثنا : أبو الحسين عبد الصمد بن علي بن مكرم ، ثنا : محمد بن عبد الواحد ، ثنا : يحيى بن عبد الله بن بكير ، ثنا : الليث ، عن عقيل ، عن إبن شهاب ، أخبرني : عروة بن الزبير ، أن عائشة زوج النبي (ص) أخبرته : أن رسول الله (ص) خرج ليلة من جوف الليل يصلي في المسجد ، فصلى رجال يصلون بصلاته ، فأصبح الناس فتحدثوا بذلك ، فإجتمع أكثر منهم ، فخرج رسول الله (ص) الليلة الثانية فصلى فصلوا معه فتحدثوا بذلك فكثر أهل المسجد من الليلة الثالثة فخرج رسول الله (ص) فصلوا بصلاته ، فلما كانت الليلة الرابعة عجز المسجد ، عن أهله ، فلم يخرج إليهم رسول الله (ص) ، فطفق رجال منهم يقولون : الصلاة ، فلم يخرج إليهم رسول الله (ص) حتى خرج لصلاة الصبح ، فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس فتشهد ، ثم قال : أما بعد فإنه لم يخف علي شأنكم الليلة ، ولكني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها وكان رسول الله (ص) يرغبهم في قيام رمضإن من غير أن يأمرهم بعزيمة أمر فيه ، فيقول : من قام رمضان إيماناً ، وإحتساباً غفر له : ما تقدم من ذنبه فتوفي رسول الله (ص) والأمر على ذلك ، ثم كان الأمر على ذلك خلافة أبي بكر وصدراًً من خلافة عمر بن الخطاب (ر) قال عروة : وأخبرني : عبد الرحمن بن عبد القارئ ، وكان من عمال عمر (ر) ، وكان يعمل مع عبد الله بن الأرقم على بيت مال المسلمين أن عمر بن الخطاب (ر) خرج ليلة في رمضان ، فخرج معه عبد الرحمن ، فطاف في المسجد ، وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط قال عمر (ر) : والله لأظن لو جمعناهم على قارئ واحد لكان أمثل فعزم عمر بن الخطاب (ر) على أن يجمعهم على قارئ واحد ، فأمر أبي بن كعب (ر) : أن يقوم بهم في رمضان فخرج عمر بن الخطاب (ر) والناس يصلون بصلاة قارئ لهم ، ومعه عبد الرحمن بن عبد القارئ ، فقال عمر بن الخطاب (ر) : نعم البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون في أوله رواه البخاري في الصحيح ، عن إبن بكير دون حديث عبد الرحمن بن عبد القارئ ، وإنما أخرج حديث عبد الرحمن ، عن حديث مالك ، عن الزهري.



    البيهقي - السنن الكبرى - كتاب الصلاة

    4275 - نبأ : أبو أحمد عبد الله بن محمد بن الحسن العدل ، أنبأ : أبوبكر محمد بن جعفر المزكي ، ثنا : محمد بن إبراهيم العبدي ، ثنا : إبن بكير ، ثنا : مالك ، عن إبن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال : خرجت مع عمر بن الخطاب (ر) في ليلة في رمضان إلى المسجد ، فإذا الناس أوزاع متفرقون فيصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر بن الخطاب (ر) : والله إني لأرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر بن الخطاب (ر) : نعم البدعة هذه ، والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ، يريد آخر الليلة ، وكان الناس يقومون أوله رواه البخاري في الصحيح ، عن عبد الله بن يوسف ، عن مالك.



    البيهقي - السنن الكبرى - كتاب الصلاة - جماع أبواب صلاة التطوع - باب من زعم أن صلاة التراويح وغيرها من صلاة الليل

    4279 - أنبأ : أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن عمر بن قتادة الأنصاري ، أنبأ : أبو عمرو بن مطر ، أنبأ : أبو خليفة ، ثنا : محمد بن كثير ، ثنا : سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن عبد اللّه بن عمر قال : قال له رجل أصلي خلف الإمام في رمضان ؟ قال ، يعني إبن عمر : أليس تقرأ ألقرآن ؟ ، قال : نعم قال : أَفتنصت كأنك حمار ؟ صل في بيتك.



    إبن خزيمة - صحيح إبن خزيمة - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 155 )

    1036 - نا : الربيع بن سليمان المرادي ، نا : عبد الله بن وهب ، أخبرني : يونس ، عن بن شهاب ، أخبرني : عروة بن الزبير : أن عبد الرحمن بن عبد القارئ وكان في عهد عمر بن الخطاب مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال ، أن عمر خرج ليلة في رمضان فخرج معه عبد الرحمن بن عبد القارئ فطاف بالمسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : والله إني أظن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم عمر على ذلك وأمر أبي بن كعب أن يقوم لهم في رمضان ، فخرج عمر عليهم والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعم البدعة هي.



    عبدالرزاق الصنعاني - المصنف - الجزء : ( 4 ) - رقم الصفحة : ( 259 )

    7468 - عن عبد الرحمن بن عبد القارئ - وكان يعمل لعمر مع عبد الله بن الأرقم على بيت المال - قال : فخرج عمر ليلة ومعه عبد الرحمن بن عوف ، وذلك في رمضان ، والناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته النفر ، فقال عمر بن الخطاب : إني لأظن أن لو جمعنا هؤلاء على قارئ واحد كان أفضل ، فعزم أن يجمعهم على قارئ واحد ، فأمر أبي بن كعب فأمهم ، فخرج ليلة والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال : نعم البدعة هذه.



    عبدالرزاق الصنعاني - المصنف - كتاب الصيام

    7481 - عبد الرزاق ، عن إبن جريج قال : ، أخبرني : عطاء ، أن القيام كان على عهد رسول الله (ص) في رمضان يقوم النفر ، والرجل كذلك هاهنا ، والنفر وراء الرجل فكان عمر أول من جمع الناس على قارئ واحد ، قال إبن جريج : وأخبرني : عمرو بن دينار قال : جمعهم عمر على قارئ واحد.



    عبدالرزاق الصنعاني - المصنف - كتاب الصيام - باب قيام رمضان

    7488 - عبد الرزاق ، عن الثوري ، عن منصور ، عن مجاهد قال : جاء رجل إلى إبن عمر ، قال : أصلي خلف الإمام في رمضان ؟ ، قال : أتقرأ القرآن ؟ قال : نعم ، قال : أفتنصت كأنك حمار ، صل في بيتك.


    الزيعلي - نصب الراية - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 174 )

    - وعن بن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل ، عن التي يقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله ، إنتهى.

    - وهذا يدل على أنها تركت إلى زمان عمر بدليل أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب ، والله أعلم ، رواه البخاري أيضاًً وعن أبي ذر نحوه رواه أصحاب السنن وحسنه الترمذي وصححه وعن النعمان بن بشير نحوه رواه النسائي ، قال النووي في الخلاصة : بإسناد حسن.



    الشوكاني - نيل الأوطار - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 63 )

    - وعن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال : خرجت مع عمر بن الخطاب في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، فقال عمر : نعمت البدعة هذه.



    المتقي الهندي - كنز العمال - الجزء : ( 7 ) - رقم الصفحة : ( 771 )

    21334 - الفريضة في المسجد ، والتطوع في البيت.



    المتقي الهندي - كنز العمال - الجزء : ( 8 ) - رقم الصفحة : ( 384 )

    23363 - سألوا عمر ، عن الصلاة في المسجد ، فقال : قال رسول الله (ص) : الفريضة في المسجد والتطوع في البيت.



    المتقي الهندي - كنز العمال - الجزء : ( 8 ) - رقم الصفحة : ( 407 )

    23466 - عن عبد الرحمن بن عبد القارئ قال : خرجت مع عمر إبن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه فيصلى بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نعم البدعة هذه ، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله.



    المتقي الهندي - كنز العمال - الجزء : ( 8 ) - رقم الصفحة : ( 408 )

    23467 - عن عروة : أن عمر بن الخطاب جمع الناس على قيام شهر رمضان الرجال على أبي بن كعب والنساء على سليمان بن أبي حثمة.

    23469 - عن نوفل إبن إياس الهذلي قال : كنا نقوم في عهد عمر إبن الخطاب فرقاً في المسجد في رمضان ها هنا وها هنا ، وكان الناس يميلون إلى أحسنهم صوتاًً ، فقال عمر : إلاّ أراهم قد إتخذوا القرآن أغاني ، أما والله لئن إستطعت لأغيرن هذا ، فلم أمكث إلاّّ ثلاث ليال حتى أمر أبي بن كعب فصلى بهم ، ثم قام في آخر الصفوف فقال : لئن كانت هذه البدعة لنعمت البدعة هي.



    المتقي الهندي - كنز العمال - الجزء : ( 8 ) - رقم الصفحة : ( 408 )

    23470 - عن إبن أبي مليكة قال : بلغني أن عمر بن الخطاب أمر عبد الله بن السائب المخزومي حين جمع الناس في رمضان أن يقوم بأهل مكة.

    23471 - عن أبي بن كعب : أن عمر بن الخطاب أمره أن يصلي بالليل في رمضان فقال : إن الناس يصومون النهار ولا يحسنون أن يقرأوا فلو قرأت عليهم بالليل ، يا أمير المؤمنين هذا شئ لم يكن ، فقال : قد علمت ولكنه حسن فصلى بهم عشرين ركعة.

    23472 - عن زيد بن وهب قال : كان عمر بن الخطاب يروحنا في رمضان يعني بين الترويحتين قدر ما يذهب الرجل من المسجد إلى سلع ، وقال : كذا ، قال : ولعله أراد من يصلي بهم التراويح بأمر عمر.



    الصالحي الشامي - سبل الهدى والرشاد - الجزء : ( 8 ) - رقم الصفحة : ( 298 )

    - وروى البخاري ، عن زيد بن ثابت أن رسول الله (ص) إتخذ حجرة ، قال حسبت أنه قال : من حصير في رمضان فصلى فيها ليالي ، فصلى بصلاته ناس من أصحابه ، فلما علم بهم جعل يقعد فخرج إليهم ، فقال : قد عرفت الذي رأيت من صنيعكم فصلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل الصلاة صلاة الرجل في بيته إلاّّ المكتوبة.



    الصالحي الشامي - سبل الهدى والرشاد - الجزء : ( 8 ) - رقم الصفحة : ( 298 )

    - وروى الإمام أحمد ، ومسلم ، عن أنس (ر) : قال رسول الله (ص) يقوم في رمضان ، فجئت فقمت إلى جنبه ، وجاء رجل فقام أيضاًً حتى كنا رهطاً ، فلما أحس رسول الله (ص) : إنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة ، ثم دخل رحله فصلى صلاة لا يصليها عندنا قال : فقلنا له حين أصبحنا أفطنت لنا الليلة ؟ ، فقال : نعم ذاك الذي حملني على ما صنعت.



    الشيخ سيد سابق - فقه السنة - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 207 )

    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]

    - قال عبد الرحمن إبن عبد القارئ : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون ، يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه في ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال عمر : نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ، يريد آخر الليل ، وكان الناس يقومون أوله ، رواه البخاري وإبن خزيمة والبيهقي وغيرهم.



    الألباني - إرواء الغليل - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 189 )

    - إحتجر رسول الله (ص) حجيرة بخصفة أو حصير ، فخرج رسول الله (ص) يصلي فيها ، قال : فتتبع إليه رجال ، وجاؤوا يصلون بصلاته ، قال : ثم جاؤوا ليلة فحضروا ، وأبطأ رسول الله (ص) عنهم ، قال : فلم يخرج إليهم ، فرفعوا أصواتهم ، وحصبوا الباب ، فخرج إليهم رسول الله (ص) مغضباًً ، قال لهم رسول الله (ص) : ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم فعليكم بالصلاة في بيوتكم ، فإن خير صلاة المرء في بيته إلاّّ الصلاة المكتوبة.



    إبن حجر العسقلاني - سبل السلام - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 10 )

    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]

    - في رواية عند البهيقي : قال عروة : فأخبرني عبد الرحمن القاري : أن عمر بن الخطاب خرج ليلة فطاف في رمضان في المسجد وأهل المسجد أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : والله لأظن لو جمعناهم على قارئ واحد فأمر أبي بن كعب أن يقوم بهم في رمضان فخرج عمر والناس يصلون بصلاته فقال عمر : نعم البدعة هذه.

    - وساق البيهقي في السنن عدة روايات في هذا المعنى ، وأعلم أنه يتعين حمل قوله بدعة على جمعه لهم علي معين وإلزامهم بذلك ، لا أنه أراد أن الجماعة بدعة فإنه (ص) قد جمع بهم كما عرفت ، إذا عرفت هذا عرفت أن عمر هو الذي جعلها جماعة علي معين وسماها بدعة ، وأما قوله : نعم البدعة ، فليس في البدعة ما يمدح بل كل بدعة ضلالة.



    إبن حجر العسقلاني - سبل السلام - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 11 )

    - عمر (ر) خرج أولاًًً ، والناس أوزاع متفرقون منهم من يصلي : منفرداً ومنهم من يصلي جماعة على ما كانوا في عصره (ص) ، وخير الأمور ما كان على عهده.

    - وأما تسميتها بالتراويح فكان وجهه ، ما أخرجه البيهقي من حديث عائشة قالت : كان رسول الله (ص) يصلي أربع ركعات في الليل ثم يتروح فأطال حتى رحمته ، الحديث.



    إبن أبي حديد - شرح نهج البلاغة - الجزء : ( 12 ) - رقم الصفحة : ( 158 )

    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]

    - وفى حديثه أنه خرج ليلة في شهر رمضان والناس أوزاع فقال : إني لأظن لو جمعناهم على قارئ واحد كان أفضل فأمر أبى بن كعب فأمهم ثم خرج ليلة وهم يصلون بصلاته ، فقال : نعم البدعة هذه ! والتى ينامون عنها أفضل من التى يقومون.



    إبن أبي الحديد - شرح نهج البلاغة - الجزء : ( 12 ) - رقم الصفحة : ( 283 )

    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]

    - وقد روى : أن أمير المؤمنين (ع) لما إجتمعوا إليه بالكوفة ، فسألوه أن ينصب لهم إماماًً يصلى بهم نافلة شهر رمضان ، زجرهم وعرفهم أن ذلك خلاف السنة فتركوه وإجتمعوا لأنفسهم وقدموا بعضهم فبعث إليهم إبنه الحسن (ع) فدخل عليهم المسجد ومعه الدرة فلما رأوه تبادروا الأبواب وصاحوا واعمراه !.



    عبد الرحمن البكري - عمر بن الخطاب - رقم الصفحة : ( 152 )

    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]

    - إعجابه في بدعته لصلاة التراويح :

    1 - قال اليعقوبي : وفي هذه السنة ، أي السنة الثالثة عشر : سن عمر بن الخطاب قيام شهر رمضان ، وكتب بذلك إلى البلدان ، وأمر أبي إبن كعب ، وتميماً الدارمي أن يصليا بالناس ، فقيل له في ذلك : أن رسول الله لم يفعله ، فقال : إن تكن بدعة فما أحسنها من بدعة.

    2 - أخرج إبن شبة ، عن أبي سلمة ، ويحيى بن عبد الرحمن قالا : كان الناس يقومون رمضان على عهد رسول الله (ص) ، وأبي بكر (ر) وبعض إمارة عمر (ر) فرادى ، حتى جعل الرجل الذي معه القرآن إذا صلى جاء القوم يقفون خلفه حتى صاروا في المسجد زمراً ، هاهنا زمرة ، وهاهنا زمرة ، مع كل من يقرأ ، فكلم الناس أبي بن كعب فقالوا : لو جمعتنا فصليت بنا ؟ فلم يزالوا حتى تقدم وصلى الناس خلفه ، فأتاهم عمر (ر) فقال : بدعة ونعمت البدعة.



    عبد الرحمن البكري - عمر بن الخطاب - رقم الصفحة : ( 153 )

    3 - أخرج محمد بن إسماعيل البخاري ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب (ر) ليلة في رمضان لي المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه. ويصلى الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى ، والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر : نعم البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون.



    عبد الرحمن البكري - عمر بن الخطاب - رقم الصفحة : ( 100 )

    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]

    - من أولياته : 1 - قال الدميري : وعمر أول من ضرب الدرة وحملها ، وهو الذي آخر المقام إلى موضعه اليوم وكان ملصقاً بالبيت ، وهو أول من جمع الناس على إمام واحد في التراويح.



    عبدالله بن قدامة - المغني - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 798 )

    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]

    - ونسبت التراويح إلى عمر بن الخطاب (ر) لأنه جمع الناس على أبي إبن كعب فكان يصليها بهم ، فروى عبد الرحمن بن عبدالقارئ قال : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : أني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب قال : ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم فقال : نعمت البدعة هذه والتي ينامون عنها أفضل من التي يقومون ، يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله ، أخرجه البخاري.



    إبن قتيبة - غريب الحديث - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 277 )

    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]

    - وقال في حديث عمر : إنه خرج ليلة في شهر رمضان والناس أوزاع فقال : إني لأظن أن لو جمعناهم على قارئ كان أفضل فأمر أبي بن كعب فأمهم ، ثم خرج ليلة وهم يصلون بصلاته فقال : نعم البدعة هذه.



    المباركفوري - تحفة الأحوذي - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 450 )

    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]

    - والأمر على ذلك أي على ترك الجماعة في التراويح وصدراًً من خلافة عمر بن الخطاب أي في أول خلافته وصدر الشئ ووجهه أوله ثم جمع عمر (ر) الناس على قارئ واحد.

    - ففي صحيح البخاري ، عن إبن شهاب ، عن عروة بن الزبير ، عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه قال : خرجت مع عمر بن الخطاب ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط ، فقال عمر : إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثم خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر (ر) نعم البدعة هذه ، والتي تنامون عنها أفضل من التي تقومون يريد آخر الليل وكان الناس يقومون أوله قوله : ( وفي الباب ، عن عائشة ) ، أخرجه الشيخان قوله : هذا حديث صحيح ، وأخرجه الشيخان.


    يتبع

  • #2
    أقوال علماء السنة بأن صلاة التراويح هي سنة عمرية وليست سنة الرسول الله (ص)

    1 - قال : العلامة : القسطلاني في أول الصفحة الرابعة من الجزء الخامس من إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري عند بلوغه إلى قول عمر في هذا الحديث : نعمت البدعة هذه ، هذا لفظه : سماها بدعة لأن رسول الله (ص) لم يسن لهم الإجتماع لها ، ولا كانت في زمن الصديق ، ولا أول الليل ، ولا هذا العدد الخ ، وفي تحفة الباري وغيره من شروح البخاري مثله فراجع.

    2 - وقال العلامة أبو الوليد محمد بن الشحنة حيث ذكر وفاة عمر في حوادث سنة 33 من تاريخه روضة المناظر : هو أول من نهى عن بيع أمهات الأولاد وجمع الناس على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز ، وأول من جمع الناس علي إمام يصلي بهم التراويح ، الخ.

    3 - ولما ذكر السيوطي في كتابه تاريخ الخلفاء أوليات عمر نقلاًً ، عن العسكري قال : هو أول من سمي أمير المؤمنين ، وأول من سن قيام شهر رمضان بالتراويح وأول من حرم المتعة ، وأول من جمع الناس في صلاة الجنائز على أربع تكبيرات ، الخ.

    4 - وقال محمد بن سعد حيث ترجم عمر في الجزء الثالث من الطبقات : وهو أول من سن قيام شهر رمضان بالتراويح وجمع الناس على ذلك ، وكتب به إلى البلدان ، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة ، وجعل للناس بالمدينة قارئين قارئاً يصلي التراويح بالرجال وقارئاً يصلي بالنساء ، الخ.

    5 - قال الزهري : فتوفي رسول الله (ص) والأمر على ذلك أن كل أحد يصلّي قيام رمضان في بيته منفرداً حتى جمع عمر الناس على أبي بن كعب ، فصلى بهم جماعة وإستمر العمل على ذلك.

    6 - الشوكاني : قال مالك وأبو يوسف وبعض الشافعية وغيرهم ، الأفضل فرادى في البيت لقوله : (ص) : أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة ، متفق عليه ، وقالت العترة : إن التجمع فيها بدعة.



    تعليق : ما كان رسول الله (ص) يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.

    صحيح البخاري - كتاب التهجد - باب قبام النبي (ص) بالليل في رمضان وغيره

    1096 - حدثنا : عبد الله بن يوسف قال : ، أخبرنا : مالك ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أنه أخبره أنه سأل عائشة (ر) كيف كانت صلاة رسول الله (ص) في رمضان فقالت : ما كان رسول الله (ص) يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاًً قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر فقال : يا عائشة : أن عيني تنامان ولا ينام قلبي.



    صحيح مسلم - كتاب صلاة المسافرين وقصرها - باب صلاة الليل وعدد ركعات النبي (ص) ....

    738 - حدثنا : يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبرى ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول الله (ص) في رمضان قالت : ما كان رسول الله (ص) يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلى أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى ثلاث فقالت عائشة : فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر فقال : يا عائشة : أن عينى تنامان ولا ينام قلبى.




    مسند أحمد - باقي مسند الأنصار - حديث السيدة عائشة (ر)

    23553 - حدثنا : ‏ ‏عبد الرحمن ‏ ، حدثنا : ‏ ‏مالك ‏ ‏، عن ‏ ‏سعيد بن أبي سعيد ‏ ‏، عن ‏ ‏أبي سلمة ‏ ‏قال : سألت ‏ ‏عائشة ‏ ‏، عن صلاة رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏في رمضان فقالت : ما كان رسول الله ‏ (ص) ‏ ‏يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة ‏ ‏يصلي أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم ‏ ‏يصلي أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم ‏‏يصلي ثلاثاًً قالت : قلت : يا رسول الله تنام قبل أن توتر قال : يا ‏عائشة ‏: ‏أنه أوإني ‏ ‏تنام عيناي ولا ينام قلبي.



    سنن أبي داود - كتاب الصلاة - أبواب قيام الليل - باب في صلاة الليل

    1341 - حدثنا : القعنبي ، عن مالك ، عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى ، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن ، أنه أخبره ، أنه سأل عائشة زوج النبي (ص) : كيف كانت صلاة رسول الله (ص) في رمضان ؟ ، فقالت : ما كان رسول الله (ص) يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة : يصلى أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلى أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلى ثلاثاًً ، قالت عائشة (ر) : فقلت : يا رسول الله ، أتنام قبل أن توتر ؟ ، قال : يا عائشة : أن عينى تنامان ولا ينام قلبى.



    موطأ مالك - كتاب صلاة الليل - باب صلاة النبي (ص) في الوتر

    265 - وحدثني : ، عن مالك ، عن سعيد بن أبى سعيد المقبرى ، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن إبن عوف ، أنه سأل عائشة ، زوج النبي (ص) ، كيف كانت صلاة رسول الله (ص) في رمضان ؟ ، فقالت : ما كان رسول الله (ص) يزيد في رمضان ، ولا في غيره ، على إحدى عشرة ركعة ، يصلى أربعاًً ، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلى أربعاًً ، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلى ثلاثاًً ، فقالت عائشة : فقلت : يا رسول الله ! أتنام قبل أن توتر ؟ ، فقال : يا عائشة ! إن عيني تنامان ، ولا ينام قلبى.



    سنن الترمذي - كتاب الصلاة - باب ما جاء في صلاة الليل مثنى مثنى - باب ما جاء في وصف صلاة النبي (ص) بالليل

    439 - حدثنا : إسحاق بن موسى الأنصاري ، حدثنا : معن ، حدثنا : مالك ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبرى ، عن أبي سلمة إنه أخبره أنه سال عائشة كيف كانت صلاة رسول الله (ص) في رمضان فقالت : ما كان رسول الله (ص) يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلى أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى ثلاثاًً ، فقالت عائشة : فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟ ، فقال : يا عائشة : أن عينى تنامان ولا ينام قلبى ، قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح.



    النسائي - السنن الكبرى - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 159 )

    390 - حدثنا : الحارث بن مسكين قراءة عليه وأنا أسمع ، عن بن القاسم قال : ، حدثني : مالك ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أنه أخبره أنه سأل عائشة أم المؤمنين كيف كانت صلاة رسول الله (ص) في رمضان قالت : ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره ، عن إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاًً قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر قال : يا عائشة : أن عيني تنامان ولا ينام قلبي.



    إسحاق بن راهويه - مسند إبن راهويه - الجزء : ( 2 ) - رقم الصفحة : ( 555 )

    1003 - أخبرنا : بشر بن عمر الزهراني ، نا : مالك بن أنس ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : سألت عائشة كيف كان صلاة رسول الله (ص) في رمضان فقالت : كان لا يزيد في رمضان إبن في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاًً لا تسئل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاًً لا تسئل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاًً قالت : فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر قال : إن عيني تنامان إبن ينام قلبي.



    البيهقي - السنن الكبرى - الجزء : ( 7 ) - رقم الصفحة : ( 62 )

    4285 - ح وأخبرنا : أبو عبد الله الحافظ ، ثنا : محمد بن يعقوب ، نا : جعفر بن محمد ، نا : يحيى بن يحيى قال : قرأت على مالك ، عن سعيد بن أبى سعيد ، عن أبى سلمة بن عبد الرحمن قال : سألت عائشة (ر) زوج النبي (ص) كيف كانت صلاة رسول الله (ص) في رمضان فقالت : ما كان رسول الله (ص) يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة يصلى أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلى ثلاثاًً قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر فقال : يا عائشة : أن عينى تنامان ولا ينام قلبى ، لفظ حديث القعنبي ، رواه البخاري في الصحيح ، عن القعنى ، ورواه مسلم ، عن يحيى بن يحيى؟.



    عبدالرزاق الصنعاني - المصنف - الجزء : ( 3 ) - رقم الصفحة : ( 38 )

    4561 - عبد الرزاق ، عن مالك ، عن سعيد بن أبن سعيد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول الله (ص) في رمضان ؟ ، فقالت : ما كان النبي (ص) يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثاًً ، قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله ! أتنام قبل أن توتر ؟ ، فقال : يا عائشة عيناى تنامان ولا ينام قلبى.



    إبن خزيمة - صحيح إبن خزيمة - الجزء : ( 1 ) - رقم الصفحة : ( 30 )

    1104 - حدثنا : يونس بن عبد الأعلى الصدفي ، أخبرنا : إبن وهب ، أن مالكاًً حدثه ، عن سعيد المقبري ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أخبره أنه سأل عائشة : كيف كانت صلاة رسول الله (ص) في رمضان ؟ ، فقالت : ما كان رسول الله (ص) يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعاًً ، فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي أربعاًً فلا تسل عن حسنهن وطولهن ، ثم يصلي ثلاثاًً قالت عائشة : فقلت : يا رسول الله أتنام قبل أن توتر ؟ ، فقال : يا عائشة ، إن عيني تنامان ، ولا ينام قلبي.



    إبن حبان - صحيح إبن حبان - الجزء : ( 6 ) - رقم الصفحة : ( 186 )

    2471 - أخبرنا : عمر بن سعيد بن سنان قال : ، أخبرنا : أحمد بن أبي بكر ، عن مالك ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن : أنه أخبره أنه سأل عائشة كيف كانت صلاة رسول الله (ص) في رمضان فقالت : ما كان رسول الله (ص) في رمضان ولا في غيره يزيد على إحدى عشرة ركعة يصلي أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاًً قالت عائشة يا رسول الله أتنام قبل أن توتر فقال : يا عائشة : أن عيني تنامان ولا ينام قلبي.



    الألباني - تمام المنة - رقم الصفحة : ( 249 )

    [ النص طويل لذا إستقطع منه موضع الشاهد ]

    - قالت عائشة (ر) : ما كان رسول الله (ص) يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة ، يصلي أربعاًً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ... رواه البخاري ومسلم.



    ــــــــــــــــــــ: حكم من يصلي التراويح
    الصنعاني في المصنف ج4-ص264 :
    تحت باب سماه ( باب قيام رمضان )



    ( عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن مجاهد قال : جاء رجل إلى ابن عمر ، قال : أصلي خلف الامام في رمضان ؟ قال : أتقرأ القرآن ؟ قال : نعم ، قال : أفتنصت كأنك حمار ، صل في بيتك )


    يتبع

    تعليق


    • #3
      بحث مفصل عن التراويح
      الفصل الأول
      صلاةُ التراويح..
      نقطةُ الخلافِ حولَها

      1 ـ نص الروايةِ ومضمونُها
      2 ـ قيام الليلِ سُنَّة مؤكَّدة عموماً
      3 ـ قيامُ الليلِ سُنَّة مؤكَّدة في شهر رمضان
      4 ـ نقطة الخلافِ بينَ المدرستين
      نظرة
      على الفصل الأول
      نستعرضُ من خلالِ هذا الفصل روايةَ صلاةِ (التراويحِ) نصاً ومضموناً، اعتماداً على أكثرِ المصادرِ وَثاقةً لدى مدرسةِ الصحابة، لكي نأخذَ فكرةً عن جذورِ (التراويحِ) في حياةِ المسلمين.
      ومن خلالِ هذا الاستعراض سوف نتوصلُ إلى النتيجةِ القائلةِ: بأنَّ صلاةَ (التراويحِ) تعني إقامةَ نافلةِ الليلِ في شهرِ رمضانَ جماعةً، وقد ابتكرها (عمرُ بنُ الخطاب) في زمنِ خلافتِه، واعتبرَها (بدعةً) بقوله: (نعمتِ البدعةُ هذهِ).
      وسوفَ نتعرفُ على أنَّ القدرَ المتفقَ عليهِ بينَ (مدرسةِ الصحابة) ومدرسةِ أهلِ البيتِ (ع) هوَ أنَّ قيامَ الليلِ في جميعِ الليالي سُنَّةٌ مؤكدةٌ، وثابتةٌ في التشريعِ بشكلٍ قاطعٍ، وقد التزمَ النبيُّ الخاتَم (ص) بها، وكذلكَ الأمرُ بالنسبةِ إلى قيامِ الليلِ في ليالي شهرِ رمضانَ فرادى، فهو سُنَّةٌ مؤكدةٌ أيضاً على النحوِ المذكور.
      ونقطةُ الخلافِ بينَ المدرستينِ تتمحورُ في مشروعيةِ إقامةِ نافلةِ الليلِ في شهرِ رمضانَ جماعةً، فـ (مدرسةُ الصحابة) تدّعي بأنَّ ذلكَ مشروع، وتعتمدُ أساساً على تشريعِ (عمر) لها، وأما مدرسةُ أهلِ البيتِ (ع) فتعتقدُ بأنَّ إقامةَ هذهِ النافلةِ جماعةً أمرٌ لا علاقةَ له بالدين؛ لأنَّه لا يختزنُ خصوصياتِ الأمرِ المشروع، فيكونُ (بدعةً) في مقابلِ (السُنَّة).
      صلاةُ التراويح
      (1)
      نصُّ الروايةِ ومضمونُها
      وردَ في أُمهات الكتبِ الحديثية لدى (مدرسةِ الصحابة) بما في ذلك (البخاري) و(الموطأ) ـ واللفظ للبخاري ـ:
      (وعن ابن شهاب، عن عروة بن الزبير، عن عبد الرحمن بن عبدٍ القاريِّ أنَّه قالَ: خرجتُ مَعَ عمر بن الخطّاب رضي اللّهُ عنه ليلةً في رمضان إلى المسجد، فإذا الناسُ أوزاعٌ متفرّقون، يصلي الرجلُ لنفسه، ويصلي الرجلُ فيصلي بصلاته الرهط، فقال عمرُ:
      ـ إنِّي أرى لو جمعتُ هؤلاءِ على قارئ واحدٍ لكانَ أمثل.
      ثمَّ عزمَ فجمعهم على (أُبي بن كعب). ثم خرجتُ معه ليلةً أخرى، والناسُ يصلّون بصلاة قارئهم، قالَ (عمر):
      ـ نعم البدعةُ هذه، والتي ينامونَ عنها أفضل من التي يقومون ـ يريدُ آخرَ الليل ـ وكانَ الناسُ يقومون أوَّله)(1) .
      وفي (الموطأ) أنَّ (عمر بن الخطّاب) قالَ:
      (نعمتِ البدعةُ هذه).
      إنَّ مضمونَ هذه الرواية الذي وردَ بصياغاتٍ لفظية مختلفة في أكثر كتب مدرسة الصحابة وثاقةً قد أصبحَ المستندَ الأساسي لصلاة (التراويح)، والمرجعَ الرئيسي لمشروعيتها، وتوالت الأجيالُ من بعد هذه الحادثة متمسكةً بها، ودائبةً في أدائها، ومصرةً على المحافظة عليها، ومتشددةً على المتهاونين فيها، وقد أفردَ لها الفقهاءُ
      ____________
      (1) البخاري، صحيح البخاري، ج: 2، ص: 252، والموطأ لمالك بن أنس، ص: 73.
      وانظر: كنز العمال للمتقي الهندي، ج: 8، ح: 23466، ص: 408.
      باباً خاصاً في مصنفاتهم، وأشبعوها بحثاً وتحليلاً، وأدخلوها في الكثير من أبواب الفقه المختلفة، ومسائله المتنوعة.
      إنَّ شيوعَ هذه الصلاة في شهر رمضان، وسعةَ انتشارِ صيتها لدى القاصي والداني من المسلمين، يجعلُنا في غنىً عن الخوض في تعريفها وبيان معناها بالتفصيل، ونكتفي هنا بالقول بأنَّها إنما سُميت بصلاة (التراويح)؛ لأنَّ المصلين يستريحون بعدَ كلِّ أربع ركعاتٍ منها، أي بعدَ كل تسليمتين (1)، ثمَّ يبادرون للأربع الأخرى، ثم صارت (الترويحة) اسماً لكل أربع ركعات من هذه الصلاة (2).
      و(التراويح) مفردها (ترويحة) وهي (الاستراحة) في اللغة (3)، مأخوذة من (الراحة) التي تعني زوالَ المشقة والتعب (4)، وهي تُطلقُ على (الجلسة) مطلقاً، فأُطلقت على الاستراحة المخصوصة بعد كلِّ تسليمتين من هذه الصلاة، ثم على كلِّ أربع ركعاتٍ منها كما تقدم.
      إنَّ مضمونَ الرواية ينصُّ على أنَّ (عمر بن الخطاب) شاهد المصلين يتنفلون بالصلاة ليلاً في المسجد النبوي الشريف تقرباً إلى الله (جَلَّ وَعَلا) في زمن خلافته سنة أربع عشرةَ للهجرة، وكانوا يصلون نوافلهم فرادى كما هو دأبهم من قبل، وكما تعلّموا ذلك من رسول الله (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وكما كانَ أمرُهم عليه في زمن خلافة (أبي بكر)، ولكنَّ (عمر بن الخطاب) لم يرقه هذا المشهد، ولم يعجبه منظرهم متفرقين أشتاتاً؛ فرأى في تلك اللحظة أن يجمعهم على إمامٍ واحدٍ، ويحولَّ أداءهم للصلاة من أداءٍ فرديٍّ إلى أداءٍ جماعي، فاختار الصحابي (أبيَّ بن كعب)، وطلب منه أن يؤم
      ____________
      (1) سعدي أبو حبيب، القاموس الفقهي لغةً واصطلاحاً، ص: 55.
      وانظر: الزبيدي، تاج العروس، ج: 2، ص: 151.
      (2) السيد سابق، فقه السنة، ج: 1، ص: 205.
      (3) قلعجي، د. محمد و قنيبي، د. حامد، معجم لغة الفقهاء، ص: 127.
      وانظر: ابن منظور، لسان العرب، ج: 2، ص: 462.
      (4) ابن منظور، لسان العرب، ج: 2، مادة: روح.

      المصلين في هذه النافلة، وفي رواياتٍ أُخرى أنَّه عيَّنه إماماً للرجال، وعيَّنَ (تميمَ الداري) إماماً للنساء.. فامتثل الإمامُ والمأمومون لهذا الطلب، وأخذوا يصلونها جماعةً، وحينما شاهدَ (عمرُ) منظرَ المصلين في ليلةٍ أخرى، أعجبَه ذلك المشهد الجديد، فقال:
      (نعمتِ البدعةُ هذه).
      ومن خلال هذا البحث نحاولُ أنْ نسلّطَ الضوءَ على هذه الصلاة بكيفيتها الجديدة التي ابتكرها (عمر)؛ لنرى مدى شرعيتها، وارتباطها بالدين الحنيف.
      (2)
      قيامُ الليلِ سُنَّة مؤكدة عموماً
      من المتفق عليه بين (مدرسة الصحابة) ومدرسة أهل البيت (عَلَيهِمُ السَّلامُ) أنَّ قيام الليل والتهجُّدَ فيه للعبادة من السُنن المؤكدة، وقد نصَّ (القرآنُ المجيد) على ذلك في مواضع عديدة، فمن ذلك قوله (جَلَّ وَعَلا):
      (ومن الليلِ فتهجَّدْ بهِ نافلةً لكَ عسى أن يبعثكَ ربُّكَ مقاماً محموداً)(1) .
      وقوله (جَلَّ وَعَلا):
      (إِنَّ المُتَّقِينَ في جَنّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ ما ءَاتاهُم رَبُّهُم إِنَّهُم كَانُوا قَبلَ ذلِكَ مُحسِنينَ * كَانُوا قَليلاً مِنَ اللَّيلِ ما يَهجَعُونَ * وَبِالأَسْحارِ هُم يَستَغْفِرُونَ)(2) .
      وقوله (جَلَّ وَعَلا):
      ____________
      (1) الإسراء / 79.
      (2) الذاريات / 15 - 18.
      (تَتَجافى جُنُوبُهُم عَنِ المَضاجِعِ يَدعُونَ رَبَّهُم خَوفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقناهُم يُنفِقونَ * فَلا تَعلَمُ نَفس ما أُخفِيَ لَهُم مِن قُرَّةِ أَعيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعمَلون)(1) .
      ولدى (مدرسة الصحابة) ورد في الحديث الشريف حول هذه الآية الكريمة أنَّ رسول الله (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قال:
      (يُحشر الناسُ على صعيدٍ واحدٍ يومَ القيامة، فينادي منادٍ فيقولُ: أينَ الذين كانوا تتجافى جنوبُهم عن المضاجع؟ فيقومون وهم قليل، فيدخلونَ الجنةَ بغير حساب، ثمَّ يؤمرُ بسائرِ الناس الى الحساب)(2) .
      وقال (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):
      (عليكم بقيام الليل؛ فانَّه دأبُ الصالحين قبلكم، ومقربة لكم الى ربِّكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم، ومطردة للداء عن الجسد)(3) .
      ولدى مدرسة أهل البيت (عَلَيهِمُ السَّلامُ) ورد عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عَلَيهِ السَّلامُ) أنَّه قال:
      (قيامُ الليلِ مصحةٌ للبدن، ورضاءُ الرب، وتمسّكٌ بأخلاق النبيين، وتعرّضٌ للرحمة)(4) .
      فنافلة الليل إذنْ، مما اتفقت على استحبابها المدرستان في الجملة من دون خلاف.
      ____________
      (1) السجدة / 16 - 17.
      (2) المنذري، الترغيب والترهيب، تعليق: مصطفى محمد عمارة، ج: 1، ص: 425، ح: 9.
      (3) المنذري، الترغيب والترهيب، تعليق: مصطفى محمد عمارة، ج: 1، ص: 426، ح: 10.
      (4) البرقي، أبو جعفر، المحاسن، ج: 1، ص: 125، ح: 89.
      (3)
      قيامُ الليلِ سُنَّة مؤكَّدة في شهرِ رمضان
      واتفقت (مدرسةُ الصحابة) ومدرسةُ أهل البيت (عَلَيهمُ السَّلامُ) كذلك على أنَّ أداءَ نافلة الليل في شهر رمضان من السُنن المؤكدة، وأنَّ للقيام في لياليه ثواباً عظيماً، وأجراً كبيراً.. ففي (مدرسة الصحابة) رُويَ في (صحيح البخاري):
      (عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنَّ رسولَ الله صلى اللهُ عليه وسلَّم قالَ: مَن قامَ رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه)(1) .
      ورُويَ فيه أيضاً عن (عائشة):
      (حدثنا إسماعيل قال حدّثني مالك عن سعيد المغبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنَّه سألَ عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها: كيف كانت صلاةُ رسول اللّه صلى اللّهُ عليهِ وسلَّم في رمضان؟ فقالت: ما كانَ يزيدُ في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلّي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثمَّ يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهنَّ وطولهنَّ، ثم يصلي ثلاثاً، فقلت: يا رسول اللّه، أتنامُ قبل أن توتر؟ قال: يا عائشةُ إنَّ عينيَّ تنامان، ولا ينامُ قلبي)(2) .
      وفي مدرسة أهل البيت (عَلَيهمُ السَّلامُ) رُويَ عن الإمام جعفر الصادق (عَلَيهِ السَّلامُ) أنَّه قال:
      ____________
      (1) البخاري، صحيح البخاري، ج: 2، ص: 249 - 250.
      (2) البخاري، صحيح البخاري، ج: 2، ص: 252 - 253.
      وانظر: كنز العمال للمتقي الهندي، ج: 7، ح: 17989، ص: 67.
      (ممّا كانَ رسولُ الله صَلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسَلَّمَ يصنعُ في شهر رمضان، كانَ يتنفلُ في كلِّ ليلةٍ ويزيدُ على صلاته التي كانَ يصليها قبلَ ذلك، منذُ أول ليلة الى تمام عشرين ليلة في كل ليلة عشرين ركعة، ثماني ركعات منها بعد المغرب واثنتي عشرة بعد العشاء الآخرة، ويصلّي في العشر الأواخر في كل ليلة ثلاثين ركعة اثنتي عشرة منها بعد المغرب وثماني عشرة بعد العشاء الآخرة، ويدعو ويجتهد اجتهاداً شديداً. وكان يصلّي في ليلة إحدى وعشرين مائة ركعة، ويصلّي في ليلة ثلاث وعشرين مائة ركعة، ويجتهد فيهما)(1) .
      وروي عن الإمام محمد الباقر (عَلَيهِ السَّلامُ) أنَّه قال:
      (صلِّ في أول شهر رمضان في عشرين ليلة عشرين ركعة، صلِّ منها ما بين المغرب والعتمة ثماني ركعات وبعد العشاء اثنتي عشرة ركعة. وفي العشر الأواخر ثماني ركعات بين المغرب والعتمة واثنتين وعشرين ركعة إلاّ في ليلة إحدى وعشرين، فإنَّ المائة تجزيك إن شاء الله)(2) .
      ____________
      (1) الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، التهذيب، ج: 3، ص: 62، ح: 6.
      (2) الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، التهذيب، ج: 3، ص: 67، ح: 3.
      (4)
      نقطةُ الخلافِ بينَ المدرستين
      تكمنُ نقطةُ الخلاف حولَ صلاة (التراويح) في أنَّ أتباع مدرسة أهل البيت (عَلَيهِمُ السَّلامُ) يعتقدون بعدم مشروعية الإتيان بها جماعةً، وأنَّ أداءَها على هذه الهيئة يُعتبرُ بِدعةً دخيلةً على تشريعات الإسلام، وتعاليمه الثابتةِ بالنصوصِ الشرعيةِ القويمة.
      وأما الأغلبيةُ الساحقةُ من أتباعِ (مدرسةِ الصحابة) فيعتقدون بأنَّ الإتيانَ بها جماعةً أمرٌ مشروع، بل هو مستحبٌ ومندوب.
      فلا يوجدُ خلافٌ بين المدرستين في أصل نافلة الليل، ولا خلاف بينهما في أصل التنفل في ليالي شهر رمضان، وإنَّما يكمنُ الخلافُ في الكيفية التي تُؤدى بها هذه النوافل؛ حيثُ تقولُ مدرسةُ أهل البيت (عَلَيهمُ السَّلامُ) بعدم جواز الإتيان بها جماعةً، وإنَّما يشرعُ الإتيان بها فرادى وحسب، وأما (مدرسةُ الصحابة) فتلتزمُ في الأغلب بالإتيان بها جماعةً، وتنسبها الى التشريع بهذه الكيفية، وهذا الأمرُ هو الذي أدخلها في حيِّز (الابتداع) من وجهة نظر مدرسةِ أهل البيت (عَلَيهمُ السَّلامُ).
      من هنا نعرفُ أنَّ نقطةَ الخلاف بين المدرستين حول (التراويح) ليست مسألةً فقهيةً محضة، تحتملُ وجهات النظر المتعددة وحسب، كما هو الأمرُ في عدد ركعات نافلة الليل، إذ بالإمكان الاختلاف حول ذلك بالطريقة التي تدرج رأي الجانبين في المصبِّ الفقهي المتنوع الآراء، وإنَّما نقطةُ الخلاف هنا مسألةٌ مشوبةٌ بجانب عقائدي، وتتعلقُ بأصل مشروعية (التراويح) بهذه الكيفية الجديدة التي لم تتصل جذورُها بالشريعة المقدَّسة.
      وبعبارةٍ أخرى إنَّ الرأي الفقهي قائمٌ على أساس استنباط الأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية، التي من أهمها (القرآنُ المجيد) و(السُنَّة القطعيَّة)، فلابدَ من وجود
      أساسٍ ومستندٍ قاطعٍ للأحكام المستنبطة فقهياً في (القرآن المجيد) و(السُنَّة القطعيَّة)، ولابدَّ من ولادة هذه المسائلِ المتنوعة من رحم الشريعةِ الإسلامية، وما من شكٍ في جواز (الاجتهاد) من قبل العلماء في حدودِ هذه الدائرة المشروعة، وبالتالي الخلاف في الآراء والنتائج، ومن أمثلة ذلك الخلاف في عدد ركعات القيام في ليالي شهر رمضان حسب الأدلة الشرعية، بعد الفراغ من كون أصل القيام منسوباً إلى الشريعة الغراء، ومنبثقاً عنها.
      وأما إذا لم يكن هناك أصلٌ للعمل العبادي في الشريعة الإسلامية، ولم يولد من رحم القرآن والسُنَّة، ولا يوجدُ دليلٌ عامٌّ يشملُه، ولا دليلٌ خاصٌّ ينصُّ عليه، وإنَّما جاءَ لقيطاً من الخارج، وأُضفيت عليه صفةُ الشرعية من قبل البشر العاديين، ونُسبَ إلى الدين الحنيف بكيفيته المنحولة هذه، فلاشكَ أنَّه سوفَ يخرجُ عن دائرة الخلاف الفقهي المحض، ويدخلُ في دائرة البحث الممزوج بالعقيدة؛ لأنَّه سوف يحدّدُ مصيرَ العمل من الأساس، ويبحثُه في الجذور، ومن أمثلة ذلك البحثُ في أصل مشروعية صلاة (التراويح).
      وبعبارةٍ أكثر شمولاً أنَّ التشريعات الإلهية الثابتة أُمورٌ توقيفية، يجبُ امتثالُها وعدمُ الاجتهاد في مقابلها، فلا يصحُّ إدخالُ ما ليس من الدين فيه كإدخال (التراويح) المبتدعة، كما لا يصحُّ إخراجُ ما هو من صميم الدين عنه كإخراج (المتعة) المشروعة، إذ لا يصحُّ التحليلُ والتحريمُ حسبَ الآراء الشخصية، والاجتهاداتِ الخاصة، كما قالَ (جَلَّ وَعَلا):
      (ولا تَقُولوا لِما تَصفُ ألسنتُكُمُ الكذبَ هذا حلالٌ وهذا حرامٌ لتَفتروا على اللهِ الكذبَ إنَّ الذينَ يَفترونَ على اللهِ الكذبَ لا يُفلحونَ)(1) .
      ووردَ هذا المعنى في حديث رسولِ الله (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) حيثُ يقولُ:
      ____________
      (1) النحل / 116.
      (اتقوا تكذيب الله! قيل: يارسول الله وكيف ذاك؟ قال: يقول أحدكم: قال الله، فيقول الله: كذبت لم أقله، ويقول: لم يقلِ الله، فيقول عز وجل: كذبت قد قلته)(1) .
      وقد عَدَّت الشريعةُ الإسلاميةُ ظهورَ (البدع) في حياة المسلمينَ من أكبر ما يهدّدُ حياةَ الإسلام، ويطعنُها في الصميم، وجعلت محاربةَ البدع والمحدثات من أوضح مصاديق الذود عن الشريعة الإسلامية.
      قالَ رسولُ الله (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):
      (إياكم والبدعَ، فإنَّ كلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ تسيرُ الى النار)(2) .
      وقالَ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):
      (إذا ظهرت البدعُ في أمتي فليظهرِ العالمُ علمَه، فمن لم يفعلْ فعليهِ لعنةُ الله)(3) .
      وقد جهدَ علماءُ مدرسةِ أهل البيت (عَلَيهمُ السَّلامُ) من تقريب وجهات النظر مع (مدرسة الصحابة) في خصوص هذه المسألة، والتقليص من حدَّةِ الخلافات حولها؛ فعمدوا إلى إدراجها ضمنَ السياقات الفقهية المحضة، لتسكينِ ألمِ الفرقة، وتخفيفِ حدَّتِها، ولنِعمَ ما فَعلوا.
      فنرى العلاّمةَ (جعفرَ السبحاني) يقول من هذا المنطلق في كتابه (صلاة التراويح بين السُنَّة والبدعة):
      (فالخلافُ في صلاة التراويح ليسَ خلافاً في جوهرِ الدين وأُصوله حتّى يستوجبَ العداءَ والبغضاء، وإنَّما هو خلافٌ فيما رُويَ عنه
      ____________
      (1) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 2، باب: 16، ح: 16، ص: 117.
      (2) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 1، ح: 1113، ص: 221.
      (3) الكليني، محمد بن يعقوب، الأصول من الكافي، ج: 1، باب: البدع والرأي والمقاييس، ح: 2، ص: 54.
      ـ صلّى اللهُ عَليهِ وآله وسَلَّمَ ـ وهو أمرٌ يسيرٌ في مقابل المسائل الكثيرة المتّفق عليها بين المذاهب الإسلامية)(1) .
      وقالَ العلاّمةُ (نجمُ الدين الطبسي) في كتابه الذي يحملُ نفسَ العنوان السابق:
      (قد يُتصَّورُ لأوّل وهلةٍ أنَّها من مختصاتِ أهل السُنَّة، ولكنَّ التتبّعَ والتحقيقَ ومراجعةَ كلمات الفريقين وآرائهم، يكشفُ عن خطأ هذا التصور، وأنَّ أصل المسألة وهو قيام شهر رمضان ونوافل لياليها والصلوات فيها من الأمور والمسائل المشتركة بين الفريقين، بل الاشتراك في عددها أيضاً كادَ أنْ يكونَ حاصلاً ـ في الجملة ـ وإنَّما الخلافُ هو في إقامة هذهِ النوافل جماعةً أم فرادى)(2) .
      ____________
      (1) السبحاني، جعفر، صلاة التراويح بين السنة والبدعة، ص: 4.
      (2) الطبسي، نجم الدين، صلاة التراويح بين السنة والبدعة، ص: 6.
      الفصل الثاني
      صلاةُ التراويح..
      موقف النبي وأهلِ بيتِهِ منها

      1ـ موقف النبي من صلاةِ التراويح
      أ ـ النبيُّ يحثُّ على إخفاءِ النوافلِ في البيوت
      ب ـ النبيُّ يصلّي نوافلَ شهرِِ رمضانَ منفرداً
      ج ـ النبيُّ يغضبُ لالتحاقِ البعضِ به في النافلة خلسةً
      د ـ النبيُّ لم يصلِّ التراويحَ عندَ كثيرٍ من أئمةِ مدرسةِ الصحابة
      2ـ أمير المؤمنينَ عليٌّ ينهى عن صلاةِ التراويح
      3ـ أهل البيتِ يؤكدونَ عدمَ مشروعيةِ صلاةِ التراويح
      4ـ التراويح بدعة بإجماعِ علماءِ مدرسةِ أهلِ البيت

      نظرة
      على الفصل الثاني
      نتعرفُ من خلال هذا الفصل على موقفِ النبي (ص) وأهلِ بيته (ع) وعلماء مدرسة أهل البيت (ع) من صلاةِ (التراويح).
      فنثبتُ أولاً: أنَّ النبي (ص) كانَ يحثُّ على إخفاءِ النوافلِ في البيوت، وهذا الأمرُ يتنافى مع الإعلان بنافلة الليل في شهر رمضان من خلال أدائها جماعةً.
      ونثبتُ ثانياً: أنَّ النبي (ص) كان يؤدي نافلة الليل في شهر رمضانَ وغيره منفرداً طيلةَ حياته.
      ونثبتُ ثالثاً: غضبَ النبي (ص) من المصلينَ الذينَ حاولوا الالتحاق بهِ في نافلةِ شهر رمضان، وكان ينهاهم عن أدائها جماعةً.
      ونثبتُ رابعاً: أنَّ الكثير من علماء مدرسة الصحابة قد أقرّوا بأنَّ النبي (ص) لم يصلِّ (التراويح) في حياتهِ مطلقاً.
      ومن ثمَّ نستعرضُ موقف الإمام علي (ع) الرادعِ عن أداءِ (التراويح)، وتصريحه بعدمِ ارتباط هذهِ الصلاة بالدين.
      ومن بعد هذا نستعرضُ أحاديثَ أهل البيت (ع) في تأكيد عدم مشروعية (التراويح)، وعدّها (بدعةً) محدثةً في الدين.
      وتبعاً لموقف أهل البيت (ع) أفتى علماء مدرستهم بعدم جواز أداء نوافل شهر رمضان جماعةً، وصرَّحوا بأنها (بدعةٌ) محدثة.
      صلاةُ التراويح
      (1)
      موقف النبي (ص) من صلاةِ التراويح
      هناك قرائنُ عديدةٌ تشيرُ إلى أنَّ رسولَ الله (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم يؤدِ نافلةَ شهرِ رمضانَ المسماة بـ (التراويح) جماعةً، بل إنَّه نهى عن الإتيان بها على هذه الكيفية، وعدَّها (بدعةً) محدَثةً، ومن هذه القرائن ما يلي:
      أ ـ النبي (ص) يحث على إخفاءِ النوافلِ في البيوت
      إنَّ من الأُمور التي تؤيِّد منافاةَ صلاة (التراويح) لمبادئ الشريعة الإسلامية وتعاليمها، وأنَّ رسولَ اللّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم يسنَّها، هو الطائفةُ الكبيرةُ من الأحاديث النبوية التي دلَّت على حثِّ المسلمين على صلاة النوافل عموماً في البيوت؛ لأنَّ هذا الأمرَ أقربُ للإخلاص، وأدعى للقبول. بل قد وردَ النهي من قبل رسول اللّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) عن صلاة النوافل جماعةً، لمّا رأى بعضَ الأصحاب يصلّون خلفه خِلسةً، ووجَّههم إلى إخفاءِ النوافل، وعدمِ تشريع الجماعةِ فيها، كما سيأتي بيانُه.
      وقد وردَت رواياتٌ كثيرةٌ في كتب مدرسةِ الصحابة تدلُّ على استحباب إخفاءِ النوافل، والإتيانِ بها في البيوت، وأفتى بهذا الأمر علماءُ هذه المدرسة في مصنفاتهم، فقد وردَ في (صحيح مسلم) أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قالَ:
      (إذا قَضى أحدُكم الصلاةَ في مسجدِهِ، فليَجعلْ لبيتِهِ نصيباً من صَلاتِهِ، فإنَّ اللهَ جاعلٌ من صَلاتِهِ في بيتِهِ خَيراً)(1) .
      ____________
      (1) مسلم، صحيح مسلم، ج: 2، ص: 187، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته وجوازها في المسجد.
      والذي يتضحُ من ظاهر الحديث أنَّ المقصودَ بالصلاة التي ندبَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) المسلمينَ إلى إخفائها في البيوت هي (النوافل)، باعتبار أنَّ التي يقضونها في المسجد هي الصلاةُ المكتوبة.
      وفي سُنن (أبي داود) عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ):
      (عَليكُم بالصلاةِ في بيوتِكُم، فإنَّ خيرَ صلاةِ المرءِ في بيتِهِ إلاّ المكتوبة)(1) .
      ووردَ في (الترغيب والترهيب) عن (عبد اللّه بن مسعود) أنَّه قالَ:
      (سألتُ رسولَ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ:
      ـ أيُّما أفضلُ: الصلاةُ في بيتي، أو الصلاةُ في المسجد؟ قالَ:
      ـ ألا تَرى إلى بيتي ما أقربَهُ منَ المسجدِ، فَلأنْ أُصلّي في بيتي أحبُّ إليَّ من أنْ اُصلّيَ في المسجد، إلا أنْ تكونَ صلاةً مكتوبةً).
      ثمَّ قالَ:
      (رواه أحمدُ وابنُ ماجة وابنُ خزيمة في صحيحه)(2) .
      وجاءَ فيه أيضاً:
      (وعن أبي موسى رضيَ اللّهُ عنهُ قالَ: خرجَ نفرٌ من أهلِ العراقِ إلى عمر، فلَّما قَدِموا عليهِ يسألونَ عن صلاةِ الرجلِ في بيتِهِ، فقالَ عمرُ: سألتُ رسولَ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ، فقالَ: أمّا صلاةُ الرجلِ في بيتِهِ فنورٌ، فنوِّروا بيوتَكُم).
      ثمَّ قالَ:
      (رواه ابنُ خزيمةُ في صحيحه)(3) .
      ____________
      (1) أبو داود، سنن أبي داود، ج: 2، ص: 69، ح: 1447.
      (2) المنذري،الترغيب والترهيب، تعليق: مصطفى محمد عمارة، ج: 1، ص: 379، ح: 4.
      (3) المنذري، الترغيب والترهيب، تعليق: مصطفى محمد عمارة، ج: 1، ص: 379، ح: 5.
      وفي (كنز العمال):
      (سُئلَ عمرُ عن الصلاةِ في المسجدِ فقالَ: قالَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ: الفريضةُ في المسجد، والتطوعُ في البيت)(1) .
      وجاءَ في مسند (أحمد بن حنبل):
      (صلّى رسولُ اللّهِ صلاةَ المغربِ في مسجدِ بني الأشهل، فلمّـا صلّى قامَ ناس يتنفّلونَ، فقالَ النبيُّ: عليكم بهذه الصلاة في البيوت)(2) .
      من هنا رأى بعضُ علماءِ مدرسة الصحابة أفضليةَ قيامِ المرءِ في رمضانَ بيته على صلاةِ (التراويح) المدَّعاة، فقد قالَ مالكُ وأبو يوسفَ وبعضُ الشافعية:
      (إنَّ فعلَها (الصلاةَ ليلاً في رمضانَ) فرادى في البيت أفضلُ، لحديثِ: خيرُ صلاةِ المرءِ في بيتِهِ إلاّ الصلاةَ المكتوبة)(3) .
      وقالَ (ابنُ قدامة) في (المغني):
      (والتطوعُ في البيتِ أفضلُ لقولِ رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ: عَليكُم بالصلاةِ في بيوتِكُم فانَّ خيرَ صلاةِ المرءِ في بيتِهِ إلا المكتوبة، رواه مسلم، وعن زيد بن ثابت أنَّ النبيَّ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ: صلاةُ المرءِ في بيتِهِ أفضلُ من صلاتِهِ في مسجدي هذا إلاّ المكتوبة، رواه أبو داود)(4) .
      ____________
      وانظر: كنز العمال، ج: 8، ح: 23360، ص:384.
      (1) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 8، ح: 23363، ص: 384.
      (2) ابن حنبل، أحمد، مسند أحمد بن حنبل، ج: 5، ص: 427.
      (3) راجع: صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 6، ص: 39 - 40، وفتح الباري للعسقلاني، ج: 4، ص: 252، والتاج الجامع للأصول لناصيف، ج: 2، ص: 67.
      (4) ابن قدامة، موفق الدين، المغني، ج: 1، ص: 775.
      ومن هنا أفتى (الشافعي) باستحباب الانفرادِ بنافلةِ شهر رمضانَ، فقالَ:
      (صلاةُ المنفردِ أحبُّ إليَّ منهُ).
      وشنَّعَ (ابنُ داود) على (الشافعي) في هذه المسألة فقالَ:
      (خالفَ فيها السُنَّةَ والإجماعَ)(1) .
      وجاءَ في (فضائل الأوقات) عن فعل صلاة (التراويح) في الجماعة:
      (فأمّا من كانَ حافظاً، فقد ذهبَ ابنُ عمر أنَّ فعلَها بالانفراد أولى)(2) .
      وعن (الفائق في غريب الحديث) للـ (الزمخشري):
      (في حديثِ أنسٍ رضيَ اللهُ تعالى عنه: أنَّه سُئلَ عن التعقيبِ في رمضانَ، فأمرَهم أنْ يصلّوا في البيوت)(3) .
      ورُويَ في (شرح نهج البلاغة) عن النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) أنَّه قالَ:
      (فَضلُ صلاةِ المتطوِّعِ في بيتِهِ على صلاةِ المتطوعِ في المسجدِ كفضلِ صلاةِ المكتوبةِ في المسجدِ على صلاتِهِ في البيت)(4) .
      وفسَّرَ (المحب الطبري) هذا الحديثَ بالقول:
      (فيه دلالةٌ ظاهرة على أنَّ النافلةَ في البيت تُضاعَف تضعيفاً يزيدُ على الألف؛ لأنَّ المصطفى صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ فضَّلها على الصلاةِ في مسجده، والصلاةُ فيه بألفِ صلاة)(5) .
      ____________
      (1) الطوسي، أبو جعفر ، الخلاف، ج: 1، ص: 527، مسألة: 267، عن: المجموع، 4، ص: 5.
      (2) البيهقي، فضائل الأوقات، ص: 269.
      (3) الزمخشري، جار الله، الفايق في غريب الحديث، ج: 2، ص: 387.
      (4) المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة للإمام علي (عَليهِ السَّلامُ)، ج: 12، ص: 284.
      (5) المناوي، محمد عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير، تحقيق: أحمد عبد السلام، ج: 4، ص: 296.
      وفي (شرح النهج) أيضاً عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ):
      (إنَّ أفضلَ النوافلِ ركعتان يُصليهُما المسلمُ في زاويةِ بيتِهِ، لا يعلمُها إلاّ اللهُ وحدَه)(1) .
      وأضافَ معللاً ذلك بالقول:
      (قالَوا: ولأنَّها إذا صُليت فرادى، كانت الصلاةُ أبعدَ من الرياءِ والتصنُّع)(2) .
      ولا يخفى على من أدركَ سرَّ العبادات المسنونة في الإسلام، ودورَها في تهذيب النفس الإنسانية، ما يهدفُ إليه إخفاءُ النوافل عن الأنظار، والانفرادُ بها مع خالقه، فهوَ من أبرز مظاهرِ الإخلاصِ بينَ العبد وربه.
      يقولُ السيد (شرف الدين العاملي):
      (إنَّ فائدة إقامتها في البيت فرادى هي أنَّ المصلّي حينَ يؤديها ينفردُ بربِّه عزَّ وعلا، يشكو إليه بثَّه وحزنه، ويناجيه بمهماته مهمةً مهمة؛ حتى يأتي على آخرها ملحّاً عليه، متوسّلاً بسعة رحمته إليه، راجياً لاجئاً، راهباً راغباً، منيباً تائباً، معترفاً لائذاً عائذاً، لا يجد ملجأً من اللّه تعالى إلا إليه، ولا منجي منه إلا به؛ لهذا ترك اللّهُ السننَ حرةً من قيد الجماعة، ليتزوّدوا فيها من الانَّفرادِ باللّه ما أقبلت قلوبُهم عليه، ونشطت أعضاؤُهم له، يستقلُّ منهم مَن يستقل، ويستكثرُ مَن يستكثر، فإنَّها خيرُ موضوع، كما جاءَ في الأثر عن سيّد البشر، أمّا ربطُها بالجماعة فيَحدُّ من هذا النفع، ويقلِّلُ من جدواه.
      ____________
      (1) المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة للإمام علي (عَليهِ السَّلامُ)، ج: 12، ص: 285.
      (2) المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة للإمام علي (عَليهِ السَّلامُ)، ج: 12، ص: 285.
      أضف إلى هذا أنَّ إعفاءَ النافلة من الجماعة يمسكُ على البيوت حظَّها من البركة والشرف بالصلاة فيها، ويمسكُ عليها حظَّها من تربية الناشئة على حبِّها والنشاط لها، ذلك لمكانِ القدوة في عمل الآباء والأُمهات والأجداد والجدّات، وتأثيره في شد الأبناء إليها شدّاً يرسّخها في عقولهم وقلوبهم)(1) .
      ولا يمكنُ الإدّعاءُ بأنَّ هذهِ الروايات التي دلَّت على استحباب أداءِ النوافل في البيوت مطلقةٌ، فتُقيَّدُ بما دلَّ على استحباب صلاة (التراويح) المدَّعاة؛ لأنَّه لا يوجدُ أيُّ سندٍ شرعي، ودليلٍ صحيحٍ على كون النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد صلّى هذهِ النافلةَ في حياته الشريفة، أو سنَّها للمسلمين من بعده، غيرَ ما يُدعى بهذا الشأنَّ من النَّزر القليل المفتَعل من الأحاديث التي يتشبثُ بها البعضُ، إذ الغريقُ يتشبثُ بكل حشيش!! بل سيأتي أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد نهى أصحابَه عن هذه الصلاة من خلال جملةٍ من المواقفِ والأحاديث.
      ب ـ النبي (ص) يصلي نوافلَ شهرِ رمضانَ منفرداً
      جاءَ في (الفقه الإسلامي وأدلته) للدكتور (الزحيلي) عن (ابن عباس) أنَّه قالَ متحدثاً عن صلاة رسول اللّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) في شهر رمضانَ وفي غيره من الشهور:
      ____________
      (1) الموسوي، شرف الدين، مجلة رسالة الإسلام، دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالقاهرة، السنة الثامنة، العدد الثاني، شهر رمضان: 1375 هـ، ابريل: 1956م، ص: 138 - 142.
      وانظر:جعفر السبحاني، صلاة التراويح بين السُنَّة والبدعة، ص: 60 - 61.
      (كانَ يصلي في شهر رمضانَ، في غير جماعة، عشرينَ ركعةً والوتر)(1) .
      فقيدُ (في غيرِ جماعةٍ) في هذا النَّص مؤشرٌ على أنَّ النبيَّ الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم يشرِّع صلاةَ (التراويح)، ولم يأتِ بها.
      وتتحدثُ (عائشة) عن صلاة رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) في شهر رمضانَ، فلا نرى في حديثها أيَّةَ إشارةٍ الى (التراويح) من قريب أو من بعيد، بل على العكسِ من ذلكَ نجدُ أنَّ حديثَها يدلُّ على أنَّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) كانَ يصلّي نافلةَ شهر رمضان وغيره من الشهور من غير جماعةٍ.
      ولو كانَ النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد صلّى هذهِ النافلةَ في المسجد، أو في أيِّ مكانٍ آخر، لما كانَ يخفى علينا خبرُ هذهِ الصلاة، ولوردَ نقلُه في كتب الحديث في غاية الوضوح، ولكنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم يشرِّع هذهِ الصلاة، بل جاءَ العكسُ على ذلك، فقد روى (البخاري) عن (عائشة) في صحيحه قائلاً:
      (حدثنا إسماعيل، قالَ: حدّثني مالك عن سعيد المغبري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنَّه سألَ عائشةَ رضيَ اللّهُ عنها:
      ـ كيفَ كانت صلاةُ رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ في رمضانَ؟
      فقالَت:
      ـ ما كانَّ يزيدُ في رمضانَ ولا في غيرِهِ على إحدى عشرةَ ركعةً، يُصلّي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنهِنَّ وطولهِنَّ، ثمَّ يُصلّي أربعاً، فلا تسأل عن حُسنهِنَّ وطولهِنَّ، ثمَّ يُصلّي ثلاثاً، فقلتُ: يا
      ____________
      (1) الزحيلي، د. وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، ج: 2، ص: 44.
      وانظر: نيل الأوطار للشوكاني، ج: 3، ص: 53.
      رسولَ اللّهِ أتنامُ قبلَ أنَّ توتر؟ قالَ:يا عائشةُ ! إنَّ عينيَّ تنامانِ ولا ينامُ قَلبي)(1) .
      ج ـ النبي (ص) يغضب لالتحاقِ البعضِ به في النافلة خلسةً
      وردَ في (صحيح مسلم) عن (زيد بن ثابت) أنَّه قالَ:
      (احتَجرَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ حجيرةً بخصفةٍ أو حصيرٍ (2)، فخرجَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ فيها، فتتبعَ إليهِ رجالٌ، وجاؤوا يصلّونَ بصلاتِهِ، قالَ: ثمَّ جاؤوا ليلةً فحضَروا، وأبطأَ رسولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ عنهم، فلم يخرج إليهم، فرفَعوا أصواتَهم، وحَصبوا (3) البابَ، فخرجَ إليهم رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ مُغضِباً فقالَ:
      ما زالَ بكم صنيعُكم حتى ظننتُ أنَّه سيُكتبُ عليكم، فعَليكم بالصلاةِ في بيوتِكم، فإنَّ خيرَ صلاةِ المرءِ في بيتهِ إلاّ الصلاة المكتوبة)(4) .
      ____________
      (1) البخاري، صحيح البخاري، ج: 2، ص: 252 - 253.
      وانظر: كنز العمال، ج: 7، ح: 17989، ص: 67.
      (2) أي: أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد اتخذ لنفسه حجرةً في المسجد، وقد حوَّطها بحصير، ليتسنى له الفراغ للعبادة، والانفراد بربِّه (جَلَّ وَعَلا)، والخلوة معه، من دون شاغلٍ للنظر.
      (3) أي: إنَّ الصحابة لما رأوا رسول الله (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد أبطأ بالخروج إليهم رفعوا أصواتهم مطالبين بخروجه، ورموا بابه بالحصى!!
      (4) مسلم، صحيح مسلم، ج:2، ص: 188، باب: استحباب الصلاة في بيته وجوازها في المسجد.
      فمن هذا الحديث نفهمُ مجموعةً من المداليل التي تأتي في سياقِ عدمِ مشروعيةِ أداءِ نوافلِ شهر رمضانَ جماعةً، وهذهِ المداليلُ هي:
      1ـ إنَّ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد اتخذَ إجراءاً احترازياً في أداء نوافل شهر رمضانَ منفرداً، من خلال اتخاذه زاويةً من زوايا المسجد، وتحويطها، وإبعادِها عن الأنظار.
      2ـ إنَّ المصلين الذين التحقوا بالنبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) كانوا قد تسلَّلوا إليه في أثناء أدائه للصلاة، وتتبعوا أثرَه فيها، من دون علمٍ منه، فهو (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم ينوِ إمامتَهم في الصلاة، ولا جمَعهم عليها، وإنَّما كانَ ذلك فضولاً وتطفُّلاً منهم في ذلك، أي إنَّ الصلاةَ كانت بمبادرةٍ من طرف واحدٍ فقط، وهم هؤلاءِ الثلةُ المتطفلون وحسب.
      ويؤيدُ ذلك ما ذكره (الحميدي) في (الجمع بين الصحيحين) في مسند (أنس بن مالك) من (المتفق عليه) حيثُ يقولُ:
      (كانَ رسولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ يُصلّي في شهرِ رمضانَ، فجئتُ فقمتُ إلى جنبه، وجاءَ رجلٌ آخرُ فقامَ أيضاً، حتى كنّا رهطاً، فلما أحسَّ النبيُّ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ أنَّا خلفَه جعلَ يتجوَّزُ في الصلاة، ثمَّ دخلَ رحلَه فصلّى صلاةً لا يصليها عندنا، فقلنا لهُ حينَ أصبحنا:
      ـ أفطنتَ لنا الليلةَ؟ فقالَ:
      ـ نعم، ذلكَ الذي حمَلني على الذي صنعتُ)(1) .


      يتبع

      تعليق


      • #4
        ____________
        (1) ابن طاووس الحسني، رضي الدين علي بن موسى، الطرائف في معرفة المذاهب والطوائف، ص: 456 ـ 457، والحديث في المسند برقم: 109، ورواه مسلم في صحيحه، ج: 2، ص: 775.
        ففي هذه الرواية دلالةٌ صريحةٌ على عملية التسلُّلِ في الخفاء، التي كانَ يقومُ بها بعضُ الصحابة في ليالي شهر رمضانَ لقطعِ خلوةِ رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) مع الله (جَلَّ وَعَلا)، ومن أجلِ الاقتداء القسري بهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) على أحسنِ التقادير، أو الصلاة إلى جانبه كما هو ظاهرِ الحديث، وأنَّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) بمجرد أنْ فطنَ إلى وجودهم خلفه دخلَ رحلَه الخاصَّ به، ولم يعاود الخروجَ إليهم!!
        فماذا يريد المرء أكثرَ دلالةً وبياناً من هذا الفعل الصريح على عدم مشروعيةِ الاقتداءِ في نافلة شهر رمضانَ؟!! بل فهمَ البعضُ أنَّ الإتمام لم يتمَّ أصلاً، وإنَّما المقصود من قولِ الحديث: (وجاؤوا يصلّونَ بصلاتِهِ) أنَّهم يصلّون (مع صلاته)، فهم يصلّونَ فرادى لا جماعةً، وهذا التفسير مدعومٌ بقولِ (ابن حجر) في (فتح الباري):
        (مقتضاه أنَّهم كانوا يصلّونَ بصلاته وهو داخل الحجرة وهم خارجها).
        وهو تفسير وجيه ذكره الشيخ (علي آل محسن) بقوله:
        (قوله: يصلّونَ بصلاته، لا يدلُّ على أنَّهم كانوا يصلّونَ معه جماعةً، بل كانوا يصلّونَ مع صلاته، فهم يصلّونَ فرادى، فالباءُ في صلاتهِ بمعنى (مع)، مثل قولهم: (بعتُكَ الدارَ بأثاثها)، أي: معَ أثاثها؛ لأنَّ صلاة الجماعةِ لا تتمُّ والإمامُ داخلُ الحجرة، والمأمومونَ خارجها)(1) .
        3 ـ إنَّ ذلك الإئتمام التطفُّلي ـ على فرضِ حدوثه ـ لم يحصل على ضوء هذه الرواية إلاّ ليلةً واحدةً فقط، ومن بعدها عالجَ النبيُّ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) الموقفَ في الليلة الثانية من دون فصل، لخطورةِ الأمرِ وفداحته.
        ____________
        (1) آل محسن، علي، مسائل خلافية حارَ فيها أهلُ السُنَّة، ص: 166.
        وهناك رواياتٌ أخرى ذكرت أنَّ ذلك الأمرَ قد حدثَ لأكثر من ليلةٍ واحدةٍ، ففي (صحيح البخاري) عن (عائشة) أنَّها قالَت عن صلاةِ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لنوافل شهر رمضانَ:
        (صلّى ذاتَ ليلةٍ في المسجد وصلّى بصلاتِهِ ناسٌ، ثمَّ صلّى من القابلةِ فكثُرَ الناسُ، ثمَّ اجتمعوا من الليلةِ الثالثةِ أو الرابعة، فلم يخرجْ إليهم رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ)(1) .
        وهناك رواياتٌ أخرى قريبةٌ من هذا المضمون أيضاً، وانْ كانت تختلفُ في عدد الليالي، وتواليها، ومواضعِها من شهر رمضانَ، مما يدعو لعدم الوثوق إلاّ بالقدر المتيقَنِ منها على أحسن التقادير، وهو حسب رأينا عدمُ تجاوزِ الليالي لأصابع اليدِ الواحدة؛ لأنَّها معضَدةٌ برواياتٍ مشابهة وردَت بطرقٍ معتبرة عن أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ)، ولأنَّ أكابرَ علماءِ (مدرسة الصحابة) يعتبرونها الشاهدَ الأساسيَّ في المقام.
        ومن هذه الروايات ما وردَ في (صحيح البخاري) عن (عائشة) عن رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) أنَّه:
        (خرجَ ليلةً في جوفِ الليلِ فصلّى في المسجد، وصلّى رجالٌ بصلاتِهِ، فأصبحَ الناسُ فتحدّثوا، فاجتمعَ أكثرَ منهم، فصلّى وصلّوا معه، فأصبحَ الناسٌ فتحدّثوا، فكثُرَ أهلُ المسجدِ من الليلةِ الثالثة، فخرجَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ، فصلّى وصلّوا بصلاتِهِ، فلمّا كانت الليلةُ الرابعةُ عجزَ المسجدُ عن أهلِهِ، حتّى خرجَ لصلاةِ الصبح، فلمّا قضى الفجرُ أقبلَ على الناسِ فتشهدَ، ثمَّ قالَ: أمّا بعدُ، فإنَّه لم يخفَ عليَّ مكانُكم، ولكنّي خشيتُ
        ____________
        (1) البخاري، صحيح البخاري، ج: 2، ص: 49، باب: تحريض النبي على صلاة الليل.
        أنْ تُفرضَ عليكم فتَعجزوا عنها. فتُوفّيَ رسولُ اللّهِ والأمرُ على ذلك)(1) .
        وسواءٌ أكانت ليلةً واحدةً كما في الرواية محل البحث أم أكثر من ذلك بيسير، فإنَّ النتيجةَ هي أنَّ النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد بادرَ إلى معالجة الموقف، ونهى الناسَ عن أداء النافلة جماعةً بأي نحوٍ من التعليل كان.
        وإنْ كانَ لنا تحفُّظٌ على أصل التعليل الوارد في مجموع هذه الروايات، حيثُ إنَّ هذه الروايات قد أناطت رفعَ التكليف عن أداءِ النافلة جماعةً بمخافة النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) من أنْ تُفرض على الأُمة، وهذا الأمرُ يتنافى مع فهمنا لواقع التشريع الإلهي المرتبط بالمصالح والمفاسد العامة للبشرية في مختلف الأمكنة والأزمنة، والذي لا علاقةَ له بميول ثلةٍ من المصلين، دفعتهم الرغبةُ الآنيةُ للائتمام بالنوافل في ليالي شهر رمضانَ، إذ لا يُعقل أنَّه كلما تتولد رغبةٌ عند مجموعةٍ من الناس في أداء عبادةٍ معيّنةٍ فأنَّ ذلك يستدعي قربَ فرضِها عليهم، ولماذا لا ينهى النبيُّ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) أصحابه عن الإتيان ببقية النوافل الراتبةِ خشيةَ أنَّ تُفرض عليهم، فتصير واجبةً بمجرّد مواظبتهم عليها، لو كانَّ هناك صدقيةٌ حقيقيةٌ لهذه الصلاة بالكيفية المذكورة، إذ انَّ ملاكَ الخشيةِ من الافتراض جارٍ في كلتا الحالتين، فمجردُ الخشية من الافتراض لا يمكنُ له أنْ يكونَ مبرراً لعدول النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) عن تشريعِ أمرٍ إلهي مستحبٍ، ومرغوبٍ فيه.
        هذا من جانبٍ، ومن جانبٍ آخر، فإنَّ الصلواتِ المفروضةَ على المسلمين قد تمَّ الفراغُ منها، وحُددت عن طريق القرآنِ الكريم، والأحاديثِ الشريفة، ومن أبرزِها حديثُ الإسراءِ المشهور، فعن (أنس بن مالك) قالَ:
        ____________
        (1) البخاري، صحيح البخاري:ج: 3، ص: 45، باب: فضل من قام رمضانَ.
        (فُرضت على النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ليلةَ أُسريَ بهِ الصلواتُ خمسين، ثمَّ نقصت حتّى جُعلت خمساً، ثمَّ نُوديَ:
        ـ يا محمد! إنَّه لا يُبدَّلُ القولُ لديَّ، وإنَّ لك بهذهِ الخمس خمسين)(1) .
        وعلى فرضِ صحة ما وردَ في هذه الأحاديث من خشيةِ الافتراض، فلعلَّ المرادَ بها هو:
        (النهي عن التكلُّف فيما لم يَرد فيه أمرٌ، والتحذيرُ من ارتكابِ البِدعةِ في الدين)(2) .
        فالنبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) كانَ يبالغُ في ردع هؤلاءِ المصلين، ويحذرُهم من التمادي في طلبِ الأُمورِ غير المشروعة، والوقوعِ في البِدع، من خلال هذا اللون من الخطاب.
        4ـ بعد أنْ علمَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) أنَّ هذه الثلةَ جاءَت مرةً أخرى لأداءِ النوافل جماعةً أبطأَ في الخروج إليهم، لكي يكونَ في ذلك دليلاً لهم على عدم رغبتِهِ في استمرارهم في هذا الأمر غيرِ المشروع، فـ (الإبطاءُ) في الخروج قرينةٌ قويةٌ على عدم مشروعيةِ (التراويح) أيضاً.
        وإذا لاحظنا (القرآن المجيد) نجدُ أنه يتنافى مع أمر (الإبطاء) هذا فيما لو كان العمل راجحاً، وذلك من جانبين:
        فمن الجانب الأول: نرى أنَّ اللهَ (جَلَّ وَعَلا) يأمر عباده الصالحينَ بالمسارعة في طلب الآخرة والجنة، ومن ذلكَ قوله (جَلَّ وَعَلا):
        ____________
        (1) الترمذي، سنن الترمذي:ج: 1، ص: 417، باب: كم فرض اللّه على عباده من الصلوات، ح: 213.
        (2) الطبسي، نجم الدين، صلاة التراويح بين السُنَّة والبدعة، ص: 15.
        (وَسارِعُوا إلى مَغفرَةٍ من ربِّكُم وَجنَّةٍ عَرضُها السَّمواتُ والأرضُ أُعدَت للمتَّقينَ)(1) .
        وقولُه (جَلَّ وَعَلا):
        (سابِقُوا إلى مَغفرةٍ من ربِّكُم وجَنَّةٍ عَرضُها كَعَرضِِ السماءِ والأرضِِ أُعدت للذينَ آمنوا باللهِ ورُسُلِهِ ذلكَ فضلُ اللهِ يؤتيهِ مَن يَشاءُ واللهُ ذو الفضلِِ العَظيمِ)(2) .
        ووردَ وصف الله (جَلَّ وَعَلا) لهؤلاءِ المؤمنينَ بالقول:
        (أولئكَ يُسارِعُونَ في الخَيراتِ وَهم لَها سابقونَ)(3) .
        فلو كانَ أمرُ (التراويح) مشروعاً ومندوباً، فكيفَ يُعقل أن يتباطأ عنه رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) مع هذه الدعوة القرآنية الصريحة للـ (مسارعةِ) والـ (مسابقةِ) في الخيرات التي وجهها الله (جَلَّ وَعَلا) لعباده المؤمنينَ، وهو (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) على رأس المؤمنينَ؟
        ومن الجانب الثاني: نرى أنَّ هذا الإبطاء يتنافى مع الوصف الملازم للأنبياء، ويدلُّ على أنَّ (التراويح) ليست بـ (خير)، إذ لو كانت (خيراً)؛ لما أبطأَ عنها وهو سيد المرسلين وخاتَم النبيين.
        قال (جَلَّ وَعَلا) في وصف أنبيائه:
        (إنَّهم يُسارِعُونَ في الخَيراتِ وَيدعوننا رَغَباً وَرَهَباً وَكانوا لَنا خاشِعينَ)(4) .
        5ـ إنَّ رفعَ هؤلاءِ الثلة أصواتَهم أمامَ بيت النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، ومن ثمَّ رشقهم بابَ بيته بالحصى، لهوَ من الأدلة على المستوى الخُلقي والديني المتدنّي الذي
        ____________
        (1) آل عمران / 133.
        (2) الحديد / 21.
        (3) المؤمنون / 61.
        (4) الأنبياء / 90.
        كانَ يتصفُ به هؤلاءِ المحتجُّون، وإنَّ هذا السلوكَ المشين تجاه أطهرِ إنسانٍ أنجبته البشريةُ لهوَ من أقوى الأدلة على أنَّ هؤلاءِ القوم إنَّما أصرّوا على تنفيذ رغباتهم الذاتية، بقطع النظر عن رضا حاملِ لواءِ الشريعة، ولا شكَ أنَّ هؤلاء هم أكثرُ الناسِ ابتهاجاً بصلاة (التراويح) التي ابتُدعت فيما بعد في زمن خلافة (عمر بن الخطاب)، لأنَّها جاءَت ملبّيةً لرغبتهم الساذجة، وأهوائهم المضلة، التي دفعتهم إلى انتهاك حرمةِ الساحةِ المقدّسة لمن أرسلَه اللهُ رحمةً للعالمين، ولا شكَ أنَّ هؤلاءِ كانوا يشكلونَ النواةَ الأُولى لإقامة صلاة (التراويح)، وهم الذين روَّجوا لها، وهلَّلوا، وكبَّروا لاستقبالها؛ لأنَّها أيقظت ما توارى من إصرارهم المبطَّن، وإلحاحهم الدفين.
        جاءَ في كتابِ الله المجيد بصددِ تبجيل رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، وتوقيره، وتجليله:
        (فَالَّذينَ آمَنُوا بِهِ وَعزَّرُوه وَنَصَرُوهُ واتَّبَعوا النُّورَ الَّذي أُنزِلَ مَعَه أُولئِكَ هُمُ المُفلحُون)(1) .
        وقد ذكرَ المفسرونَ أنَّ المرادَ من (التعزير) الوارد في هذه الآية ليس مطلقَ النصرة، إذ انَّه أُفرد عن قوله: (نصروه)، ولو كانَ بمعنى مطلق النصرة لما كانَ هناكَ داعٍ للتكرار، فالمراد من (التعزير) هو التبجيلُ، والتوقيرُ، والتعظيمُ، أو النصرةُ مَعَ التعظيم(2) .
        كما ذكرَ (القرآنُ المجيد) الأدبَ الخاص الذي ينبغي أنْ يتعاملَ به المسلمونَ مَعَ رسولِ الإنسانية (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، والمكانةَ التي يتحتمُ عليهم حفظُها له،
        ____________
        (1) الأعراف: 157.
        (2) قالَ (الطباطبائي) في تفسير الميزان، ج: 8، ص: 296: (التعزير: النصرة مَعَ التعظيم)، وقالَ (الطبرسي) في مجمع البيان، ج: 4، ص: 604: (وعزروه: أي عظموه ووقروه ومنعوا عنه أعداءه)، وقالَ (أبو حيان الأندلسي) في البحر المحيط، ج: 5، ص: 196: (وعزروه أثنوا عليه ومدحوه)، وقالَ (ابن كثير) في تفسير القرآن العظيم، ج: 9، ص: 265: (ونصروه: أي عظموه ووقروه).
        ورعايتُها بشأنِه، فقد وردَ النهي عن أنْ يرفعوا أصواتَهم فوق صوته، أو يجهروا له بالقول؛ لأنَّ ذلك سيكونُ مدعاةً الى أنْ تحبَطَ أعمالُهم، بخلافِ أولئك الذين يُظهرون أمامَه الأدبَ الرفيع، ويغضّونَ أصواتَهم عنده، كما يقولُ اللّهُ (جَلَّ وَعَلا):
        (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أَصواتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبي وَلا تَجهَرُوا لَهُ بالقَولِ كَجَهرِ بَعضِكُم لِبَعضٍ أنْ تَحبَط أَعمالُكُم وَأنتُم لا تَشعُرُونَ* إنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصواتَهُم عِندَ رَسُولِ اللّهِ أُولئكَ الَّذِينَ امتَحَنَ اللّهُ قُلوبَهُم لِلتَّقوى لَهُم مَّغفِرةٌ وأَجرٌ عَظيمٌ)(1) .
        كما وردَ النهي في (القرآنِ المجيد) عن أنْ يُدعى النبيُّ الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) باسمه كما يُدعى سائرُ الناس، وذلكَ في قوله (جَلَّ وَعَلا):
        (لا تَجعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَينَكُم كَدُعاءِ بَعضِكُم بَعضاً)(2) .
        وكذلكَ وردَ النهي عن التسرُّعِ في إبداء الرأي والنظرِ بين يديه، كما قالَ (جَلَّ وَعَلا):
        (يا أَيُّها الَّذِينَ آمنُوا لا تُقدِّموا بَينَ يَديِ اللّهِ ورسُولهِ واتَّقُوا اللّهَ إنَّ اللّهَ سميعٌ عليمٌ)(3) .
        فأينَ هؤلاءِ المحتجّونَ على عدم خروج النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لأداء النوافل جماعةً من كلِّ هذا؟!
        وماذا يقولُونَ للهِ (جَلَّ وَعَلا) بعد أنْ رشقوا بابَ النبي الخاتَمَ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) بالحصى، وتعالت أصواتُهم بالاعتراضِ والاحتجاج؟؟!
        ____________
        (1) الحجرات: 2 ـ 3.
        (2) النور / 63.
        (3) الحجرات / 1.
        6ـ ومن القرائن المهمة في هذا المقام هو الهيئةُ التي خرجَ عليها رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، فقد خرج مُغضباً، ومن دون شكٍ أنَّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لا يغضبُ لأمور الدنيا، ولا للتجاوز على حرمته الشخصية، وإنَّما يغضبُ لأنَّه يرى دينَ اللهِ مهدَّداً من داخل الكيانِ الإسلامي، ويغضبُ لأنَّ القومَ كانوا يريدون أنْ يبدِّلوا شريعةَ السماء حسبَ أهوائهم ورغباتهم، ويغضبُ لأنَّه يريدُ أنْ يقولَ للأجيال القادمة: أنْ لا تتلاعبوا بالتشريع، ولا تجتهدوا في مقابل النص، ولا يأتينَّ عليكم يومٌ تبدِّلونَ فيه سُنَّتي، وتُغيِّرون شريعةَ ربِّكم وربي، فتبتدعوا قيامَ نوافل الليل جماعةً، وتورِّثوا ذلك للأجيال من بعدكم، فتختلطَ الأمورُ، ويلتبسَ الموقفُ، ويمتزج الحرامُ بالحلال!!
        د ـ النبي (ص) لم يصل التراويحَ في نظرِ كثير من أئمةِ مدرسةِ الصحابة
        صرَّح إمامانِ كبيرانِ من أئمة (مدرسة الصحابة) وهما (مالك) و(الشافعي) بأنَّ النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد نهى القومَ عن أداء صلاة (التراويح) بالكيفيَّة المذكورة، وأنَّه قد عنَّفهم على فعلها، وأمرَهم أنْ يصلّوا النوافلَ في بيوتهم على طبقِ تلك القاعدة العامة.
        جاءَ في (المغني):
        (وقالَ مالكُ والشافعيُّ: قيامُ رمضانَ لمن قويَ في البيتِ أحبُّ إلينا، لما روى زيدٌ بنُ ثابتٍ قالَ: احتجرَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ حجيرةً بخصفةِ أو حصير، فخرجَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ فيها فتتبعَ إليهِ رجالٌ، وجاءوا يصلّونَ بصلاتهِ.

        الصفحة 46

        قالَ: ثمَّ جاءوا ليلةً فحضروا، وأبطأَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ عنهم، فلم يخرجْ إليهم، فرفَعوا أصواتَهم، وحصبوا البابَ، فخرجَ إليهم رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ مُغضباً فقالَ:
        ـ ما زالَ بكم صنيعُكم حتى ظننتُ أنَّه سيُكتبُ عَليكم، فعَليكُم بالصلاةِ في بيوتِكم، فإنَّ خيرَ صلاةِ المرءِ في بيتِهِ إلاّ الصلاةَ المكتوبةَ)، رواه مسلم)(1) .
        ومما يدلُّ على أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم يقم بالناس في نافلة شهر رمضانَ ما رُويَ في (كنز العمّال):
        (عن أُبي بنِ كعب: أنَّ عمرَ بنَ الخطّابِ أمرَه أنْ يصلّيَ بالليل في رمضانَ، فقالَ:
        ـ إنَّ الناسَ يصومونَ النهارَ، ولا يحسنونَ أنْ يقرأوا، فلو قرأتَ عليهم بالليل، فقالَ:
        ـ يا أميرَ المؤمنينَ! هذا شيءٌ لم يكنْ!! فقالَ:
        ـ قد علمتُ، ولكنَّه حَسَنٌ! فصلّى بهم عشرينَ ركعةً)(2) .
        وجاءَ في (صحيح البخاري) في باب (فضل مَن قامَ رمضانَ):
        (عن أبي هريرةَ رضيَ اللّهُ عنه انَّ رسولَ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ قالَ:
        ـ مَن قامَ رمضانَ إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدَّم من ذنبه.
        ____________
        (1) ابن قدامة، موفق الدين، المغني، ج: 1، ص: 800.
        وانظر نصَّ الحديث في صحيح البخاري، ج: 7، ص: 99، باب: ما يجوز من الغضب والشدة لأمر اللّه، ح: 4، وكنز العمال، ج: 7، ح: 21541، ص: 816، وح: 21543، و 21545، ص: 817.
        (2) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 8، ح: 23471، ص: 409.
        قالَ ابنُ شهاب: فتُوفيَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والناسُ على ذلك، ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلكَ في خلافةِ أبي بكر، وصدراً من خلافةِ عمر رضيَ اللّهُ عنهما)(1) .
        فقالَ (العسقلاني) في (فتح الباري) ضمن شرح الحديث ما نصه:
        (قالَ ابنُ شهاب: فتُوفيَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والناسُ، في رواية الكشميهني: ـ والأمرُ ـ (على ذلك): أي على تركِ الجماعةِ في التراويح).
        وأضافَ الى ذلك القول:
        (ولأحمدَ من روايةِ ابنِ أبي ذئب عن الزهري في هذا الحديث: ولم يكنْ رسولُ اللّهِ صلّى اللّهُ عليهِ وسلَّمَ جمعَ الناسَ على القيام، وقد أدرجَ بعضُهم قولَ ابنَ أبي شهاب في نفس الخبر، أخرجَه الترمذي عن طريقِ معمَّر بنِ أبي شهاب)(2) .
        فهذا تصريحٌ واضحٌ وصريح من (ابن حجر العسقلاني) بأنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) لم يصلِّ هذهِ الصلاةَ، ولم يجمعِ الناسَ لها.
        ثمَّ يضعِّفُ (ابن حجر) بعد ذلك الحديثَ المنتحل الذي يُروى فيه أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد استحسنَ هذهِ الصلاةَ حين رآها! فيذكرُ أنَّ لضعفه سببين:
        الأول: إنَّ فيه (مسلمَ بن خالد) وهو ضعيف.
        والثاني: إنَّ الحديثَ يذكرُ أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد جَمعَ الناسَ على (أُبي بنِ كعب)، بينما المعروف أنَّ (عمرَ) هو الذي صنع ذلك.
        وقد قالَ في هذا المجال:
        ____________
        (1) البخاري، صحيح البخاري، ج: 2، ص: 249 - 250.
        (2) العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج: 4، ص: 252.
        (وأمّا ما رواه ابنُ وهب عن أبي هريرة: خرجَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ، وإذا الناسُ في رمضانَ يصلّون في ناحية المسجد، فقالَ:
        ـ ما هذا؟ فقيلَ:
        ـ ناسٌ يصلّي بهم أُبي بنُ كعب، فقالَ:
        ـ أصابوا، ونعمَ ما صنعوا.
        ذكرَه ابنُ عبدِ البر، وفيه مسلمُ بنُ خالد، وهو ضعيف، والمحفوظُ أنَّ عمرَ هو الذي جمعَ الناسَ على أُبي بن كعب)(1) .
        ولكي نطلعَ على حال (مسلم بن خالد) الذي روى أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قد استحسنَ صلاةَ التراويح وأقرَّها، يكفينا أنَّ نطّلعَ على ما ذكره (المزي) في (تهذيب الكمال)، حيثُ يقولُ حوله:
        (وقالَ علي بنُ المديني:
        ـ ليس بشيء. وقالَ البخاري:
        ـ منكرُ الحديث. وقالَ النسائي:
        ـ ليسَ بالقوي. وقالَ أبو حاتم:
        ـ ليسَ بذلك القوي، منكرُ الحديث، يُكتب حديثه ولا يُحتجُّ به، تعرفُ وتُنكرُ)(2)
        وأضافَ (محقّقُ الكتاب) في الهامش:
        (وذكره أبو زرعة الرازي في كتاب: أسامي الضعفاء)(3) .
        ____________
        (1) العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري، ج: 4، ص: 252.
        (2) المزي، جمال الدين، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: د. بشار عواد معروف، ج: 27، ص: 512.
        (3) المزي، جمال الدين، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: د. بشار عواد معروف، ج: 27، ص: 512، عن: أبو زرعة الرازي: 657.

        (وكذلك ذكره العقيلي وابن الجوزي في جملة الضعفاء، وكانَ علي بن المديني يضعفه)(1) .
        (وقالَ علي: سمعت ابن نمير يقولُ:
        ـ مسلم بن خالد الزنجي ليس يُعبأ بحديثه)(2) .
        (وقالَ البزاز:
        ـ لم يكن بالحافظ. وقالَ الدارقطني:
        ـ سيئ الحفظ، وساق له الذهبي في الميزان عدةَ أحاديث وقالَ:
        ـ هذهِ الأحاديث وأمثالها تُردُّ بها قوةُ الرجل ويُضعف.
        وذكره ابن البرقي في باب مَن نُسب إلى الضعف ممن يكتب حديثه)(3) .
        وذكر (النووي) في شرحه على (صحيح مسلم) ما نصه:
        (قولُه: فتُوفي رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والأمرُ على ذلك، ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلك في خلافة أبي بكر وصدراً من خلافةِ عمر، معناه: استمرَ الأمرُ هذه المدّة على أنَّ كلَّ واحدٍ يقومُ رمضانَ في بيته منفرداً، حتى انقضى صدرٌ من خلافةِ عمر، ثمَّ
        ____________
        (1) المزي، جمال الدين، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، ج: 27، ص: 512، عن: المعرفة والتاريخ: 3 / 51.
        (2) المزي، جمال الدين، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، ج: 27، ص: 512، عن: تقدمة الجرح والتعديل: 323.
        (3) المزي، جمال الدين، تهذيب الكمال في أسماء الرجال، تحقيق: الدكتور بشار عواد معروف، ج: 27، ص: 513 - 514.
        جمعهم عمرُ على أُبي بن كعب، فصلّى بهم جماعةً، واستمرَ العملُ على فعلها جماعةً)(1) .
        وقالَ (القسطلاني) في (إرشاد الساري):
        (قالَ ابنُ شهاب الزهري: (فتُوفي رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ والأمرُ على ذلك)، أي: على تركِ الجماعةِ في التراويح، ولغيرِ الكشميهني كما في الفتح: والناسُ على ذلك، (ثمَّ كانَ الأمرُ على ذلك) أيضاً (في خلافة أبي بكر) الصدّيق (وصدراً من خلافة عمر) رضيَ اللّهُ عنهما)(2) .
        وقالَ في موضع آخر:
        (قالَ عمرُ لما رآهم: (نعمَ البدعةُ هذه)، سمّاها بدعةً لأنَّه صَلّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ لم يسنَّ لهم الاجتماعَ لها، ولا كانت في زمنِ الصدّيق، ولا أول الليل، ولا كل ليلةٍ، ولا هذا العدد)(3) .
        فأينَ هو موضعُ صلاة (التراويح) من كلِّ ذلك، وأينَ الأصلُ المدّعى لها في الدين؟؟!
        قالَ الله (جَلَّ وَعَلا):
        (وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلِسنَتُكُمُ الكَذِبَ هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ لِتَفتَروا عَلى اللّهِ الكَذِبَ إنَّ الَّذينَ يَفتَرُونَ عَلى اللّهِ الكَذِبَ لا يُفلِحُونَ)(4) .
        ____________
        (1) مسلم، صحيح مسلم بشرح النووي، ج: 3، ص: 40.
        (2) القسطلاني، شهاب الدين، إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري، ج: 4، ص: 655.
        (3) القسطلاني، شهاب الدين، إرشاد الساري، ج: 4، ص: 656.
        (4) النحل / 116.
        (2)
        أمير المؤمنينَ عليٌّ (ع) ينهى عن صلاةِ التراويح
        من المتفق عليه أنَّ أميرَ المؤمنينَ علياً (عَليهِ السَّلامُ) هو أعلمُ الصحابة، وأفقهُهُم، وأقضاهم، بنصٍ من رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) على ذلك، وقد روى علماءُ (مدرسةِ الصحابة) في كتبهم بهذا الصدد الكثيرَ من الأحاديث التي تدلُّ على هذا المعنى، فمن ذلك أنَّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) قالَ:
        (أعلمُ أمتي بالسُنَّة والقضاءِ بَعدي عليُّ بنُ أبي طالب)(1) .
        وقالَ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ):
        (أعلمُ أمتي من بَعدي عليُّ بنُ أبي طالب)(2) .
        وقالَ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) مخاطباً علياً (عَليهِ السَّلامُ):
        (أنتَ تبَيِّنُ لأمتي ما اختلَفوا فيهِ بَعدي)(3) .
        ورُويَ عن (أنس) أنَّه قالَ:
        (قيلَ:
        ____________
        (1) راجع: الاستيعاب، ج: 2، ص 29، والرياض النضرة: ج: 2، ص: 194، وتفسير النيسابوري في سورة الأحقاف، ومناقب الخوارزمي، ص: 48، وتذكرة الخواص، ص: 87، ومطالب السؤول، ص: 12، وفيض القدير، ج: 4، ص: 257، وأخرجه أحمد، والعقيلي، وابن السمّان. ولمزيد من الإطلاع انظر: حسين الشاكري، علي في الكتاب والسُنَّة، ج: 2، ص: 141.
        (2) راجع: الخوارزمي في المناقب، ص: 49، ومقتل الحسين، ج: 1، ص: 42، والمتقي في كنز العمال، ج: 6، ص: 152. ولمزيد من الإطلاع انظر: حسين الشاكري، علي في الكتاب والسُنَّة، ج: 2، ص: 140.
        (3) راجع: الحاكم في المستدرك، ج: 2، ص: 122، والذهبي في ميزان الاعتدال، ج: 1، ص: 472، والقندوزي في ينابيع المودة، ص: 203، وانظر لمزيد من الإطلاع على مصادر الحديث إحقاق الحق، ج: 6، ص: 52 - 55، وج: 16، ص: 435 و 436، وج: 20، ص: 318 و316. ولمزيد من الإطلاع انظر: حسين الشاكري، علي في الكتاب والسُنَّة، ج: 2، ص: 142
        ـ يا رسولَ اللّهِ، عمَّن نأخذُ العلمَ بعدَكَ؟ فقالَ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ:
        ـ عن علي)(1) .
        وقالَ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ):
        (عليٌّ وعاءُ علمي، ووصيي، وبابي الذي أُوتَى منه)(2) .
        وكانَ جميعُ الصحابة يقرّون لعلي (عَليهِ السَّلامُ) بالأعلمية، ويرجعون إليه عندما تشكلُ عليهم أُمورُ الدين، ويَقبلونَ حكمَه من دون توقف؛ لمعرفتهم بأنَّه بابُ مدينة علمِ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، ووارثُ حكمته، وقد قالَ فيه (أبو الفضل بنُ العباس بنُ عتبة بنُ أبي لهب):
        ما كنتُ أحســبُ أنَّ الأمرَ منصرفٌ عن هاشمٍ ثمَّ منها عــن أبي حَسَنِ
        أليـــــــــسَ أولَ مَن صلّى لقبلتكم وأعلمَ الناسِ بالقرآنَّ والسُّـــــــننِ
        وقد ثبتَ تاريخيا أنَّ أمير المؤمنينَ (عَليهِ السَّلامُ) قد نهى عن صلاة (التراويح)، وزجرَ الناسَ عندما رآهم يؤدّونها، فقد رُويَ أنَّه:
        (لمّا اجتمعَ الناسُ على أميرِ المؤمنينَ (عَليهِ السَّلامُ) بالكوفةِ سألوه أنَّ ينصبَ لهم إماماً يصلّي بهم نافلةَ شهرِ رمضانَ، فزَجرَهم، وعرَّفهم أنَّ ذلكَ خلافُ السُنَّة، فتركوه، واجتمعوا، وقدَّموا بعضَهم، فبعثَ إليهم الحسنَ عَليهِ السَّلامُ، فدخلَ عليهم المسجدَ ومعه الدرّةُ، فلمّا رأوه تبادروا الأبوابَ وصاحوا: واعمراه)(3) !
        ____________
        (1) الشاكري، حسين، علي في الكتاب والسُنَّة، ج: 2، ص: 143، عن العلامة قطب الدين شاه في قرة العينين، ص: 234.
        (2) الشاكري، حسين، علي في الكتاب والسُنَّة، ج: 2، ص: 140، عن كفاية الطالب، ص: 70 و 92، وشمس الأخبار، ص: 29.
        (3) المعتزلي، ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج: 12، ص: 283، وانظر: التهذيب للشيخ الطوسي، ج: 3، ص: 70، ح: 227، ووسائل الشيعة للحر العاملي، ج: 5، ص: 192، ح: 2.
        وروي عن الإمامين الباقر والصادق (عَليهما السلامُ) أنَّهما قالا:
        (لما كانَ أميرُ المؤمنينَ بالكوفة أتاهُ الناسُ فقالَوا له:
        ـ اجعلْ لنا إماماً يؤمُّنا في شهرِ رمضانَ، فقالَ:
        ـ لا!! ونَهاهم أنَّ يجتمعوا فيه، فلما أمسَوا جَعلوا يقولُون:
        ـ ابكُوا شهرَ رمضانَ! واشهرَ رمضانَاه!!
        فأتى الحارثُ الأعور في أنَّاسٍ، فقالَ:
        ـ يا أميرَ المؤمنينَ! ضجَّ الناسُ وكرهوا قولَكَ، فقالَ أميرُ المؤمنينَ عند ذلك:
        ـ دعوهم وما يريدون، ليصلِّ بهم مَن شاؤوا، ثمَّ قالَ:
        ـ ومَن يتبع غيرَ سبيلِ المؤمنينَ نولِّهِ ما تَولّى ونُصلِهِ جَهنَّمَ وساءَت مَصيراً)(1) .
        ولنقرأ معاناةَ أميرِ المؤمنينَ (عَليهِ السَّلامُ)، ومشاعرَه التي تجيشُ بالألم واللوعة، من خلال ما وردَ عنه بهذا الشأنَّ:
        (قد عَملت الولاةُ قَبلي أعمالا خالفوا فيها رسولَ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ متعمدينَ لخلافِهِ، ولو حَملتُ الناسَ على تركها لتفرَّقوا عنّي … واللّهِ لقد أمرتُ الناسَ أنَّ لا يجتمعوا في شهرِ رمضانَ إلا في فريضةٍ، وأعلمتُهم أنَّ اجتماعَهم في النوافل بدعةٌ، فتنادى بعضُ أهلِ عسكري ممن يقاتلُ معي: يا أهلَ الإسلام، غُيِّرت سُنَّةُ عمر! ينهانا عن الصلاةِ في شهر رمضانَ تطوعاً، ولقد
        ____________
        (1) البحراني، يوسف، الحدائق الناضرة، ج: 10، ص: 523.
        خِفتُ أنَّ يثوروا ناحية جانب عسكري، ما لَقيتُ من هذهِ الأمةِ من الفرقة!! وطاعةِ أئمةِ الضلال!! والدعاةِ إلى النار) ؟! (1)
        فأمير المؤمنينَ عليٌّ (عَليهِ السَّلامُ) ينصُّ هنا على كون الجماعة في نافلة شهر رمضانَ (بدعةٌ)، وأنَّ الجماعةَ لا تشرعُ إلا في الفريضة، ونصَّ في صدر هذا الحديثِ أيضاً على أنَّ هذهِ الأمور قد أصبحت بمثابة السُنَّة الثابتة في نظر عوام الناس، على الرغم من أنَّها لم تُشرَّع من قبل صاحب الرسالة (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، وأنَّه (عَليهِ السَّلامُ) كانَ يعاني من تمسك الناس بهذهِ البدع، وتركهم لسُنَّة رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ)، ولكنَّه (عَليهِ السَّلامُ) يؤثرُ السكوتَ، ويفضّلُ الغضَّ عن ذلك، خوفاً من وقوع الفتنة بين المسلمين، وحفظاً لمصلحة الإسلام العليا.
        (3)
        أهل البيتِ (ع) يؤكدونَ عدمَ مشروعيةِ التراويح
        ومن بعد هذا يأتي دورُ أهلِ البيت (عَليهِمُ السَّلامُ) في ردع هذه (البدعة) الدخيلة على الإسلام، وتأكيدِهم على نهي النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) عن الإتيان بها.
        ولا يخفى مقامُ أهل البيت (عَليهِمُ السَّلامُ) على مسلمٍ موحّدٍ قط، ودورُهم في حفظ التشريعات الإسلامية وذبِّهم ودفاعهم عنها، وأنَّ اللهَ (جَلَّ وَعَلا) عصمَهم وطهَّرَهم تطهيراً، حيثُ يقولُ:
        ____________
        (1) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: 5، ص: 193، ح: 4.
        وانظر: بحار الأنوار للعلامة المجلسي، ج: 93، ص: 384، ح: 1.
        (إنَّمَا يُريدُ اللّهُ لِيُذهبَ عَنكمُ الرّجسَ أَهلَ الَبيتِ ويطهّركُم تطهيراً)(1) .
        وأنَّهم قرناءُ الكتاب الكريم كما وردَ في (حديث الثقلين) المروي في أُمهات كتب المسلمين، حيثُ قالَ رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ):
        (إنَّي تاركٌ فيكم ما إنْ تَمسكتُم به لن تضلّوا بعدي، أحدُهما أعظمُ من الآخر: كتاب اللّهِ حبلٌ ممدودٌ من السماء إلى الأرض، وعترتي أهلَ بيتي، ولن يَفترقا حتى يردا عليَّ الحوضَ، فانظروا كيف تخلِّفوني فيهما)(2).
        وجاءَ في (حديث السفينة) عنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ):
        (النجومُ أمانٌ لأهل الأرض من الغرق، وأهلُ بيتي أمانٌ لأُمتي من الاختلاف)(3) .
        ويصفُ لنا أميرُ المؤمنينَ عليٌّ (عَليهِ السَّلامُ) دورَ أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) وموقعَهم بالقول:
        ____________
        (1) الأحزاب: 33، انظر (علي في الكتاب والسُنَّة)، ج: (1، ص: 411 - 424) نقلاً عن الترمذي في (الجامع الصحيح)، ج: 5، ص: 351، ح: 3205 و ص: 352، ح: 3206، وص: 663، ح 3787، وص: 699، ح: 3871، وفي مسند أحمد بن حنبل، ج: 1، ص: 330، و ج: 4، ص: 107.. والطبراني في المعجم الصغير ج: 1، ص: 65 و 134، وتاريخ بغداد، ج: 9، ص: 126، وفي فتح الباري ج: 7، ص: 60 وفي الإصابة ج: 2 ص: 169 و 503، و ج: 4، ص: 366، وغير ذلك من الكتب الحديثية المعتبرة عند أتباع (مدرسة الصحابة) فضلاً عن مصادرنا المتواترة بهذا الشأن.
        (2) الترمذي، محمد بن عيسى بن سورة، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر، المجلد الخامس، ص: 612، ح: 3786.
        والمتقي الهندي في كنز العمال، ج: 1، ص: 381، ح: 1657.
        وقد أخرج الحفّاظ والمحدّثون هذا الحديث بطرق كثيرة صحيحة، حتى ناهز عدد رواته من الصحابة بضعة وثلاثين صحابياً وصحابية، راجع للتفصيل: مجلة (رسالة الثقلين)، العدد الرابع، ص: (112 - 119).
        (3) الحاكم النيسابوري، مستدرك الحاكم على الصحيحين، ج: 3، كتاب معرفة الصحابة، ص: 151.
        (هم عيشُ العلم، وموتُ الجهل، يخبرُكم حلمُهم عن علمهم، وظاهرُهم عن باطنهم، وصمتُهم عن حكمِ منطقِهم، لا يخالفون الحقَّ، ولا يختلفونَ فيه، وهم دعائمُ الإسلام، وولائجُ الاعتصام، بهم عادَ الحقُّ إلى نصابه، وانزاحَ الباطلُ عن مقامه، وأنَّقطعَ لسانُه عن منبته، عقلوا الدينَ عقلَ وعايةٍ ورعايةٍ، لا عقلَ سماعٍ ورواية)(1) .
        من هنا كانَ طريقُ أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) أقربَ الطرق إلى معرفة حقائق التشريع؛ لأنَّ أهلَ البيت (عَليهمُ السَّلامُ) أدرى بما فيه، ولأنَّ كلَّ ما يُدلون به من أحاديث إنَّما هو مأخوذٌ من باب مدينة علم النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ) وصيِّه علي (عَليهِ السَّلامُ)، وبالتالي مأخوذٌ عن مدينة العلم، وعن اللهِ (جَلَّ وَعَلا).
        يقولُ الإمام جعفرٌ الصادقُ (عَليهِ السَّلامُ):
        (حديثي حديثُ أبي، وحديثُ أبي حديثُ جدّي، وحديثُ جدّي حديثُ الحسين، وحديثُ الحسين حديثُ الحسن، وحديثُ الحسن حديثُ أمير المؤمنينَ، وحديثُ أمير المؤمنينَ حديثُ رسولِ اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ، وحديثُ رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ قولُ اللّه عزَّ وجلَّ)(2) .
        وقد وردَ النهي الصريحُ في أحاديث أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) عن أداء (التراويح)، واعتبروها (بدعةً) محدَثة، ولا علاقةَ لها مع الدين الحنيف، وذلك من خلال مجموعةٍ من الأحاديث، منها ما رُويَ عن الإمام جعفرٍ الصادقِ (عَليهِ السَّلامُ) حيثُ يقولُ:
        ____________
        (1) نهج البلاغة للإمام علي بن أبي طالب: الخطبة / 239.
        (2) العاملي، زين الدين، منية المريد في آداب المفيد والمستفيد، ص: 194.
        (صومُ شهر رمضانَ فريضةٌ، والقيامُ في جماعةٍ في ليلتِهِ بِدعةٌ، وما صلاّها رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ في لياليهِ بجماعةٍ، ولو كانَ خيراً ما تركه، وقد صلّى في بعض ليالي شهر رمضانَ وحدَه، فقامَ قومٌ خلفه، فلَّما أحسَّ بهم، دخلَ بيتَه، فعلَ ذلكَ ثلاثَ ليالٍٍ، فلما أصبحَ بعدَ ثلاث، صعدَ المنبرَ، فحمدَ اللّهَ وأثنى عليه ثمَّ قالَ:
        ـ أيُّها الناسُ، لا تصلّوا النافلةَ ليلاً في شهر رمضانَ، ولا في غيره في جماعةٍ فإنَّها بدعةٌ، ولا تصلوا ضحىً فإنَّها بدعةٌ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلُّ ضلالةٍ سبيلُها إلى النار، ثمَّ نزلَ وهو يقولُ:
        ـ قليلٌ في سُنَّة خيرٌ من كثيرٍ في بِدعةٍ)(1) .
        وقالَ (عَليهِ السَّلامُ):
        (إنَّ هذهِ الصلاةَ نافلةٌ، ولن يُجتمعُ للنافلة، فليصلِّ كلُّ رجلٍ منكم وحدَه، وليقل ما علَّمه اللهُ من كتابِهِ، واعلموا أنَّه لا جماعةَ في نافلةٍ)(2) .
        وقالَ الإمامُ موسى الكاظم (عَليهِ السَّلامُ):
        (قيامُ شهر رمضانَ بدعةٌ، وصيامُهُ مفروضٌ، قالَ الراوي، فقلت:
        ـ كيفَ أُصلّي في شهر رمضانَ؟ فقالَ:
        ____________
        (1) الطوسي، أبو جعفر، تهذيب الأحكام، ج: 3، ص: 69، ح: 226.
        وانظر: وسائل الشيعة للحر العاملي، ج: 5، ص: 192، ح: 1، وبحار الأنوار للمجلسي، ج: 94، ص: 381، ح: 4.
        (2) النراقي، أحمد بن محمد مهدي، مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج: 8، ص: 15، عن: التهذيب، ج: 3، ص: 217، والاستبصار، 1، ص: 454، والوسائل، ج: 8، ص: 32.
        ـ عشرَ ركعات، والوتر، والركعتانِ قبلَ الفجر، كذلك كانَ يصلّي رسولُ اللّه صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسلَّمَ، ولو كانَ خيراً لم يتركهُ)(1) .
        ورُويَ عن الامام علي الرضا (عَليهِ السَّلامُ):
        (ولا يجوزُ التراويحُ في جماعةٍ)(2) .
        وبخصوص عدم مشروعية صلاة النوافل جماعةً وردَ عن الامام جعفرٍ الصادقِ (عَليهِ السَّلامُ):
        (ولايصلّى التطوع في جماعةٍ، لأنَّ ذلك بدعةٌ، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلُّ ضلالةٍ في النار)(3) .
        وقد وردَ استثناءُ بعضِ الصلوات من عموم هذا الإطلاق كصلاة الاستسقاء والعيدين، مما هو مذكورٌ في محلّه من الأبواب الفقهية.
        (4)
        التراويحُ بدعة بإجماعِ علماءِ مدرسةِ أهلِ البيت (ع)
        من الأُمور التي أجمعَ عليها علماءُ مدرسة أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) هو أنَّ صلاةَ (التراويح) بدعةٌ محدثة، بناءاً على المنهج الاستدلالي العميق التي اتسمت به مدرسةُ
        ____________
        (1) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 93، ص: 384، ح: 3.
        (2) الحراني، الحسن بن علي بن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ص: 419.
        (3) الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج: 8، ص: 334، باب: 20، ح: 5.


        يتبع

        تعليق


        • #5
          أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ)؛ حيثُ يتمُّ استنباطُ الأحكام، وصياغةُ الفتاوى، وتحديدُ النتائج، بدقةٍ بالغة، وتتبعٍ مستفيض.
          ويكفي المتأملَ في هذا المنهج الاطلاعُ على الكتب الاستدلالية لدى علماءِ مدرسة أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) ككتاب (جواهر الكلام)(1) ، ليقف على معالم مدرسةٍ علميةٍ شاملة، قلَّما عرفَ لها التأريخُ الإنساني نظيراً.
          ويضيقُ بنا المقامُ فيما لو أردنا استعراضَ مجملِ فتاوى علماءِ مدرسة أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) بخصوص عدم مشروعية (التراويح)، فضلاً عن نقل كلماتهم، واستدلالاتهم، في هذا المجال، على أنَّنا سوف نقتصرُ على بعض النماذج من الأحكام التي توصّلَ إليها هؤلاءِ الأعلام:
          يقولُ الشيخُ ( الطوسي) في (الخلاف):
          (نوافلُ شهر رمضانَ تُصلى منفرداً، والجماعةُ فيها بِدعةٌ)(2) .
          ويقولُ السيدُ (المرتضى):
          (أما التراويحُ فلا شبهةَ أنَّها بدعةٌ، وقد روي عن النبي صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ أنَّه قالَ:
          ـ أيها الناسُ، إنَّ الصلاةَ بالليل في شهر رمضانَ من النافلة جماعةً بدعةٌ)(3) .
          وجاءَ في (الحدائق الناضرة) للعلامة (البحراني):
          ____________
          (1) جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام من مؤلفات العلامة الفقيه الشخ محمد حسن النجفي المتوفى سنة (1266) هـ، وهو كتاب موسوعي يتألف من (43) مجلداً في الفقه الإستدلالي، يشرح المؤلف فيه كتاب: (شرائع الإسلام في معرفة الحلال والحرام) لأبي القاسم نجم الدين جعفر بن الحسن المعروف بالمحقق الحلي المتوفى سنة (676) هـ.
          (2) الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، الخلاف، تحقيق: جماعة من المحققين، ج: 1، ص: 528.
          (3) المرتضى، تلخيص الشافي، ج: 1، ص: 193.
          (لا ريبَ أنَّ الجماعةَ في هذه النافلة محرّمةٌ عند أصحابنا)(1) .
          و(التراويحُ) في كلمات علماء مدرسة أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ) مشمولةٌ بالفتاوى التي دلَّت على عدم مشروعية أداءِ النوافل الأصلية جماعةً، واستثنت من ذلك بعضَ الصلوات التي وردَ الدليلُ الشرعي بجوازِ أدائها جماعةً، كصلاة الاستسقاء، وصلاةِ العيدين المستحبة.
          جاءَ في (العروةِ الوثقى) للسيد (محمد كاظم الطباطبائي)، وفي (منهاج الصالحين) لكلٍ من السيد (أبي القاسم الخوئي)، والسيد (علي السيستاني)، والسيد (محمد سعيد الحكيم):
          (لا تشرع الجماعةُ في شيءٍ من النوافلِ الأصلية)(2) .
          ____________
          (1) البحراني، يوسف، الحدائق الناضرة، ج: 10، ص: 521.
          (2) الطباطبائي اليزدي، محمد كاظم، العروة الوثقى، ج: 1، فصل: في الجماعة، المسألة: 2، ص: 599،
          وانظر: أبو القاسم الخوئي، منهاج الصالحين، ج: 1، ص: 210.
          وانظر: علي السيستاني، منهاج الصالحين، ج: 1، ص: 271، والمسائل المنتخبة له، ص: 157.
          وانظر: محمد سعيد الحكيم، منهاج الصالحين، ج: 1، ص: 262.




          الفصل الثالث
          صلاةُ التراويح..
          أدلة ومؤيدات إضافية على عدمِ مشروعيتِها

          1ـ إطلاق لفظِ البدعة على التراويح
          2ـ التراويح بِدعة في نظرِ بعضِ الصحابة
          3ـ التراويح بِدعة في نظرِ بعضِ علماءِ مدرسةِ الصحابة
          4ـ التضارب الفاضحُ في عددِ ركعاتِ التراويح
          كيفية أداءِ نافلةِ شهرِ رمضانَ لدى مدرسةِ أهلِ البيت (ع)

          نظرة
          على الفصل الثالث
          عرَفنا من خلالِ الفصلِ السابق الموقفَ النبويَّ الرافضَ لصلاة (التراويح)، وكذلك كانَ موقفُ أمير المؤمنين (ع) وأهلِ البيت (ع) منها، وتبعاً لذلك أفتى علماءُ مدرسة أهل البيت (ع) بعدم جواز أداء نوافل شهر رمضان جماعةً، وهناك أدلةٌ ومؤيداتٌ أُخرى:
          فأولاً: نرى أنَّ (عمرَ) بنفسه هو الذي أقرَّ بكونها بدعةً لا سابق لها في الدين، من خلال كلمته المشهورة: (نعمتِ البِدعةُ هذهِ)؛ لأنَّ المعنى الشرعي للـ (البدعة) هو إدخال ما ليسَ من الدينِ فيه، والمعنى اللغوي هو إنشاءُ أمرٍ لا على مثالٍ سابق، وعلى كلا التقديرين تكون (التراويح) بدعةً في الدين.
          وثانياً: نرى أنَّ بعضَ الصحابة وعلى رأسهم (عبد الله بن عمر)، قد صرَّحوا بكون (الترويح) بدعةً، ولم يشتركوا مع المصلين فيها.
          وثالثاً: نرى بعض علماء مدرسة الصحابة قد أقرّوا بعدم مشروعية (التراويح) بعد أن لمسوا الأدلةَ الواضحةَ في المقام.
          ورابعاً: نجدُ تضارباً فاضحاً في عدد ركعاتِ (التراويح)، وكيفيتها، بما لم نجد له مثيلاً في الموارد العبادية الأخرى، التي يُفترض بها أن تكون أموراً توقيفيةً نابعةً من صميم التشريع، وهذا التشويشُ يدعو للشك فيها، وأخيراً نتعرض لكيفية أداء نافلة شهر رمضانَ على ضوء مدرسةِ أهل البيت (ع)، التي هي كيفيةٌ متناسقة ومنسجمة وواضحة.
          صلاةُ التراويح
          (1)
          إطلاق لفظِ (البدعة) على صلاة التراويح
          يشكّلُ إطلاقُ لفظ (البدعة) في الحديث المتقدم على هذهِ الصلاة قرينةً واضحةً على عدم وجود أيِّ ارتباط بين هذهِ الصلاة وبين الدين، فمن الواضح أنَّ مفهومَ (البدعة) قد أخذ بُعدَه الاصطلاحي في مرتكزات الأصحاب، نتيجةً لتناول النصوصِ النبويةِ له بكثرةٍ وتكرار، وتأكيدِها على ذمِّه وانتقادِه، ودعوتِها إلى ضرورة مواجهته ومكافحته واستئصاله.
          فلفظ ُ(البدعة) الواردُ في هذا الحديث إمّا أن يُرادَ به المعنى الاصطلاحي المرتكز في أذهان المتشرعة المؤمنين آنذاك، أو يرادَ به المعنى اللغوي المحض.
          فإنْ أُُريدَ منه المعنى الاصطلاحي الذي تناولته الأحاديثُ النبويةُ الشريفةُ بالذم واللوم والتقريع، فهذا يعني الأمرَ الحادثَ الذي لا أصلَ له في الدين، وهو ثابتٌ بالاتفاق.
          وإنْ أُريدَ منه المعنى اللغوي المحض، فهو يعني الأمرَ الحادثَ من دون مثالٍ سابق، والمبتكرَ بعد أنْ لم يكن موجوداً من قبل، كما دلّت على ذلك (الكتب اللغوية)(1) .
          ____________
          (1) للبدعة في اللغة أصلان، أحدُهما: (البَدع)، وهو مأخوذٌ من (بَدَعَ)، وثانيهما: (الإبداع)، وهو ما مأخوذٌ من (أبدعَ)، وكلا هذين الأصلين يعطي معنىً واحداً، وهو عبارة عن إنشاء الشيء لا على مثالٍ سابق، واختراعه وابتكاره بعد أن لم يكن.
          يقول الفراهيدي عن (البَدع): (هو إحداثُ شيء لم يكن له من قبل خلق ولا ذكر ولا معرفة). انظر: الفراهيدي، العين، ج: 2، ص: 54،
          ويقولُ الراغبُ عن (الإبداع): (هو انشاءُ صفةٍ بلا احتذاء واقتداء)، انظر: الراغب الاصفهاني، معجم مفردات ألفاظ االقرآن الكريم، ص: 36.
          وينصُّ الأزهري على أنَّ (الإبداع) أكثرُ استعمالاً من (البَدع)، وهذا لا يعني أنَّ استعمالَ (البَدع) خطأ، وانَّما هو صحيح ولكنَّه قليل، فيقول في ذلك: (و(أبدعَ) أكثرُ في الكلام من (بَدَعَ)، ولو استعمل (بَدَعَ) لم يكن خطأ)، انظر: لأزهري، تهذيب اللغة، ج: 2، ص: 241.
          وعلى هذا الأساس تقول من (البَدع): (بدعتُ الشيء إذا أنشأته)، انظر: بن دريد، جمهرة اللغة، ج: 1، ص: 298. وتقولُ من (الإبداع): ابتدعَ الشيء: أي (أنشأه وبدأه)، انظر: بن منظور، لسان العرب، ج: 8، ص: 6. وتقول أيضاً: (أبدعتُ الشيء أي اخترعته لا على مثال)، انظر: الجوهري، الصحاح، ج: 3، ص: 1183.
          و(أبدَعَ) اللّه تعالى الخلقَ (إبداعاً): أي خلقهم لا على مثال سابق، و(أبدعتُ) الشيءَ و(ابتدعته): استخرجته وأحدثته، ومنه قيل للحالة المخالفة (بِدعة)، وهي اسمٌ من (الابتداع)، كالرفعة من الارتفاع، انظر: الفيومي، المصباح المنير، ج: 1، ص: 38.
          ومعنى (البدعة): الشيء الذي يكون أولاً، انظر: ابن منظور، لسان العرب، ج: 8، ص: 6.
          وجمعُ (البدعة) (البدع)، انظر: بن دريد، جمهرة اللغة، ج: 1، ص: 298.
          وإنما سُميت (بدعةً)؛ لانَّ قائلَها ابتدعها هو نفسُه، انظر: الطريحي، مجمع البحرين، ج: 4، ص: 299.
          وفي أسماء الله تعالى (البديع): وهو الخالقُ المخترعُ لا على مثال سابق، انظر: ابن الأثير، النهاية، ج: 1، ص: 106.
          ويقولُ اللّه تعالى: (بَديعُ السَّمواتِ والأَرضِ)، البقرة: 117، أي: مبتدعُها ومبتدئُها لا على مثال سبق، انظر: الزبيدي، تاج العروس، ج: 5، ص: 270.
          وبديعُ الحكمة غريبُها، ومنه الحديث: (روّحوا أنفسكم ببديع الحكمة، فإنَّها تكلّ كما تكلّ الأبدان)، انظر: الطريحي، مجمع البحرين، ج: 4، ص: 298.
          ويقولُ اللّهُ تعالى: (وَرَهبَانيَّةً اَبَتَدعُوها الحديد: 27، أي: أحدثوها من عند أنفسهم .انظر: الطريحي، مجمع البحرين، ج: 4، ص: 298.
          فيتحصلُ لدينا من خلال كلِّ ما تقدَّم أنَّ المعنى اللغوي لـ (البدعة): هو الشيءُ الذي يُبتكرُ ويُخترعُ من دون مثال سابق، ويُبدأ به بعد أن لم يكن موجوداً من قبل.

          وعلى كلا الوجهين المذكورين فإن ذلك يعني أنَّ هذهِ الصلاة المختَرعة التي سنَّها (عمرُ) ليست مسبوقةً بمثال، وليس لها أصلٌ في الدين، فيثبت أنَّها (بدعة).
          وممّا يؤيّدُ عدمَ وجود الارتباط بينَ هذه الصلاةِ وبين الدين، وكونَها تشريعاً ابتدائياً قولُ (عمر) في نفس الحديث:
          (إنّي أرى لو جَمعتُ هؤلاءِ على قارئ واحدٍ لكانَ أمثلَ).
          فبناءاً للمداليل اللغوية التي نمتلكُها لا نفهمُ من قولهإنّي أرى) إلاّ التشريعَ الابتدائي، والاجتهاد الشخصي في مقابلِ الوحي المنزل.
          وقد ذكر (اليعقوبي) في حوادث سنة أربع عشرة للهجرة من تاريخه:
          (وفي هذهِ السنة سنَّ عمرُ قيامَ شهرِ رمضانَ، وكتبَ بذلكَ إلى البلدان، وأمرَ أُبيَّ بنَ كعبٍ وتميمَ الداري أنْ يصليا بالناس، فقيلَ له في ذلك:
          ـ إنَّ رسولَ اللهِ لم يفعله، وإنَّ أبا بكرٍ لم يفعله، فقالَ:
          ـ إنْ تكن بدعةً فما أحسنَها من بدعةٍ)(1) .
          ونحنُ لم نعهد على طيلة المسيرة الرسالية من النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه كانَ يقولُ: (إنّي أرى)،ويشرِّعُ أمراً من قبل نفسه، ولم يكن يتبعُ إلا ما يُوحى إليه، وأنَّه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):
          (ما يَنطِقُ عَنِ الهَوى * إنْ هُوَ إلاّ وَحيٌ يُوحى)(2) .
          ولا يحيدُ عن الحكم الإلهي قيدَ شعرة، وكيفَ يكونُ ذلك وقد قالَ اللّهُ (جَلَّ وَعَلا) عنه وهو صاحبُ الرسالة، وربيبُ الوحي:
          (وَلَو تقَّول عَلَينا بَعضَ الأقاويلِ * لأَخَذنا مِنهُ باليَمينِ * ثم لَقطَعنا منهُ الوَتينَ)(3) .
          ____________
          (1) النجمي، محمد صادق، أضواء على الصحيحين، ترجمة: يحيى كمالي البحراني، ص: 418، عن: تأريخ اليعقوبي، ج: 2، ص: 140.
          (2) النجم / 3 و 4.
          (3) الحاقة / 44 ـ 46.
          (2)
          التراويح بِدعة في نظرِ بعضِ الصحابة
          كانَ موقفُ (عبد الله بن عمر) واضحاً في مقاطعةِ (التراويح)، وقد تناقلت موقفَه هذا الكثيرُ من الكتب الحديثية، فقد وردَ في (السنن الكبرى) للـ (البيهقي):
          (قالَ رجلٌ لعبد الله بنِ عمر:
          ـ أُصلِّي خلفَ الإمامِ في رمضانَ؟ فقالَ ابنُ عمر:
          ـ أليسَ تقرأُ القرآن؟ قالَ:
          ـ نعم، قالَ:
          ـ أفَتنصتُ كأنَّكَ حمارٌ! صلِّ في بيتِكَ).
          وفي روايةٍ أُخرى عن (ابن عمر) أيضاً:
          (إنَّهُ كانَ يقومُ في بيتِهِ في شهرِ رمضانَ، فإذا انصرفَ الناسُ من المسجد أخذَ أداوة من ماء، ثمَّ يخرجُ إلى مسجدِ رسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، ثمَّ لا يخرجُ منه حتى يصلّي الصبحَ فيه)(1) .
          ورَوى (الزيغلي) في (نصب الراية) عن (نافع):
          (إنَّ ابنَ عمر كانَ لا يصلّي خلفَ الامامِ في شهرِ رمضانَ)(2) .
          وفيه أيضاً عن (ابن عمر) أنَّه قالَ:
          (رأيتُ أبي، وسالماً، ونافعاً، ينصرفونَ من المسجد في رمضان، ولا يقومونَ معَ الناس)(3) .
          وجاءَ في (الاعتصام):
          ____________
          (1) البيهقي، أحمد بن الحسين بن علي، السنن الكبرى، ج: 2، ص: 494.
          (2) الزيغلي، نصب الراية، ج: 2، ص: 154.
          (3) الزيغلي، نصب الراية، ج: 2، ص: 155.
          (وخرَّجَ سعيد بنُ منصور وإسماعيلُ القاضي عن أبي أُمامةَ الباهلي رضيَ اللهُ عنه أنَّهُ قالَ:
          ـ أحدثتُم قيامَ شهرِ رمضانَ ولم يُكتب عليكم، إنَّما كُتبَ عليكم الصيامُ)(1) .
          بل حتى (أُبي بن كعب) الذي نصَّبه (عمرُ بنُ الخطاب) إماماً على الرجال في هذه الصلاة كان قد اعترَضَ اعتراضاً مبطَّناً على إقامة (التراويح)؛ لأنَّه لم يكن يرى مشروعيتَها، ويقطعُ بأنَّها (بدعةٌ) وضلالة، ولكنَّه تراخى في موقفه أمام هيبة الخليفةِ وقراراتِهِ الصارمة، فقد رُويَ في (كنزِ العمال):
          (عن أُبي بنِ كعب أنَّ عمرَ بنَ الخطّابِ أمرَه أنْ يصلّيَ بالليل في رمضانَ، فقالَ:
          ـ إنَّ الناسَ يصومونَ النهارَ، ولا يحسنونَ أنْ يقرأوا، فلو قرأتَ عليهم بالليل، فقالَ:
          ـ يا أميرَ المؤمنينَ! هذا شيءٌ لم يكنْ!! فقالَ:
          ـ قد علمتُ، ولكنَّه حَسَنٌ!
          فصلّى بهم عشرينَ ركعةً)(2) .
          وكانَ (أُبي) لا يرغبُ في المشاركة مع الناسِ في العشر الأواخر من شهرِ رمضانَ، وكانَ يفرُّ بنفسه من أجلِ الخلوةِ مع الله، والتنفلِ في بيته، عودةً منه إلى سُنَّةِ رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وكانَ يتعرضُ إلى الانتقاد الشديد من قبل أنصار (التراويح)؛ حتى أنَّهم نعتوه بـ (الآبق)، تشبيهاً له بالعبدِ الهارب، فقد جاءَ في (عون المعبود):
          ____________
          (1) الشاطبي، أبو اسحق، الاعتصام، ج: 1، ص: 291.
          (2) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 8، ح: 23471، ص: 409.
          (فكانَ أُبي يصلّي بهم عشرينَ ليلةً من رمضان،إلاّ في النصف الباقي فصلّى في بيته التراويح، فكانوا يقولونَ: أبِِقَ أُبيُّ، أي: هربَ عنا، قالَ الطيب في قولهم (أبِقَ): إظهارُ كراهيةِ تخلفِه، فشبَّهوه بالعبدِ الآبق، كما في قوله تعالى: إذْ أبِقَ إلى الفلكِ المشحونِ، ولعلَّ تخلّفَ أُبي كانَ تأسياً برسولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ)(1) .
          (3)
          التراويح بِدعة في نظرِ بعضِ علماءِ مدرسةِ الصحابة
          وردَ في كثيرٍ من أقوال علماء مدرسةِ الخلفاء أنَّ (عمرَ بن الخطّاب) هو أولُ مَن شرعَ صلاةَ التراويح، وجمعَ الناسَ عليها، وهذا يعني أنَّها لم تكن موجودةً في عهد رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وإنَّما هي (بدعة) محدثة، وسوف ننقلُ للقارئ الكريم طائفةً من هذهِ الأقوال:
          قالَ العلاّمة (أبو الوليد محمد بن الشحنة) حين ذكرَ وفاةَ (عمر) في حوادث سنة (23) من تاريخه (روضة المناظر):
          (هوَ أوّلُ مَن نهى عن بيعِ أُمهات الأولاد، وجَمَع الناسَ على أربع تكبيرات في صلاة الجنائز، وأوّلُ مَن جَمَع الناسَ على إمامٍ يصلّي بهم التراويحَ..).
          ____________
          (1) العظيم آبادي، محمد شمس الحق، عون المعبود شرح سنن أبي داود، ج: 4، ص: 216، بتصرف يسير.
          ولما ذكرَ (السيوطي) في كتابه (تاريخ الخلفاء) أوليات (عمر) نقلاً عن العسكري قالَ:
          (هو أوّلُ مَن سُميَ أميرُ المؤمنين، وأوّلُ مَن سنَّ قيامَ شهرِ رمضانَ ـ بالتراويح ـ وأوّلُ مَن حَّرمَ المتعةَ، وأولُ مَن جَمَع الناسَ في صلاةِ الجنائز على أربع تكبيرات..).
          وقالَ (محمد بن سعد) حيثُ ترجمَ (عمر) في الجزء الثالث من (الطبقات):
          (وهو أولُ مَن سنَّ قيامَ شهرِ رمضان ـ بالتراويح ـ وجمعَ الناسَ على ذلك، وكتبَ به إلى البلدان، وذلكَ في شهرِ رمضانِ سنةَ أربع عشرةَ، وجعلَ للناس بالمدينة قارئَينِ: قارئاً يصلّي التراويحَ بالرجال، وقارئاً يصلّي بالنساء..).
          وقالَ (ابنُ عبد البر) في ترجمة (عمر) من (الاستيعاب).
          (وهو الذي نوَّرَ شَهرَ الصومِ بصلاةِ الإشفاع فيه)(1) .
          وقالَ (القلقشندي) في أوليّات عمر:
          (هو أوّلُ من سنَّ قيامَ شهرِ رمضانَ وجمعَ الناسَ على إمامٍ واحدٍ في التراويح وذلك في سنة أربع عشرة)(2) .
          هذا وقد نصَّ (الباجي) و(السيوطي) و(السكتواري) وغيرُهم أيضاً على:
          (أنّ أوّلَ مَن سنَّ التراويحَ هو عمرُ بنُ الخطاب، وصرَّحوا أيضاً: بأنّ إقامةَ النوافلِ بالجماعاتِ في شهرِ رمضانَ من محدَثاتِ عمر)(3) .
          ____________
          (1) شرف الدين، عبد الحسين، النص والاجتهاد، ص: 213 - 214.
          (2) الطبسي، نجم الدين، صلاة التراويح بين السنة والبدعة، ص: 43، عن: عمدة القاري، 11، 126.
          (3) الطبسي، نجم الدين، صلاة التراويح بين السنة والبدعة، ص: 43، عن: مآثر الإنافة في معالم الخلافة، 2، 337.
          وقد انصرف بعض الصحابة عن (التراويح) جهراً.
          (وكانَ ربيعةُ وجماعةٌ من العلماءِ ينصرفونَ ولا يقومونَ مع الناس)(1) .
          وقالَ (الكحلاني) في (سبل السلام) بعد التعرّض لكمية وكيفية (التراويح):
          (فعرفتَ من هذا كلِّه أنَّ صلاةَ التراويح على هذا الأُسلوب الذي اتفقَ عليه الأكثرُ بدعةٌ، نعم قيامُ رمضانَ سُنَّةٌ بلا خلاف)(2) .
          وأضافَ في موضع آخر:
          (وأما التراويحُ على ما أعتيد عليه الآنَ، فلم تقع في عصره صلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ، وإنما كانَ ابتَدَعها عمرُ في خلافته)(3) .
          وقد صنَّفَ (جلالُ الدين السيوطي) رسالةً أسماها (المصابيح في صلاة التراويح)، أبطلَ فيها القولَ بأنَّ (التراويحَ) (عشرينَ) ركعةً كما هو المشهور لدى مدرسة الخلفاء، وقطعَ فيها ضمناً بعدمِ أداء النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) لها، وملأ رسالتَه بكثيرٍ من الأقوال التي تنصُّ على كون (التراويح) بدعةً محدثة في زمن (عمر بن الخطاب)، وأنَّه هو المبتكرُ لها من الأساس، وقد جاءَ في مقدمة رسالته هذه:
          (فقد سُئلتُ مراتٍ: هل صلّى النبيُّ التراويحَ وهي العشرونَ ركعةً المعهودةُ الآن؟ وأنا أُجيبُ: بلا، ولا يُقنَعُ مني بذلك!! فأردتُ
          ____________
          (1) الحلي، جمال الدين الحسن بن يوسف بن المطهر، تذكرة الفقهاء، ج: 2، ص:283، عن: المدونة الكبرى: 1، ص: 222.
          (2) الكحلاني، محمد بن إسماعيل، سبل السلام شرح بلوغ المرام في جمع أدلة الأحكام لابن حجر العسقلاني، ج: 2، ص: 11.
          (3) الكحلاني، محمد بن إسماعيل، سبل السلام شرح بلوغ المرام في جمع أدلة الأحكام لابن حجر العسقلاني، ج: 2، ص: 173.
          تحريرَ القولِ فيها فأقول: الذي وردت به الحاديثُ الصحيحةُ والحسانُ والضعيفةُ الأمرُ بقيام رمضانَُ، والترغيب فيه من غير تخصيصٍ بعدد، ولم يثبت أنَّه صلّى عشرينَ ركعةً، وإنَّما صلّى لياليَ صلاةً لم يُذكر عددها، ثمَّ تأخرَ في الليلة الرابعة خشيةَ أنْ تُفرضَ عليهم فيعجزوا عنها)(1) .
          ومع كل هذا الذي استعرضناه من آراء فقهاء العامة وعلمائهم، نرى مَن يدَّعي الإجماعَ على مشروعية (التراويح)، ويشنِّعُ على أتباع مدرسةِ أهل البيت (عَليهمُ السلامُ) لأنَّهم بيَّنوا حقيقةَ عدم ارتباطِها بالإسلام، فيقولُ (السرخسي) في (المبسوط):
          (والأُمةُ أجمعت على شرعيتِها وجوازِها، ولم ينكرها أحدٌ من أهلِ العلم، إلّا الروافضُ لا باركَ اللهُ فيهم)(2) .
          قالَ اللهُ (جَلَّ وَعَلا):
          (فَماذا بَعدَ الحَقِّ إِلا الضَّلالُ فَأَنّى تُصرَفُونَ)(3) .
          ____________
          (1) السيوطي، جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر، المصابيح في صلاة التراويح، تحقيق: د. خالد عبد الكريم جمعة وعبد القادر أحمد عبد القادر، ص: 9.
          (2) السرخسي، شمس الدين، المبسوط، ج: 2، ص: 143.
          (3) يونس: 32.
          (4)
          التضارب الفاضح في عددِ ركعاتِ التراويح
          على الرغم من الإصرار الكبير لدى البعض للتمسك بمشروعية (التراويح)، والقول بأنها كانت قائمةً في زمن النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، غيرَ أنَّه تركها مخافةَ أنْ تفترضِ على الأُمة، إلاّ انَّ هؤلاءِ لم يتفقوا على صيغةٍ محددةٍ وواضحةٍ لكيفية هذهِ الصلاة، وعددِ ركعاتها.
          فجاءَت أقوالُ علماءِ مدرسةِ الخلفاء متضاربةً ومتعارضةً بشكلٍ فاضح، الأمر الذي لم يعهده المسلمونَ في أيَّة فريضةٍ إسلاميةٍ أُخرى، إذ أنَّ من الممكن أن تتعددَ الأقوالُ والآراءُ في بعض المسائل الفرعية من الدين، أمّا أنْ يقعَ مثلُ هذا النحو من التضارب في أصل العبادات، التي يُدَّعى أنّها منتسبةٌ إلى التشريع وصادرةٌ عنه، فهذا ما لا يصح بحالٍ من الأحوال، وخصوصاً في عبادةٍ مثل الصلاة، التي هي أمرٌ توقيفي، لا يؤخذُ في هيئته وطريقته إلا عن مصدرٍ تشريعي موثوقِ الصدور.
          فلننظر إلى هذا التضاربِ العجيب من خلال أقوالِ (ابن حجر) في (فتح الباري):
          (11) ركعة:
          (لم يقع في هذهِ الرواية عددُ الركعات التي كان يصلّي بها أُبي بنُ كعب، وقد اختُلف في ذلك، ففي (الموطأ) عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد أنَّها إحدى عشرة، ورواه سعيد بن منصور من وجهٍ آخر، وزادَ فيه: وكانوا يقرأون بالمائتين، ويقومونَ على العصا من طول القيام).
          (13) ركعة:
          (ورواه محمدُ بن نصر المروزي من طريق محمد بن اسحاق، عن محمد بن يوسف، فقالَ: ثلاث عشرة).
          (21) ركعة:
          (ورواه عبدُ الرزاق من وجهٍ آخر عن محمد بن يوسف فقالَ: إحدى وعشرين).
          (20) ركعة:
          (وروى مالك من طريق يزيد بن حضيفة، عن السائب بن يزيد: عشرين ركعة، وهذا محمول على غير الوتر).
          (23) ركعة:
          (وعن يزيد بن رومان قالَ: كان الناسُ يقومونَ في زمان عمر بثلاث وعشرين).
          (وروى محمدُ بنُ نصر من طريق عطاءٍ قالَ: أدركتهم في رمضان يصلون عشرين ركعة، وثلاث ركعات الوتر).
          ثم يوجِّه (ابنُ حجر) هذا الاختلافَ بالقول:
          (والجمعُ بين هذهِ الروايات ممكنٌ باختلاف الأحوال، ويُحتمل أنَّ ذلك الاختلاف بحسب تطويل القراءة وتخفيفها، فحيثُ يطيلُ القراءةَ تقلُّ الركعات وبالعكس، وبذلك جزمَ الداودي وغيرُه.
          والعددُ الأول موافقٌ لحديث عائشة المذكور بعد هذا الحديث في الباب، والثاني قريبٌ منه، والاختلافُ فيما زاد عن العشرين
          راجع إلى الاختلاف في الوتر، وكأنَّه كان تارةً يوتر بواحدةٍ، وتارةً بثلاث).
          (39) ركعة:
          (وروى محمدُ بنُ نصر من طريق داود بن قيس قالَ: أدركتُ الناسَ في إمارة أبان بن عثمان، وعمر بن عبد العزيز - يعني بالمدينة - يقومون بست وثلاثين ركعة، ويوترون بثلاث، وقالَ مالكُ هو الأمرُ القديمُ عندنا).
          (وعن الزعفراني عن الشافعي رأيتُ الناسَ يقومونَ بالمدينة بتسع وثلاثين وبمكة بثلاث وعشرين، وليس في شيء من ذلك ضيق.
          وعنه قالَ: إنْ أطالوا القيام وأقلّوا السجودَ فحَسَنٌ، وإنْ أكثروا السجودَ وأخفّوا القراءةَ فحَسَنٌ، والأولُ أحبُّ اليَّ).
          (41) ركعة:
          (وقالَ الترمذي: أكثرُ ما قيل فيه أنَّها تُصلّى إحدى وأربعين ركعة يعني بالوتر ـ كذا قالَ).
          ولكنَّه ينقضُ هذا القولَ من خلال قولٍ آخر يقول بالأكثر، وهو القولِ الآتي.
          (49) ركعة:
          (وقد نقلَ ابنُ عبد البر، عن الأسود بن يزيد: تُصلّى أربعين، ويوتر بتسع).
          (وعن مالك: ستاً وأربعين وثلاث الوتر، وهذا هو المشهور عنه، وقد رواه ابن وهب، عن العمري، عن نافع، قالَ: لم أدرك الناس إلا وهم يصلّون تسعاً وثلاثين يوترون منها بثلاث).
          (38) ركعة:
          (وقيل: ثمان وثلاثون، وذكرَه محمد بنُ نصر عن ابن أيمن عن مالك، وهذا يمكن ردُّه إلى الأول بانضمام ثلاث الوتر، ولكن صرَّح في روايته بأنَّه يوترُ بواحدة، فتكونُ أربعينَ إلاّ واحدة، قالَ مالكُ: وعلى هذا العمل منذ بضع ومائة سنة).
          (35) ركعة:
          (وعن زرارة بن أوفى أنَّه كانَ يصلي بهم بالبصرة أربعاً وثلاثين ويوتر).
          (24) ركعة:
          (وعن سعيد بن جبير: أربع وعشرون).
          (17) ركعة:
          (وقيل: ست عشرة غير الوتر).
          (13) ركعة:
          (وروي عن أبي مجلز عن محمد بن نصر، وأخرج من طريق محمد بن اسحاق حدثني محمد بن يوسف، عن جدِّه السائب بن يزيد قالَ: كنّا نصلّي زمن عمر في رمضان ثلاث عشرة، قالَ ابنُ اسحاق: وهذا أثبت ما سمعتُ في ذلك، وهو موافق لحديث عائشة في صلاة النبي صَلّى اللهُ عَليهِ وسَلَّمَ من الليل، واللّه أعلم)(1) .
          ____________
          (1) العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري، ج: 4، ص: 253 - 254.
          فانظر أيُّها القارئُ أينَ يؤدي الابتعادُ عن الشرع المبين، وإلى أيِّ طريقٍ يوصل!! فهل يمكنُ للشريعة الاسلامية أنْ تقعَ في مثل هذا التضارب والتهاتر؟ وهل يمكنُ أنْ تضطربَ تعاليمُها إلى هذا المستوى الغريب من التشويش؟!
          إنَّ الإسلام لأسمى من أن تَعلُقَ به هذهِ الترهاتُ والأقاويلُ، وأقدسُ من أن تُنسبَ إليه مثلُ هذهِ السفاسف والأباطيل.
          وذهبَ (الألباني) إلى تغليط كل هذه الأقوال، ماعدا قولاً واحداً ارتضاه، وهو القيام بـ (التراويح) بإحدى عشرةَ ركعةً، حيثُ يقولُ حولَ مَن يصلي أكثرَ من ذلك:
          (وما مثل من يفعلُ ذلك إلا كمن يصلّي صلاةً يخالفُ بها صلاةَ النبي، كمن يصلّي مثلاً سُنَّةَ الظهر خمساً، وسُنَّةَ الفجر أربعاً، وكمن يصلّي بركوعينِ وسجدات، وفسادُ هذا لا يخفى على عاقل)(1) .
          وعلاوة على هذا التضارب في عدد ركعات (التراويح) نجدُ اختلافاً مشابهاً فيما يُقرأُ فيها من القرآن، وكمية ذلك؛ حتى كانَ الأئمةُ يشقون فيها على المأمومين إلى الدرجة التي تُلجئهم للاعتماد على العصا من طول القيام، فقد جاءَ في (عون المعبود) ذاكراً قيامَ المصلين في نوافل شهر رمضان في زمن (عمر بن الخطّاب):
          (كانَ القارئُ يقرأُ بالمائتين، حتى كنّا نعتمدُ على العصا من طولِ القيام، فما كنّا ننصرفُ إلاّ في بزوغِ الفجر)(2) .
          ولم نعهد مثلَ هذه المشقة البالغة في صلوات رسولِ اللهِ (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، بل على العكس من ذلك كانَ يوصي بتخفيف الصلوات، وعدمِ الإطالة فيها، مراعاةً لأضعفِ الناس، ورحمةً بهم.
          ____________
          (1) الألباني، محمد ناصر الدين، تمام المنّة في التعليق على فقه السنة، ص: 253.
          (2) العظيم آبادي، محمد شمس الحق، عون المعبود شرح سنن أبي داود، ج: 3، ص: 159.
          وانظر: البيهقي، فضائل الأوقات، ص: 276، ومحمد ناصر الألباني، تمام المنّة، ص: 252.

          الصفحة 79

          وهذه قرينةٌ إضافيةٌ على عدم انضباط هذه الظاهرة في حياة المسلمين، وخضوعها للآراء الشخصية، بما يخالفُ سُنَنَ أداءِ النبي (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) في الصلوات.
          وينتقدُ بعضُهم قراءةَ بعض السور الطويلة في (التراويح) كسورة (الأنعام)، ومن المفارقة العجيبة أنَّه يُعدُّ قراءتَها في هذه الصلاة (بِدعةً)، ويبدأُ بسرد سلسلةٍ متعاقبةٍ من البدع المترتبة على قراءة هذه السورة، ولم يلتفت إلى مدى مشروعية (أُم البِدع) وهي (التراويح)، التي ولَّدت مثلَ هذا التهافت العجيب، فيقول (النووي) بهذا الشأن:
          (ومن البدع المنكرة ما يفعله كثيرونَ من جهلة المصلينَ بالناس التراويحَ، من قراءة سورة الأنعام بكمالها في الركعة الأخيرة منها في الليلة السابعة، معتقدينَ أنَّها مستحبةٌ، زاعمينَ أنَّها نزلت جملةً واحدةً، فيجمعون في فعلهم هذا أنواعاً من المنكرات، منها: اعتقادُ أنَّها مستحبةٌ، ومنها: إيهامُ العوام ذلك، ومنها: تطويلُ الركعة الثانية على الأولى، ومنها: التطويلُ على المأمومين، ومنها: هذرمةُ القراءة، ومنها: المبالغةُ في تخفيف الركعات قبلها)(1) .
          وعدَّد (رياض عبد الرحمن الحقيل) مجموعةً كبيرةً من المخالفات في (التراويح) فقال:
          (الصراخ والعويل عند البكاء.. والبكاء من الدعاء فقط وأمّا القرآن فلا.. والنظر في المصحف داخل الصلاة حال قراءة الإمام..
          ____________
          (1) النووي، محيي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف، الأذكار النووية، ص: 108.
          والإكثار من الأكل عند الإفطار.. وحضور المرأة إلى المسجد وهي متبخرة متعطرة.. والحضور إلى المسجد مع السائق بمفردها..)(1) .
          ومما يثيرُ في النفس السخريةَ والأسى ما وصل إليه أمرُ (التراويح) في مجال البدع المتداخلة، والتخبط اللامسؤول قولُ بعضهم:
          (وقد أنكر الطرطوشي الاجتماعَ ليلةَ الختم في التراويح، ونصب المنابر، وبيَّنَ أنَّه بدعةٌ منكرةٌ، وأعظمُ منه ما يوجد اليومَ في مجلس القصّاص من اختلاطِ الرجالِ والنساء، وتلاصقِ أجسادهم، حتى يُروى أنَّ رجلاً ضمَّ امرأةً من خلفٍ وعبث بها، وآخرَ التزمَ امرأةً، وغيرَ ذلك من الفسوق، واللغط، والسرقة، وتنجيسِ مواضع العبادة، وإهانة بيوتِ الله، وكلُّه بِدعةٌ وضلالة)(2) .
          كيفية أداءِ نافلةِ شهرِ رمضانَ لدى مدرسةِ أهلِ البيت
          وأمّا مدرسةُ أهل البيت (ع) فقد حدّدت نافلةَ شهر رمضان بشكلٍ واضحٍ لا لبسَ فيه، بناءاً على الروايات الواردة عن أهل بيت النبوة (عَليهمُ السلامُ) في هذا المجال.
          فعددُ هذهِ النوافل (ألفُ ركعةٍ) خلالَ شهرِ رمضان، تُصلّى مَثنى مَثنى في غير جماعة، سوى النوافل الراتبة التي هي (أحدى وخمسون) ركعةً في اليوم والليلة، وتتوزعُ هذه الركعات الألف على ليالي شهر رمضان وأيامه على النحو التالي:
          ____________
          (1) الحقيل، رياض عبد الرحمن، وقفات مع صلاة التراويح، مقالة على شبكة الانترنيت، www.saaid.net/rasael/r36.htm
          (2) الهندي الفتني، محمد طاهر، تذكرة الموضوعات، ص: 46.
          (20) ركعة: لكل ليلةٍ من العشرين ليلةً الأولى من الشهر، ما عدا اللية التاسعة عشرة، ثمان منها بعد المغرب، واثنتا عشرة بعد العشاء، ومجموعها (380) ركعةً.
          (30) ركعة: لكل ليلةٍ من العشر الأواخر من الشهر، ما عدا الليلتين التاسعة عشرة والحادية والعشرين، ثمان منها بعد المغرب واثنان وعشرون بعد العشاء، ومجموعها (240) ركعةً.
          (100) ركعة: لكلٍ من الليلة التاسعة عشرة، والحادية والعشرين، والثالثة والعشرين، وهي ليالي القدر، ومجموعها (300) ركعةً.
          (10) ركعات: في كل يوم جمعةٍ من الشهر، على تفصيل في التسمية والتوزيع، ومجموعها (40) ركعةً.
          (20) ركعةً: في آخر ليلة جمعةٍ من الشهر.
          (20) ركعةً: في آخر ليلة سبتٍ من الشهر.
          فالمجموع هو ألف ركعةٍ بالتمام والكمال(1) .
          ولا شك أن التوفيق لهذه النافلة في شهر رمضان لهو من أعظم البركات التي يفيضُها اللهُ سبحانَه على عباده، ومن أهم النفحات التي يتعرض لها الصائمُ القائمُ في هذا الشهرِ الكريم، فقد وردَ عن الإمام جعفرٍ الصادق (عَليهِ السلامُ) بعد أن شرحَ هذه النافلة لـ (المفضل بن عمر الجعفي) أنَّه قالَ له معقباً:
          (يا مفضل، ذلك فضلُ اللهِ يُؤتيهِ مَنْْ يَشاءُ واللهُ ذو الفضلِ العظيم)(2) .
          ____________
          (1) لمزيد من التفاصيل والتوضيحات انظر حول كيفية النافلة ومستحباتها: النهاية للشيخ الطوسي، ص: 139، والانتصار للشريف المرتضى، ص: 166، وشرائع الإسلام في معرفة الحلال والحرام للعلامة الحلي، ج: 1، ص: 85، وباقي كتب الفقه والأدعية.
          (2) المفيد، محمد بن النعمان، المقنعة، ص: 171.
          الفصل الرابع
          صلاةُ التراويح..
          هلِ هيَ بِدعة حسنة؟

          1ـ دوافعُ القولِ بتقسيمِ البدعة
          2ـ مع القائلينَ بتقسيم البدعة
          3ـ بطلانُ القولِ بتقسيمِ البِدعة
          أ ـ المعنى الشرعي للبدعةِ لا يقبلُ الإنقسامَ عقلاً
          ب ـ حديثُ (كل بدعةٍ ضلالة) ينافي التقسيم
          ج ـ النصوصُ الشرعيةُ تنافي تقسيمَ البدعة
          د ـ استعمالُ المتشرعةِ للبدعةِ ينافي التقسيم
          4ـ مَعَ النافينَ لتقسيمِ البدعة
          5ـ مناقشة ثلاثة مبرراتٍ للتراويح من قِبَلِ النافينَ لتقسيمِ البِدعة

          نظرة
          على الفصل الرابع
          إنَّ من أهم التبريرات التي حاولها علماءُ (مدرسة الصحابة) توجيه صلاة (التراويح) هو القول بأنَّها بِدعةٌ حسنةٌ، وهذا يعني تقسيم (البِدعة) إلى مذمومة وحسنة، وكان تبريرُ (التراويح) هو الدافع الأساسي لهذا التقسيم.
          وسوفُ نتناول خلال هذا الفصل هذا التبرير بالبحث والتحليل؛ فننظر في حجج القائلين بتقسيم البدعة، ونبطلها من خلال الأدلة القاطعة، فمفهوم البدعة أولاً: غير قابل للانقسام عقلاً لأنَّه كمفهوم الكذب على الله ورسوله، وثانياً: نستفيد نفي التقسيم من الحديث النبوي (كل بدعةٍ ضلالة)، وثالثاً: نستوحي عدم التقسيم من النصوص الشرعية، ورابعاً: نستوحي عدم التقسيم من استعمال المتشرعة للـ (البدعة) في خصوص الحادث المذموم، ومن خلال كلِّ ذلك نثبتُ أنهُ ليسَ للـ (البدعة) إلاّ معنىً واحد وهو الحادثُ المذموم.
          ثمَّ ننتقلُ إلى النافينَ للتقسيم المزعوم، ونرى التبريرات التي قدموها لتوجيه مشروعية (التراويح)، فنتناولُ ثلاثة تبريرات منها، وهي محاولةٌ لابن تيمية، وثانيةٌ لأبي إسحاق الشاطبي، والثالثةُ لصالح الفوزان، فنتناولُ هذه المحاولات، ونفنِّدُها الواحدةَ بعد الأخرى، فيثبتُ لدينا بأنَّ تبريرَ (التراويح) بأنَّها بِدعةٌ حسنةٌ غيرُ مقبولٍ مطلقاً، فلا يبقى إلاّ أنَّها بدعةٌ محدثةٌ.
          صلاةُ التراويح
          (1)
          دوافعُ القولِ بتقسيمِ البِدعة
          بعدَ أن ثبتَ لنا عدمُ مشروعية صلاة (التراويح)، وأنَّها (بِدعة) دخيلةٌ على الشريعة الإسلامية، نحاولُ أن نتعرضَ لأهم المحاولات من قبل بعض علماءِ مدرسة الخلفاء لتبرير المواظبة عليها، والعملِ بها، على الرغم من عدم مشروعيتها، وهي المحاولةُ التي اعتبرت صلاةَ (التراويح) بِدعةً حسنة، من خلال تقسيم البِدعة إلى: بِدعةٍ مذمومة، وبِدعةٍ حسنة.
          وسوف نرى حقيقةَ الأمر في هذا التقسيم المزعوم من خلال دراستنا لدوافع القول بتقسيم (البدعة).
          لقد أخذَ مفهومُ (البِدعة) بعدَه الارتكازي المستفادَ من الشريعة في أذهان الأصحاب آنذاك، نتيجةً لتناول النصوص النبوية له بكثرةٍ وتكرار، وتأكيدها على ذم الابتداع، وانتقادها له بشدة، ودعوتها الى ضرورة مواجهته، ومكافحته، واستئصاله، وتنكيلها بالمبتدعين، ووعدهم بأشد وأقسى أنواع العقوبات الدنيويةِ والأخروية.
          وشأنُ (البِدعة) في ذلك شأنُ المصطلحات الإسلامية المنقولةِ الأخرى، التي كانَت لها مداليلُ لغويّة معينة قبل النقل، وفي الاصطلاح اللغوي العام، إلاّ إنَّها استُعملت من قبل الشارع المقدس في معانٍ اصطلاحية جديدة، واتخذت طابعاً شرعياً محدّداً لا تربطُه مع المعنى السابق في مجالات الاستعمال، إلاّ تلك العلاقةُ التي جوَّزت عمليةَ النقل، ونتيجةً لكثرة استعمال هذهِ المصطلحات المنقولةِ الجديدة في حياةِ المسلمين في معانيها الشرعية، فقد بدأت الذهنيةُ المتشرعةُ تهجرُ تلكَ المعاني اللغويةَ القديمة، وتنصرفُ تلقائياً الى المعنى الاصطلاحي الشرعي من دون حاجةٍ الى ذكرِ القرائنِ والقيود.
          فالصلاةُ، والزكاةُ، والحجُّ، والخمس.. وغيرُ ذلك من المصطلحات الشرعية الأخرى، قد خضعت لعملية النقل هذه، وأخذت بُعدَها الواضحَ في أذهان المسلمين، من خلال معانيها الشرعية الجديدة.
          ومفهومُ (البِدعة) واحدٌ من تلك المفاهيم التي سلكت عينَ الطريق، وسارت في ذاتِ المسار الذي ضمَّ الأعدادَ الغفيرةَ من المنقولات.
          ولم يكن ليشكَّ أحدٌ بعد عملية النقل هذهِ في دلالة لفظ (البِدعة) على الحادث المذموم، والممارسةِ المقيتة والمرفوضة في نظر الشريعةِ الإسلامية، ولم يكن ليترددَ شخصٌ في طبيعة الموردِ الذي يُستعملُ فيه هذا المفهوم، بعد هذا التداول المتكرر، والتأكيد الحثيث.
          ولكنْ بعدَ أن وردَ لفظُ (البِدعة) في حديثِ صلاة (التراويح) بالذات، انقلبت تلكَ الموازينُ والأسسُ والمرتكزات، وتوقفَ إعمالُ القواعدِ العلمية التي يتمُّ بموجبها التعاملُ مع المواقف والأحداث، وقامت الدنيا ولم تقعد، من أجل تبرير إطلاق لفظ (البِدعة) على هذه الصلاة، وتوجيهِ معناها الجديد.
          وتحيَّرَ القومُ في هذا الأمر.. فهم بين حشدٍ كبيرٍ من النصوص الصريحة التي تناولت هذا المفهومَ بالذم الواضح، والتقريع الصريح، والتي ما فتئت حيةً وساخنةً في وجدان المسلمين وقت إطلاق ذلك القول، وبينَ مقولة (نعمتِ البدعةُ هذهِ) التي عاكست ذلك الاتجاه، وسارت في طريقٍ مضادٍ له تماماً.
          وكانَ أنْ تمخَّـضَ الحـلُّ في رأي هؤلاء المبررين والمـدافعين بتشطيرِ مفـهوم (البِدعة)، وتقسيمه إلى قسمين: بِدعة مذمومة، وهي التي تناولتها أحاديثُ الرسول الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بالذم والانتقاد، وبِدعة ممدوحة، وهي التي يمكنُ أنْ تندرجَ تحتها صلاةُ التراويح، فيتوجه بذلك القولُ السابقُ المذكورُ في الحديث.
          ولنحاول في البداية أن نتناولَ الأقوالَ التي نصَّت على تقسيم البِدعة، ثمَّ ننظر بعد ذلك في حقيقة هذا التقسيم.

          يتبع

          تعليق


          • #6
            (2)
            معَ القائلينَ بتقسيمِ البِدعة
            أرجو من القارئ الكريم أنْ يركِّزَ عند مطالعة الأقوال التالية على نقطة مهمةٍ جداً في التقسيم، وهي بناءُ التقسيمات المزعومة على أساسٍ واحد، وهو عبارةٌ عن مقولة (نعمتِ البدعةُ هذهِ)، وانطلاقُها من هذا الاتجاه.
            وأهم هذهِ الأقوال هي:
            1ـ الشافعي:
            روى (البيهقي) بإسناده عن (الشافعي) أنَّه قالَ:
            (المحدثاتُ من الأمورِ ضربان: أحدُهما ما أُحدث مما يخالفُ كتاباً، أو سُنَّة، أو أثراً، أو إجماعاً، فهذه البِدعةُ الضلالة، والثاني ما أُحدثَ من الخير، لا خلافَ فيه لواحدٍ من العلماء، وهذه محدثةٌ غيرُ مذمومة، وقالَ عمر رضيَ اللهُ عنه في قيام شهر رمضان: نعمتِ البدعةُ هذهِ)(1) .
            وقالَ الربيعُ معقّباً على ذلك:
            (وقد استندَ في كلا التعبيرينِ إلى قولِ عمر رضيَ اللهُ عنه في صلاة التراويح: نعمتِ البدعةُ هذهِ)(2) .
            ____________
            (1) النووي، تهذيب الأسماء واللغات، قسم اللغات، ج: 1، ص: 23.
            وانظر: ابن حجر العسقلاني، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج: 13، ص: 253.
            (2) حوّى، سعيد، الأساس في السُنَّة وفقهها (العقائد الإسلامية)، ص: 359.
            2ـ ابن حزم:
            يقولُ (ابنُ حزم) بصدد التقسيم:
            (البِدعةُ في الدين: كلُّ ما لم يأتِ في القرآن، ولا عن رسولِ اللّه، إلاّ أنَّ منها ما يؤجرُ عليه صاحبُه، ويُعذرُ بما قصدَ إليه من الخير، ومنها ما يُؤجرُ عليه صاحبُه، ويكونُ حسناً، وهو ما كانَ أصلُه الإباحة، كما رُوي عن عمر رضيَ اللهُ عنه: نعمتِ البدعةُ هذهِ)(1) .
            3ـ ابن الأثير:
            يقولُ (ابنُ الأثير) في (جامع الأصول) عن هذا التقسيم:
            (فأمّا الابتداع من المخلوقين، فإنْ كانَ في خلاف ما أمرَ اللّهُ به ورسولُه، فهو في حيِّز الذم والإنكار، وانْ كانَ واقعاً تحت عموم ما ندب اللّهُ إليه، وحضِّ عليه، أو رسولُه، فهو في حيِّز المدح، وان لم يكنْ مثالُه موجوداً، كنوعٍ من الجود، والسخاء، وفعل المعروف... ويعضدُ ذلكَ قولُ عمر بن الخطاب رضيَ اللهُ عنه في صلاة التراويح: نعمتِ البدعةُ هذهِ)(2) .
            4ـ الجاكمودي:
            يقولُ (الجاكمودي) في قصيدة له:
            فبِدعةٌ فعلُكَ ما لم يُعهد***في عهدِ سيِّد الورى محمّد
            قد قُسّمت كالخمسةِ الأحكام***من الوجوب الندبِ والحرام
            ____________
            (1) حوّى، سعيد، الأساس في السُنَّة وفقهها (العقائد الإسلامية)، ص: 359.
            (2) ابن الأثير، جامع الأصول في أحاديث الرسول، ج: 1، ص: 280 - 281.
            كذاك مكروهٌ وجائزٌ تمام***قد قالَه عزُّ بنُ عابد السلام
            فكلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ حُمِل***على التي قد حُرِّمت فقط نُقل
            من بدعٍ واجبةٍ تعلّمُ***النحو إذ به الكتاب يُفهمُ
            ومثّلوا الحرامَ في المكاتب***كالقدرية من المذاهب
            وإنما زخرفةُ المساجد***من بدعٍ مكروهةٍ للعابد
            ومثّلوا المندوب كاجتماع***عند التراويح بلا نزاعِ (1)
            5ـ عز الدين بنُ عبد السلام:
            وقد بالغَ (ابنُ عبد السلام) في تقسيم (البِدعة)، وسحب عليها الأحكامَ الشرعيةَ الخمسة، وهو الذي قصده (الجاكمودي) في أبياته المتقدمة، فيقولُ في أواخر (القواعد):
            (البِدعةُ: خمسةُ أقسام:
            فالواجبةُ: كالإشتغال بالنحو الذي يُفهمُ به كلامُ اللّه ورسولِه؛ لأنَّ حفظَ الشريعة واجب، ولا يتأتى إلا بذلك، فيكونُ من مقدمة الواجب، وكذا شرح الغريب، وتدوين أُصول الفقه، والتوصل إلى تمييزِ الصحيح والسقيم. والمحرَّمةُ: ما رتَّبَه مَن خالف السُنَّة من القدرية، والمرجئة، والمشبهة.
            والمندوبةُ: كلُّ إحسانٍ لم يُعهد عينُه في العهد النبوي، كالاجتماع على التراويح، وبناء المدارس والربط، والكلام في التصوف المحمود، وعقد مجالسِ المناظرة، إن أُريدَ بذلكَ وجهُ اللّه.
            ____________
            (1) بارو، محمد بن أبي بكر، تنبيه المنتقد للاحتفالات بليلة المولد، ص: 31.
            والمباحةُ: كالمصافحة عقب صلاة الصبحِ والعصر، والتوسع في المستلذات من أكلٍ، وشرب، وملبس، ومسكن، وقد يكونُ ذلكَ مكروهاً، أو خلافَ الأولى، واللّهُ أعلم)(1) .
            6ـ الغزالي:
            يقولُ (الغزالي) في (الإحياء) بصدد الأكل على السفرة ما يُستفاد منه تبنّيه للتقسيم المذكور:
            (وقيلَ: أربع أُحدثت بعدَ رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: الموائدُ، والمناحلُ، والأشنانُ، والشبعُ، واعلم أنّا وإنْ قلنا الأكل على السفرة أولى، فلسنا نقولُ الأكل على المائدة منهيٌّ عنه نهيَ كراهة أو تحريم، إذ لم يثبت فيه نهي. ما يُقالَ أنَّه أُبدعَ بعد رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فليس كل ما أُبدع منهياً عنه، بل المنهيُّ عنه بِدعةٌ تُضادُّ سُنَّة ثابتة، وترفعُ أمراً من الشرع مع بقاء علته، بل الإبداعُ، قد يجبُ في بعض الأحوال إذا تغيرت الأسباب)(2) .
            7ـ عبد الحق الدهولي:
            يقولُ (الدهلوي) في (شرح المشكاة) مصرحاً بالتقسيم:
            ____________
            (1) النووي، تهذيب الأسماء واللغات، ص: 22 - 23، وانظر: فتح الباري لابن حجر العسقلاني، ج: 13، ص: 254.
            (2) الغزالي، أبو حامد، إحياء علوم الدين، ج: 2، كتاب آداب الأكل، الباب: الأول، ص: 4 - 5.
            (اعلم أنَّ كلَّ ما ظهرَ بعدَ رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ بِدعةٌ، وكلَّ ما وافق أُصولَ سُنَّته وقواعدها، أو قيس عليها فهو بِدعةٌ حسنة، وكلَّ ما خالفها فهو بِدعةٌ سيئة وضلالة)(1) .
            وقد آلت النوبةُ إلى الكتب اللغوية التي يُفترض بها أن تكونَ في غاية الدقة، والإتقان، والأمانة؛ لتعتمدَ تقسيمَ (البِدعة) الآنف الذكر ضمن تعريفها، ومن هذه الكتب (المصباحُ المنير)(2) ، و(تهذيبُ الأسماء واللغات)(3) .
            وأمّا (ابنُ الأثير) في كتابه (النهاية)(4) فقد استندَ إلى مقولة (عمر) بشأن (التراويح) بشكلٍ صريح، وأصبحَ تعريفُه لـ (لبِدعة) هذا أساساً اعتمدت عليه كتبٌ لغويةٌ أخرى.
            يقولُ (ابنُ الأثير) في (النهاية):
            (وفي حديثِ عمر رضيَ اللهُ عنه في قيام رمضان: نعمتِ البدعةُ هذهِ. البِدعةُ بدعتان: بِدعةُ هدى، وبِدعةُ ضلال، فما كانَ في خلاف ما أمرَ اللّهُ به ورسولُه صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فهو في حيِّز الذم والإنكار، وما كانَ واقعاً تحت عموم ما ندبَ اللّهُ إليه، وحضَّ عليه اللّهُ، أو رسولُه، فهو في حيِّز المدح، وما لم يكن له مثالٌ موجود، كنوعٍ من الجود، والسخاء، وفعل المعروف، فهو من الأفعال المحمودة... ومن هذا النوع قولُ عمر رضيَ اللهُ عنه: نعمتِ البدعةُ هذهِ، لما كانَت من أفعال الخير، وداخلةً في حيِّز المدح سمّاها بِدعةً، ومدحها؛ لأنَّ النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ لم
            ____________
            (1) حوّى، سعيد، الأساس في السُنَّة وفقهها (العقائد الإسلامية)، ص 360، عن الجزء الأول من كتاب كشاف اصطلاحات الفنون.
            (2) الفيّومي، المصباح المنير، ص: 38.
            (3) النووي، تهذيب الأسماء واللغات، ج: 1، ص: 22.
            (4) كتاب (النهاية) من الكتب التي تناولت غريب الحديث، وقد تناول المعاني اللغوية ضمناً.
            يسنَّها لهم، وإنَّما صلاّها لياليَ ثمَّ تركها(1) ، ولم يحافظ عليها، ولا جمعَ الناسَ لها، ولا كانَت في زمن أبي بكر، وإنَّما عمر رضيَ اللهُ عنه جمعَ الناس عليها، وندبَهم إليها، فبهذا سمّاها بِدعة)(2) .
            وقد أصبح تقسيمُ (ابن الأثير) للـ (البِدعة) في هذا الكلام الى: مذمومة وممدوحة أساساً تناقلته كتبٌ لغوية أُخرى، وجعلته أحدَ الآراء المعتبرة للمعنى الشرعي لها، من دون أن تتبناه.
            ومن تلك الكتب (لسانُ العرب) لـ (ابن منظور)، حيثُ نقلَ كلامَ (ابن الأثير) هذا بتمامه، ونسبَه إليه من دون تعليق(3) .
            كما نقله بتمامه أيضاً صاحبُ (تاج العروس)، ونسبَه إلى قائله(4) .
            ونقل بعضَه أيضاً (الطريحي) في (مجمع البحرين)، ولم يصرّح باسم قائله(5) .
            وسارت على منهج تقسيم البِدعة (دائرةُ المعارف الإسلامية)(6) ،و (دائرةُ معارف القرن العشرين)(7) .
            ونحنُ لا نريدُ أن نسجّلَ ملاحظةً على هذه النقولات، وعلى هذا التسامح في طريقة عرض الآراء، بغثّها وسمينها، أكثر من أن نقول بأنَّ للإنسان أنْ يركنَ الى هذهِ
            ____________
            (1) قوله: وإنما صلاها ليالي ثمَّ تركها... لا يصح؛ لأنه لو فعلها مرة لكانَت سُنَّة، وخرجت عن كونها بِدعة، ولكانَ استدل بذلك من أمر بها. وسيأتي توضيح هذا المطلب فيما بعد إن شاء اللّه تعالى.
            (2) ابن الأثير، النهاية، ج 1، ص: 106 - 107.
            (3) ابن منظور، لسان العرب، ج: 8، ص: 706.
            (4) الحنفي، محب الدين، تاج العروس في جواهر القاموس: ج: 5، ص: 280.
            (5) الطريحي، مجمع البحرين، ج: 4، ص: 298 - 299.
            (6) دائرة المعارف الإسلامية: ج: 3، ص: 456
            (7) وجدي، محمد فريد، دائرة معارف القرن العشرين، ج: 2، ص: 77.
            الكتب في مجال تخصصاتها اللغوية، باعتبار انَّها أسفارٌ علميةٌ معتبرة، وخصوصاً الكتب اللغوية المشهورة منها، ولا كلام لنا في ذلك، إلا انَّه من غير الصحيح أن ينساق المرءُ مع كل ما يُطرح في هذهِ الكتب، على مستوى تقرير المعاني الاصطلاحيةِ للألفاظ، ويتلقاها من دون تثبُّت، وإمعان نظر؛ وذلك لما ثبت عن طريق التتبعِ والاستقراء، من عدم توفر الدقة الكافية في تحقيق هذهِ المعاني الاصطلاحية، والتي قد لا تُضبطُ بشكل كامل ودقيق حتى من قبل أصحاب الفن أنفسهم، ومن جهةِ خروج هذا المطلب عن أصل التخصص الذي يدور حولَه البحث في مثل هذهِ المصنّفات.
            (3)
            بطلان القولِ بتقسيمِ البِدعة
            وبعد هذه الجولة السريعة في مجمل الآراء التي تعرضت لتقسيم (البِدعة) الى مذمومة وممدوحة، وملاحظة الخلفيات التي دعت الى القول بهذا التقسيم، من خلال صراحة النصوص المتقدمة، واعتمادها بشكل واضحٍ على مقولة: (نعمتِ البدعةُ هذهِ)، فسوف نذكرُ أدلتنا على بطلان القول بتقسيم البِدعة الى مذمومة وممدوحة، أو الى الأحكام الخمسة التي ادُّعيت في بعض الكلمات، ثمَّ نتعرضُ بعد إتمام ذلك الى أقوال النافين للتقسيم من أعلام الفريقين.
            وقبل أن نستعرضَ أدلةَ نفي التقسيم، يجدرُ بنا أن نشيرَ الى أنَّ القول بتقسيم (البِدعة) يستندُ أساساً على الخلط بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي لهذا المفهوم.
            فإنّا لو كنّا مع مفهوم (البِدعة) بمعناها المجرّد عن مراد الشريعة وقصدها، فإنها تعني: الأمر المحدث الذي ليس له سابق مثال، وهذا المعنى يتحملُ أن يكونَ مذموماً، وأن يكون ممدوحاً، لأنَّ هناك أُموراً كثيرة تحدثُ وتُبتدعُ بعد عصر التشريع، مما لم تنلها الأحكام، والأدلةُ الخاصة، فتتصفُ بالمدح تارةً، وبالذم أُخرى، بل يمكنُ أن تتصفَ بالعناوين الشرعية الخمسة أيضاً.
            ولكن بعدَ أن تضيَّقت دائرةُ دلالة هذا المفهوم، وأصبحَ شاملاً لخصوص الأمر المحدث الذي يُدخَلُ في الدين من دون أن يكونَ له أصلٌ شرعي فيه، فلا يمكن حينئذٍ أن نتصورَ له قسماً ممدوحاً بشكل مطلق، وأمّا أدلةُ نفي التقسيم فهي:
            الدليل الأول
            المعنى الشرعي للبِدعة لا يقبل الانقسام عقلاً
            إن الضرورةَ العقلية تقضي وتحكم بعدم إمكانية عروض التقسيم على مفهوم (البِدعة)، فمن خلال التدقيق في المعنى الاصطلاحي الوارد لتحديد مفهوم (البِدعة) في النصوص الشرعية، نلاحظُ أن هذا المفهوم غيرَ قابل للتقسيم بحد ذاته أصلاً، ولا يمكنُ أن يعتريه أيُّ استثناءٍ أو استدراكٍ أساساً، إذ أنَّ معنى (البِدعة) في الاصطلاح الشرعي هو: (إدخال ما ليس من الدين فيه)، وهذا يعني أنَّ (البِدعة) تشريعٌ بشريٌّ وضعي ينصبُ نفسه في مقابل التشريع الإلهي المقدّس، ويضاهي السُنَّة الشريفة، ويتحدى تعاليمَ السماء، فهل يُعقل أن نتصورَ قسماً ممدوحاً لمثل هذا اللون من الإدخال؟ وهل يمكنُ أن يتصفَ مثل هذا التشريع بالمدح والإطراء؟! أو أن يتصفَ بواحدٍ من الأحكام الشرعية الخمسة غير التحريم المطلق؟
            إنَّ شأنَ الابتداع في المصطلح الشرعي شأنُ الكذبِ على اللّه ورسولِه، أفهل يُعقل أنْ يكونَ هناك قسمٌ ممدوح لهذا اللون من الكذب؟ وهل يقولُ أحدٌ بأنَّ هناك كذباً وافتراءاً على اللّه (جلَّ وعلا) ورسولِه الأمين (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) يتصفُ بالمدح، أو الإباحة، أو حتى بالكراهة والعياذُ باللّه؟
            الدليل الثاني
            حديث (كلّ بِدعةٍ ضلالة) ينافي التقسيم
            وردَ في الحديث المتفق عليه بين الفريقين أنَّ النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قالَ:
            (ألا وكلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ، ألا وكلُّ ضلالةٍ في النار)(1) .
            ووردَ بلفظ:
            (فإنَّ كلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالة تسيرُ الى النار)(2) .
            فدلالةُ هذا الحديث على استيعاب جميع أنواعِ البدع بالذم والضلال، لا تحتاجُ منّا إلى مزيد بيان، ولا تقبلُ الجدل والإنكار.
            ____________
            (1) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 2، كتاب العلم، باب: 32، ح: 12، ص: 263.
            (2) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 1، ح: 1113، ص: 221.
            الدليل الثالث
            النصوص الشرعية تنافي تقسيم البِدعة
            إنَّ اللغةَ التي تحدثت بها النصوصُ الشرعية حول مفهوم (البِدعة) تأبى التقسيمَ المذكور أيضاً؛ فقد جعلت هذهِ النصوصُ المستفيضة من (البِدعة) ندّاً مقابلاً للسُنَّة، وضدّاً لا يلتقي معها أبداً، وذمَّت المبتدع، وأكالت له أنواعَ الذم، والتوبيخ، والتقريع، وأوعدت بعذاب المبتدع بأقسى أنواع العقوبات الدنيوية، والأُخروية، ودعت الى مقاطعته، وهجرانه، وأطلقت القول بعدم قبول توبته... فكيف يمكنُ مع كل هذا أن يكونَ هناك قسمٌ ممدوحٌ للابتداع؟ وكيف يمكنُ لهذا القسم أن يتخطى هذا الحجمَ الغفيرَ من النصوص الصريحة، ويحيدَ عنها نحو اتجاه آخر، لا أثرَ له ولا دليلَ عليه؟
            كما أنَّ الموردَ الوحيدَ الذي تناولته النصوصُ الشرعيةُ المتقدمة على اختلاف مضامينها، وتنوعِ مداليلها، هو المورد المذموم، الذي يُعدُّ (البِدعةَ) خصوصَ الأمر الحادث الذي يقابلُ الكتابَ، والسُنَّة، والتشريعَ الإلهي المقطوع؛ وبهذا فقد تعرض هذا الموردُ إلى الذم والانتقاد الشديد، ولو كانَ هناك نحوٌ من أنحاء الاستثناء في موارد معينة مفترضة، وحتى لو كانَت تلك المواردُ المستثناة مواردَ جزئيةً ومحدودة، لما كانَ بوسع الشريعة المقدسة أنْ تتجاهلها، وتغضَّ النظرَ عنها بشكلٍ من الأشكال، في الوقت الذي نترقبُ حصولَ مثل هذا الاستثناء من قبل الشريعة، فيما لو وُجد أمرٌ من هذا القبيل، باعتبار أن لسانَ بيان التشريع يتحدثُ من موقع استيفاء جميع شؤون الأحكام والتعاليم.
            فمفهومُ (الكذب) مثلاً، وردَت في شأنه نصوصٌ صريحة وقاطعة، تناولته بالذم الشديد، حتى أصبحَ الإيمانُ بقبحه من مسلمات الاعتقاد، وضروريات الدين، إلاّ أنَّ الشريعةَ لم تتجاهل في نفس الوقت بعضَ الموارد التي يرتفع فيها موضوع الذم، ولا
            تسير في نفس الاتجاه الأصلي المذكور، وإنَّما نرى أنَّ هناك نصوصاً شرعية مماثلة في الصراحة، وقوة الدلالة على استثناء بعض أنواع الكذب من أصل التحريم، إذ قد يخرج من دائرة التحريم إلى دائرة الوجوب، فيما لو توقّف عليه حفظُ نفسٍ مؤمنةٍ من القتل والهلاك مثلاً.
            ومفهومُ (الغيبة) كذلك، يخضعُ لنفس التعامل الذي صدر من الشريعة بشأن الكذب، فهو مذموم ممقوت في نظر الشريعة، ويُعدُّ من كبائرِ الذنوب، إلاّ أنَّ هناك موارد ذكرتها النصوصُ الإسلامية تحت عنوان (جواز الاغتياب)، يتم الانتقالُ بموجبها من الحكم الأولي بالتحريم، إلى أحكام أُخرى كالجواز مثلاً، فيما لو كانَ المغتاب متجاهراً بالفسق، ومعلناً له مثلاً.
            وهكذا الأمرُ في الكثير من المفاهيم الإسلامية المذمومة الأخرى، حيثُ يردُ الاستثناءُ صريحاً فيها، فتتحولُ بواسطة هذا الاستثناء من الحكم الأولي المحرَّم، إلى أحكامٍ ثانوية أخرى، كالإباحة، أو الندب، أو الوجوب، أو الكراهة، بحسب مقدار دائرة وحدود ذلك الاستثناء، ونوع القيود التي وضعتها الشريعةُ له.
            وما دمنا نتفقُ على أنَّه لا يوجد أيُّ لونٍ من ألوان الاستثناء الشرعي الصريح في خصوص الأدلة التي تناولت بأجمعها ذم الابتداع وانتقاده الشديد، وما دام لا يمكن لأيِّ أحد أن يّدعي ذلك، وحتى أُولئك الذين يقولُون بالتقسيم، إذ أنَّهم لا يبنونه على أساسِ النص الشرعي الصريح وإنَّما على التنظير العقلي المحض، أو على استفادات بعيدةِ المنال من بعض النصوص الشرعية... فما دمنا نتفقُ على ذلك، فلا بدَّ أن نتفقَ أيضاً على أنَ مفهومَ (البِدعة) لا يمتلكُ إلا قسماً واحداً مذموماً، ولو وُجد لهذا المفهوم قسمٌ آخرُ ممدوح؛ لأعربت عنه الشريعة، ولما تجاهلته وأهملته، كما هو الشأن في جميع المفردات التشريعية الأخرى.
            إذنْ فكلمةُ (البِدعة) في الاصطلاح الشرعي لم تُستعمل إلا مذمومةً، والرواياتُ الواردة عن النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) وأهلِ بيته (عَليهمُ السلامُ) تصلُ في كثرتها إلى حدِّ الاستفاضة في هذا النحو من الاستعمال.
            ولكي نؤكدَ استعمال لفظ (البِدعة) في خصوص الحادث المذموم من قبل الشريعة الإسلامية، نوردُ جانباً من هذه الاستعمالات ضمنَ عناوين متعددة:
            البِدعة: تقابل السُنَّة
            وردَ عن رسولِ اللّهِ (صَلى اللّهُ عَيهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قالَ:
            (لا يذهبُ من السُنَّة شيءٌ، حتى يظهرَ من البِدعة مثلُه، حتى تذهبَ السُنَّةُ، وتظهرَ البِدعةُ، حتى يستوفي البِدعة مَن لا يعرف السُنَّة، فمن أحيى ميتاً من سنتي قد أُميتت، كانَ له أجرُها، وأجرُ مَن عملَ بها، من غير أنْ ينقصَ من أُجورهم شيئاً، ومَن أبدَعَ بِدعةً، كانَ عليه وزرُها، ووزرُ مَن عملَ، بها لا ينقصُ من أوزارهم شيئاً)(1) .
            وعنه (صَلّى اللهُ عَليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنه قالَ:
            (أيُّها الناسُ، إنّه لا نبيَّ بعدي، ولا سُنَّةَ بعدَ سُنَّتي، فمن ادّعى ذلك فدعواه وبدعتُه في النار)(2) .
            وسأل رجلٌ الامامَ علياً (عَليهِ السلامُ) عن (السُنَّة)، و(البِدعة)، و(الفرقة)، و(الجماعة)، فقالَ:
            ____________
            (1) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 1، ح: 1119، ص: 222.
            (2) المفيد، محمد بن النعمان، أمالي الشيخ المفيد، ص: 53.
            (أمّا السُنَّة: فسُنَّةُ رسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ، وأما البِدعةُ: فما خالفها، وأمّا الفرقةُ، فأهلُ الباطل وإن كثروا، وأمّا الجماعةُ، فأهلُ الحق وإن قلّوا)(1) .
            وعنه (عَليهِ السلامُ) أنَّه قالَ:
            (ما أحدٌ ابتدعَ بِدعةً إلاّ تركَ بها سُنَّة)(2) .
            البِدعة: تعني الغشَّ والضَّلال
            وردَ عن رسولِ الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قالَ:
            ـ (من غشَّ من أُمتي، فعليه لعنةُ اللهِ والملائكةِ والناسِ أجمعين.
            قالَوا:
            ـ يارسولَ الله! وما الغشُّ؟ فقالَ:
            ـ أنْ يبتدعَ لهم بِدعةً فيعملوا بها)(3) .
            وعنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):
            (إنَّ أحسنَ الحديث كتابُ الله، وخيرُ الهَدي هديُّ محمد، وشرُ الأُمور محدثاتُها، وكلُّ محدثةٍ بِدعة، وكلُّ بِدعة ضلالة)(4) .
            البِدعة: أدنى مراتبِ الكفرِ والشرك
            وردَ عن (الحلبي) أنَّه قالَ:
            ____________
            (1) الحرّاني، تحف العقول، تحقيق: علي أكبر الغفّاري، ص: 211.
            (2) الكليني، محمد بن يعقوب، الأصول من الكافي، ج: 1، باب: البدع والرأي والمقائيس، ح: 19، ص: 58.
            (3) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 1، ح: 1118، ص: 222.
            (4) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 2، كتاب العلم، باب: 32، ح: 12، ص: 263.
            (قلتُ لأبي عبد اللّه (عَليهِ السلامُ):
            ـ ما أدنى ما يكونُ به العبدُ كافراً؟ فقالَ:
            ـ أنْ يبتدعَ شيئاً فيتولى عليه، ويبرأَ ممن خالفَه)(1) .
            وقالَ أبو جعفر الباقرُ (عَليهِ السلامُ):
            (أدنى الشرك أنْ يبتدعَ الرجلُ رأياً، فيحبُّ عليه ويبغض)(2) .
            البِدعة: موارد وتطبيقات
            وردَت في النصوص الإسلامية عدةُ تطبيقات للـ (البِدعة) على خصوص الحادث المذموم، والتي كانَت تجسِّدُ بوضوح اختصاصَ (البِدعة) بهذا المعنى الاصطلاحي وحسب، كما وردَ أيضاً نفي (البِدعة) عن موارد أُخرى هي من صلب التشريع.
            وسوف نستعرضُ أمثلةً تاريخية لكلا القسمين؛ لكي نتمكنَ من خلال ذلك أخذَ صورةٍ واقعية عن طبيعة هذهِ التطبيقات، والحدودِ التي تمَّت فيها.
            فأمّا المواردُ التي وردَ فيها تطبيقُ معنى الابتداع فهي كثيرة، سوف ننتخبُ للقارئ الكريم بعضَ النماذجَ البارزةَ لها.
            أولاً: طبَّقَ رسولُ اللّهِ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) كلمةَ (البِدعة) على عملية إكراه الناس للدخول في الإسلام، حيثُ إنَّ اللّه تعالى لم يأمر بذلك، فيكون تطبيقاً لما ليسَ له أصلٌ في الدين، فقد وردَ عن علي (عَليهِ السلامُ) أنَّه قالَ:
            (إنَّ المسلمينَ قالَوا لرسولِ اللّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ:
            ____________
            (1) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 2، باب: 34، ح: 33، ص: 301.
            (2) الصدوق، أبو جعفر، ثواب الأعمال وعقابها، تحقيق: علي أكبر الغفاري، ص: 587، ح: 3.
            ـ لو أكرهتَ يا رسولَ اللّهِ مَن قدرتَ عليه من الناس على الإسلام، لكثُرَ عددُنا، وقوينا على عدوِّنا، فقالَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ:
            ـ ما كنتُ لألقى اللّهَ عزَّ وجلَّ ببِدعةٍ لم يُحدث إليَّ فيها شيئاً، وما أنا من المتكلفين.
            فأنزل اللّهُ عزَّ وجلَّ عليه:
            ـ يا محمَّد، (وَلَو شاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَن فِي الأَرضِ كُلُّهم جَميعاً)(1) على سبيل الإلجاءِ والاضطرار في الدنيا، كما يؤمنونَ عند المعاينة ورؤية البأس في الآخرة، ولو فعلتُ ذلك بهم لم يستحقّوا مني ثواباً ولا مدحاً، لكنّي أُريدُ منهم أن يؤمنوا مختارينَ غيرَ مضطرين، ليستحقّوا منّي الزلفى والكرامةَ ودوامَ الخلود في جنَّة الخُلد: أَفَأَنتَ تُكرِهُ النّاسَ حَتى يَكُونُوا مُؤمِنيِنَ)(2) .
            ثانياً: طبَّقَ رسولُ اللّه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) كلمةَ (البِدعة) على قيام نافلة شهر رمضان جماعةً في لياليه، وهي المسماة بصلاة (التراويح)، وطبقها كذلك على صلاة (الضحى)، باعتبار أنَّه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) لم يشرع ذلك للمسلمين، بل قد وردَ عنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) النهي عن ذلك، فقد وردَ عن أبي عبد اللّه الصادق (عَليهِ السلامُ) أنَّه قالَ:
            (صومُ شهرِ رمضانَ فريضةٌ، والقيامُ في جماعةٍ في ليلته بِدعةٌ، وما صلاّها رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في لياليه بجماعة، ولو كانَ خيراً ما تركه، وقد صلّى في بعض ليالي شهر
            ____________
            (1) يونس / 99.
            (2) الصدوق، أبو جعفر، التوحيد، باب: 55، ح: 11، ص: 342.
            رمضان وحدَه، فقامَ قومٌ خلفه، فلما أحسَّ بهم دَخَلَ بيتَه، فَعَلَ ذلكَ ثلاثَ ليالٍ، فلما أصبحَ بعد ثلاث صعدَ المنبرَ، فحمدَ اللّهَ وأثنى عليه ثمَّ قالَ:
            ـ أيُّها الناسُ، لا تصلّوا النافلةَ ليلاً في شهرِ رمضان، ولا في غيرِه، فإنَّها بِدعةٌ، ولا تصلّوا الضحى، فإنَّها بِدعةٌ، وكلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وكلُّ ضلالةٍ سبيلها إلى النار، ثمَّ نزلَ وهو يقولُ: قليلٌ في سُنَّةٍ خيرٌ من كثيرٍ في بِدعةٍ)(1) .
            ثالثاً: طُبقت كلمةُ (البِدعة) على قول المؤذِّن (الصلاةُ خيرٌ من النوم)، وعدِّهِ جزءاً من الأذان الشرعي، وذلك باعتبار أنَّ هذا القول ليس له أصلٌ في الدين، فقد وردَ عن أبي الحسن (عَليهِ السلامُ) أنَّه قالَ:
            (الصلاةُ خيرٌ من النوم بِدعةُ بني أُمية، وليسَ ذلكَ من أصل الأذان، ولا بأسَ إذا أرادَ الرجلُ أنْ ينبِّه الناسَ للصلاة أنْ يناديَ بذلك، ولا يجعله من أصلِ الأذان، فإنّا لا نراه أذاناً)(2) .
            رابعاً: طُبقت كلمةُ (البِدعة) على (الأذان الثالث يوم الجمعة) الذي أحدثه (عثمانُ بن عفان)، ولم يكن له أيةُ صلة بالتشريع، فقد وردَ عن أبي جعفرٍٍ (عَليهِ السلامُ) أنَّه قالَ:
            (الأذان الثالث يومَ الجمعةِ بِدعة)(3) .
            ____________
            (1) الصدوق، أبو جعفر، التوحيد، باب: 55، ح: 11، ص: 342.
            (2) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار ج: 81، باب: 13، ح: 76، ص: 172.
            (3) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 80، باب: 10، ح: 26، ص: 114، عن الكافي 3 / 421 والتهذيب 1/250.
            هذا بالنسبة إلى تطبيق (البِدعة) على بعض الموارد البارزة لها في لسان الروايات، كما جاءَ أيضاً نفي الابتداع عن موارد أُخرى لعدم انطباق حدود المفهوم عليها، ولما تمتلكه من أُصولٍ دينية مشروعة، فمن تلكَ الموارد:
            أولاً: نُفي الابتداع عن (سجدة الشكر) بعد الفريضة باعتبار ارتباط هذا العمل بالدين، ووجود أصلٍ له فيه، فقد سألَ (محمدُ بن عبد اللّه الحميري) من محمد المهدي صاحب الزمان (عَليهِ السلامُ) عن (سجدةِ الشكر) بعد الفريضة: هل يجوزُ أن يسجدَها الرجلُ بعد الفريضة، فإنَّ بعضَ أصحابنا ذكرَ أنَّها (بِدعة)؟ فأجابَ (عَليهِ السلامُ):
            (سجدةُ الشكر من ألزمَ السُّننِ وأوجبها، ولم يقل إن هذهِ السجدة بِدعةٌ إلاّ مَن أرادَ أنْ يُحدثَ في دين اللّهِ بِدعةً)(1) .
            ثانياً: نُفي الابتداع عن إظهار (البسملة)، باعتبار وجودِ أصلٍ لها في التشريع، فعن (خالد بن المختار) قالَ: سمعتُ جعفرَ بنَ محمد (عَليهِ السلامُ) يقولُ:
            (ما لهم قاتلهم اللّهُ عَمَدوا إلى أعظمِ آيةٍ في كتابِ اللّهِ فزَعموا أنَّها بِدعةٌ إذا أظهروها، وهيَ بسمِ اللّهِ الرحمنِ الرحيمِ)(2) .
            والمهم في الأمر أنَّ الاستقراءَ والتتبع لهذه الأحاديث، يوقفُنا على النتيجة على التي انتهينا إليها، وهي أنَّ (البِدعة) لم تُستعمل في اصطلاح الشارع إلاّ مذمومةً.
            ____________
            (1) الطبرسي، أحمد بن علي، الاحتجاج، ج: 2، ص: 576.
            (2) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 82، كتاب الصلاة، باب: 23، ح: 10، ص: 21، عن تفسير العياشي 1/21.
            مناقشتانِ حولَ النصوصِ الدالةِ على عدمِ التقسيم
            من المناسب في المقام أنْ نتعرضَ لذكر مناقشتين ذكرَهما أنصارُ القول بتقسيم (البِدعة) حول ما قررناه من النصوص الشرعية بهذا البيان، لكي يستوفيَ المطلبُ حقَّه من البحث والتحليل.
            المناقشة الأولى:
            ربما يُعترضُ على ما قررناه من بيان: بأنَّ (البِدعة) قد وردَت مقيَّدةً بقيد (الضلالة) في بعض الأحاديث، وهذا يعني وجودَ قسمٍ آخرَ لها لا يتصفُ بالضلالة، فقد وردَ في الحديث أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قالَ لبلال بن الحارث:
            ـ (اعلمْ! قالَ:
            ـ ما أعلمُ يا رسولَ اللّهِ؟، قالَ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
            ـ اعلمْ يا بلالُ! قالَ:
            ـ وما أعلمُ يا رسولَ اللّهِ؟، قالَ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ:
            ـ إنَّه مَن أحيى سُنَّةً من سُنَّتي قد أُميتت بعدي، فإنَّ له من الأجر مثلَ مَن عملَ بها، من غير أنْ ينقصَ من أُجورهم شيئاً، ومَن ابتدعَ بِدعةَ ضلالةٍ، لا تُرضي اللّهَ ورسولَه، كانَ عليهِ مثلُ آثامِ مَن عملَ بها، لا ينقصُ ذلك من أوزارِ الناسِ شيئاً)(1) .
            فقيدُ (الضلالة) كما يدّعي هؤلاءِ المقسِّمون في قوله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (ومَن ابتدعَ بِدعةَ ضلالةٍ)، يفيدُ في مفهومه أنَّ هناكَ لوناً من البدع لا يتصفُ بالضلالة، وإلاّ فما هي فائدةُ ذكرِ القيد في الحديث؟
            ____________
            (1) الدارمي، سنن الدارمي، ج: 5، كتاب العلم، باب: 16، ح: 2677، ص: 44.
            والجوابُ على ذلك أنّا لو سلَّمنا صحةَ هذا الحديث، فإنَّ منطوقَ قول النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ) الدال على الاستيعاب والعموم بالأداة (كل) يفسرُ المفهومَ المستفاد من (بِدعةِ ضلالةٍ) ويتقدمُ عليه. فمثلاً لو قيلَ: (كلُّ نميمةٍ سوءٌ)، ثمَّ قيلَ (مَن نمَّ نميمة سوءٍ)، فهذا يعني ملازمةَ صفة (السوء) للنميمة، بعد استيعابها بالأداة (كل)، وليسَ فيه أي إيحاء بأنَّ هناك نميمة حسنة في المقابل، هذا أولاً.
            وثانياً: إنَّ مثل هذا مثل المفهوم غيرُ ثابت عند أهل التحقيق والنظر من علماء الفريقين، ولو سلَّمنا ثبوتَه فإنَّه لا ينفعُنا في المقام شيئاً؛ لأنَّ الأدلةَ الصريحة والمستفيضة قد دلَّت بصراحةٍ وبشكلٍ مطلق على لزوم الضلالة للبِدعة من دون انفكاك، فيكون القيدُ في هذا الحديث، من قبيل القيدِ في قوله تعالى:
            (يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأكُلُوا الرِّبا أَضعافاً مُّضاعَفَةً)(1) .
            فأكلُ الربا يبقى حراماً وإن وُصفَ بكونه (أضعافاً مضاعفةً)، ولا يعني أنَّه إذا لم يكن (أضعافاً مضاعفةً) فإنَّه جائزٌ أوممدوح.
            المناقشة الثانية:
            كما قد يُعترض على ما تقررَ من أنَّ (البِدعة) في الاصطلاح الشرعي لم تُستعمل إلاّ مذمومةً، ولم تُطلق إلاّ على خصوص الحادث المذموم، بورود الاستثناءِ المستفادِ من قوله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) في الحديث الشريف:
            (عملٌ قليلٌ في سُنَّةٍ، خيرٌ من عملٍ كثيرٍ في بِدعة)(2) .
            ____________
            (1) آل عمران: 130.
            (2) المتقي الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 1، ح: 1096، ص: 219.
            فيدلُّ الحديثُ كما يُدَّعى على المفاضلة بينَ قليل (السُنَّة) وكثيرِ (البِدعة)، وهذا يعني أنَّ لكثير (البِدعة) نحواً من القبول والصحة، وإلاّ لما وقعت هذه المفاضلةُ المذكورة.
            وفي الحقيقة أنَّ مَن له أدنى اطلاع على طبيعة الخطابات الشرعية، ومَن يمتلكُ ولو مقداراً يسيراً من التعامل والتماسِّ مع النصوص الإسلامية، يدركُ بأنَّ المقصودَ من الحديث هنا مجاراةَ الخصم ومسايرته، أي: (لو كانَ في البِدعة خيرٌ، فقليلُ السُنَّة خيرٌ من كثير البِدعة) فالبِدعةُ لا خيرَ فيها مطلقاً، وبعبارةٍ أُخرى: (إنَّ الإنسانَ لو كانَ ملتزماً بسننٍ قليلةٍ محدودةٍ تقعُ مورداً للقبول، فهو خيرٌ له من المواظبة على بدعٍ كثيرةٍ متعددة لأنَّها باطلة).
            ويمكنُ إيضاحُ الخطاب بالمثال التالي: (عملٌ قليلٌ مع الإخلاص، خيرٌ من عملٍٍ كثيرٍ مع الرياء)، فلا يمكنُ الادِّعاءُ في هذا المثال بأنَّ لـ (الرياء) نحواً من القبول، باعتبار وقوع المفاضلة بين كثير (الرياء) وقليل (الإخلاص)، بل المقولةُ واضحةُ الدلالةِ في توضيح خطورة (الرياء).
            فالحديثُ إذنْ، في موردَ التأكيد على الالتزام بالسُنَّة، والتهويل من فداحة خطر (البِدعة)، لا سيما إذا ضممنا إلى ذلك تلك النصوصَ الشرعية المصرِّحةَ بذم (البِدعة)، وانتقادها بشكل مطلق، وإذا ما التفتنا إلى أنَّ هذهِ الصيغة من الخطاب، أي الصيغة المذكورة في حديث: (قليلٌ في سُنَّةٍ، خيرٌ من كثيرٍ في بِدعة) جاريةٌ في جملةٍ من النصوص الشرعية الأخرى، وفي المحاورات العرفية العامة.
            فقد ورد عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أنَّه قال:
            (ما أحدثَ قومٌ بِدعةً إلا رُفعَ من السُنَّة مثلُها، فتمسُّكٌ بسُنَّةٍ خيرٌ من إحداثِ بِدعة)(1) .
            ____________
            (1) العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري، ج: 13، ص: 254.
            فهذه المفاضلة وقعت بين التمسُّك بالسُنَّة وبينَ إحداث (البدعة) التي وُصفت في الحديث بأنَّها رافعةٌ للسُنَّة من الأساس، وكأنَّها جاءت مفسرةً للحديث مورد البحث.
            وهناك قرينةٌ متصلة بالحديث تؤيدُ المعنى الذي ذهبنا إليه، وتمنعُ التبريرَ المدَّعى للتقسيم، إذ أنَّ صدرَ الحديث يكرِّسُ محاربةَ (البِدعة)، ومواجهتها، بما لا يدعُ مجالاً للريب في مؤدَّى الحديث، فقد وردَ عن الإمام جعفرٍ الصادق (عَليهِ السَّلامُ) أنَّه قالَ:
            (صومُ شهرِ رمضانَ فريضةٌ، والقيامُ في جماعةٍ في ليلتهِ بِدعةٌ، وما صلاّها رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ في لياليه بجماعةٍ، ولو كانَ خيراً ما تركَه، وقد صلّى في بعض ليالي شهرِ رمضانَ وحده، فقامَ قومٌ خلفَه، فلما أحسَّ بهم دَخَلَ بيتَه، فَعَلَ ذلكَ ثلاثَ ليالٍ، فلما أصبحَ بعد ثلاثٍ صعدَ المنبرَ، فحمدَ اللّهَ وأثنى عليهِ، ثمَّ قالَ:
            ـ أيُّها الناسُ، لا تصلّوا النافلةَ ليلاً في شهر رمضانَ، ولا في غيره، فإنَّها بِدعةٌ، ولا تصلّوا الضحى، فإنَّها بِدعةٌ، وكلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وكلُّ ضلالةٍ سبيلُها إلى النار، ثمَّ نزلَ وهو يقولُ: قليلٌ في سُنَّةٍ خيرٌ من كثيرٍ في بِدعةٍ)(1) .
            ____________
            (1) الصدوق، أبو جعفر، التوحيد، باب: 55، ح: 11، ص: 342.
            الدليل الرابع
            استعمال المتشرعةِ للبِدعة ينافي التقسيم
            ويمكنُ أنْ يضافَ إلى هذا المقدار من الاستعمال في النصوص الشرعية، قرائنُ ظنيةٌ قوية، مستفادةٌ من تتبعِ واستقراء استعمالات المتشرعة الذين رافقوا الزمنَ الأول للتشريع، ومَن جاءَ بعدَهم بقليل، والوصولُ من خلال ذلك إلى عين النتيجة السابقة، وهي: أنَّ المتشرعةَ لم يستعملوا البِدعةَ إلا مذمومةً أيضاً، فنحنُ نرى من خلال استعراض استعمالات هذهِ الطبقة التي كانَت تتلقى المفاهيمَ الإسلامية من قرب، أنَّ تطبيقَ هذا المفهوم لم يكن يتجاوزُ الحادثَ المذموم بشكل عام، وأمّا قصةُ التقسيم فهي قضيةٌ حدثت في فترةٍ متأخرةٍ عن بدايات عصر التشريع، وكانَت لها خلفياتُها ودواعيها الخاصة، ومنطلقاتُها التي قد نكونُ ألمحنا للبعض منها فيما مضى من دراستنا هذه.
            والآن نحاولُ أنْ نستعرضَ بعضَ التطبيقات التي قد استُعملت (البِدعةُ) فيها مذمومةً، مع اعتقادنا بأنَّ الاستعمال بحدِّ ذاته لا يكشفُ ذاتياً عن حقيقة الوضع الشرعي لهذا المفهوم في معناه الحقيقي، إلاّ انَّنا حين نضمُّ إلى ذلك الاستعمالات الواردةَ على لسان صاحب الشريعة (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وأهلِ بيته الطاهرينَ (عَليهمُ السلامُ)، مع الأدلة المتقدمة التي قضت ببطلان التقسيم المزعوم، نجدُ أنَّ هذهِ الاستعمالات تشكِّلُ بمجموعها قرينةً مؤثرة في الحسابات العلمية، وتؤيدُ بطلانَ القول بالتقسيم.
            ونودُّ أن نذكِّرَ بأنّنا لسنا بصدد تقويم هذهِ النصوص المعروضة، أو بيان صحة أو عدم صحة مواردِها واستعمالاتها، وإنَّما نحنُ بصدد الاستشهاد بنحو استعمال لفظ (البِدعة) الوارد فيها، ومن خلال النظر إلى هذه الزاويةِ ليسَ غير.
            وسوف نذكرُ ما يتيسرُ ممّا وردَ في استعمال لفظ (البِدعة) مذمومةً ضمنَ مرحليتن:
            المرحلةُ الأُولى: ما وردَ من ذلك على ألسنةِ الصحابة، وبالأخص بعد وفاة الرسول الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ).
            والمرحلةُ الثانيةُ: ما وردَ من ذلك على ألسنةِ مَن يلي أُولئك بقليل.
            المرحلة الاولى:
            استعمال الصحابةِ للبِدعة في خصوصِ الموردِ المذموم
            * طبَّق أميرُ المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) كلمةَ (البِدعة) على الخوض في أمرِ القَدَر، والجدال في الأمور الاعتقادية التي تكونُ منشأً للاختلاف، وسبباً لفرقة المسلمين، وتمزيق وحدتهم، وذلك عندما مرَّ على قومٍ من أخلاط المسلمين، ليسَ فيهم مهاجري ولا أنصاري، وهم قعودٌ في بعض المساجد في أول يومٍ من شعبان، وإذا هم يخوضونَ في أمرِ القَدَر مما اختلف الناسُ فيه، قد ارتفعت أصواتُهم، واشتدَّ فيه جدالُهم، فوقفَ عليهم وسلَّم، فردّوا عليه، ووسّعوا له، وقاموا إليه يسألونَه القعودَ إليهم، فلم يحفل بهم، ثمَّ قالَ لهم:
            (يا معشرَ المتكلمين، ألم تعلموا أنَّ للّهِ عباداً قد أسكتتهم خشيتُهُ من غير عيٍّ ولا بُكم.. فأينَ أنتُم منهم يا معشر المبتدعين، ألم تعلموا أنَّ أعلمَ الناس بالضرر أسكتُهم عنه، وأنَّ أجهلَ الناس بالضرر أنطقُهم فيه)(1) ؟!
            " وردَ انَّ رجلاً قد أخبرَ (عبدَ اللّه بن مسعود) بأنَّ قوماً يجلسون في المسجد بعد المغرب، فيهم رجلٌ يقولُ: كبِّروا اللّهَ كذا وكذا، وسبِّحوا اللّهَ كذا وكذا، واحمدوا اللّهَ كذا وكذا، فقالَ (عبدُ اللّه بن مسعود) للرجل: فإذا رأيتَهم فعلوا ذلك فاتِني فأخبرني
            ____________
            (1) الطبرسي، أحمد بن علي، الإحتجاج، ج: 1، ص: 617، وقالَ في هامش الاحتجاج: ونحوه في التبيان 9 / 378، والعياشي 2 / 283، والمجلسي 10 / 121.
            بمجلسهم، فأتاهم الرجلُ فجلسَ، فلمّا سمعَ ما يقولُون، قامَ فأتى (ابنَ مسعود)، فأخبره، فجاءَ (ابنُ مسعود)، وكانَ رجلاً حديداً، فقالَ:
            (أنا عبدُ اللّه بنُ مسعود، واللّهِ الذي لا الهَ غيرُه لقد جئتُم ببِدعةٍ ظُلماً، ولقد فضلتم أصحابَ محمّد صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ علماً. فقالَ (عمرو بنُ عتبة): أستغفرُ اللّهَ، فقالَ عبدُ اللّه: عليكم الطريقَ فالزموه، ولئن أخذتُم يميناً وشمالاً لتضلُّنَّ ضلالاً بعيداً)(1) .
            فبغض النظر عن طبيعة الأُسلوب الذي عالجَ به الصحابي (عبدُ اللّه بنُ مسعود) هذهِ الحادثة التي لم يكن لها سابقُ مثالٍ في حياة الرسول الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) وأصحابه، نجدُ أنَّه قد استعملَ لفظَ (البِدعة) في مورد الذم، وعدَّ انحرافَ الإنسان عن طريق الحق نحوَ اليمين أو الشمال بِدعةً وضلالاً بعيداً، والظاهرُ من الحديث أنَّ هذا المعنى للـ (البِدعة) هو المرتكز في أذهان القوم آنذاك.
            * رُوي عن (ابن مسعود) أيضاً أنَّه قالَ:
            (اتبعوا آثارنا، ولا تبتدعوا، فقد كُفيتم)(2) .
            * ورُوي أيضاً عن (ابن مسعود) أنَّه قالَ:
            (إنَّ للّهِ عند كلِّ بِدعةٍ كيدَ بها الاسلامُ وليَّاً من أوليائِهِ، يذبُّ عنها، وينطقُ بعلامتها، فاغتنموا حضورَ تلكَ المواطن، وتوكلوا على اللّه)(3) .
            ____________
            (1) ابن الجوزي، تلبيس إبليس، تحقيق د. الجميلي ص: 25.
            (2) القرطبي، ابن وضاح، البدع والنهي عنها، تصحيح وتعليق محمد أحمد دهمان، ص: 10.
            (3) القرطبي، ابن وضاح، البدع والنهي عنها، ص: 4.
            فاستعمالُ لفظ (البِدعة) مذمومةً واضحٌ في كلامه، حيثُ عدَّ (البِدعة) مما يُكاد به الإسلام، وانَّ لِلّه تعالى في كل زمن ولياً، يدافعُ عن الإسلام، ويذبُّ هذهِ المحدثات عنه، ولعلَّ كلامَ (ابن مسعود) هذا مستفادٌ من قوله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ):
            (إنَّ للّهِ عندَ كلِّ بِِدعةٍ تكونُ بعدي يُكاد بها الإيمانُ وليَّاً من أهلِ بيتي موكلاً به، يذبُّ عنه، ينطقُ بإلهامٍٍ من اللّه، ويعلنُ الحقَّ، وينورُه، ويردُ كيدَ الكائدينَ، ويعبِّرُ عن الضعفاء، فاعتبروا يا أولي الأبصار، وتوكلوا على اللّه)(1) .
            * عن (عبد اللّه بن الحلبي) عن أبي جعفر وأبي عبد اللّه (عَليهما السلامُ) أنَّهما قالا:
            (حجَّ عمرُ أولَ سنةٍ حجَّ وهو خليفةٌ، فحجَّ تلك السنةِ المهاجرونَ والأنصارُ، وكانَ علي عَليهِ السلامُ قد حجَّ تلكَ السنة بالحسن والحسين عَليهما السلامُ وبعبد اللّه بن جعفر، قالَ: فلما أحرمَ عبدُ اللّه، لبس إزاراً وردَاءً ممشقينِ مصبوغينِ بطين المشق، ثمَّ أتى، فنظرَ إليه عمر وهو يلبّي، وعليهِ الإزارُ والرداءُ، وهو يسيرُ إلى جنب علي عَليهِ السلامُ، فقالَ عمر من خلفهم:
            ـ ما هذه البِدعةُ التي في الحرم؟ فالتفت إليه علي عَليهِ السلامُ فقالَ له:
            ـ يا عمرُ، لا ينبغي لأحدٍ أنْ يعلّمنا السُنَّةَ، فقالَ عمرُ:
            ـ صدقتَ يا أبا الحسن، لا واللّهِ ما علمتُ أنَّكم هم)(2) .
            ____________
            (1) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 2، كتاب العلم، باب: 34، ح: 79، ص: 315.
            (2) العياشي، تفسير العياشي، ج: 2، ص: 38.
            فنرى في هذا الحديث أنَّ عمر يستعملُ لفظَ (البِدعة) في مورد الذم بنظره، إلاّ أنَّ أميرَ المؤمنين (عَليهِ السلامُ) يبيِّنُ له أنَّ هذا العمل ليس ببِدعة كما يتصور، وإنَّما هو من صميم السُنَّة، فيعتذرُ لأجل ذلك، وينسحبُ عمّا تفوه به من كلام.
            * روى (البخاري) عن (مجاهد) أنَّه قالَ:
            (دخلتُ أنا وعروةُ بنُ الزبير المسجدَ، فإذا عبدُ اللّه بن عمر جالسٌ إلى حجرة عائشة، وإذا أُناسٌ يصلّون في المسجد صلاةَ الضحى، قالَ: فسألناه عن صلاتهم، فقالَ:
            ـ بِدعة)(1) .
            وقالَ (ابن حجر) في (فتح الباري) بصدد عدد الأقوال الواردة في (صلاة الضحى)، وهي ستة:
            (السادس: إنَّها بِدعة، صحَّ ذلك من رواية عروة عن ابن عمر، وسئُلَ أنس عن صلاة الضحى، فقالَ: الصلوات خمس، وعن أبي بكرة أنَّه رأى ناساً يصلّون الضحى فقالَ:
            ـ ما صلاها رسولُ اللّه، ولا عامةُ أصحابه)(2) .
            وهذا يدلُّ أنَّ الاستعمال كانَ في موردَ الذم، وأنَّه في خصوص الأمر الذي يُدخل إلى الدين من دون أنْ يستندَ إلى أصلٍ شرعي، من خلال إطلاق لفظ (البِدعة) في كلام (عبد اللّه بن عمر).
            قالَ (الشاطبي) في (الاعتصام): وخرَّج (أبو داود) وغيرُه عن (معاذ بن جبل) (رضيَ اللهُ عنه) أنَّه قالَ يوماً:
            ____________
            (1) البخاري، صحيح البخاري، ج: 2، كتاب الحج، باب: العمرة، ح: 4، ص: 198 - 199.
            (2) العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج: 3، ص: 55.
            (إنَّ من ورائكم فتناً يكثرُ فيها المال، ويُفتح فيها القرآن، حتى يأخذه المؤمنُ والمنافق، والرجلُ والمرأة، والصغيرُ والكبير، والعبدُ والحر، فيوشك قائلٌ أنْ يقولَ: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأتَ القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدعَ لهم غيره، وإيّاكم وما ابتُدعَ فإنَّ ما ابتُدع ضلالة)(1) .
            فاستعملت (البِدعةُ) هنا أيضاً مذمومةً، وأُطلق القولُ بأنَّ كلَّ ما ابتُدعَ وأُحدث فهو ضلالة.
            * نقل (ابنُ وضاح) عن (حذيفة):
            (أنَّه أخذَ حجرين فوضعَ أحدهما على الآخر، ثمَّ قالَ لأصحابه:
            ـ هل ترون ما بين هذين الحجرين من النور؟ قالَوا:
            ـ يا أبا عبد اللّه، ما نرى بينهما من النور إلا قليلاً، قالَ:
            ـ والذي نفسي بيده لتظهرنَّ البدعُ حتى لا يُرى من الحقِّ إلاّ بقدر ما بين هذين الحجرين من النور، واللّهِ لتفشونَّ البدعُ حتى إذا تركَ منها شيء قالَوا: تُركت السُنَّة)(2) .
            * وخرَّجَ (ابنُ وضّاح) عن (ابن عباس) أنَّه قالَ:
            (ما يأتي على الناس من عام إلا أحدثوا فيه بِدعةً، وأماتوا سُنَّةً، حتى تحيا البدعُ، وتموتُ السُّنن)(3) .
            وعنه أيضاً أنَّه قالَ:
            (عليكم بالاستفاضة والأثر، وإيّاكم والبدع)(4) .
            ____________
            (1) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 82.
            (2) القرطبي، ابن وضّاح، البدع والنهي عنها، ص: 58.
            (3) القرطبي، ابن وضاح، البدع والنهي عنها، ص: 39.
            (4) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 81.

            ولسانُ المقولتين واضحٌ في ذم البدع، وعدِّها في مقابل السُنَّة، والتحذير منها، وهذا يعني أنَّها استُعملت في كلام (ابن عباس) في مورد الذم أيضاً.
            * قالَ (الكانَدهلوي) في (حياة الصحابة):
            (أخرج الطبراني عن عمرو بن زرارة قالَ: وقفَ عليَّ عبدُ اللّه ـ يعني ابن مسعود رضيَ اللهُ عنه ـ وأنا أقصُّ، فقالَ:
            ـ يا عمرو، لقد ابتدعتَ بِدعةَ ضلالة، أو انَّكَ لأهدى من محمدٍ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ وأصحابه؟ ولقد رأيتُهم تفرقوا عني، حتى رأيتُ مكانَي ما فيه أحدٌ)(1) .
            والكلامُ في قول (ابن مسعود): (لقد ابتدعتَ بِدعةَ ضلالة) كالكلام في قول النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (ومَن ابتدعَ بِدعةَ ضلالة)(2) ، وقد تقدمَ أنَّ هذا القيد لا يدلُّ على المفهوم، ولا يُخرج (البِدعة) عن أصل وضعها لخصوص الموارد الحادثة المذمومة، كما هو الحال في معالجة (ابن مسعود) هذه وفقاً لوجهة نظره الخاصة.
            * روي أنَّه لمّا عاقبَ أميرُ المؤمنين علي (عَليهِ السلامُ) المغالينَ الذين ادّعوا الوهيّتَهُ، وأنكروا نبوةَ الرسول الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، بأنْ قتلَهم بالدخان، قدمَ عليه يهودي من أهل (يثرب)، قد أُقرَّ له في (يثرب) من اليهود أنَّه أعلمُهم، وكانَ معه عدةٌ من قومه وأهل بيته، فبادرَ علياً (عَليهِ السلامُ) بالقول:
            ـ (يابنَ أبي طالب ما هذهِ البِدعة التي أحدثتَ في دين محمّد؟ فقالَ عَليهِ السلامُ:
            ـ وأيةُ بِدعةٍ؟ فقالَ اليهودي:
            ____________
            (1) الكاندهلوي، حياة الصحابة، ج: 4، ص: 77.
            (2) الدارمي، سنن الدارمي، ج: 5، كتاب العلم، باب: 16، ح: 2677، ص: 44.
            ـ زعمَ قومٌ من أهل الحجاز أنَّكَ عهدتَ إلى قومٍٍ شهدوا أنْ لا إلهَ إلا اللّه، ولم يقرّوا أنَّ محمداً رسوله، فقتلتهم بالدخان، فقالَ أميرُ المؤمنين عَليهِ السلامُ:
            ـ فنشدتُكَ بالتسع الآيات التي أُنزلت على موسى بطور سَيناء، وبحق الكنائس الخمس القدس، وبحق السمت الديان، هل تعلم أنَّ يوشعَ بن نون أُتيَ بقومٍٍ بعد وفاة موسى عَليهِ السلامُ شهدوا أنْ لا الهَ إلا اللّه، ولم يُقرّوا أنَّ موسى عَليهِ السلامُ رسولُ اللّهِ، فقتلهم بمثل هذهِ القتلة؟ فقالَ اليهودي:
            ـ نعم.. إلى آخر الحديث)(1) .
            فمن الواضح أيضاً من خلال هذهِ الواقعة أنَّ المرتكز في أذهان هؤلاءِ المحاجّين عن (البِدعة) هو أنَّها لا تردُ إلاّ مذمومة، ولا تُستعمل إلّا في هذا المجال؛ ولذا نراهم يوجهون النقدَ إلى أمير المؤمنين (عَليهِ السلامُ) من خلال وصف عمله بالابتداع بادئَ بذي بدء، إلاّ انَّهم يتراجعون عن ذلك، بعد أنْ يبيِّنَ لهم علي (عَليهِ السلامُ) دوافعَ هذا الإجراء، وبعد أن يعلموا أنَّ عملَه (عَليهِ السلامُ) إنما كانَ نابعاً من صميم التشريع، ومتخذاً من أجل صيانته والذبِّ عنه.
            المرحلة الثانية:
            استعمال مَن يلي الصحابةَ للبِدعة في خصوصِ الموردَ المذموم
            طُبقت كلمةُ (البِدعة) على الجدال في القرآن بغير علم، فعن (اليقطيني) أنَّه قالَ: كتبَ أبو الحسن الثالث (عَليهِ السلامُ) إلى بعض شيعته ببغداد:
            ____________
            (1) الكليني، محمّد بن يعقوب، الفروع من الكافي، ج: 4، كتاب الصيام، باب: النوادر، ح: 7، ص: 181.




            (بسمِ اللّهِ الرحمنِ الرحيمِ، عَصَمنا اللّهُ وإياك من الفتنة، فإنْ يفعل فأعظِم بها نعمةً، وإلاّ يفعل فهي الهلكةُ، نحنُ نرى أنَّ الجدالَ في القرآن بِدعةٌ، اشتركَ فيها السائلُ والمجيبُ، فتعاطى السائلُ ما ليسَ له، وتكلَّفَ المجيبُ ما ليس عليه، وليس الخالق إلا اللّهُ، وما سواه مخلوق)(1) .
            * ذكر (ابنُ وضاح) عن (أبي حفص المدني) انَّه قالَ:
            (اجتمع الناسُ في يوم عرفة في مسجد النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ يدعونَ بعد العصر، فخرجَ نافع مولى ابن عمر من دار آل عمر، فقالَ:
            ـ أيُّها الناسُ، إنَّ الذي أنتم عليه بِدعةٌ وليست بسُنَّة، إنّا أدركنا الناسَ ولا يصنعونَ مثلَ هذا.
            ثمَّ رجعَ فلم يجلس، ثمَّ خرج الثانية، ففعل مثلها، ثمَّ رجع)(2) .
            فعلى الرغم من أنَّ فهم (نافع) لمفهوم (البِدعة) كانَ فهماً مغلوطاً إلاّ أنَّ الذي يخصُّنا ذكره في المقام هو أنَّ لفظ (البِدعة) قد استُعمل في موردَ الذم المقابل للسُنَّة، وطُبقَ على هذا الموردَ بالخصوص في نظر القائل.
            * جاءَ في (المدخل) لـ (ابن الحاج):
            (إنَّ مروان لمّا أحدثَ المنبرَ في صلاة العيد عند المصلّى، قامَ إليه أبو سعيد الخدري، فقالَ:
            ـ يا مروانُ، ما هذهِ البِدعةُ؟ فقالَ:
            ____________
            (1) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 89، باب: 14، ح: 4، ص: 118، عن أمالي الصدوق، ص: 326.
            (2) القرطبي، ابن وضّاح، البدع والنهي عنها، ص: 46.
            ـ إنَّها ليست ببِدعة، هي خيرٌ مما تعلم، إنَّ الناس قد كثروا فأردتُ أنْ يبلغهم الصوت، فقالَ أبو سعيد:
            ـ واللّهِ لا تأتون بخير مما أعلمُ أبداً، واللّهِ لا صليتُ وراءَك اليومَ. فانصرف ولم يصلِّ معه صلاةَ العيد)(1) .
            وعلى الرغم أيضاً من أنَّ معالجةَ (أبي سعيد الخدري) لهذا الموقف المحدث لم تكن مبنيةً على أساس فهمٍ صحيح لمفهوم (البِدعة)، وبقطع النظرِ عن طبيعة المواقف الصادرة من طرفي هذهِ الواقعة، نجدُ أنَّ (البِدعة) قد استُعملت مذمومةً أيضاً، وقد فهمَ الطرفُ المقابل خصوصَ هذا المعنى من استعمالها تبادراً.
            * وجاءَ في (المدخل) أيضاً:
            (قالَ أبو معمَّر رأيتُ يساراً أبا الحكم يستاكُ على باب المسجد، وقاصاً يقصُّ في المسجد، فقلتُ له:
            ـ يا أبا الحكم! الناسُ ينظرونَ إليكَ، فقالَ:
            ـ الذي أنا فيه خيرٌ مما هم فيه، أنا في سُنَّةٍ وهم في بِدعة)(2) .
            فأُطلقت (البِدعةُ) فيما يُقابل السُنَّة في نظر القائل.
            * وجاءَ في (فتح الباري):
            (وقد أخرج أحمد بسند جيِّد عن غضيف بن الحارث قالَ: بعثَ إلىَّ عبدُ الملك بن مروان فقالَ:
            ـ إنَّا جمعنا الناسَ على رفع الأيدي على المنبر يومَ الجمعة، وعلى القصص بعد الصبح والعصر، فقالَ:
            ____________
            (1) ابن الحاج، المدخل، ج: 2، ص: 286.
            (2) ابن الحاج، المدخل، ج: 2، ص 286.
            ـ أما إنَّهما أمثلُ بدعكم عندي، ولستُ بمجيبكم إلى شيءٍ منهما، لأنَّ النبي قالَ: (ما أحدثَ قومٌ بِدعةً إلا رُفعَ من السُنَّة مثلُها، فتمسُّكٌ بسُنَّةٍ خيرٌ من إحداثِ بِدعة)(1) .
            فالاستشهادُ بالحديث النبوي، وسياقُ المحاورة واضحٌ في إطلاق لفظ (البِدعة) في مورد الذم من وجهة نظر المتكلِّم.
            * روي عن (الحسن البصري) أنَّه قالَ:
            (إنَّ أهلَ السُنَّة كانَوا أقلَّ الناس فيما مضى، وهم أقلُّ الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مَعَ أهلِ الترف في أترافهم، ولا مَعَ أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سُنَّتهم، حتى لقوا ربَّهم، فكذلكَ فكونوا)(2) . ونُقل عنه أنَّه قالَ:
            ـ صاحبُ البِدعةِ لا يزدادُ اجتهاداً، وصياماً، وصلاةً، إلاّ ازدادَ من اللّه بُعداً)(3) .
            وقالَ أيضاً:
            (لا تجالسْ صاحبَ بِدعةٍ، فإنَّه يُمرضُ قلبَكَ)(4) .
            * وخرَّج (ابنُ وهب) عن (أبي إدريس الخولاني) أنَّه قالَ:
            (لئن أرى في المسجد ناراً لا أستطيعُ إطفاءَها، أحبُّ اليَّ من أنْ أرى فيه بِدعةً لا أستطيعُ تغييرَها)(5) .
            ____________
            (1) العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري، ج: 13، ص: 254.
            (2) زينو، محمد جميل، منهاج الفرقة الناجية، ص: 110.
            (3) القرطبي، ابن وضّاح، البدع والنهي عنها، ص: 27.
            (4) القرطبي، ابن وضاح، البدع والنهي عنها، ص: 47.
            (5) القرطبي، ابن وضّاح، البدع والنهي عنها، ص: 36.
            * وروي عن (أيوب السختياني) أنَّه قالَ:
            (ما ازدادَ صاحبُ بِدعةٍ اجتهاداً، إلاّ ازدادَ من اللّهِ بُعداً)(1) .
            * وروي عن (أبي قلابة) أنَّه قالَ:
            (ما ابتدعَ رجلٌ بِدعةً، إلاّ استحلَّ السيفَ)(2) .
            * وروي عن (يحيى بن أبي كثير) أنَّه قالَ:
            (إذا لقيتَ صاحبَ بِدعة في طريقٍ، فخُذ في طريقٍ آخر)(3) .
            * ورُوي عن (يحيى بن أبي عمر الشيباني) أنَّه قالَ:
            (كانَ يقالُ: يأبى اللّهُ لصاحب بِدعةٍ بتوبة، وما انتقلَ صاحبُ بِدعةٍ إلاّ إلى شرٍّ منها)(4) .
            * ورُوي عن (مالك) أنَّه كثيراً ما كانَ ينشد:
            وخيرُ أُمور الدين ما كانَ سُنَّةً***وشرُّ الأُمورِ المحدثاتُ البدائعُ(5)
            * ورُوي عن (عبد اللّه بن المبارك) قولُه:
            (فإلى اللّهِ نشكو وحشتَنا، وذهابَ الإخوان، وقلهَ الأعوان، وظهورَ البدع)(6) .
            * ورُويَ عن (عمر بن عبد العزيز) أنَّه لما بايعه الناسُ، صَعَد المنبرَ فقالَ:
            (...ألا وانّي لستُ بمبتدع، ولكنّي متّبع)(7) .
            ____________
            (1) القرطبي، ابن وضّاح، البدع والنهي عنها، ص: 27.
            (2) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 83.
            (3) القرطبي، ابن وضاح، البدع والنهي عنها، ص: 48.
            (4) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 85.
            (5) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 85.
            (6) القرطبي، ابن وضاح، البدع والنهي عنها، ص: 39.
            (7) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 86.

            وكتبَ إلى عاملٍ له:
            (..واعلم أنَّ الناسَ لم يُحدثوا بِدعةً، إلاّ وقد مضى قبلَها ما هو دليلٌ عليها، وعبرةٌ فيها)(1) .
            وقالَ (عروةُ بن أُذينة عن أُذينة) يرثيه:
            ففي كلِّ يومٍ كنتَ تهدمُ بِدعةً***وتبني لنا من سُنَّة ما تهدَّما(2)
            * ورُوي عن (الفضل بن عياض) أنَّه قالَ:
            (مَن جلسَ مَعَ صاحب بِدعةٍ، لم يُعطَ الحكمة)(3) .
            * وقالَ (يحيى بنُ معاذ الرازي):
            (اختلافُ الناس كلهم يرجعُ إلى ثلاثة أُصول، فلكل واحدٍ منها ضدٌّ، فمن سقطَ عنه وقعَ في ضده: التوحيدُ وضدُّه الشركُ، والسُنَّةُ وضدُّها البِدعةُ، والطاعةُ وضدُّها المعصيةُ)(4) .
            * ورُوي أنَّه قيلَ لـ (أبي علي الحسن بن علي الجوجزاني):
            (كيف الطريقُ إلى السُنَّة؟ فقالَ: مجانبةُ البدع)(5) .
            * وقالَ (أبو بكر الترمذي):
            (لم يجد أحدٌ تمامَ الهمة بأوصافها، إلاّ أهلُ المحبة، وإنَّما أخذوا ذلك باتباع السُنَّة، ومجانبةِ البِدعة)(6) .
            ____________
            (1) القرطبي، ابن وضاح، البدع والنهي عنها، ص: 30.
            (2) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 87.
            (3) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 90.
            (4) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 92.
            (5) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 92.
            (6) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 92.
            * وقالَ (أبو بكر بنُ سعدان):
            (الاعتصامُ باللّه هو الامتناعُ من الغفلة، والمعاصي، والبدع، والضلالات)(1) .
            * ورُوي أنَّه سُئلَ (حمدون القصّار):
            ـ (متى يجوزُ للرجل أنْ يتكلمَ على الناس؟ فقالَ:
            ـ إذا تعيَّن عليه أداءُ فرضٍ من فرائض اللّه في علمه، أو خافَ هلاكَ انسانٍ في بِدعةٍ يرجو أنْ ينجيَه اللّهُ منها)(2) .
            * ورُوي عن (أبي عثمان الجبري) أنَّه قالَ:
            (مَن أمَّرَ السُنَّة على نفسه قولاً وفعلاً نطقَ بالحكمة، ومَن أمَّر الهوى على نفسه قولاً وفعلاً نطقَ بالبِدعة)(3) .
            * ورُوي أنَّه سُئل (إبراهيمُ الخواص) عن العافية، فقالَ:
            (العافية: أربعةُ أشياء: دينٌ بلا بِدعة..)(4) .
            * ورُوي عن (أبي محمد عبد اللّه بن منازل) أنَّه قالَ:
            (لم يضيّع أحدٌ فريضةً من الفرائض، إلا ابتلاه اللّهُ بتضييع السُّنن، ولم يُبتلَ بتضييع السُّنن أحدٌ، إلا يوشكُ أنْ يُبتلى بالبدع)(5) .
            ____________
            (1) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 93.
            (2) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 95.
            (3) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 96.
            (4) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 97.
            (5) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 97.
            * وقالَ (بندارُ بنُ الحسين):
            (صحبةُ أهل البدع تورثُ الإعراضَ عن الحق)(1) .
            ففي كل هذهِ المقولات المتقدمة، نلاحظُ أنَّ لفظَ (البِدعة) قد استُعمل في موارد الذم بشكلٍ واضحٍ وصريح، وتشيرُ السياقاتُ اللفظية في كل الموارد المتقدمة إلى أنَّ الارتكاز الحاصلَ في ذهنية المسلمين حول هذا المفهوم ينحصرُ بالطابع المقيت والمذموم له، وأنَّها لم تُستعمل في محاورات المتشرعة إلاّ مذمومةً، وأنَّهم إنما تلقّوا هذا المعنى من الشريعة، وتعاملوا معه على هذا الأساس، ولم يحتملوا أنَّ (البِدعةَ) في الاصطلاح الشرعي يمكنُ أنْ تُطبَّقَ على الحادث الممدوح.
            (4)
            مَعَ النافينَ لتقسيم البِدعة
            لقد نصَّ أكثرُ علماء مدرسة أهل البيت (عَليهِمُ السلامُ) على بطلان تقسيم (البِدعة)، وأثبتوا عدمَ صحة هذا التقسيم المبني أساساً على مقولة (نعمتِ البدعةُ هذهِ)، وأنَّ الصحيحَ هو أنَّ (البِدعة) لا تُطلق في مصطلح الشريعة إلا مذمومةً.
            من علماء مدرسة أهل البيت النافين لتقسيم البِدعة
            ومن بين أهم هؤلاءِ العلماء المصرّحين ببطلان تقسيم البِدعة على ضوء مدرسة أهل البيت (عَليهمُ السَّلامُ):
            ____________
            (1) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 98.
            الشهيد الأول
            يقولُ (الشهيدُ الأول) في (قواعده):
            (محدثات الأُمور بعد النبي صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ تنقسمُ أقساماً، لا يُطلقُ اسمُ البِدعة عندنا إلاّ على ما هو محرَّمٌ منها)(1) .
            محمد باقر المجلسي
            يقولُ العلامةُ (محمد باقر المجلسي) في توضيح قوله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ):
            (يدلُّ على أنَّ قسمةَ بعض أصحابنا البِدعةَ إلى أقسام خمسة تبعاً للعامة باطلٌ، فإنَّها إنَّما تُطلق في الشرع على قولٍ أو فعلٍ أو رأي قُرّرَ في الدين، ولم يرد فيه من الشارع شيءٌ، لا خصوصاً ولا عموماً، ومثلُ هذا لا يكونُ إلاّ حراماً، أو افتراءاً على اللّه و رسوله)(2) .
            عباس القمي
            يقولُ الشيخُ (عباس القمي) في (سفينة البحار):
            (لا تُطلق البِدعةُ إلاّ على ما كانَ محرَّماً، كما قالَ رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وكلُّ ضلالةٍ سبيلُها إلى النار)(3) .
            ____________
            (1) المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج: 71، ص: 203.
            (2) المجلسي، محمد باقر، مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول، ج: 1، ص: 193.
            (3) القمي، عباس، سفينة البحار، ج: 1، ص: 63.
            جعفر مرتضى العاملي
            يقولُ العلامةُ المحققُ السيّد (جعفر مرتضى العاملي):
            (إنَّ ما ذُكر من تقسيم البِدعة إلى حسنةٍ ومذمومةٍ، ومن كونها تنقسمُ إلى الأحكام الخمسة، ثمَّ الاستشهادُ بقول عمر بن الخطّاب عن صلاة التراويح: نعمت البِدعةُ هي.. إنَّ ذلكَ كلَّه ليسَ في محلِّه، ولا يستندُ إلى أساسٍ صحيح؛ وذلكَ لأنَّ البِدعةَ الشرعية هي: إدخالُ ما ليسَ من الدين في الدين، استناداً إلى ما رُوي عنه صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: مَن أحدثَ في أمرنا ما ليسَ منه فهو ردٌّ، لأنَّ قوله: (في أمرنا) معناه: أُدخل في تشريعاتنا الدينية ما ليس منها).
            وينقلُ عن السيد (الأمين) القولَ عن (البِدعة):
            (ولا يحتاجُ تحريمُها إلى دليل خاص، لحكم العقل بعدم جواز الزيادة على أحكام اللّه تعالى، ولا التنقيصِ منها، ولاختصاصِ ذلكَ به تعالى، وبأنبيائه الذينَ لا يصدرونَ إلاّ عن أمره).
            ويضيفُ قائلاً:
            (فالبِدعةُ في الشرع، وبعنوانِ التشريع لا تقبلُ القسمةَ المذكورة، بل هي من غير صاحب الشرع قبيحةٌ مطلقاً، وأمّا الابتكار والابتداع في العادات والتقالَيد، وأُمور المعاش والحياة، فهو الذي يقبلُ القسمةَ إلى الحسن والقبيح، ويكون موضوعاً للأحكام الخمسة: الوجوب، والحرمة، والاستحباب، والكراهة، والإباحة)(1) .
            ____________
            (1) العاملي، جعفر مرتضى، المواسم والمراسم، ص: 63 - 64.
            جعفر السبحاني
            يقولُ العلامةُ المحققُ الشيخ (جعفر السبحاني):
            (وأمّا البِدعةُ بمعنى إدخال ما ليسَ من الدين في الدين، فهو قبيحٌ مطلقاً لا ينقسم، وليس له إلا قسمٌ واحدٌ، وهو أنَّه قبيحٌ محرَّمٌ على الإطلاق)(1) .
            من علماءِ مدرسةِ الصحابة النافينَ لتقسيمِ البِدعة
            وبما أنَّ التقسيمَ المزعوم للبِدعة لا يمتلكُ أياً من المرتكزات الشرعية أو العقلية التي تبررُه بشكلٍ مطلق، بل لكونه يصطدمُ بشكلٍ مباشر مع حكم العقل، ونصوصِ الشرع كما أسلفنا ذلك في البحث السابق.. فقد التفت مجموعةٌ من علماء مدرسة الخلفاء إلى هذا الأمر، وأبطلوا القولَ بالتقسيم بشكل صريح.
            ولكنَّ هؤلاءِ ظلّوا يعيشون في نفس الوقت هاجسَ (التراويح)، وتحيَّروا في تبرير إطلاق لفظ (البِدعة) عليها في مقولة: (نعمتِ البدعةُ هذهِ)، إذ لا بدَّ أن يكونَ المرادُ منها أحدَ أمرين: إمّا المعنى الاصطلاحي، وإمّا المعنى اللغوي، فإن كانَ المرادُ منها هو المعنى الاصطلاحي، فهو غيرُ قابل للانطباق إلا في خصوص الموارد المذمومة، بنصِ كلام النافين للتقسيم، وهذا يعني كونَ (التراويح) بِدعةً لا أصلَ لها في الدين، وإذا كانَ المقصودُ منها هو المعنى اللغوي الذي يعني الأمرَ الحادث لا على مثال سابق، على ما أجمعَ عليه اللغويون، فهذا ينتهي بهم أيضاً إلى كون (التراويح) (بِدعةً) لا أصل لها في الدين أيضاً، إذ أنَّ من أجلى قيود (البِدعة) وشروطها بالاتفاق، هو عدمُ وجود أصلٍ شرعي لها في الدين.
            ____________
            (1) السبحاني، جعفر، بحوث في الملل والنحل، ج: 4، ص: 92.
            أخذَ هذا الأمرُ يطرحُ نفسَه بالحاحٍ أمامَ النافين للتقسيم، فماذا يا تُرى أنَّهم يجيبون عليه؟ وما هو التبريرُ الذي بوسعهم أن يقدموه في هذا المجال؟
            هذا ما ستقفُ عليه أيُّها القارئ الكريم، بعد أن تطالعَ معنا هذهِ الطائفةَ التي انتخبناها لكَ من بين أقوالِ النافينَ للتقسيم.
            ابن رجب الحنبلي:
            يقولُ الحافظُ (ابنُ رجب الحنبلي) بصدد إبطال القول بتقسيم (البِدعة) إلى ممدوحة ومذمومة:
            (والمرادُ بالبِدعة: ما أُحدثَ مما لا أصل له في الشريعة يدلُّ عليه، أما ما كانَ له أصلٌ من الشرع يدلُّ عليه، فليس ببِدعة شرعاً، وان كانَ بِدعةً لغةً)(1) .


            يتبع

            تعليق


            • #7
              ويضيفُ الى ذلك القول:
              (فقولُه صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ، من جوامع الكلم، لا يخرج عنه شيءٌ، وهو أصلٌ عظيمٌ من أُصول الدين، وهو شبيهٌ بقوله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: مَن أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو ردٌّ، فكلُّ مَن أحدثَ شيئاً، ونسبَه إلى الدين، ولم يكن له أصلٌ من الدين يرجعُ إليه، فهو ضلالةٌ، والدينُ بريءٌ منه، وسواء من ذلكَ مسائل الاعتقادات، أو الأعمال، أو الأقوال الظاهرة والباطنة)(2) .
              ____________
              (1) حوّى، سعيد الأساس في السُنَّة وفقهها، ص: 361، عن جوامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي، ص: 233.
              (2) الفوزان، صالح، البِدعة: تعريفها - أنوعها - أحكامها، ص: 8.
              ابن حجر العسقلاني:
              يقولُ (ابنُ حجر) في (فتح الباري) موضحاً معنى (المحدَثة في الدين):
              (المحدَثاتُ بفتح الدال، جمعُ محدَثة، والمرادُ بها ما أُحدث وليسَ له أصلٌ في الشرع، ويُسمّى في عرف الشرع (بِدعةً)، وما كانَ له أصلٌ يدلُّ عليه الشرعُ فليس ببِدعة، فالبِدعةُ في عرف الشرع مذمومةٌ بخلاف اللغة، فإنَّ كلَّ شيءٍ أُحدث على غير مثالٍ يُسمّى بِدعةً، سواءٌ كانَ محموداً أو مذموماً، وكذا القولُ في المحدَثة، وفي الأمر المحدَث الذي وردَ في حديث عائشة: من أحدثَ في أمرنا هذا ما ليسَ منه فهو رد)(1) .
              ابن تيمية:
              يقولُ (ابنُ تيمية) في (اقتضاء الصراط المستقيم):
              (إنَّ من الناس مَن يقولُ: البدعُ تنقسم إلى قسمين: حسنة وقبيحة، بدليل قول عمر رضيَ اللهُ عنه في صلاة التراويح: نعمتِ البدعةُ هذهِ، والجوابُ: أمّا أنَّ القولَ: إنَّ شرَّ الأُمور محدثاتُها، وإنَّ كلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار، والتحذير من الأمور المحدثات، فهذا نصٌّ من رسول اللّه صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فلا يحلُّ لأحدٍ أن يدفعَ دلالتَه على ذم البدع، ومَن نازعَ في دلالته فهو مراغم..
              ولا يحلُّ لأحدٍ أن يقابلَ هذهِ الكلمةَ الجامعةَ من رسول اللّه صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ الكلية، وهي قولُه: كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ بسلب
              ____________
              (1) العسقلاني، ابن حجر، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، ج: 4، ص: 252.
              عمومها، وهو أن يقالَ: ليس كل بِدعةٍ ضلالة، فإنَّ هذا إلى مشاقةِ الرسول أقربُ منه إلى التأويل، بل الذي يُقالَ فيما يثبتُ به حسن الأعمال التي قد يُقالَ هي بِدعة: إنَّ هذا العمل المعيَّن مثلاً ليس ببِدعة، فلا يندرج في الحديث)(1) .
              أبو اسحاق الشاطبي:
              ونرى أنَّ (أبا إسحاق الشاطبي) يفصّلُ القولَ بإبطال تقسيم البِدعة إلى ممدوحة ومذمومة في الاصطلاح الشرعي، ويقصرُها على خصوص مورد الذم من خلال أدلة وحجج كثيرة، فيقولُ بشأن النصوص الشرعية التي تناولت مفهومَ (البِدعة) بالذم والتقريع:
              (إنَّها جاءَت مطلقةً عامةً على كثرتها، لم يقع فيها استثناءٌ البتة، ولم يأتِ فيها مما يقتضي أنَّ منها ما هو هدى، ولا جاءَ فيها: كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ إلاّ كذا وكذا، ولا شيءَ من هذهِ المعاني، فلو كانَ هناكَ محدثةٌ يقتضي النظرُ الشرعي فيها الاستحسانَ، أو أَنَّها لاحقةٌ بالمشروعات، لذُكر ذلكَ في آيةٍ أو حديث، لكنَّه لا يوجد، فدلَّ على أنَّ تلكَ الأدلة بأسرها على حقيقة ظاهرها من الكلية، التي لا يتخلفُ عن مقتضاها فردٌ من الأفراد.. إنَّ متعلقَ البِدعة يقتضي ذلكَ بنفسه، لأنَّه من باب مضادةِ الشارع، واطّراح الشرع، وكلُّ ما كانَ بهذه المثابة فمحال أن ينقسمَ إلى حسنٍ وقبيح، وأن يكونَ منه ما يُمدحُ وما يُذمُّ)(2) .
              ويقولُ منتقداً الرأي القائلَ بتقسيم (البِدعة) إلى أحكام الشريعة الخمسة:
              ____________
              (1) ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 276.
              (2) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 141.
              (إنَّ هذا التقسيم أمرٌ مخترع، لا يدلُّ عليه دليلٌ شرعي، بل هو في نفسه متدافع، لأنَّ من حقيقة البِدعة أن لا يدلَّ عليها دليلٌ شرعي، لا من نصوص الشرع، ولا من قواعده، إذ لو كانَ هناك ما يدلُّ من الشرع على وجوب، أو ندبٍ، أو إباحة؛ لما كانَ ثمَّ بِدعة، ولكانَ العملُ داخلاً في عموم الأعمال المأمور بها، أو المخيَّر فيها، فالجمعُ بينَ تلكَ الأشياء بدع، وبين كون الأدلة التي تدلُّ على وجوبها، أو ندبها، أو إباحتها، جمعاً بينَ متنافيين)(1) .
              محمد بخيت:
              يقولُ الشيخ (محمد بخيت) في رسالته عن (البِدعة):
              (إن البِدعةَ الشرعيةَ هي التي تكونُ ضلالةً ومذمومة، وأمّا البِدعةُ التي قسَّمها العلماءُ إلى واجبٍ وحرام... الخ، فهي البِدعةُ اللغوية، وهي أعمُّ من الشرعية، لأنَّ الشرعيةَ قسمٌ منها)(2) .
              الدكتور دراز:
              يقولُ الدكتور (درازُ) ما مضمونُه:
              (صارت كلمةُ البِدعة في الاستعمال الشرعي إلى معنىً أخص من معناها في الاستعمال اللغوي، فلا تتناولُ على حقيقتها الشرعية
              ____________
              (1) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 191 - 192.
              (2) حوّى، سعيد، الأساس في السُنَّة وفقهها، ص: 361.
              في الصدر الأول إلاّ ما هو باطل، وهو تلكَ الطرائق المخترعة التي ليس لها مستندٌ من كتابٍ أو سُنَّة أو ما استُنبطَ منها)(1) .
              محمد جميل زينو:
              يقولُ (محمد جميل زينو) في (العقيدة الإسلامية):
              (ليس في الدين بِدعةٌ حسنةٌ، والدليلُ قولُه تعالى: اليَومَ أَكمَلتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتمَمتُ عَلَيكُم نِعمَتي وَرَضيتُ لَكُمُ الإِسلامَ دِيناً(2) ، وقالَ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: إيّاكم ومحدثات الأُمور، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النار،صحيح رواه النسائي وغيره)(3) .
              صالح الفوزان:
              يرفضُ (صالحُ الفوزان) القولَ بتقسيم (البِدعة) رفضاً قاطعاً حيثُ يقولُ:
              (كلُّ بِدعةٍ في الدين فهي محرّمةٌ وضلالةٌ لقوله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: وإياكم ومحدثات الأُمور، فإنَّ كلَّ محدثةٍ بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وقوله صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ: مَن أحدثَ في أمرنا هذا ما ليَس منه فهو ردٌّ، وفي روايةٍ: مَن عمل عملاً ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ، فدلَّ الحديثُ على أنَّ كلَّ محدثٍ في الدين فهو بِدعةٌ، وكلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ مردودة، ومعنى ذلكَ أنَّ البدع في العبادات والاعتقادات محرّمةٌ.. ومَن قسم البِدعة إلى بِدعة حسُنَّة وبِدعة سيئة فهو غالطٌ ومخطئ ومخالفٌ لقوله صَلّى اللهُ عليهِ
              ____________
              (1) حوّى، سعيد، الأساس في السُنَّة وفقهها، ص: 362.
              (2) المائدة / 3.
              (3) زينو، محمد بن جميل، العقيدة الإسلامية من الكتاب والسُنَّة الصحيحة، ص: 94.
              وسَلَّمَ: فانَّ كلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ؛ لأنَّ الرسولَ حكمَ على البدع كلِّها بأنَّها ضلالةٌ، وهذا يقولُ: ليس كلّ بِدعةٍ ضلالة، بل هناك بِدعةٌ حسنة).
              ثمَّ أردفَ يقولُ مبيناً خلفيةَ القول بالتقسيم:
              (وليس لهؤلاء حجّةٌ على أنَّ هناك بِدعة حسنة إلا قول عمر رضيَ اللهُ عنه في صلاة التراويح: نعمتِ البدعةُ هذهِ)(1) .
              (5)
              ثلاثة مبرراتٍ للتراويحِ من قِبَلِ النافينَ لتقسيمِ البِدعة
              بعدَ أن انكشفَ للكثيرينَ من علماءِ مدرسة الخلفاء بطلانُ القول بتقسيم (البِدعة) على نحو القطع واليقين، وانحصارُ حقيقتها الشرعية في خصوص مورد الذم والحرمة، حاولوا أن يبرروا إطلاقَ لفظ (البِدعة) على (التراويح) في مقولة: (نعمتِ البدعةُ هذهِ) من غير المنطلق الذي استندَ إليه القائلونَ بالتقسيم، ليعالجوها من زاويةٍ جديدةٍ تنسجمُ مَعَ القول بنفي التقسيم.
              فالقائلونَ بتقسيم (البِدعة) إلى مذمومة وممدوحة، لم يكونوا ليعانوا أمراً من مسألة الاستعمال هنا؛ لأنَّهم يقولُون ببساطة استناداً إلى التقسيم المتقدم، بأنَّ المرادَ من (البِدعة) في هذا الحديث هو البِدعةُ الممدوحة، وقد تقدمَ معنا أنَّ مصدرَ القول بالتقسيم إنَّما بُنيَ أساساً على هذا الحديث نفسه، فالحديثُ إذنْ يحملُ بين طياته حجيةَ
              ____________
              (1) الفوزان، صالح، البِدعة - تعريفها - أنواعها - أحكامها، ص: 8.
              القول بالتقسيم، ويتضمنُ مشروعيةَ إطلاق لفظ (البِدعة) على ما لم يكن مذموماً، ومن ثمَّ يُتَّخذُ القولُ بالتقسيم الذي يُدَّعى استفادته من هذا الحديث ذريعةً لصحة استعمال (البِدعة) في غير موردَ الذم.
              وبعبارة أُخرى إنَّ تقسيمَ (البِدعة) إلى مذمومة وممدوحة قد بُنيَ على طبيعة الاستعمال المذكور في الحديث، وورودُ هذه الكلمة في حديث (عمر)، وبعد ذلك خُرِّجَ القولُ بصحة إطلاق لفظ (البِدعة) على (التراويح)، واستعمالها في غير مورد الذم - على ما يُدَّعى في نفس الحديث - بناءاً على التقسيم المذكور.
              فانظر ماذا ترى؟!!
              وأمّا بقيةُ الأعلام من مدرسة الخلفاء الذين أصابوا الواقعَ في القول بنفي التقسيم المذكور، فقد تحيَّروا حقاً في توجيه هذهِ المقولة، وتبرير إطلاق لفظ (البِدعة) على (التراويح)، ومن ثمَّ استحسانها، والإطراء عليها.
              فهل انَّها استُعملت في المعنى الاصطلاحي الشرعي الذي يعني (إدخال ما ليس من الدين فيه) والذي ليس له إلا قسمٌ واحد مذموم؛ فيتم بذلك القضاءُ المبرم على شرعية (التراويح)؟!!
              أو انَّها استُعملت في المعنى اللغوي الذي يعني الأمرَ الحادثَ الذي ليس له أصلٌ سابق، فلا تكونُ النتيجةُ في هذا الفرض بأحسن مما سبق؟!!
              أو أنَّ هناك استعمالاً ثالثاً لم نتمكن من الاهتداء إليه؟!!
              هذهِ الأسئلةُ أخذت تطرحُ نفسَها بالحاحٍ أمامَ النافينَ للتقسيم المذكور، وباتت تنتظرُ الإجابةَ الصريحةَ منهم، وفقاً لما توصلوا إليه من نتائج تلك الأبحاث.
              ونودُّ هنا أنْ نلفتَ نظرَ القارئ الكريم إلى أنّا لسنا بصدد إثبات صحة إطلاق لفظ (البِدعة) الواردة في مقولة "نعمتِ البدعةُ هذهِ" على معنىً دونَ معنىً آخر، لأنَّه سواءٌ أصحَّ هذا الإطلاق أو ذاك؛ فإنَّ صلاة (التراويح) غيرُ ثابتةٍ لدينا، ولم يقم على مشروعيتها أيُّ دليلٍ شرعي، ولكنَّ كلامنا يتجه نحو الطريقة التي يتعاملُ بها الكثيرُ

              من أعلام مدرسة الخلفاء مَعَ مفردات الثقافة الإسلامية، وكيف تكونُ هذهِ المفرداتُ الحساسة ضحيةً للتقولات والتبريرات، إذ يكونُ الأساسُ في البحث والطرح العلمي هو تبريرُ ما يُرادُ تبريرُه - لأيِّ دافعٍٍ كانَ - حتى لو اقتضى الأمرُ حرفَ المفهوم عن حقيقته، وإقصاءه عن واقعيته التشريعية، وهذا ما لمسناه بشكلٍ مباشر في الكلمات المتقدمة التي بَنَت تقسيمَ (البِدعة) على أساس مقولة (نعمتِ البدعةُ هذهِ)، على حساب المعنى الشرعي والواقعي لها، والذي تداركه البعضُ الآخرُ من هؤلاءِ الأعلام الذين أبطلوا القولَ بالتقسيم.
              ولكنَّ هؤلاءِ وإن أصابوا في إبطال القول بالتقسيم، إلاّ انَّهم وقعوا في نفس ما وقعَ فيه الأسبقون حينَ حاولوا تبريرَ مقولة (نعمتِ البدعةُ هذهِ)، وتوجيه استعمال هذا اللفظ فيها، مَعَ الحرص على القول ببطلان التقسيم، وأنَّ (البِدعةَ) لا تُطلقُ في مصطلح الشرع إلاّ في مورد الذم والحرمة.
              وإنْ كنّا نحتفظُ لأنفسنا بالاعتقاد بأنَّ لفظَ (البِدعة) هنا قد استُعمل في معناه الشرعي المصطلح والمرتكز في أذهان المسلمين، والذي يعني (إدخال ما ليسَ من الدين فيه)، كما سجَّلنا ذلك دليلاً من نفس الحديث المذكور على عدم شرعية صلاة (التراويح)، ليُضمَّ إلى الأدلة والقرائن الأُخرى في المقام.
              ويبقى علينا أنْ ننتحلَ العذرَ لأمر الإعجاب بهذهِ (البِدعة)، والإطراء عليها، لِما رآه القائلُ المبتكِرُ من استجابةٍ مثالية من قبلِ الكثير من المسلمين لقراراته، التي ينطلقُ فيها من اعتبار نفسه ناطقاً باسم الرسالة والدين، وممسكاً بزمام الأحكام الشرعية، ومؤهلاً لرفعها، أو وضعها من الأساس!!
              وقبل أن نستعرضَ بعضَ الأقوال التي برَّرت إطلاقَ لفظ (البِدعة) على صلاة (التراويح) من قبل النافين للتقسيم، نشيرُ إلى أنَّ هؤلاءِ قد اتفقوا على أمرين هما:
              الأمرُ الأولُ:
              إنَّ صلاةَ (التراويح) ليست (بِدعةً) بالمعنى الشرعي، وإنَّما هي سُنَّةٌ تمتلك الأصلَ الشرعي، من خلال ممارسة النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) لها بضعةَ ليالٍ، ثمَّ تركَها مخافةَ الافتراضِ على الأُمة، وهذا الأمرُ سوف نناقشه لاحقاً بإذن الله تعالى، ونثبتُ هناك أنَّ (التراويح) لا تمتلكُ أيةَ شرعيةٍ مطلقاً، وليس لها أيُّ أصلٍ في الدين، وأنَّ رسولَ اللهِ ( صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ) لم يصلِّها في حياته قط، وإنَّما هي من أصدق مصاديق الابتداع.
              الأمرُ الثاني:
              إنَّ لفظَ (البِدعة) الواردَ في مقولة (نعمتِ البدعةُ هذهِ)، لا يمكنُ أن يُرادَ منه المعنى الشرعي في نظر النافينَ للتقسيم، لما ثبتَ لديهم بأنَّ (البِدعةَ) لا تُطلقُ شرعاً إلاّ في موردَ الذم والحرمة، فلا بدَّ إذن من التماسِ مخرجٍ آخر، يبررُ الاستعمالَ المذكور، وينسجمُ مَع القول بنفي التقسيم.
              ومن خلال ملاحظة هذين الأمرين جاءَت التبريراتُ متعددةً ومتنوعة، نذكرُ منها ثلاثةَ نماذجَ تمثلُها وتُعدُّ القاسمَ المشتركَ بينها من كلمات المتقدمين والمتأخرين.
              التبريرُ الأولُ: لابنِ تيمية
              يبررُ (ابنُ تيمية) خروجَ (التراويح) من عموم البدع المذمومة بالقول:
              (أكثر ما في هذا تسمية عمر تلك بِدعة مَعَ حسنها، وهذهِ تسميةٌ لغويةٌ، لا تسمية شرعية، وذلكَ انَّ البِدعةَ في اللغة تعمُّ كل ما فُعلَ ابتداءاً من غير مثالٍ سابق، وأمّا البِدعةُ الشرعية فكلُّ ما لم
              يدلَّ عليه دليل شرعي... فلفظُ البِدعة في اللغة أعمُّ من لفظ البِدعة في الشريعة).
              من خلال هذا النص يصرّح (ابن تيمية) بأن إطلاق (عمر) لكلمة (البِدعة) على التراويح لا يمكن أن يراد به المعنى الشرعي، لأنه سينتهي إلى القول بعدم وجود دليل شرعي على (التراويح)، وإنَّما المرادُ من كلمة (البِدعة) هنا المعنى اللغوي الأعم الذي يعني الأمرَ الحادثَ من غير مثالٍ سابق.
              ولكنَّه بعد سطر واحدٍ من كلامه هذا يناقضُ نفسَه حيثُ يدَّعي بأنَّ رسولَ اللهِ ( صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ ) قد أدَّى هذه الصلاة بضع ليالٍ، ومن ثمَّ انصرفَ عنها، بمعنى أن لهذه الصلاة مثالاً سابقاً، مع أنَّ المعنى اللغوي الذي يذهبُ إليه يُشترط في صدقه عدمُ وجود مثالٍ سابق، فكيف يمكنُ الإدِّعاءُ بصحة المعنى اللغوي مع هذا الأداء السابق لها من قبل النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسَلَّمَِ) حسب زعمه؟!!
              فنراه يقولُ بهذا الخصوص:
              (فالنبيُّ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ قد كانَوا يصلّون قيامَ رمضانَ على عهده جماعةً وفرادى، وقد قالَ لهم في الليلة الثالثة والرابعة لما اجتمعوا: إنَّه لم يمنعني أنْ أخرجَ إليكم إلا كراهةَ أنْ يُفرض عليكم، فصلّوا في بيوتكم، فإنَّ أفضلَ صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة.
              فعلَّل صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ عدمَ الخروج بخشية الافتراض، فعُلمَ بذلك أنَّ المقتضي للخروج قائم، وانَّه لولا خوف الافتراض لخرجَ إليهم)(1) .
              ____________
              (1) ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 276 - 277.
              وبعد وقوع (ابن تيمية) في هذا التناقض الصارخ يحاولُ أن يضفي على (التراويح) بعضَ المواصفات التي تجعلُ من كيفيتها غيرَ مسبوقة بمثال؛ لكي ينطبقَ عليها المعنى اللغوي المزعوم.
              من هنا نراه يقولُ:
              (فلما كانَ في عهد عمر جمعَهم على قارئ واحد، وأُسرجَ المسجدُ، فصارت هذهِ الهيئة ـ وهي اجتماعُهم في المسجد على إمامٍ واحدٍ مَعَ الإسراج ـ عملاً لم يكونوا يعملونَه من قبل، فسُميَ بِدعةً، لأنَّه في اللغة يُسمى بذلك، وان لم يكن بِدعةً شرعية)(1) .
              فهل تعرف أيُّها القارئُ الكريمُ للتحميل والتعسف معنىً غير هذا؟ وهل أنَّ (ابن تيمية) يعتقدُ في قرارة نفسه بصحة ما يقولُ؟ وما دخلُ (الإسراج) فيما نحنُ فيه؟!!
              فالملاحظ انَّ (ابنَ تيمية) يضمُّ (الإسراج) إلى اجتماعِ المصلين على إمامٍ واحد من أجل أن يجعلَ الأمر المبتدع غيرَ مسبوقٍ بمثال، لكي يصحَّ بذلك استعمالُ (البِدعة) في معناها اللغوي الذي يعني الحادثَ الذي ليس له مثالٌ سابق.
              ففائدةُ ضمِّ (الإسراج) إذن هي تبريرُ الاستعمال المذكور، والإيحاءُ بأنَّ هذهِ الهيئة بأجمعها لم تكن موجودةً سابقاً، فيكون قد احتفظَ لصلاة (التراويح) بأصلها الشرعي المزعوم، وبَرَّرَ استعمالَ (البِدعة) لغوياً؛ لكي لا يقعَ الاصطدامُ بين الأمرين.
              ____________
              (1) ابن تيمية، اقتضاء الصراط المستقيم، ص: 276 - 277.
              وعلى أساس هذه المغالطة التي ذكرها (ابنُ تيمية) لتبرير (التراويح) يمكننا أنْ نضمَّ عشرات الأوصاف والأحوال الأُخرى إلى هذهِ الهيئة الحاصلة لتبرير عدم مشابهتها لما سبق!!
              ونكتفي بالإشارة في المقام إلى أنَّ العودةَ إلى الاستعمال اللغوي للفظ المنقول، وتصحيحَ إطلاقه كذلك، ليس كما يصوّرُه (ابنُ تيمية) في كلامه هذا، وخصوصاً مثل كلمة (البِدعة) التي ترسَّخَ معناها الاصطلاحي الجديد في أذهان المسلمين، واقترنَ استعمالُها الشرعي في موارد الذم والحرمة، من خلال أحاديث غفيرة على لسان صاحب الرسالة (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وكلمات بقيةِ الصحابة، كما استعرضنا قسماً منها في سابق دراستنا هذه، ولا سيما إذا لاحظنا قولَ (ابن تيمية) المتقدم حولَ قوله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ): (كلُّ بِدعةٍ ضلالةٌ):
              (فهذا نصٌ من رسول اللّه صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، فلا يحلُّ لأحدٍ أنْ يدفعَ دلالته على ذم البدع، ومَن نازع في دلالته فهو مراغم).
              فإذا كانَت دلالةُ الحديث على ذم البدع بهذا المستوى من الوضوح، وقد أصبح هذا المعنى نتيجةً لعملية النقل الشرعي هو المتبادرَ إلى أذهان المسلمين، فكيف يصحُّ استعمالُ لفظ ( البِدعة) بعد ذلك في معناها اللغوي الأسبق، من دون الإتيان بقرينة تصرفُ اللفظَ عن معناه المرتكز، لا سيما إذا لاحظنا أنَّ كلمةَ (البِدعة) قد وردَت في هذا الحديث بشكل مطلق، بل سياقُ الحديث يأبى هذا التحميل، ويشهدُ بخلافه، ولنا قرائنُ من نفس الحديث تدلُّ على عدم إمكانَية قصد المعنى اللغوي، وإنَّما المقصود هو (البِدعة) بالمعنى الشرعي المرتكز في ذهنية المسلمين، وهي:
              القرينة الاولى:
              ذكر (عمر) كلمة (هذه)، أو (هي) في وصف هذه البِدعة والإشارة إليها في قوله: (نعمتِ البدعةُ هذهِ)،أو (نعمتِ البِدعةُ هيَ)، وهذه الإشارةُ تبيِّنُ أنَّ المقصودَ الصريح هو هذه الصلاة بالكيفية المعروفة التي جمعَ الناسَ عليها، ومن ثمَّ استحسنَ ابتكارَه لها، بعد أن لم يكن لها أصلٌ في الدين، شأنُه شأنُ من يفخرُ بمنجزاته ومخترعاته، وهذا يعني أنَّه بصدد المعنى الشرعي على نحو الخصوص.
              القرينة الثانية:
              وقعت المفاضلةُ في كلام (عمر) في نفس الحديث بين (التراويح) المبتدعة وبين نافلة الليل المسنونة، معترفاً بأنَّ نافلة الليل فرادى على شكلها المأثور عن رسول الله (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، والتي يؤتى بها في وقت السحر غالباً أفضل من (التراويح) جماعةً، حيث يقولُ: (والتي ينامونَ عنها أفضلُ)، مما يجعلُ كلمةَ (البِدعة) في حديثه منصرفاً إلى خصوص هذهِ الصلاة المبتكرة من دون قيدٍ أو شرطٍ يوحي بصرف (البِدعة) إلى معناها اللغوي العام.
              القرينة الثالثة:
              قالَ (عمرُ): (إني أرى لو جمعتُ هؤلاءِ على قارئ واحدٍ لكانَ أمثل)، فهذا القولُ صريح بوجود عملية تشريع شخصي جديد في مقابل السُنَّة النبوية الثابتة، مما لا يجعلُ مجالاً للشك في إرادة المعنى الشرعي المألوف.
              وخلاصةُ القول أنَّ العودةَ بالكلمة المنقولة شرعاً الى المعنى اللغوي العام لها عند الاستعمال يحتاجُ إلى قرينة تصرفُ اللفظَ عن معناه المنقول إلى المعنى المهجور.
              ولتوضيح الفكرة نوردُ لها مثالاً، فلو قالَ شخصٌ لآخر: (لقد صليتُ اليومَ في المسجد)، فلاشك أنَّ السامعَ سوف يفهمُ من كلامه أنَّه أدَّى الصلاةَ المألوفة من قيام، وركوع، وسجود، وهذا هو المعنى المتبادرُ من لفظ (الصلاة) في ذهنية المسلمين، أمّا لو قالَ: إني أردتُ من قولي ذاك المعنى اللغوي للصلاة، أي انِّي دعوتُ الله (جَلَّ وعَلا) وحسب، ولم أكن أقصدُ الصلاةَ المألوفة، فإنَّ كلامَه لا يكونُ مقبولاً، ويقالُ له كانَ الأحرى بك أنْ تنصبَ قرينةً تشيرُ إلى المعنى اللغوي.
              ويزدادُ الأمرُ أهميةً فيما لو ترتبَ على المعنى أثرٌ معين، فلو طلبَ شخصٌ من آخر أن يصليَ عن والده المتوَفَّى مقابلَ أجرٍٍ معين (بناءً على القول بصحة الإجارة في العبادات عن الأموات)، وقالَ له: (خذ هذا المالَ وادخل المسجدَ وصلِّ عن روح والدي ما تستطيع)، فأخذَ الأجيرُ المالَ، ودخلَ المسجدَ، وجلسَ برهةً ثمَّ خرج منه، فعاتبه صاحبُ المال بأنَّه لم يره يقومُ ويقعدُ ويركعُ ويسجدُ، فأجابه الأجيرُ قائلاًإني فهمتُ المعنى اللغوي للصلاة وهو الدعاء، ولم أفهم المعنى الشرعي لها)، فلا شك في أنَّ هذا التبرير أمرٌ غيرُ مقبول، لأنَّ المعنى اللغوي للصلاة وهو (الدعاء) أصبحَ مهجوراً، ولا بدَّ من إقامة القرائن في حال قصده وإرادته.
              كما يزدادُ الأمرُ حساسيةً وخطورةً عندما يتعلقُ بمصير الإنسان الأُخروي، ويمسُّ دينه ومعتقداته، كما في حال تشريع (التراويح) التي توقعُ الإنسانَ في مواجهة السُنَّة الشريفة الثابتة، وتجعلُه مورداً لانطباق جميعِ مواصفات المبتدعين عليه.
              ولنقرب الفكرةَ أكثر من خلال مثالٍٍ حسيٍّ تقريبي يحاكي ما فعلَه (عمرُ) بشأن (التراويح)؛ لكي تستبينَ الأُمورُ أكثر، ويسفرَ الصبحُ لذي عينين، والمثالُ هو:
              (كانَ هناكَ شخصٌ مهيب، مسموعُ الكلمة، مطاعُ الأمر، يقفُ على مفترقِ طريقين بجانب صاحبٍ له، وكانَ كلٌّ من الطريقين يؤدي إلى مدينةٍ معينة، ولكنَّ أحدَ الطريقين كانَ آمناً وخالياً من المتاعبِ والمخاطر، والآخرَ كانَ محفوفاً بالمخاطر ومملوءاً بالوحوش.
              فجاءَ قومٌ يقصدونَ السيرَ إلى تلك المدينة في الليل البهيم، فقالَ الشخصُ المهيبُ لصاحبه: إني أرى لو جعلتُ هؤلاءِ الناس يسيرونَ في طريق الوحوشِ المفترسة لكانَ أمثل؛ لأنَّ في ذلك قوةً لقلوبهم، وتقويةً لعزائمهم، فقالَ له صاحبُه: إنَّها كذبةٌ مهلكةٌ أيُّها الشخصُ المهيب، فقالَ: لا بأسَ بذلك!!
              ثمَّ أمرَهم بالسير في طريق المخاطر.
              ولما أسفرَ الصبحُ سارَ إليهم لينظرَ حالهم، فإذا هم جرحى، مقطعي الأوصال، تعتصرُهم الآلام، ويتصاعدُ منهم الأنين، وقد فاتَهم الوصولُ إلى مقصدهم وغايتهم التي كانَوا يرجون.
              فقالَ الصاحبُ: أيُّها الشخصُ المهيب، ألا تنظر إلى نتيجة الكذبةِ التي كذبتَها على هؤلاءِ المساكينَ الذين اعتمدوا عليك، ووثقوا بكلامك، وإلى الذي أدَّت بهم من عواقبَ سيئة؟
              فقالَ الشخصُ المهيب: إنَّ الأنينَ الذي تسمعُهُ من هؤلاء هوَ دويُّ القوةِ والشجاعة! وعلامةُ الإقدامِ والهيبة!!
              لقد كانَت كذبةً بيضاء، كذبةٌ ونعمتِ الكذبةُ هذه).
              إن ارتكابَ البدع المحرّمة، والسيرَ في طريق الضلالة، والابتعادَ عن السُنَّة النبوية الشريفة، والمحجةِ الإسلامية الغراء، لهو أكثرُ خطراً من تعرضِ الإنسان للوحوش الضارية، بل لا مقايسةَ بين الحالتين، إذ أنَّ مثلَ هذا العمل الذي يجتهدُ فيه الإنسانُ في مقابل قول اللهِ ورسولهِ لا يزيدُ صاحبَه إلا بُعداً عن اللهِ (جَلَّ وعَلا)، ولا يؤدي به إلاّ إلى عذاب الله، وعقوبته، ونكاله، وجحيمه.
              إنَّ إدراكَ الإنسان لمصلحة معينة في فعلٍ معينٍ لا يمكنُ أن تبيحَ له اختراقَ حصانة التشريع الإسلامي، وتجاوز خطوطه التوقيفية الحمراء.
              ولذلك نرى أنَّ الأثر السيّئَ لصاحب (البدعة) لا ينحصرُ في نطاق شخص صاحبه، وحياتهِ الخاصة، وإنَّما يتعدى ذلك إلى الحياة الاجتماعية العامة، فيؤثرُ فيها سلباً، ويعرقلُ حركتَها، ويشوِّه معالمَها، نتيجةَ الدسِّ، والتحميلِ، والافتراء، ووضع العقباتِ أمامَ القانونِ الإلهي من أن يأخذ مساره الطبيعي في توجيه الفرد والمجتمع، والوصول بالبشرية إلى حيثُ السعادةُ والكمالُ.
              وقد تمَّ التاكيدُ من هذا الباب على إغلاق بابِ التوبة في وجهِ المبتدع، وأنَّ أعمالَ البرِّ لا تُقبل منه، وأنَّه يحمل وزرَه ووزرَ مِن عمل ببدعته، كما قال (جَلَّ وعَلا):
              (لِيَحمِلوا أوزارَهم كَامِلةً يَومَ القِيامَةِ وَمِن أوزارِ الذِينَ يُضلونَهُم بِغَيرِ عِلمٍ)(1) .
              وجاءَ في الحديث عن رسول اللّه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسَلَّمَِ) أنَّه قالَ:
              (ومن ابتدعَ بدعةَ ضلالةٍ لا تُرضي اللّهَ ورسولَهُ كانَ عليهِ مثلُ آثام مَن عملَ بها لا ينقصُ ذلك من أوزارِ الناس شيئاً)(2) .
              وعنه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِه وسَلَّمَِ) أنَّه قالَ:
              ____________
              (1) النحل / 25.
              (2) الشاطبي، أبو اسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 122.
              (إنَّ اللهَ احتجرَ التوبةَ على صاحبِ كلِّ بدعة)(1) .
              وأغربُ ما في كلام (ابن تيمية) لتصحيح إطلاق (البِدعة) على (التراويح) من باب كونها وردَت في المعنى اللغوي هو قضيةُ (الإسراج) التي أقحمها في كلامه؛ لكي يجعلَ من (التراويح) بمعيِّةِ (الإسراج) غيرَ مسبوقةٍ بمثال!!
              فلو غضضنا النظرَ عن عدم الإشارة إلى أمر (الإسراج) من قريبٍ أو بعيد في عمدة الأحاديث التي يُستدلُ بها على ثبوت (التراويح)، بما في ذلك روايتا (البخاري) و(الموطأ)، فإنَّنا نتساءلُ مع (ابن تيمية) ومَن يسيرُ في ركبه أنَّه هل يرتضي لشخصٍ أن يقولَ بشأن (صلاة العشاء) مثلاً التي تُقام جماعةً في مسجد ذي (سراج) بأنّها (بِدعة)، ويطلق عليها هذه الكلمةَ بهذه العفوية، من دون أنْ يقيمَ قرينةً على إثبات ما يقصدُ إليه؟!!
              وهل يُلامُ مَن يحملُ كلمةَ (البِدعة) في هذا الكلام على معناها الشرعي المنقول عندَ الاستماع إليها بهذه الطريقة المطلقة؟!
              ____________
              (1) الهندي، علاء الدين، كنز العمال، ج: 1، ح: 1105، ص: 220.
              ووردَ عن الإمام جعفر الصادق (عَليهِ السَّلامُ) أنَّه قالَكان رجل في الزمن الأول طلب الدنيا من حلال فلم يقدر عليها، وطلبها من حرام فلم يقدر عليها، فأتاه الشيطان فقال له: يا هذا إنكَ قد طلبتَ الدنيا من حلال فلم تقدر عليها، وطلبتها من حرام فلم تقدر عليها، أفلا أدّلكَ على شيءٍ تكثر به دنياك، ويكثر به تبعك؟ قال: بلى، قال: تبتدع ديناً وتدعو إليه الناس. ففعل، فاستجاب له الناس وأطاعوه، وأصاب من الدنيا، ثمَّ أنَّه فكّر فقال: ما صنعت؟ ابتدعت ديناً ودعوت الناس، وما أرى لي توبة، إلا أن آتي مَن دعوته إليه فأردّه عنه، فجعل يأتي أصحابه الذين أجابوه، فيقول لهم: إنَّ الذي دعوتكم إليه باطل وانما ابتدعته، فجعلوا يقولون: كذبت وهو الحق، ولكنَّك شككت في دينك فرجعتَ عنه، فلما رأى ذلكَ عمد إلى سلسلة فوتد لها وتداً ثم جعلها في عنقه، وقال: لا أحلّها حتى يتوب اللّه عزَّ وجلَّ عليَّ، فأوحى اللّه عزَّ وجلَّ إلى نبي من الأنبياء: قل لفلان: وعزتي، لو دعوتني حتى تنقطع أوصالك، ما استجبت لك، حتى تردَّ مَن مات إلى ما دعوته إليه، فيرجع عنه): البرقي، أبو جعفر، المحاسن، ج: 1، ص: 328، ح: 7.
              فكيفَ إذا حُفَّ الأمرُ بقرائن توحي بالعكس، وكيفَ إذا صدرت هذه الكلمةُ بهذا التسامح من إنسانٍ جلسَ في الموقع الذي يُحاسبُ فيه على الصغيرة والكبيرة من أطراف كلامه؟
              وعلى أيّة حال فإنَّ ما تكلَّفه (ابنُ تيمية) أمرٌ مرفوضٌ من الناحية العلمية بالدرجة الأُولى، ومن ناحية كونه التفافاً معلناً على الحقائق، وتزويراً صريحاً للمفاهيم الإسلامية، بما يصبُّ في صالح الأحقاد المذهبية، والتعصب الذميم.
              التبريرُ الثاني: لأبي إسحاق الشاطبي
              ومن النافين لتقسيم (البِدعة) الذين حاولوا توجيهَ صلاة (التراويح) (أبو إسحاق الشاطبي)، حيثُ أقامَ استدلالَه على ركيزتين:
              الركيزة الاولى:
              إنَّه اعتبرَ الفترةَ الزمنيةَ التي تركَ فيها رسولُ اللهِ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) أداءَ التراويح حسب زعمه، مضافاً إلى الفترة التي لم يصلِّ فيها (أبو بكر) هذه الصلاة.. اعتبرها كافيةً لتطبيق التعريف اللغوي على (البِدعة)، وأنَّها ليست مسبوقةً بمثالٍ سابق، فلم تُستعمل في المعنى الشرعي، لكي نلجأ للقول بالتقسيم.
              الركيزة الثانية:
              إنَّه عدَّ تسميتَها بالبِدعة أمراً هيِّناً ومبنياً على قاعدة أنْ (لا مشاحةَ في الأسامي)، ولا حاجة للعناء في توجيه ذلك ما دامَ الأمرُ مجردَ تسميةٍ عابرة؛ فنراه يوردُ الإشكالَ الواردَ على تقسيم (البِدعة)، ثمَّ يجيبُ عليه حيثُ يقولُ:
              (فانْ قيلَ: فقد سمّاها عمرُ رضيَ اللهُ عنه بِدعةً، وحسَّنها بقوله: نعمتِ البدعةُ هذهِ، وإذا ثبت بِدعة مستحسنة في الشرع ثبت مطلقُ الاستحسان في البدع، فالجوابُ: إنَّما سماّها بِدعةً باعتبار ظاهرِ الحال من حيثُ تركها رسولُ اللّهِ صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، واتفقَ أنْ لم تقع في زمان أبي بكر، لا أنَّها بِدعةٌ في المعنى، فمن سمّاها بِدعةً بهذا الاعتبار فلا مشاحةَ في الأسامي)(1) .
              فـ (الشاطبي) هنا يجعلُ (التراويح) من حيثُ أصلها ذاتَ وجهين:
              الوجه ألأول:
              هي عنده ذاتُ أصلٍ في الدين، باعتبار أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد صلاّها لياليَ ثمَّ انقطعَ عنها كما يُدَّعى، وبهذا تخرجُ عن كونها (بِدعةً) في الاصطلاح الشرعي؛ لأنَّ المعنى المصطلح والمذموم هو ما لم يكن له أصلٌ شرعي يستندُ إليه.
              ____________
              (1) الشاطبي، أبو إسحاق، الاعتصام، ج: 1، ص: 195.
              الوجه الثاني:
              هي في نفس الوقت لا تمتلكُ أصلاً، وليس لها سابقُ مثال، باعتبار أنَّ النبي (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد انقطع عنها، ولم يصلِّها أبو بكر، فيصحُ إطلاقُ لفظِ (البِدعة) عليها بهذا الاعتبار، أي باعتبار أنَّها لم تُصلَّ في برهةٍ زمنية معينة.
              ومن الواضح انَّ كلامَ (الشاطبي) هنا لا يسلمُ من المعارضة السابقة لكلام (ابن تيمية) المتقدم، وإن كانَ (الشاطبي) لم يصرّح هنا بأنَّ (البِدعةَ) قد استُعملت في معناها اللغوي كما فعلَ (ابنُ تيمية)، وإنَّما تركَ الكلامَ غائماً، ومشوباً بالغموض والإبهام.
              وعلى أيةِ حال فإنَّ ذكرَ (الشاطبي) لهذهِ الفترة الوسطية التي لم تُصلَّ فيها (التراويح) على ما قالَ كانَت سبباً يسوِّغُ الاستعمالَ اللفظي للـ (البِدعة) في الحادث الذي ليس له مثالٌ سابق، وهو ما لا يصحُ هنا، لأنَّ تركَ العمل لمدة معينة غير كافٍ في انطباق عنوان (ما ليسَ له مثالٌ سابق) عليه.
              فلو أنَّ رسولَ اللّهِ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) كانَ قد صلّى (صلاةَ الاستسقاء) مثلاً لقحطٍ أصابَ المسلمين، وندرةٍ في الأمطار، ثمَّ تركَ الصلاةَ إلى أن ارتحلَ إلى الرفيق الأعلى، ثمَّ صُلّيت هذهِ الصلاةُ بعد عشرينَ عاماً لنفس السبب السابق، فهل يسوِّغُ لنا أن نقولَ هنا بأنَّ (صلاةَ الاستسقاء) (بِدعةٌ)، ونطبقَ اللفظَ لغوياً على هذا المعنى المتأخر زماناً؟ وهل لنا أنْ نبررَ هذا الاستعمالَ اللغوي باعتبار الفترة الوسطية التي تخللت الفعلين؟!
              هذا كلُّه بالإضافة إلى ما ذكرناه سابقاً من حاجة مثلِ هذا الاستعمالِ في المعنى اللغوي إلى قرينةٍ صارفةٍ تعيِّنُ المقصودَ، وتصحّحُ الاستعمال.
              وإذا كانَ مرادُ (الشاطبي) من ذكر الفترة الوسطية بين الفعلين هو أنَّ إطلاقَ لفظ (البِدعة) هنا إطلاقٌ تسامحي، وأنَّه من بابِ ما يُعبِّرُُ عنه بالقول: (فلا مشاحةَ في الاصطلاح)، فهو مرفوضٌ أيضاً لسببين:
              السبب الاول:
              إنَّ هذا المعنى إن تمَّ واستقامَ في شيءٍ، فهو لا يتمُّ في التعامل مع مصطلحات الشريعة الإسلامية، وخصوصاً مثل مفهوم (البِدعة) الذي يُعدُّ من المفاهيم الإسلاميةِ الدقيقةِ والحسّاسة، التي لا يمكنُ التسامحُ في أمر تناولها، وتطبيقُها على الموارد المختلفة، من دون تثبُّتٍ، ودقةٍ، واستقصاءٍ، وخصوصاً من قبل الأشخاص الذين يعتلون المواقعَ الحساسةَ التي تطمحُ إليها الأبصار، إذ أنَّ أيةَ مسامحة من هذا القبيل، سوف تعرِّضُ مفاهيمَ الشريعةِ الاصطلاحيةِ إلى التذبذب والارتباك.
              السبب الثاني:
              إنَّ هذا الأمر الذي ذكره (الشاطبي) يمكنُ أنْ يجريَ في إطلاق لفظ (البِدعة) على غير موارد الذم والحرمة أيضاً مما لم يكن له وجودٌ في عهد رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) بمثل الاعتبار المذكور، أي أنْ يقالَ بأنَّه (بِدعة) باعتبار أنَّه لم يكن موجوداً في عهد رسولِ اللّهِ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، كما لو تمَّ إطلاقُ لفظ (البدعة) على استعمال (الهاتف) أو (المذياع) أو (مكبّرة الصوت)، فيقال بأنَّها بدعٌ، بلحاظ عدم وجودها في زمن النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، كما ادَّعى (الشاطبي)، ويُعتذرُ لذلك بالقول بأنَّه (لا مشاحةَ في الأسامي)، فيرجعُ الأمرُ في النتيجة إلى تقسيم (البِدعة) إلى مذمومة وممدوحة، إذ يمكنُ أن نوجدَ لحاظاً واعتباراً لكل الأُمور الحادثة الممدوحة، ونبررَ تطبيقَ لفظ (البِدعة) عليها على هذا الأساس؛ وهذا ما رفضه (الشاطبي) أشدَّ الرفض، حين أكَّدَ بطلانَ القول بالتقسيم بشكلٍ مطلق.
              التبرير الثالث: لصالح الفوزان
              ويواجه (الفوزان) نفسَ المشكلة التي واجهت النافينَ لتقسيم (البِدعة) في معالجة (التراويح)، مقرراً أنَّ الأحاديثَ الصحيحةَ صرّحت بأنَّ كلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ من دون أي استثناء، وهذا يعني أنَّ من حقنا أنْ نحملَ كلمةَ (البِدعة) الواردة في مقولة: (نعمتِ البدعةُ هذهِ) على الضلالة المحرَّمة؛ لأنَّ كلَّ بِدعةٍ ضلالةٌ، وهذهِ (بِدعةٌ)، فهي إذن ضلالةٌ، وهذا لونٌ من ألوانِ القياس العقلي الذي لا يقبلُ التشكيك، فيعودُ (الفوزان) إلى خلفيات هذهِ الصلاة المحدثة، ويحاولُ أنْ يعالجَ الأمرَ من الجذور، بعد اليأس من درجها ضمنَ دائرة المندوبِ أو المباح، كما كانَ يفعلُ القائلونَ بالتقسيم.
              وقد عمدَ إلي تبرير إطلاق لفظ (البِدعة) هنا بانتهاج سبيلين:
              السبيل الأول:
              إنَّه ادّعى أنَّ لفظَ (البِدعة) الواردَ في الحديث المتقدم محمولٌ على معناه اللغوي لا الاصطلاحي، فيقولُ:
              (وقولُ عمر: (نعمت البِدعةُ)، يريدُ البدعةَ اللغويةَ لا الشرعية)(1) .
              وقد حاولَ أنْ يضيِّقَ من المدلول اللغوي لهذه الكلمة، ويتصرفَ في أصل وضعها بما ينسجمُ مع هذهِ المقولة، فأضافَ:
              (فما كانَ له أصلٌ في الشرع يُرجعُ إليه إذا قيلَ إنَّه بِدعةٌ، فهو بِدعةٌ لغةً لا شرعاً)(2) .
              ____________
              (1) الفوزان، صالح، البِدعة - تعريفها - أنواعها - أحكامها، ص: 9.
              (2) الفوزان، صالح، البِدعة - تعريفها - أنواعها - أحكامها، ص: 9.
              فالملاحظُ أنَّه يجعلُ الفعلَ الذي يكونُ له أصلٌ في الشرع من أفراد المعنى اللغوي للبِدعة، وهذا ما لم يتفوه به أحدٌ من السابقين أو اللاحقين.
              وعلى ضوء رأي (الفوزان) سوفَ تكونُ جميعُ السُّنن الثابتةِ في الشريعة الغرّاء بِدَعاً محدثةً في المعنى اللغوي على حدِّ زعم (الفوزان)، فبناءً على هذا الرأي تكونُ (الصلاةُ) بِدعةً لغةً، و(الصومُ) بِدعةً لغةً، و(الحجُّ) بِدعةً لغةً لا اصطلاحاً.. وهكذ، والنتيجةُ أنَّ هذا المبنى لا يقلُّ شناعةً عن القول بتقسيم (البِدعة) الذي فرَّ منه (الفوزان)، فهو كالمستجيرِ من الرمضاءِ بالنارِ.
              وهذا الاستنتاجُ منه خلافٌ فاضحٌ لما ذكره قبلَ صفحتين من موضوع كلامه هذا، عندما تعرَّضَ لذكر المعنى اللغوي للبِدعة حيثُ يقولُ:
              (البِدعةُ في اللغةِ مأخوذةٌ من البدع وهوَ الاختراعُ على غيرِ مثالٍ سابقٍ، ومنه قولُه تعالى: بَدِيعُ السَمواتِ والأَرض(1) ، أي مخترعُها على غيرِ مثالٍ سابق، وقولُه تعالى: قُلْ ما كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسلِ (2)، أي ما كنتَ أولَ مَن جاءَ بالرسالة من اللّهِ تعالى إلى العباد، بل تقدمني كثيرُ من الرسل، ويُقالُ: ابتدعَ فلانٌ بِدعةً، يعني ابتدأَ طريقةً لم يُسبق إليها)(3) .
              فمن الواضح أنَّ المعنى اللغوي للـ (البِدعة) يأبى التفسيرَ الذي ذكره (الفوزان) لها على نحو التحميل، وذلك حسبَ إقراره هو، وتصريحه بذلك، إذ (البِدعةُ) لغةً هي: (ما لم يكن له مثالٌ سابق)، حسبَ قولِ أئمةِ اللغة وعلمائها بالاتفاق، فكيفَ يمكنُ أنْ تُطبَّقَ على ما كانَ له أصلٌ سابقٌ في الشريعة، وهل أنَّ بامكانِ أحدٍ أنْ يوسِّعَ أو يضيِّقَ المداليلَ اللغويةَ للألفاظ متى شاءَ، وأنّى أراد؟
              ____________
              (1) البقرة: 117.
              (2) الأحقاف: 9.
              (3) الفوزان، صالح، البِدعة ـ تعريفها ـ أنواعها ـ أحكامها، ص: 5.

              إنْ هذا إلا عبثٌ سافرٌ بالألفاظ، وخلطٌ واضحُ التهاترِ والبطلان.
              السبيل الثاني:
              إنَّه ادَّعى أنّ صلاةَ (التراويح) كانَت قائمةً في عهد النبي الخاتَم (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ)، وانَّه (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) قد صلاها بأصحابه مدّةً، ثمَّ انقطعَ عنها، حيثُ يقولُ:
              (والتراويحُ قد صلاّها النبي بأصحابه ليالي، وتخلَّفَ عنهم في الأخير، خشيةَ أنْ تُفرضَ عليهم، واستمرَ الصحابةُ - رضيَ اللهُ عنهم - يصلّونَها أوزاعاً متفرّقينَ في حياة النبي صَلّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ، وبعد وفاته، إلى أنْ جمعهم عمرُ بنُ الخطاب رضيَ اللهُ عنه خلفَ إمامٍ واحدٍ كما كانَوا خلفَ النبي، وليسَ هذا بِدعة في الدين)(1) .
              وقد أثبتنا فيما سبقَ أنَّ النبي الخاتَمَ (صَلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وسَلَّمَ) لم يصلِّ هذه الصلاةَ المزعومة، بل نهى عن الإتيان بنوافل شهرِ رمضانَ جماعةً، وعنَّفَ بعضَ الصحابة الذين حاولوا ذلك لبضعة ليالٍ، ووصفَ هذا العملَ بأنَّه بِدعةٌ محدثةٌ.
              ____________
              (1) الفوزان، صالح، البِدعة - تعريفها - أنواعها - أحكامها، ص: 9 - 10.



              يتبع

              تعليق

              يعمل...
              X