تويت
المنهج الإداري
بين الإستقرار والإستحمار
للمستشار القانوني
رامي احمد الغالبي
بين الإستقرار والإستحمار
للمستشار القانوني
رامي احمد الغالبي
الحمد لله والحمد حقه كما يستحقه حمداً كثيراً دائماً أبدا ، لا تحصي له الخلائق عددا وصلاته وسلامه على خير خلقه احمدا وعلى آله الغر الميامين صلاةً وسلاماً دائما سرمدا، اما بعد.
يُعد موضوع المنهج الإداري من المواضيع الجوهرية التي يقوم على أساسها النظام في جميع البلاد، ويختلف هذا المنهج تبعاً لإختلاف انماط التفكير الإداري للقائمين على ادارة هذه البلدان فإما أن يكون هذا المنهج رصين ويؤدي إلى الإستقرار والإزدهار والعيش الكريم، وإما أن يكون هذا المنهج فوضوي يعبر عن إستحمار المسؤولين وبالتالي يؤدي إلى الدمار والضياع واضمحلال معالم الرقي والتقدم.
وموضوع تقريرنا هذا حول المنهج الإداري المتبع في العراق والى أين سيصل بنا هذا المنهج؟؟ ، وما هي الآلية المناسبة لحل بعض المشاكل البديهية في المؤسسات الإدارية .
في بادئ ذي بدئ بودنا أن نعلم جذور المنهج الإداري حيث يذهب جمهور الباحثين إلى نشأة علم الادارة بمفهومها تعود إلى بداية ظهور المجتمع الصناعي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حيث شعر المفكرون بضرورة تنظيم العلاقة بين الافراد في المجتمع الواحد ومسئولية الحكومة القائمة نحو المواطنين في تنظيم شئون حياتهم وتقديم الخدمات الاجتماعية والاقتصادية الضرورية لهم ومن هنا شعر رجال الاعمال بضرورة قيام فكر اداري ينظم ويوجه ويقنن الوسائل والاساليب التي ترتبط بالإنتاج والمعاملات وبدأت نظريات الادارات التربوية التي اصبحت الان في رحاب العلوم التربوية . غير ان هذا لا يعني ان الادارة لم تكن معروفة قبل ذلك فنشأة الادارة ترجع الى بداية الخلق الا انها كانت تعتمد بصورة اكبر على الصفات الذاتية والموهبة الشخصية لبعض الحاكمين والإداريين ولم تحظ بالتسجيل والإعلام والنشر الذي لاقته في العصر الحاضر .
ولعل اول من قام بدراسة الادارة على اساس علمي هو فردريك تايلور في كتابه مبادئ الإدارة العلمية ثم تطور مفهوم الادارة تطورا سريعا بعد الحرب العالمية الثانية بحيث اصبحت نظرة المفكرين والدارسين نحو مفهوم الادارة اكثر شمولية وذلك في محاولة منهم لتحديد اهدافها ووظائفها والعناصر التي تتكون منها وقد نتج عن هذه النظرة الشاملة لمفهوم الادارة وقد بذل كثير من رجال الفكر الاداري جهودا طيبة في محاولة لتحديد مفهوم الادارة وان اختلفت آرائهم وتباينت وجهات نظرهم في هذا المجال .
إلا أننا نعتقد أن جذور علم الإدارة كان في عهد الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم أكملت لبنات المنهج الإداري الرصين في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقد كانت رؤيته الإدارية (عليه السلام) تعتمد على التناسق والتعاضد لأنّ رؤيته للحياة رؤية شاملة لكل أبعادها وأركانها وأجزائها.
فالإقتصاد متداخل مع السياسة وهما يعتمدان على الادارة، فإذا ما تتبعنا حلقات فكر الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) لوجدنا أنها تستمد مِن رؤيته الثابتة عن الإنسان، طبيعته، وأساليب رقيه، مشاكله وكيفية مواجهته لها، ذلك لأنّ الادارة في المنظور الإسلامي ليست أدوات صماء، بل هي تقوم على أكتاف البشر، والبشر فيهم عوامل قوة وعوامل ضعف، وبقدر تفعيل عوامل الخير وتحريك الطاقات الكامنة في البشر تتقدم المؤسسات والمشاريع وهي بأجمعها رهن الادارة الجيدة.
فالمدير الجيد هو الذي يعرف طبيعة الناس الذين يتعامل معهم، ويعلم ما الذي يُحركهم؟ وماذا يثبّط عزائمهم؟ يعرف متى يتقدمون ومتى يتأخرون؟ وما مِن نظرية إدارية إلاّ وهي قائمة عَلى رؤية أصحاب هذه النظرية إلى الإنسان، فالرأسمالية الإحتكارية التي تنظر إلى الانسان ككتلة مِن اللحم الصماء تتعامل معه بطريقة خاصة تقوم على هذه الرؤية، فهي لا تُعير أهمية للمحفزات المعنوية التي تدفع بالإنسان إلى الأمام عشرة أضعاف المحفزات المادية.
إذن النظرية الإدارية المتكاملة هي التي تبدأ أولاً بالإنسان.. ماهيته، وممّ يتكون، وكيف يتعامل مع الحياة؟ وماهي مشاكله وكيف يتقدم؟ وما هو السبيل إلى توجيهه الوجهة الصحيحة؟.
وفي ضوء ما تقدم يكون لدينا منهج إداري رصين قائم على أساس التوصيف الوظيفي وجعل كل مختصٍ يعمل ضمن إختصاصه دون تقويض جهوده بإملاءاتٍ فارغة قائمة على اهواءٍ شخصية كما سيأتي، وبطبيعة الحال إن هذا النوع من المناهج الإدارية يؤدي بنا إلى الإستقرار ومواكبة التطور المهني على كافة اصعدة العمل الإداري في مؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية.
أما في الجبهة المقابلة جبهة الفساد الإداري التي نخرت مجتمعنا المسكين واستفحلت ضباعها على هذا البلد العظيم، فيكون المنهج الإداري قائم على الإستحمار الوظيفي من قبل غير المختصين وجعل الشخص الساذج في المكان الرصين والمهم، وغير المختص في اهم الأماكن التي تحتاج إلى إختصاص، أو تقويض عمل المختصين بإجتهاداتٍ شخصية من قبل ارباب العمل تؤدي إلى ضياع المؤسسة الإدارية بل ضياع بلدٍ بكامله ويتعلق هذا المنهج بمظاهر الفساد والانحرافات الإدارية والوظيفية أو التنظيمية وتلك المخالفات التي تصدر عن الموظف المكلف بخدمة عامة أثناء تأديته المهام في منظومة التشريعات والقوانين والضوابط ومنظومة القيم الفردية التي لا ترقى للإصلاح وسد الفراغ لتطوير التشريعات والقوانين التي تغتنم الفرصة للاستفادة من الثغرات بدل الضغط على صناع القرار والمشرعين لمراجعتها وتحديثها باستمرار.
وهنا تتمثل مظاهر الفساد الإداري في عدم احترام أوقات العمل أو التراخي أو التكاسل وعدم تحمل المسؤولية وإفشاء أسرار الوظيفة كما تتمثل مظاهر الفساد الإداري باضطرار المواطنين إلى إتباع أساليب ملتوية لإنجاز أعمالهم بسبب عجز أو تقصير الجهاز الاداري عن الإنجاز.
ولنستعرض بعض امثال الإستحمار الإداري في بلدنا العزيز :
1- إن تحميل كاهل المواطن ثقل اخطاء الحكومات المتعاقبة والتي ادت الى تسليم ثلثي العراق الى داعش وحدوث كوارث كمجزرة سبايكر المفجعة وغيرها، وإستقطاع جزء من مرتبات الموظفين تعويضاً لشهداء سبايكر مع بقاء مخصصات السياسيين ومرتباتهم يعد إستحماراً ادارياً.
2- إن دفع مرتبات ضخمة إلى ألاف الحمايات الشخصية للمسؤولين العراقيين وتقديم الفتات الى المرابطين في سوح الجهاد من ابناء حشدنا المقدس هو استحمار اداري.
3- إن علم الجهات المختصة بفساد المسؤولين والمدراء العامين وسكوتهم عنهم لفترة من الزمن بسبب التوافقات السياسية هو إستحمار اداري.
4- إن وقوف آلاف السيارات في طوابير ضخمة قرب بعض السيطرات لكي يسألك القائم على هذه السيطرة من أين أتيت؟؟ والى أين تذهب؟!!، مع تكرار الإختراقات الأمنية لهذه السيطرات هو إستحمار إداري.
5- سكوت الموظف على الأوامر الغير قانونية الصادرة من مديره الأعلى وعدم معارضته أياه يعد استحماراً إدارياً.
وغير هذه الحالات التي أصبحت محل نقاش المواطنين في كافة محافظات بلدنا العزيز.
وما نعتقده من معالجاتٍ رصينة لهذا الإستحمار ينحصر في ما يلي:
1- إنشاء جدول التوصيف الوظيفي في مؤسسات الدولة
فالتوصيف الوظيفي من اهم الاساسيات التي تضمن للمؤسسة الادارية , أو الوظيفة بصفة عامة التقسيم الاداري والمهني الرصين والذي يكون بدوره اساساً لتقسيم الاعمال والمهام كل حسب تخصصه.
فيجب ان يكون لكل وظيفة وصفها الخاص, حيث يتم إعداد الوصف الوظيفي لكي يعطي للموظف صورة واضحة بما يجب فعله وما هي حدود اختصاصه الوظيفي.
ويجب ان يكون الوصف الوظيفي وثيقة ملخصة تصف مهام الموكلة لكل قسم فظلاً عن المهام الموكلة لكل موظف اداري.
2- اخذ دوائر الإدعاء العام دورها الطبيعي.
يعد الإدعاء العام في الدرع الأساسي لمواطني الدولة في كل قضية تخص الرأي العام حيث يتحرك السيد المدعي العام تلقائياً في أي قضية تعرض على الرأي العام ويكون لها صدى وبالتالي يكون هنالك نوع من الردع لبعض المستحمرين في مؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية، أما في حالة ما اذا لم يوجد هذا التحرك من قبل الإدعاء العام فلا شك من أن ازدياد الفساد الإداري سيكثر بشكل كبير حيث أن من أمن العقاب أساء الأدب.
3- إرتباط مدراء الدوائر القانونية في المؤسسة بمكتب المفتش العام.
حيث تعد الدائرة القانونية المسؤولة عن كافة الملفات ذات الطابع القانوني في المؤسسة الإدارية وعند اكتشافها لملف فساد يجب ابلاغ مكتب المفتش العام للوزارة المسؤولة عن هذه المؤسسة، لا أن يرتبط بمدير عام المؤسسة لئلا يكون هنالك ضغط في اخفاء الحقائق ويكون رجل القانون مطية بيد الفاسدين ، أما إذا كان رجل القانون فاسداً بالأساس فما على موظفي الدائرة إلا بالتحرك نحو الجهات المختصة كالنزاهة والإعلام لبيان حقائق فساد أرباب هذه المؤسسة او تلك.
إن هذه النقاط ليست من وحي الخيال فهي تقدم تُرجماناً واقعيا عن المجتمع الساعي نحو الإستقرار وابتعاده عن الإستحمار، فالراضي بفساد مديره خوفاً من تبعاتٍ شخصية يكون مساهماً اصلياً بدمار بلده ويُحاسب على سكوته شرعاً وقانونا.
وقبل أن يجف ريق القلم اقول أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على خير خلقه أجمعين أبا الزهراء محمدٍ الأمين وعلى آله الغر الميامين وسلم تسليما كثيرا.
تعليق