الإمام علي ( عليه السلام ) في رأي معاوية بن أبي سفيان
1 - معاوية يعترف : علي حلاّل المشكلات .
قال العلاّمة الحافظ المناوي الشافعي : إنّ معاوية كان يرسل أناساً يسأل علياً ( عليه السلام ) عن المشكلات ـ سواء معضلاته أو معضلات غيره ـ فكان علي ( عليه السلام ) يجيبه ، فقال أحد بنيه : تجيب عدوك ! ؟ قال ( عليه السلام ) : ( أَما يكفينا أن احتاجنا وسألنا ؟ ) (1) .
2 - معاوية يعترف : كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يغر علياً ( عليه السلام ) بالعلم غراً .
أخرج الإمام أحمد بن حنبل ، وآخرون من حفّاظ أهل السُنة ومفسّريهم ، بإسنادهم عن قيس بن أبي حازم ـ وهو من ثقات الرواة عند أهل السنة ـ أنّه قال : إنّ رجلاً سأل معاوية عن مسالة . فقال : اسأل عنها علياً فهو أعلم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، جوابك فيها أحب إليّ من جواب علي ، قال معاوية : بئس ما قلت ، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يغره بالعلم غراً ، ولقد قال له : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ) ، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه ـ ويلجأ إلى علي في حل مسائله ـ ثمّ قال معاوية للرجل : قم لا أقام الله رجليك ، ومحا اسمه من الديوان (2) .
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) فيض القدير 4 : 356 ح 5593 ( علي عيبة علمي ) عن شرح الحمزية .
( 2 ) فضائل الصحابة 2 : 675 ح 1153 ، مناقب أمير المؤمنين لأحمد بن حنبل : 197 ح 275 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : 34 ح 52 ، ذخائر العقبى : 79، الرياض النضرة 3
وروى عنه ابن حجر : ولقد كان عمر يسأله ويأخذ عنه ، ولقد شهدته إذا أشكل عليه شيء قال : هاهنا علي ، قم لا أقام الله رجليك (1) .
3 - معاوية يعترف : علي مع الحق . ..
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر ، وآخرون من أعلام الحديث والتاريخ من أهل السُنة ، بإسنادهم قالوا : حجّ معاوية بن أبي سفيان فمرّ بالمدينة ، فجلس في مجلس فيه سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، فالتفت إلى عبد الله بن عباس فقال : يا بن عباس ، إنّك لم تعرف حقنا من باطل غيرنا . .. وقرعه ابن عباس بجواب فحار منه معاوية ، فتركه وأقبل على سعد فقال : يا أبا إسحاق ، أنت الذي لم تعرف حقنا ، وجلس فلم يكن معنا ولا علينا ، فقال سعد : فإنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول لعلي : ( أنت مع الحق والحق معك حيثما دار ) . فقال معاوية : لتأتيني على هذا ببيّنة ، فقال : سعد : هذه أمّ سلمة تشهد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقاموا جميعاً فدخلوا على أمّ سلمة فقالوا : يا أمّ المؤمنين ، إنّ الأكاذيب قد كثرت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا سعد يذكر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما لم نسمعه ، إنّه قال ـ لعلي ـ : ( أنت مع الحق والحق معك حيثما دار ) .
ـــــــــــــــــــــــــــ
162 ، تاريخ مدينة دمشق 42 : 170 - 171 ، فرائد السمطين 1 : 371 باب ( 68 ) ح 302 ، جواهر العقدين : القسم الثاني : 205 ، الصواعق المحرقة : 179 واكتفى ابن حجر في كتابه هذا بذكر حديث المنزلة فقط ، نظم درر السمطين : 134 ، فيض القدير 3 : 46 ح 2705 ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) .
( 1 ) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 : 70.
فقالت أمّ سلمة : في بيتي هذا ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) .
فقال معاوية لسعد : يا أبا إسحاق ، ما كان ألوم الآن ـ أي أنّك يا سعد ألوم الناس عندي ـ إذ سمعت هذا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجلست عن علي ( عليه السلام ) ، لو سمعت هذا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لكنت خادماً لعلي ( عليه السلام ) حتى أموت (1) .
وروى المسعودي عن محمد بن جرير الطبري ، عن ابن أبي نجيح ، قال : لمّا حجّ معاوية وطاف بالبيت ومعه سعد ، فلمّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة ، فأجلسه معه على سريره ، ووقع معاوية في علي ( عليه السلام ) ، وشرع في سبه (2) . فزحف سعد ، ثمّ قال : أجلستني معك على سريرك ، ثمّ شرعت في سب علي ( عليه السلام ) ، والله ، لأن يكون فيَّ خصلة واحدة من خصال كانت لعلي ( عليه السلام ) ، أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله ، لأن أكون صهراً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنّ لي من الوُلد ما لعلي ، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله ، لأن يكون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لي ما قال له يوم خيبر : ( لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبه اللهُ ورسوله ، ويحب اللهَ ورسوله ، ليس بفرّار ، يفتح الله على يديه ) ، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله ، لأن يكون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لي ما قال له في غزوة تبوك : ( أَلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبي بعدي ؟ ) أحب إلي من أن يكون لي
ــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) تاريخ مدينة دمشق 20 : 360 ترجمة سعد بن أبي وقاص ، المناقب للسروي 3 : 62 أخرجه عن كتاب اعتقاد أهل السنة لعبد العزيز الأشهي الشافعي ، مجمع الزوائد 7 : 235 عن مسند البزار ، أرجح المطالب : 600 عن ابن مردويه ، إحقاق الحق 5 : 631 أخرجه عن مفتاح النجاة للبدخشي : 66.
( 2 ) روى ابن حجر في فتح الباري 7 : 60 لمّا طلب معاوية من سعد أن يسب علياً قال سعد : لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسب علياً ما سببته أبداً. .. ( المعرّب )
ما طلعت عليه الشمس ، وأيم الله ، لا دخلت لك داراً ما بقيت ، ثمّ نهض .
وزاد المسعودي فقال : وجدت في كتاب علي بن محمد بن سليمان النوفلي في الأخبار : أنّ سعداً لمّا قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية وقال له : اقعد حتى تسمع جواب ما قلت ، ما كنت عندي قط أَلأم منك الآن ، فهلاّ نصرته ؟ ولِمَ قعدت عن بيعته ؟ فإنّي لو سمعت من النبي ( صلى الله عليه وآله ) مثل الذي سمعت فيه ، لكنت خادماً لعلي ( عليه السلام ) ما عشت (1) .
أقول : وقد استجاب الله دعاء المؤمنين : اللهم اشغل الظالمين بالظالمين ، ليأمن الناس من شرهم ، واستنادهم إلى الحكمة القائلة : الفضل ما شهدت به الأعداء ، التي تكشف عن بيان حقيقة علو رتبة صاحبها ، فترى أنّ معاوية بن أبي سفيان وسعد بن أبي وقاص ـ كلاهما ظَلم علياً ( عليه السلام ) حقه ـ يتنازعان في علي ( عليه السلام ) ، وكل منهما يحتج على الآخر ، ويخطّئه بذكر فضائل الإمام علي ( عليه السلام ) .
وأمّا معاوية وإن كان هو الآخر قد سمع هذه المناقب العلوية ، مثل حديث المنزلة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما روي في أكثر من عشر مصادر عن معاوية ، إلاّ أنّه أنكر في هذه الرواية ؛ تقريعاً لسعد بن أبي وقاص حيث قال له : فإنّي لو سمعت من النبي ( صلى الله عليه وآله ) مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعلي ما عشت .
ويجدر بنا أن نبارك لمعاوية ، هذا الاعتراف بأهمية حديث المنزلة ، وحديث أنت مع الحق ، وتحقيره لسعد بن أبي وقاص ، بأنّه أحقر وأشأم إنسان ؛ ذلك بسبب تخلّفه عن بيعة علي ( عليه السلام ) ونصرته .
ـــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) مروج الذهب 3 : 14 في ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان ، تذكرة الخواص 18 - 19 رواه بالإجمال .
ولا يخفى أنّ معاوية هو أحقر وأشأم من سعد ؛ لأنّه لو لم يكن قد سمع بحديث أنت مع الحق وحديث المنزلة ، قبل سماعه من أمّ المؤمنين أمّ سلمة زوج الرسول ، التي يعتمد على روايتها الشيعة والسنة ، لكانت المسالة هيّنةً ، ولكنّه قد سمع وتغاضى عنه ، وهو في الحين نفسه سنّ سُنته السيئة ( لعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وسبه على المنابر وفي صلاة الجمع ) التي دامت سبعين سنة ، بحيث لمّا أمر الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز ، بالكف عن شتم علي ( عليه السلام ) على المنابر فقط ، صاح به الناس الذين تأسّوا بمعاوية وقالوا : تركت السُنة وغيّرتها (1) .
فعلى هذا ، فلو كان لحديث ( أنت مع الحق ) و ( المنزلة ) هذه الدرجة من الأهمية ، بحيث يتمنّى معاوية أنّه لو كان قد سمعه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أن يخدم علياً ( عليه السلام ) مدى حياته ، إذن ، فلا ريب أنّ مخالفة علي ( عليه السلام ) والانحراف عنه تعتبر إنكاراً للحق ، فكيف إذاً آلت هذه المخالفة إلى ، محاربته ، وقتال أصحابه وسبه ، والأمر بلعنه ( عليه السلام ) ، الذي سنّه معاوية ، فهل هو شيء غير الكفر ومخالفة الإسلام والنبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
أخرج العلاّمة الجويني بسنده قال : اجتمع الطرماح الطائي ، وهشام المرادي ، ومحمد بن عبد الله الحميري ـ وهم من أشهر شعراء العرب ـ عند معاوية ، فأخرج ـ معاوية ـ بدرة ووضعها بين يديه فقال : يا شعراء العرب ، قولوا قولكم في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ولا تقولوا إلاّ الحق ، فأنا نفي عن صخر بن حرب ـ أي أنّي لست ابن صخر ـ إن أعطيت هذه البدرة إلاّ مَن قال الحق في علي ( عليه السلام ) : فقام الطرماح فتكلم في علي ( عليه السلام ) ووقع فيه !! فقال له معاوية : اجلس فقد علم الله نيتك ورأى مكانك .
ــــــــــــــــــــ
( 1 ) شرح نهج البلاغة 13 : 220 - 222.
ثمّ قام هشام المرادي فقال ووقع فيه . فقال له معاوية : اجلس مع صاحبك قد علم الله نيتكما ورأى مكانكما . ثمّ قال عمرو بن العاص لمحمد بن عبد الله الحميري - وكان خاصاً به ، وهذا الحميري هو جد السيد المرتضى لأمّه ـ : تكلم ولا تقل إلاّ الحق في علي ( عليه السلام ) . ثمّ قال : يا معاوية ، قد آليت أن لا تعطي هذه البدرة ، إلاّ قائل الحق في علي ( عليه السلام ) ؟ قال معاوية : نعم ، أنا نفي من صخر بن حرب ، إن أعطيت هذه البدرة إلاّ مَن قال الحق في علي ( عليه السلام ) . فقام محمد بن عبد الله فتكلم فقال :
فقال معاوية : أنت أصدقهم قولاً فخذ البدرة (1) .
أقول : الأبيات الخمس الأخيرة ، قد حذفت من كتاب فرائد السمطين ، الذي طبع في الآونة الأخيرة ، وهي موجودة في النسخة الخطية ، التي اعتمدها العلاّمة الأميني في غديره ، والقصيدة بكاملها 17 بيتاً ، نقلها الجويني من الخصائص العلوية على سائر البرية للحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد النطنزي .
5 - معاوية يعترف : علي ( عليه السلام ) أكرم الناس أباً وأُمّاً .
أخرج العلاّمة المحدّث البيهقي وقال : قال معاوية ذات يوم وعنده أشراف الناس من قريش وغيرهم : أخبروني بخير الناس ، أباً وأُمّاً ، وعماً وعمةً ، وخالاً وخالةً ، وجداً وجدةً ، فقام مالك بن عجلان فأومأ إلى الحسن ( عليه السلام ) فقال : ها هو ذا ، أبوه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأمّه فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعمه جعفر الطيّار في الجنات ، وعمته أمّ هانئ بنت أبي طالب ، وخاله القاسم بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وخالته زينب بنت
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) فرائد السمطين 1 : 375 باب ( 68 ) ح 305 ، الغدير 2 : 177، بحار الأنوار 33 : 258 ح 531 ، بشارة المصطفى : 11 وقد زيد فيه بيتاً آخر ، وهو :
على آلِ الرسولِ صلاةُ ربّي صلاة بالكمالِ وبالتمامِ
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجدته خديجة بنت خويلد ( عليها السلام ) . فسكت القوم ، ونهض الحسن ( عليه السلام ) ، فأقبل عمرو بن العاص على مالك فقال : حب بني هاشم حملك على أن تكلمت بالباطل ؟ فقال ابن عجلان : ما قلت إلاّ حقاً ، وما أحد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق ، إلا لم يعطَ أمنيته في دنياه ، وخُتم له بالشقاء في آخرته ، بنو هاشم أنضركم عوداً ، وأوراكم زنداً ، أليس كذلك ، يا معاوية ؟ قال ـ معاوية ـ : نعم (1) .
وأخرج ابن عساكر الدمشقي في تاريخه حديثاً قريباً لهذا الحديث (2) .
وروى العلاّمة ابن عبد ربّه الأندلسي حديثاً آخر ، ولعلّه غير المذكور آنفاً قال فيه : سأل معاوية يوماً جلساءه : مَن أكرم الناس ، أباً وأُمّاً ، وجداً وجدةً ، وعماً وعمةً ، وخالاً وخالةً ؟ فقالوا : أنت أعلم .
فأخذ ـ معاوية ـ بيد الحسن بن علي ( عليه السلام ) وقال : هذا !! أبوه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأُمّه فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجدته خديجة زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعمه جعفر ، وعمته هالة بنت أبي طالب ، وخاله القاسم بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وخالته زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (3) .
أقول : هذا الحديث وإن كان يتعلّق بذكر الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ولكن لمّا كان فيه
ــــــــــــــــــــ
( 1 ) المحاسن والمساوئ : 82 - 83.
( 2 ) تاريخ مدينة دمشق 13 : 240 ، ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) لابن عساكر 3 : 121 في الهامش ، ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ) لابن عساكر : 138 ح 229.
( 3 ) العقد الفريد 5 : 87.
اعتراف معاوية بأنّ الإمام علي ( عليه السلام ) ـ أبو الإمام الحسن ( عليه السلام ) ـ هو أكرم الناس طُراً ، وهو ممّا يتناسب بموضوع هذا الكتاب أدرجناه هنا .
يتبع
1 - معاوية يعترف : علي حلاّل المشكلات .
قال العلاّمة الحافظ المناوي الشافعي : إنّ معاوية كان يرسل أناساً يسأل علياً ( عليه السلام ) عن المشكلات ـ سواء معضلاته أو معضلات غيره ـ فكان علي ( عليه السلام ) يجيبه ، فقال أحد بنيه : تجيب عدوك ! ؟ قال ( عليه السلام ) : ( أَما يكفينا أن احتاجنا وسألنا ؟ ) (1) .
2 - معاوية يعترف : كان النبي ( صلى الله عليه وآله ) يغر علياً ( عليه السلام ) بالعلم غراً .
أخرج الإمام أحمد بن حنبل ، وآخرون من حفّاظ أهل السُنة ومفسّريهم ، بإسنادهم عن قيس بن أبي حازم ـ وهو من ثقات الرواة عند أهل السنة ـ أنّه قال : إنّ رجلاً سأل معاوية عن مسالة . فقال : اسأل عنها علياً فهو أعلم ، فقال : يا أمير المؤمنين ، جوابك فيها أحب إليّ من جواب علي ، قال معاوية : بئس ما قلت ، لقد كرهت رجلاً كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يغره بالعلم غراً ، ولقد قال له : ( أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ) ، وكان عمر إذا أشكل عليه شيء أخذ منه ـ ويلجأ إلى علي في حل مسائله ـ ثمّ قال معاوية للرجل : قم لا أقام الله رجليك ، ومحا اسمه من الديوان (2) .
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) فيض القدير 4 : 356 ح 5593 ( علي عيبة علمي ) عن شرح الحمزية .
( 2 ) فضائل الصحابة 2 : 675 ح 1153 ، مناقب أمير المؤمنين لأحمد بن حنبل : 197 ح 275 ، مناقب علي بن أبي طالب لابن المغازلي : 34 ح 52 ، ذخائر العقبى : 79، الرياض النضرة 3
وروى عنه ابن حجر : ولقد كان عمر يسأله ويأخذ عنه ، ولقد شهدته إذا أشكل عليه شيء قال : هاهنا علي ، قم لا أقام الله رجليك (1) .
3 - معاوية يعترف : علي مع الحق . ..
أخرج العلاّمة الحافظ ابن عساكر ، وآخرون من أعلام الحديث والتاريخ من أهل السُنة ، بإسنادهم قالوا : حجّ معاوية بن أبي سفيان فمرّ بالمدينة ، فجلس في مجلس فيه سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، فالتفت إلى عبد الله بن عباس فقال : يا بن عباس ، إنّك لم تعرف حقنا من باطل غيرنا . .. وقرعه ابن عباس بجواب فحار منه معاوية ، فتركه وأقبل على سعد فقال : يا أبا إسحاق ، أنت الذي لم تعرف حقنا ، وجلس فلم يكن معنا ولا علينا ، فقال سعد : فإنّي سمعت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يقول لعلي : ( أنت مع الحق والحق معك حيثما دار ) . فقال معاوية : لتأتيني على هذا ببيّنة ، فقال : سعد : هذه أمّ سلمة تشهد على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، فقاموا جميعاً فدخلوا على أمّ سلمة فقالوا : يا أمّ المؤمنين ، إنّ الأكاذيب قد كثرت على رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وهذا سعد يذكر عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ما لم نسمعه ، إنّه قال ـ لعلي ـ : ( أنت مع الحق والحق معك حيثما دار ) .
ـــــــــــــــــــــــــــ
162 ، تاريخ مدينة دمشق 42 : 170 - 171 ، فرائد السمطين 1 : 371 باب ( 68 ) ح 302 ، جواهر العقدين : القسم الثاني : 205 ، الصواعق المحرقة : 179 واكتفى ابن حجر في كتابه هذا بذكر حديث المنزلة فقط ، نظم درر السمطين : 134 ، فيض القدير 3 : 46 ح 2705 ( أنا مدينة العلم وعلي بابها ) .
( 1 ) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 : 70.
فقالت أمّ سلمة : في بيتي هذا ، قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لعلي ( عليه السلام ) .
فقال معاوية لسعد : يا أبا إسحاق ، ما كان ألوم الآن ـ أي أنّك يا سعد ألوم الناس عندي ـ إذ سمعت هذا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وجلست عن علي ( عليه السلام ) ، لو سمعت هذا من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) لكنت خادماً لعلي ( عليه السلام ) حتى أموت (1) .
وروى المسعودي عن محمد بن جرير الطبري ، عن ابن أبي نجيح ، قال : لمّا حجّ معاوية وطاف بالبيت ومعه سعد ، فلمّا فرغ انصرف معاوية إلى دار الندوة ، فأجلسه معه على سريره ، ووقع معاوية في علي ( عليه السلام ) ، وشرع في سبه (2) . فزحف سعد ، ثمّ قال : أجلستني معك على سريرك ، ثمّ شرعت في سب علي ( عليه السلام ) ، والله ، لأن يكون فيَّ خصلة واحدة من خصال كانت لعلي ( عليه السلام ) ، أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله ، لأن أكون صهراً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وأنّ لي من الوُلد ما لعلي ، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله ، لأن يكون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لي ما قال له يوم خيبر : ( لأعطينّ الراية غداً رجلاً يحبه اللهُ ورسوله ، ويحب اللهَ ورسوله ، ليس بفرّار ، يفتح الله على يديه ) ، أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس ، والله ، لأن يكون رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قال لي ما قال له في غزوة تبوك : ( أَلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنّه لا نبي بعدي ؟ ) أحب إلي من أن يكون لي
ــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) تاريخ مدينة دمشق 20 : 360 ترجمة سعد بن أبي وقاص ، المناقب للسروي 3 : 62 أخرجه عن كتاب اعتقاد أهل السنة لعبد العزيز الأشهي الشافعي ، مجمع الزوائد 7 : 235 عن مسند البزار ، أرجح المطالب : 600 عن ابن مردويه ، إحقاق الحق 5 : 631 أخرجه عن مفتاح النجاة للبدخشي : 66.
( 2 ) روى ابن حجر في فتح الباري 7 : 60 لمّا طلب معاوية من سعد أن يسب علياً قال سعد : لو وضع المنشار على مفرقي على أن أسب علياً ما سببته أبداً. .. ( المعرّب )
ما طلعت عليه الشمس ، وأيم الله ، لا دخلت لك داراً ما بقيت ، ثمّ نهض .
وزاد المسعودي فقال : وجدت في كتاب علي بن محمد بن سليمان النوفلي في الأخبار : أنّ سعداً لمّا قال هذه المقالة لمعاوية ونهض ليقوم ضرط له معاوية وقال له : اقعد حتى تسمع جواب ما قلت ، ما كنت عندي قط أَلأم منك الآن ، فهلاّ نصرته ؟ ولِمَ قعدت عن بيعته ؟ فإنّي لو سمعت من النبي ( صلى الله عليه وآله ) مثل الذي سمعت فيه ، لكنت خادماً لعلي ( عليه السلام ) ما عشت (1) .
أقول : وقد استجاب الله دعاء المؤمنين : اللهم اشغل الظالمين بالظالمين ، ليأمن الناس من شرهم ، واستنادهم إلى الحكمة القائلة : الفضل ما شهدت به الأعداء ، التي تكشف عن بيان حقيقة علو رتبة صاحبها ، فترى أنّ معاوية بن أبي سفيان وسعد بن أبي وقاص ـ كلاهما ظَلم علياً ( عليه السلام ) حقه ـ يتنازعان في علي ( عليه السلام ) ، وكل منهما يحتج على الآخر ، ويخطّئه بذكر فضائل الإمام علي ( عليه السلام ) .
وأمّا معاوية وإن كان هو الآخر قد سمع هذه المناقب العلوية ، مثل حديث المنزلة من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) كما روي في أكثر من عشر مصادر عن معاوية ، إلاّ أنّه أنكر في هذه الرواية ؛ تقريعاً لسعد بن أبي وقاص حيث قال له : فإنّي لو سمعت من النبي ( صلى الله عليه وآله ) مثل الذي سمعت فيه لكنت خادماً لعلي ما عشت .
ويجدر بنا أن نبارك لمعاوية ، هذا الاعتراف بأهمية حديث المنزلة ، وحديث أنت مع الحق ، وتحقيره لسعد بن أبي وقاص ، بأنّه أحقر وأشأم إنسان ؛ ذلك بسبب تخلّفه عن بيعة علي ( عليه السلام ) ونصرته .
ـــــــــــــــــــــــــ
( 1 ) مروج الذهب 3 : 14 في ذكر خلافة معاوية بن أبي سفيان ، تذكرة الخواص 18 - 19 رواه بالإجمال .
ولا يخفى أنّ معاوية هو أحقر وأشأم من سعد ؛ لأنّه لو لم يكن قد سمع بحديث أنت مع الحق وحديث المنزلة ، قبل سماعه من أمّ المؤمنين أمّ سلمة زوج الرسول ، التي يعتمد على روايتها الشيعة والسنة ، لكانت المسالة هيّنةً ، ولكنّه قد سمع وتغاضى عنه ، وهو في الحين نفسه سنّ سُنته السيئة ( لعن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) ، وسبه على المنابر وفي صلاة الجمع ) التي دامت سبعين سنة ، بحيث لمّا أمر الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز ، بالكف عن شتم علي ( عليه السلام ) على المنابر فقط ، صاح به الناس الذين تأسّوا بمعاوية وقالوا : تركت السُنة وغيّرتها (1) .
فعلى هذا ، فلو كان لحديث ( أنت مع الحق ) و ( المنزلة ) هذه الدرجة من الأهمية ، بحيث يتمنّى معاوية أنّه لو كان قد سمعه من النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، أن يخدم علياً ( عليه السلام ) مدى حياته ، إذن ، فلا ريب أنّ مخالفة علي ( عليه السلام ) والانحراف عنه تعتبر إنكاراً للحق ، فكيف إذاً آلت هذه المخالفة إلى ، محاربته ، وقتال أصحابه وسبه ، والأمر بلعنه ( عليه السلام ) ، الذي سنّه معاوية ، فهل هو شيء غير الكفر ومخالفة الإسلام والنبي ( صلى الله عليه وآله ) ؟
أخرج العلاّمة الجويني بسنده قال : اجتمع الطرماح الطائي ، وهشام المرادي ، ومحمد بن عبد الله الحميري ـ وهم من أشهر شعراء العرب ـ عند معاوية ، فأخرج ـ معاوية ـ بدرة ووضعها بين يديه فقال : يا شعراء العرب ، قولوا قولكم في علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، ولا تقولوا إلاّ الحق ، فأنا نفي عن صخر بن حرب ـ أي أنّي لست ابن صخر ـ إن أعطيت هذه البدرة إلاّ مَن قال الحق في علي ( عليه السلام ) : فقام الطرماح فتكلم في علي ( عليه السلام ) ووقع فيه !! فقال له معاوية : اجلس فقد علم الله نيتك ورأى مكانك .
ــــــــــــــــــــ
( 1 ) شرح نهج البلاغة 13 : 220 - 222.
ثمّ قام هشام المرادي فقال ووقع فيه . فقال له معاوية : اجلس مع صاحبك قد علم الله نيتكما ورأى مكانكما . ثمّ قال عمرو بن العاص لمحمد بن عبد الله الحميري - وكان خاصاً به ، وهذا الحميري هو جد السيد المرتضى لأمّه ـ : تكلم ولا تقل إلاّ الحق في علي ( عليه السلام ) . ثمّ قال : يا معاوية ، قد آليت أن لا تعطي هذه البدرة ، إلاّ قائل الحق في علي ( عليه السلام ) ؟ قال معاوية : نعم ، أنا نفي من صخر بن حرب ، إن أعطيت هذه البدرة إلاّ مَن قال الحق في علي ( عليه السلام ) . فقام محمد بن عبد الله فتكلم فقال :
بـحق مـحمّد قـولوا بحقٍ فـإنّ الإفـك مـن شِيمِ اللئامِ أبـعدَ مـحمّد بـأبي وأمّـي رسول الله ذي الشرفِ التهامي أَليس علي أفضلَ خَلقِ ربّي وأشـرفَ عندَ تحصيلِ الأنامِ ولايـته هـي الإيـمان حقاً فـذَرني مـن أبـاطيل الكلامِ وطـاعةُ ربِّـنا فـيها وفيها شـفاءٌ لـلقلوبِ مـن السقامِ عـلي إمـامنا بـأبي وأمّي أبـو الحسن المطهّر من حرامِ إمـام هـدىً أتـاه اللهُ علماً بـه عرفَ الحلالَ من الحرامِ ولـو أنّـي قتلتُ النفسَ حباً لـه مـا كـان فـيها من أثامِ يـحلّ الـنارَ قـومٌ أبغضوه وإن صلّوا وصاموا ألفَ عامِ ولا واللهِ لا تـزكوا صـلاةٌ بـغير ولايـةِ الـعدلِ الإمامِ أمـير المؤمنينَ بكَ اعتمادي وبـالغُر الـميامينَ اعتصامي |
فـهذا الـقول لي دين وهذا إلـى لُـقياك يا ربّي كلامي بَرأتُ من الذي عادى علياً وحـاربه مـن أولادِ الطغامِ تَـناسوا نصبَه في يوم خمٍ مـن الباري ومن خيرِ الأنامِ برغمِ الأنفِ مَن يشنأ كلامي عـليٌ فـضلُه كالبحرِ طامي وأبـرأ مـن أناسٍ أخّروه وكـان هـو الـمقدّم بالمقامِ عـليٌ هـزمَ الأبـطالَ لمّا رأوا فـي كـفهِ برقَ الحُسامِ |
أقول : الأبيات الخمس الأخيرة ، قد حذفت من كتاب فرائد السمطين ، الذي طبع في الآونة الأخيرة ، وهي موجودة في النسخة الخطية ، التي اعتمدها العلاّمة الأميني في غديره ، والقصيدة بكاملها 17 بيتاً ، نقلها الجويني من الخصائص العلوية على سائر البرية للحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد النطنزي .
5 - معاوية يعترف : علي ( عليه السلام ) أكرم الناس أباً وأُمّاً .
أخرج العلاّمة المحدّث البيهقي وقال : قال معاوية ذات يوم وعنده أشراف الناس من قريش وغيرهم : أخبروني بخير الناس ، أباً وأُمّاً ، وعماً وعمةً ، وخالاً وخالةً ، وجداً وجدةً ، فقام مالك بن عجلان فأومأ إلى الحسن ( عليه السلام ) فقال : ها هو ذا ، أبوه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأمّه فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعمه جعفر الطيّار في الجنات ، وعمته أمّ هانئ بنت أبي طالب ، وخاله القاسم بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وخالته زينب بنت
ــــــــــــــــــــــ
( 1 ) فرائد السمطين 1 : 375 باب ( 68 ) ح 305 ، الغدير 2 : 177، بحار الأنوار 33 : 258 ح 531 ، بشارة المصطفى : 11 وقد زيد فيه بيتاً آخر ، وهو :
على آلِ الرسولِ صلاةُ ربّي صلاة بالكمالِ وبالتمامِ
رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجدته خديجة بنت خويلد ( عليها السلام ) . فسكت القوم ، ونهض الحسن ( عليه السلام ) ، فأقبل عمرو بن العاص على مالك فقال : حب بني هاشم حملك على أن تكلمت بالباطل ؟ فقال ابن عجلان : ما قلت إلاّ حقاً ، وما أحد من الناس يطلب مرضاة مخلوق بمعصية الخالق ، إلا لم يعطَ أمنيته في دنياه ، وخُتم له بالشقاء في آخرته ، بنو هاشم أنضركم عوداً ، وأوراكم زنداً ، أليس كذلك ، يا معاوية ؟ قال ـ معاوية ـ : نعم (1) .
وأخرج ابن عساكر الدمشقي في تاريخه حديثاً قريباً لهذا الحديث (2) .
وروى العلاّمة ابن عبد ربّه الأندلسي حديثاً آخر ، ولعلّه غير المذكور آنفاً قال فيه : سأل معاوية يوماً جلساءه : مَن أكرم الناس ، أباً وأُمّاً ، وجداً وجدةً ، وعماً وعمةً ، وخالاً وخالةً ؟ فقالوا : أنت أعلم .
فأخذ ـ معاوية ـ بيد الحسن بن علي ( عليه السلام ) وقال : هذا !! أبوه علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) ، وأُمّه فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجده رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وجدته خديجة زوجة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وعمه جعفر ، وعمته هالة بنت أبي طالب ، وخاله القاسم بن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، وخالته زينب بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (3) .
أقول : هذا الحديث وإن كان يتعلّق بذكر الإمام الحسن ( عليه السلام ) ، ولكن لمّا كان فيه
ــــــــــــــــــــ
( 1 ) المحاسن والمساوئ : 82 - 83.
( 2 ) تاريخ مدينة دمشق 13 : 240 ، ترجمة الإمام علي ( عليه السلام ) لابن عساكر 3 : 121 في الهامش ، ترجمة الإمام الحسن ( عليه السلام ) لابن عساكر : 138 ح 229.
( 3 ) العقد الفريد 5 : 87.
اعتراف معاوية بأنّ الإمام علي ( عليه السلام ) ـ أبو الإمام الحسن ( عليه السلام ) ـ هو أكرم الناس طُراً ، وهو ممّا يتناسب بموضوع هذا الكتاب أدرجناه هنا .
يتبع
تعليق