إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

نبذه من تاريخ

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • نبذه من تاريخ



    بسم الله الرحمن الرحيم
    نبذه من تاريخ


    لا مبالغة فيما لو قلنا: إنّ موضوع النصب والنواصب وأثرهم على تاريخ الإسلام، بل في نشوء الإرهاب والتطرف يحتاج إلى مؤلفات ضخمة، بل إنّ أثرهم تعدّى التاريخ ووصل إلى علم الحديث وعلم الرجال والدراية والفقه و... ولكن سنذكر هنا ما يناسب مقالنا توخِّياً للاختصار:



    1ـ إنّ الخوارج وهم من أبرز مصاديق النواصب بمجرد عزوفهم عن نهج الحق، وخروجهم عن جادّة الاعتدال جادّة أمير المؤمنين علي عليه السلام ووقوفهم بوجهه، فعلوا الأفاعيل التي يندى لها الجبين، فأوّل ما ابتدأوه أن قتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمجرد حبّه لعليّ عليه السلام ، وعمدوا إلى امرأته وهي حامل مُقرِب فبقروا بطنها وقتلوها وجنينها، وقتلوا ثلاث نسوة كنَّ معها، في الوقت الذي استشكلوا في تمرة سقطت من نخلة كيف أكلها أحدهم، كما استشكلوا في خنزير لذمي كيف قتله آخر، فطلبوا صاحب الخنزير ليرضوه(1)

    فاُنظر التذبذب بين الإفراط والتفريط، حتى انتهى بهم الأمر إلى الاشتراك في قتل رمز الوسطية والاعتدال أمير المؤمنين عليه السلام .



    2ـ ما فعله معاوية بن أبي سفيان الذي عُدّ المصداق الأتم، والرمز الأكمل للنواصب من مخازٍ ملأت بطون الكتب، وخصوصاً بحقِّ كل مَن انتمى إلى أمير المؤمنين عليه السلام ، بل يكفيه وقوفه في حرب طاحنة بوجه الإمام علي عليه السلام ، ثم ما فعله بعد ذلك من أفاعيل لم يسبقه إليها أحد في الإسلام؛ من قتله عمرو بن الحمق الخزاعي(2)، وقطع رأسه وإهدائه لزوجته وهي في سجن دمشق(3) «فكان أوّل رأس أُهدي في الإسلام»(4). وهذا من أوضح مصاديق الإرهاب والتطرّف اللامشروع، ثم قتله حجر بن عدي الكندي لا لشيء إلّا لحبّه لعلي عليه السلام ، وبعثه لشيطانه (بسر بن أرطاة) إلى المدينة ومكّة والطائف واليمن، فذبح الأطفال، وسبى النساء المسلمات، فكانت أوّل حالة سبي لنساء مسلمات(5)... إلى غير ذلك من أعمال إرهابية فظيعة. وكان أهم دافع له في كل ذلك هو النصب وبغض أمير المؤمنين عليه السلام وكل مَن ينتمي إليه، ولقد «شنَّ الغارة معاوية على شيعة أمير المؤمنين عليه السلام سنة 39هـ، وفرّق جيوشه في أصقاع حكومته عليه السلام ، واختار أُناساً ممن لا خلاق لهم لقتل أُولئك الأبرياء أينما كانوا وحيثما وُجِدوا، فوجّه النعمان بن بشير في ألف رجل إلى عين التمر، ووجه سفيان بن عوف في ستة آلاف، وأمره أن يأتي (هيت) فيقطعها، ثم يأتي الأنبار والمدائن فيوقع بأهلها... ووجّه الضحّاك بن قيس، وأمره أن يمرَّ بأسفل (واقصة)، ويغير على كل مَن مرَّ به ممن هو في طاعة علي عليه السلام من الأعراب...»(6).


    فاُنظر إلى بغض الإمام علي عليه السلام وكل ما يمتّ له بصلة، ومدى أثره بنفس معاوية، وكيف صار باعثاً له لكل عملٍ متطرِّف، ولكن هل اكتفى بذلك؟! فقد نقل لنا ابن أبي الحديد في شرحه قال: «ثم كتب إلى عمّاله نسخة واحدة إلى جميع البلدان: اُنظروا مَن قامت عليه البيّنة أنّه يحبّ علياً وأهل بيته، فامحوه من الديوان وأسقطوا عطاءه ورزقه»(7)، بل نقل رجاليو العامة في كتبهم أنّه «كانت بنو أُمية إذا سمعوا بمولود اسمه عليّ قتلوه»(8). وكل ذلك من أوضح مصاديق الإرعاب والإرهاب.



    3ـ في ترجمة (عكرمة البربري): الذي كان عبداً من عبيد عبدالله بن عباس، وتعلّم على يديه، ولكنّه فيما بعد مال إلى الخوارج، واتّبع رأيهم، بل وصار من دعاتهم الأكابر، ورد في ترجمته: «قدم عكرمة مصر، وهو يريد المغرب، قال: فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا»(9). فالرجل ممن تمحّض بالنصب وبغض النمرقة الوسطى علي بن أبي طالب عليه السلام ، وقد نقل عنه خالد بن أبي عمران قال: «كنّا بالمغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم [أي: موسم الحج] فقال: وددت أنّ بيدي حربة فأعترض بها مَن شهد الموسم يميناً وشمالاً»(10)، فعن ماذا ينم هذا الرأي؟! وأيُّ داءٍ خبيث هو النصب؟! فهو أشبه ما يُسمى اليوم بـ (الفايروس) الذي يفتك بكل شيءٍ أصابه.


    وأُثر عن عكرمةٍ هذا وقوفه على باب المسجد وقوله: «ما فيه إلّا كافر»(11)، فلو تسنّى لعكرمةٍ هذا أن يكون قائداً لدولة، أو لمجموعةٍ ما، لأهلك الحرث والنسل.



    4ـ المتوكّل العباسي: وقد عُرف بالنصب واشتُهر به، ونقل أرباب التاريخ عنه في ذلك النقول، قال النويري في أحداث سنة 236هـ: «في هذه السنة: أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي رضي الله عنهما وهدم ما حوله من المنازل والدور، وسُقي موضع قبره، وأن يُمنع الناس من إتيانه، فنادى في الناس في تلك الناحية: مَن وجدناه عند قبره بعد ثالثة حبسناه في المطبِق [أحد السجون المخيفة للعباسيين]... وكان المتوكّل شديد البغض لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ولأهل بيته، وكان يقصد مَن يتولّى علياً وأهل بيته بأخذ المال والروح»(12).


    وقد قتل المتوكل في هذا العام العالم النحوي الكبير ابن السكّيت، لا لشيء إلّا لأنّه أبدى رأيه واعتقاده، إذ كان معلّماً لابنَيِ المتوكّل: (المعتز والمؤيّد) حين سأله المتوكّل: أيُّهما أحبّ إليك ولداي هذان، أم الحسن والحسين؟ فقال ابن السكيت بكل صراحة: «قنبر [يعني خادم الإمام علي] خير منهما، فأمر [المتوكّل] الأتراك فداسوا بطنه حتى مات، وقيل: أمر بسلِّ لسانه فمات»(13).


    فبأيّ شرعٍ أم بأيّ قانون يُقتَل إنسان، بل عالم من العلماء لمجرد تفضيله مَن يعتقد بأفضليته على غيره؟!!

    وفي قبال صورة الإرهاب تلك نقل لنا التاريخ أنّ الأشعث بن قيس الكندي كان بنى في داره مأذنة، وكان يرقى إليها عند كلّ أذان، يشتم منها أمير المؤمنين علياً عليه السلام ، فلم يتّخذ أمير المؤمنين عليه السلام بحقّه أيّ إجراء، بل تركه وشأنه وهو يفعل فعله ذاك كل يوم إلى أن مات(14).


    فما عسى المرء أن يقول في الموقفين؟!!

    فأيّ فعل يفعله النصب، وأيّ إرهاب وتطرّف أعمى يصنع، بل إنّ المتوكّل قطع لسان شاعر لمجرد مدحه لأهل البيت عليهم السلام ، وهو ما فعله بعبد الله بن عمار البرقي الذي وشى به الواشون، وقرأوا على المتوكّل قصيدته، فأمر بقطع لسانه وإحراق ديوانه، ففُعِل به ذلك فمات بعد أيام، وذلك عام 245 هـ(15).


    وبعد هذه الجولة المقتضبة جداً، لا أظنّ أنّ أحداً يشك فيما للنصب وبغض آل المصطفى وعلى رأسهم سيدهم أمير المؤمنين (عليه وعليهم السلام) من أثرٍ كبير في نشوء التطرّف، وإنتاج الفكر المنحرف، الميّال لكل ما هو شاذّ خارج عن حدود الإنسانية.

    وبإسقاط كل ذلك على ما جرى من أحداث في النهضة الحسينية سنرى العجب العجاب؛ إذ بدأ التطرّف الذي كان باعثه النصب والبغض لآل محمد عليهم السلام منذ اللحظات الأُولى لتسنّم يزيد مقاليد الحكم، وهذا لا يعني أنّ معاوية لم يكن يفكر بذلك، بل لم يكن يريد إثارة الناس وسخطهم عليه أكثر مما فعله بأمير المؤمنين وابنه الحسن عليهما السلام ، فبدأ يزيد بالتخطيط لاغتيال الإمام الحسين عليه السلام إن لم يبايع؛ لذا ورد عن الحسين عليه السلام التصريح بذلك في أحاديث متعددة كقوله عليه السلام : «لو كنت في بطن صخرة لاستخرجوني منها فيقتلوني»(16)، وفي نقل آخر: «لو كنت في جحر هامة من هوام الأرض، لاستخرجوني منها حتى يقتلوني»(17)، وهذا يُنبأ عن شدّة الإرهاب الأُموي الذي ورثه يزيد من آبائه، والذي غذّاه به نصبه وحقده.


    قال العلّامة المجلسي معلّقاً على ذلك: «بل الظاهر إنّه [أي: الإمام الحسين] صلوات الله عليه لو كان يسالمهم ويبايعهم لا يتركونه لشدّة عداوتهم، وكثرة وقاحتهم، بل كانوا يغتالونه بكل حيلة، ويدفعونه بكل وسيلة، وإنّما كانوا يعرضون البيعة عليه أوّلاً؛ لعلمهم بأنه لا يوافقهم في ذلك، ألا ترى إلى مروان [يعني ابن الحكم] لعنه الله كيف كان يشير على والي المدينة بقتله قبل عرض البيعة عليه، وكان عبيد الله بن زياد ـ عليه لعائن الله إلى يوم التناد ـ يقول: اعرضوا عليه فلينزل على أمرنا، ثم نرى فيه رأينا، ألا ترى كيف آمنوا مسلماً [يعني ابن عقيل] ثم قتلوه؟!»(18).


    فمن الواضح أنّ الأمر أعمق بكثير من البيعة، بل هي حرب إبادة واستئصال لأهل البيت عليهم السلام ، منشؤها النصب والبغض المركوز في نفوس بني أُمية، والذي بدوره له علله الخاصة التي سنأتي على ذكر بعضها.

    ثم بدأ مسلسل الإرهاب الأُموي اليزيدي بحق الحسين عليه السلام ، وكل مَن انتمى إليه منذ وصوله وعياله إلى مشارف كربلاء، إلى حين رجوع عيالاته من الأسر إلى المدينة .

    --------------------------------

    1-اُنظر: البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: ج2، ص367. وابن الأثير، علي بن محمد، الكامل في التاريخ: ج3، ص341. 2- المفيد، محمد بن محمد، الاختصاص: ص17.
    3-التستري، محمد تقي، قاموس الرجال: ج12، ص178.

    4-ابن أبي شيبة الكوفي، محمد بن إبراهيم، المصنف: ج7، ص271. والشيباني، ابن أبي عاصم، كتاب الأوائل: ص71.

    5- اُنظر: الإصفهاني، أبو الفرج، الأغاني: ج5، ص12.

    6-الأميني، عبد الحسين، الغدير: ج11، ص18.

    7- ابن أبي الحديد، عبد الحميد، شرح نهج البلاغة: ج11، ص45.

    8-المزي، يوسف، تهذيب الكمال: ج2، ص429. وابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، تهذيب التهذيب: ج7، ص281.

    9-الذهبي، محمد بن أحمد، ميزان الاعتدال: ج3، ص 95.

    10- المصدر السابق.

    11- المزي، يوسف، تهذيب الكمال: ج2، ص 278.

    12- النويري، أحمد بن عبد الوهاب، نهاية الإرب في فنون الأدب: ج22، ص282.

    13- اُنظر: ابن تغري بردي، يوسف، النجوم الزاهرة: ج2، ص318. والذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام: ج18، ص552.

    14- ابن شهر آشوب، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب: ج2، ص99.

    15-اُنظر: الأميني، عبد الحسين، الغدير: ج4، ص140. وابن شهر آشوب، محمد بن علي، معالم العلماء: ص182.

    16- القندوزي، سليمان بن إبراهيم، ينابيع المودّة: ج3، ص60.

    17- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار: ج45، ص99.

    18- المصدر السابق: ص100.
يعمل...
X