بسم الله الرحمن الرحيم
الذنوب واثارها
إنّ الذنوب لها آثار سلبية كبيرة وخطيرة جداً على الفرد والمجتمع والأمّة والإنسانية بشكل عام، وهذه حقيقة أشار إليها كتاب الله المجيد والسنة الشريفة، فما يواجهه الأفراد والمجتمعات والأمّة والإنسانية من مشاكل ومصاعب وأزمات جلّها لها علاقةٌ كبيرةٌ بما يمُارسه النّاس من جرائم وما يقترفونه من معاصي، ويرتكبونه من مخالفات شرعية، ففي صحيحة أبي حمزة عن الإمام الباقر "عليه السلام" قال: وجدنا في كتاب علي "عليه السلام" قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": (إذا ظهر الزنا كثر موت الفجأة، وإذا طفف المكيال أخذهم الله بالسنين والنقص، وإذا منعوا الزكاة منعت الأرض بركتها من الزرع والثمار والمعادن كلها، وإذا جاروا في الأحكام تعاونوا على الظلم والعدوان، وإذا نقضوا العهد سلّط الله عليهم عدوّهم، وإذا قطعوا الأرحام جعلت الأموال في أيدي الأشرار، وإذا لم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر ولم يتبعوا الأخيار من أهل بيتي سلّط الله عليهم شرارهم فيدعوا خيارهم فلا يستجاب لهم) (1).
وهذا كلّه عقاب لهم على بعض المعاصي لا أنّه عقاب عن كلِّها؛ لأنّ الله عزّ وجل من رحمته بعباده يعفو عن كثير منها، قال تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ)(2)، والمعنى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ) من القتل وهتك الأعراض ونهب الأموال وسائر المشاكل (فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ) أي بسبب أعمالهم المخالفة لتعاليم الله عزّ وجل لهم (لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا) أي ليعاقبهم على بعض أعمالهم لا على كلها (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) أي لكي يرجعوا عن غيّهم وانحرافهم وضلالهم، ويلازموا تعاليمه وطاعته سبحانه وتعالى.
وقال سبحانه وتعالى في آية أخرى: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (3)(4).
والمعنى أنَّ ما أصابكم من مصيبة فبسبب ذنوبكم ويعفو الله سبحانه وتعالى عن كثير منها، فلا يؤاخذكم عليها في الدّنيا، والسبب في أنّ الله سبحانه وتعالى يعفو عن كثير من معاصي الناس، ولا يؤاخذهم على جميعها، هو: أنّه عزّ وجل لو فعل ذلك لما ترك على هذه الأرض من دابة، قال تعالى: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا)(5).
وفي آية أخرى قال عزّ من قائل: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)(6) فتدل هاتان الآيتان على أنّ الله سبحانه وتعالى لا يؤاخذ الناس بجميعِ ذنوبهم في هذه الحياة الدنيا، وإنّما يؤاخذهم ببعضها ويؤجل مؤاخذتهم ببعضها إلى ما بعد انقضاء آجالهم.
وفي صحيحة هشام بن سالم عن الإمام جعفر بن محمد الصادق "عليه السلام" قال: (أما إنّه ليس من عرق يضرب، ولا نكبة ولا صداع ولا مرض إلاّ بذنب، وذلك قول الله عزّ وجل في كتابه: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ".
قال: ثم قال: وما يعفو الله أكثر مما يؤاخذ به)(7).
وعن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب "عليه السلام" قال: قال رسول الله "صلى الله عليه وآله": (ما اختلج(8)عرق ولا عثرت قدم إلاّ بما قدّمت أيديكم، وما يعفو الله عزّ وجل عنه أكثر)(9).
وعنه "عليه السلام" في قول الله عزّ وجل: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (ليس من التواء عرق، ولا نكبة حجر، ولا عثرة قدم، ولا خدش عود إلاّ بذنب، ولما يعفو الله أكثر، فمن عجّل الله عقوبة ذنبه في الدّنيا فإن الله عزّ وجل أجل وأكرم وأعظم من أن يعود في عقوبته في الآخرة)(10).
وعنه "عليه السلام" قال: (توقوّا الذنوب، فما من بلية ولا نقص رزق إلاّ بذنب، حتّى الخدش والكبوة والمصيبة، قال الله عزّ وجل: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ")(11).
بقلم الشيخ حسن عبد الله العجمي
-------------------بقلم الشيخ حسن عبد الله العجمي
(1) الكافي ج2 ص 374 .
(2)الروم: 41.
(3) الشورى: 30 .
(4) نعم بالرغم من هذا العموم الموجود في هذه الآية الكريمة وشمولها لكل المصائب لكن كما هو معلوم توجد استثناءات لكل عام، مثل المشاكل والمصائب والمصاعب التي أصابت الأنبياء وبعض عباد الله الصالحين، فإنها ليست لأنهم اقترفوا الذنوب وإنما هي اختبار لهم لرفع مقاماتهم عند الله سبحانه وتعالى، ففي صحيحة علي بن رئاب قال: سألت أبا عبد الله "عليه السلام" عن قول الله عزّ وجل: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) (أرأيت ما أصاب عليّاً وأهل بيته "عليهم السلام" من بعده هو ما كسبت أيديهم وهم أهل بيت طهارة معصومون؟ فقال: إن رسول الله "صلى الله عليه وآله" كان يتوب إلى الله ويستغفر في كل يوم وليلة مائة مرة من غير ذنب، إن الله يخص أولياءه بالمصائب ليأجرهم عليها من غير ذنب ) . (الكافي ج2 ص 450).
(5)فاطر: 45 .
(6) النحل: 61.
(7) الكافي ج2 ص 269.
(8) اختلج: انتفض وتحرّك.
(9) أمالي الشيخ الطوسي/ص 570.
(10) الكافي ج2 ص 445.
(11) بحار الأنوار ج 70 ص 350 .