إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً


    بسم الله الرحمن الرحيم

    هذاالليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً

    جمع الحسين عليه السلام أصحابه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم أقبل عليهم وقال: «أما بعد، فإني لا أعلم أصحاباً خيراً منكم، ولا أهل بيتٍ أفضل وأبر من أهل بيتي، فجزاكم الله عني جميعاً خيراً، وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً، وليأخذ كل رجلٍ منكم بيد رجلٍ من أهل بيتي، وتفرقوا في سواد هذا الليل وذروني وهؤلاء القوم، فإنهم لا يريدون غيري».


    فقال له إخوته وأبناؤه وأبناء عبدالله بن جعفر (1): ولم نفعل ذلك، لنبقي بعدك! لا أرنا الله ذلك أبداً، وبدأهم بهذا القول العباس بن علي، ثم تابعوه.
    قال الراوي (2): ثم نظر إلى بني عقيل (3) وقال: «حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم، إذهبوا فقد أذنت لكم».

    وروي من طريق آخر قال: فعندها تكلم إخوته وجميع أهل بيته وقالوا: يابن رسول الله فماذا يقول الناس لنا (4) وماذا نقول لهم، إذ تركنا شيخنا وكبيرنا وسيدنا وإمامنا وابن بنت نبينا، لم نرم معه بسهم ولم نطعن معه برمح ولم نضرب معه بسيف، لا والله يابن رسول الله لا نفارقك أبداً، ولكنا نقيك بأنفسنا حتى نقتل بين يديك ونرد موردك، فقبح الله العيش بعدك.

    ثم قام مسلم بن عوسجة (5) وقال: نحن نخليك هكذا وننصرف عنك وقد أحاط بك هذ العدو، لا والله لا يراني الله أبداً وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضربهم بسيفي ما ثبت قائمة بيدي، ولو لم يكن لي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة، ولم أفارقك أو أموت دونك.

    قال: وقام سعيد (6) بن عبدالله الحنفي فقال: لا والله يابن رسول الله لا نخليك أبداً حتى يعلم الله أنا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد صلى الله عليه وآله، ولو علمت أني أقتل فيك ثم أحيى ثم أحرق حياً ثم أذرى ـ يفعل بي ذلك سبعين مرة ـ ما فارقتك حتى ألقى حمامي من دونك، فكيف (7) وإنما هي قتلة واحدة ثم أنال الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً؟!

    ثم قام زهير بن القين وقال: والله يابن رسول الله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة وأن الله يدفع بذلك القتل عنك وعن هؤلاء الفتية من إخوتك وولدك وأهل بيتك.
    قال: وتكلم جماعة من أصحابه بمثل ذلك وقالوا: أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا، فإذا نحن قتلنا بين يديك نكون قد وفينا لربنا وقضينا ما علينا.

    وقيل لمحمد بن بشير الحضرمي (8) في تلك الحال: قد أسر إبنك بثغر الري (9).
    فقال: عند الله أحتسبه ونفسي، ما كنت أحب أن يوسر وأن أبقى بعده.
    فسمع الحسين عليه السلام قوله فقال: «رحمك الله، أنت في حل من بيعتي، فاعمل في فكاك ابنك».
    فقال: أكلتني السباع حياً إن فارقتك.


    قال: فأعط إبنك هذه البرود (10) يستعين بها في فكاك أخيه.
    فأعطاه خمسة أثواب قيمتها ألف دينار.

    قال الراوي (11): وبات الحسين عليه السلام وأصحابه تلك الليلة ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد وقائم وقاعد، فعبر إليهم في تلك الليلة من عسكر ابن سعد اثنان وثلاثون رجلاً (12).
    -------------------------

    (1) عبدالله بن جعفر بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، صحابي، ولد بأرض الحبشة لما هاجر أبواه إليها، وهو أول من ولد بها من المسلمين، كان كريماً يسمى بحر الجود، وللشعراء فيه مدائح، وكان أحد الأمراء في جيش علي يوم صفين، توفي بالمدينة سنة 80 هـ، وقيل: غير ذلك.

    الإصابة ترجمة رقم 4582، فوات الوفيات 1|209، تهذيب ابن عساكر 7|325، الأعلام 4|76، زينب الكبرى للشيخ جعفر النقدي.

    (2) لفظ: الراوي، لم يرد في ر.

    (3) عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب الهاشمي القرشي، أبو يزيد، أعلم قريش بأيامها ومآثرها ومثالبها وأنسابها، صحابي فصيح اللسان شديد الجواب، وهو أخو علي وجعفر لأبيها، وكان أسن منهما، هاجر إلى المدينة سنة 8 هـ، عمي في أواخر أيامه، توفي أول أيام يزيد، وقيل: في خلافة معاوية.

    الإصابة ترجمة رقم 5630، البيان والتبيين 1|174، الطبقات 4|28، التاج 8|30، الأعلام 4|242.

    (4) لنا، لم يرد في ر.

    (5) مسلم بن عوسجة الأسدي، من أبطال العرب في صدر الإسلام، أول شهيد من أنصار الحسين بعد قتلى الحملة الأولى، كان صحابياً ممن رأى رسول الله صلى الله عليه وآله، كان يأخذ البيعة للإمام الحسين عليه السلام في الكوفة، عقد له مسلم بن عقيل على ربع مذحج وأسد حين تحركه القصير الأجل، كان عند حضوره وقعة كربلاء شيخاً كبير السن، وكان من الشخصيات البارزة في الكوفة، أبدى شبث بن ربعي أسفه لقتله.

    رجال الشيخ: 80، تاريخ الطبري 5|435 و369، البحار 45|69، الأخبار الطوال: 249 و250 و252، الكامل في التاريخ 4|28، الأعلام 7|222، أنصار الحسين: 108، تسمية من قتل مع الحسين: 52 وفيه: مسلم بن عوسجة السعدي من بني سعد بن ثعلبة قتله مسلم بن عبدالله وعبيدالله بن أبي خشكاره.

    (6) ر: سعد.

    (7) ع: وكيف لا أفعل.

    (8) ب: محمد بن بشير الحضرمي.

    وفي ترجمة الإمام الحسين من كتاب الطبقات 180 ذكر نص هذا الخبر وذكر اسمه كما هنا، لكن في تاريخ الطبري 5|444 وأنساب الأشراف: 196 ذكر اسمه بشير بن عمرو، فلاحظ.

    (9) ر: بشعر الروم، والمثبت من: ب. ع.

    والثغر بالفتح ثم السكون: وراء كل موضع قريب من أرض العدو، كأنه مأخوذ من الثغرة التي هي في الحائط.

    والري: مدينة مشهورة من أمهات البلاد وأعلام المدن، كثيرة الفواكه والخيرات، وهي محط الحاج على طريق السابلة وقصبة بلاد الجبال بينها وبين نيسابور مائة وستون فرسخاً وإلى قزوين سبعة وعشرون فرسخاً.

    معجم البلدان 2|79 و3|116.


    (10) البرد بالضم فالسكون: ثوب مخطط، وقد يقال لغير المخطط أيضاً، وجمعه برود وأبرد، ومنه الحديث: الكفن يكون برداً...

    مجمع البحرين 3|13.

    (11) الراوي، لم يرد في ر.

    (12) في نسخة ع جاء بعد قوله اثنان وثلاثون رجلاً:

    وكذا كانت سجية الحسين عليه السلام في كثرة صلاته وكمال صفاته، وذكر ابن عبد ربه في الجزء الرابع من كتاب العقد قال: قيل لعلي بن الحسين عليهما السلام: ما أقل ولد أبيك؟ فقال: العجب كيف ولدت له، كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، فمتى كان يتفرغ للنساء.
يعمل...
X