|
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
المدارس الفكرية للكمال الإنساني
تقليص
X
-
الكلمات الدلالية (Tags): لا يوجد
-
لقد سادت نظريّة "بيكون" في عصرنا الراهن، وكان من نتائجها المباشرة أن أصبح العلم في خدمة القوّة. إنّه من غير الصحيح أن نقول أنّ عالمنا هو عالم العلم بل هو عالم القوّة. صحيح أنّ العلم موجود إلّا أنّه مقيّد في زنزانة المنفعة و القوّة والسيادة. وكلّ اكتشافٍ مسخَّر قبل كلّ شيء للقوّة والتسلُّط، لاختراع الأسلحة الفتّاكة المدمّرة الّتي تعين الإنسان على قهر أخيه الإنسان.
ومن الأمور الّتي زادت من قوّة رؤية "نيتشه" ما ذكره "داروين" حول تكامل الأنواع، والّذي أسيء استخدامه كثيراً خصوصاً في المجال الأخلاقيّ بشكل لا يرضي "داروين" نفسه. ففي المجال الأخلاقيّ واعتماداً على ما ذكره داروين من سيادة التنازع بين الكائنات للبقاء، استنتج "نيتشه" أنّ الأساس في حياة الإنسان أيضاً هو الصراع والتنازع، والإنسان الأقوى هو الّذي سيبقى وهو الّذي يكون الحقّ بجانبه، لأنّ الحقّ مع القوّة. أمّا القيم الإنسانيّة، أو ما يسمّى بأخلاق الضعفاء، كالمحبّة والإحسان وغيرهما فهي الّتي تحطِّم البشريّة لأنّها تقف أمام تكامل الإنسان وتمنع من ظهور الإنسان الأقوى بإبقائها للضعفاء.43
وبناءً على رؤيته قسَّم "نيتشه" الناس إلى طبقتين:
طبقة الأقوياء الّتي ينبغي أن يكون بيدها كلّ شيء، لأنّها غاية الوجود.
طبقة الضعفاء الّتي هي أداة لتحقيق أهداف الأقوياء.
وأمّا الدولة فينبغي أن تُبنى على أساس خدمة الأقوياء وأن تسخِّر الضعفاء لأجلهم، بل وأن تجعل التناسل حقّاً
حصريّاً للأقوياء ليأتي منهم الجيل الأقوى والأسمى وليستمرّوا في مدارج الصعود.44
"نيتشه" والدِّين
ولا يقف "نيتشه" عند هذا الحدّ بل يوجّه سهامه نحو الدِّين أيضاً، لأنّه يراه أداةً بيد الضعفاء استعملوه لأجل كبح جماح الأقوياء عن طريق بثّ مفاهيم كالتسامح والمحبّة والإخاء وغيرها. والحلّ كما يراه "نيتشه" هو نبذُ هذه المفاهيم، فلا الناس أخوة ولا المرأة كالرجل لها حقوق وعليها واجبات، ولا التواضع والرأفة والإيمان بالله واليوم الآخر قيمٌ مقدّسة ينبغي صونها والتمسّك بها. بل الصحيح أنّ كلّ هذه المفاهيم تقف عائقاً أمام وصول الإنسان إلى القوّة وصيرورته "سوبرمان".
هذه هي المفاهيم الّتي دعا إليها "نيتشه" والحقيقة أنّ أفكاره هي السائدة اليوم في ذهن الإنسان الغربيّ، وما الحديث عن حقوق الإنسان إلّا وسيلة لخداع الآخرين من أجل السيطرة عليهم. انظروا إلى ما فعلته أمريكا في فيتنام. ألم يكن هذا تطبيقاً لفلسفة "نيتشه"؟
والحاصل أنّ "نيتشه" يعتبر البحث عن الحقيقة ممّا لا طائل منه. وما دام الإنسان قد وُجد على وجه الأرض فوظيفته هي أن يسعى ليكون الأقوى والأشدّ، ولو كان ذلك باتّباع القسوة والمكر والخداع وسحق الآخرين، فإنّ الغاية تبرّر الوسيلة وما يؤدّي إلى الغاية فهو الحسن وما يمنع عنها فهو القبيح.45
وللأسف فقد وقع بعض المسلمين، كفريد وجدي، أسرى بعض مفاهيم "نيتشه" من دون أن يدركوا معناها، فقالوا إنّ الحياة تنازع على البقاء وإنّ البقاء للأقوى، ولذلك قالوا بضرورة الحرب بل واستشهدوا لذلك بالقرآن الكريم حيث يقول تعالى: ï´؟وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْصَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِï´¾44.
والصحيح أنّهم قد أخطأوا في فهم هذه الآية المباركة وأمثالها، فإنّه تعالى يبيّن أنّ الحرب ليست مرفوضةً بالمطلق، كما يظنّ قساوسة المسيحيّة، بل قد تكون مقبولةً إذا كانت دفاعاً عن الحقّ والعدل، وقد تكون مذمومةً إذا
كانت بهدف العدوان على الآخرين، إنّ العابد في محرابه مدين في حريّة عبادته لشجاعة المقاتل المدافع عن الحقّ، والإسلام يدعو الإنسان للوصول إلى مرحلةٍ لا يوجد فيها معتدٍ ومعتدى عليه، إلى حيث يتآلف الجميع حتّى الوحوش المفترسة، والّذي سيتحقّق على يد الإمام الحجّةعجل الله تعالى فرجه الشريف.46
ما هو موقف الإسلام من مدرستي القوّة والضعف؟
الإسلام يدعو إلى امتلاك القوّة ويحثّ أتباعه، أكثر من أيّ دين آخر، للسعي من أجل امتلاكها لمواجهة أعداء الله، قال تعالى: ï´؟وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْï´¾45. إلّا أنّه نهى عن استخدامها لأجل الإعتداء على الآخرين بغير وجه حقّ بقوله:ï´؟وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَï´¾46..
ولقد حثّ الإسلام الإنسان، سواءً كان قويّاً أم ضعيفاً، على نصرة الحقّ ومواجهة الباطل، بل وذمّ الضعيف
الّذي لا يطالب بحقّه واعتبر المجتمع الّذي يخشى أفراده فيه من المطالبة بحقوقهم مجتمعاً غير إسلاميّ. يقول الإمام عليّ عليه السلام في عهده لمالك الأشتر: "... حتّى يكلّمك متكلّمهم47 غير متتعتع48، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول في غير موطنٍ: لن تُقدَّس49 أمّةة لا يؤخذ للضعيف فيها حقّه من القوي غير متتعتع.."50. أي أنّه عليه السلام لا يقبل بالضعيف الّذي يخاف من المطالبة بحقِّه.47
فالإسلام يقدِّر القوّة ولكن باعتبارها قيمةً من القيم الإنسانيّة، الّتي تؤلِّف مجتمعةً الإنسانَ الكامل لا كـ"نيتشه" الّذي يحصر القيم جميعاً بالقوّة. ولذا فإنّ معيار الحقّ والباطل في الإسلام يختلف عمّا يراه "نيتشه" ، فليست القوّة هي العدل بل العدل قوّة، وليس الضعف هو الظلم بل الظلم ضعف.
القوّة، الفهم الخاطئ والصحيح48
ومن الأخطاء الفادحة الّتي ارتكبتها مدرسة القوّة: أنّها فهمت القوّة فهماً خاطئاً، حيث إنّها حصرتها بالقوّة الحيوانيّة، في حين أنّ في الإنسان قوّةً أخرى غير قوّة العضلات، وهي الأجدر بهذا الاسم. ولتوضيح ذلك ننقل الرواية التالية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
حيث جاء في كتب الحديث أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ يوماً بجمعٍ من الفتية أتوا بصخرةٍ، وهم يتنافسون أيُّهم الأقدر على رفعها فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أقواكم من استطاع كبح جماح نفسه عن المعاصي".
نفهم من كلام النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم أنّ القوّة الّتي يجدر بالإنسان الاتصاف بها هي قوّة الإرادة في مقابل الأهواء والشهوات.
أمّا قوّة العضلات فهي على أهميّتها ليست معياراً للإنسانيّة فإنّها موجودة أيضاً في الحيوانات ولعلّها تصل في بعضها إلى أضعاف ما لدى الإنسان.
ويقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "أشجع الناس من غلب هواه".
يتّضح ممّا تقدَّم أنّ جميع القيم الّتي رفضها "نيتشه" على أساس أنّها مصدر الضعف، هي مصدر القوّة.49
نعم لا ينبغي أن ننسى ما أكّدناه مراراً من ضرورة نموّ جميع القيم بنحوٍ متوازنٍ، يقول تعالى:ï´؟الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَï´¾51.
فحين تطبيق العقاب الإلهيّ لا ينبغي للرحمة والرأفة أن تتدخّلا، لأنّهما في هذا المقام قسوة بحقّ المجتمع. ومصلحة المجتمع هنا أهمّ من المصلحة الفرديّة. ومن هنا ندرك الأخطاء الّتي يرتكبها بعض في دعوتهم إلى عدم تنفيذ أحكام القصاص بحجّة كون التربية والإصلاح أولى منها. فإنّ الإسلام يدعو إلى التربية والإصلاح مع دعوته إلى معاقبة مرتكب الجناية حفظاً لكيان المجتمع ومنعاً لانتشار الفساد فيه.
وأمّا مدرسة الضعف والّتي يتمنّى أحد أنصارها لو أنّ الله خلقه نملةً حتّى لا يكون قادراً على إيذاء الآخرين، فيقول الإسلام: إنّ الفخر أن يملك المرء القوّة ولا يستعملها لإيذاء الآخرين. وما يستحقّ المدح هو أن يكون الإنسان كالنبيّ يوسفعليه السلام قد توفّرت لديه جميع الظروف المساعدة على التنعَّم والاستمتاع، ومع ذلك حافظ على عفّته، لا أن يعتكف الإنسان في زاوية المجتمع. قال تعالى:ï´؟إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَï´¾52.50
5- مدرسة المحبّة أو معرفة النفس
وقد وُجِدت في الهند وشرق آسيا منذ آلاف السنين، وهي تضمّ بين ثناياها أموراً رفيعة المستوى، وتركِّز على معرفة النفس وتعتبرها محوراً للكمالات الإنسانيّة، بل إنّها تحصر الكمال الإنسانيّ بمعرفتها. ويُعتَبر كتاب الهنود القديم "إياني شاد" أحد المصادر الرئيسة لهذه المدرسة، وممّن يسير على دربها المهاتما غاندي الّذي يستلخص منها ثلاثة مبادىء يعتبرها منهجاً عمليّاً للحياة:
المبدأ الأوّل: يوجد حقيقة أصيلة واحدة هي معرفة النفس، ومن أغفلَ هذه المعرفة فقد أنزل التعاسة بنفسه وبالدنيا، وهذا ما حصل مع الغربيّين.51
المبدأ الثاني: من عرف نفسه فقد عرف الله والآخرين.
المبدأ الثالث:القوّة الوحيدة الموجودة هي قوّة السيطرة على النفس، ومن استطاع السيطرة على نفسه استطاع السيطرة على الآخرين. وبتسلّط الإنسان على نفسه فإنّه يكتشفها، وباكتشافها تتولّد المحبّة، أي أن يحبّ المرء للآخرين ما يحبّه لنفسه، وأن يكره لهم ما يكرهه لنفسه.
وباتضاح هذه المبادئ الثلاثة نستخلص: أنّ الإنسان الكامل هو الّذي عَرَف نفسه وسيطر عليها وأصبح محبّاً للآخرين.
مدرسة المحبّة تحت المجهر
تقدَّم أنّ هذه المدرسة تركّز على معرفة النفس لتصل من خلالها إلى المحبّة، ويروّج المسيحيّون أيضاً لهذا
المنطق ويسمّون دينهم بدين المحبّة، ولكنّ الإنصاف أنّهم أوصلوا دينهم إلى حيث ينبغي أن يسمّى بدين الضعف.52
وعلى كلّ حال فإنّ هذه المدرسة تقف في النقطة المقابلة تماماً لمدرسة القوّة. حيث تقول إنّ الإنسان الكامل هو الّذي يصل خيره إلى خلق الله، وبتعبير بعضهم لا يوجد في الدنيا إلاّ حسنة واحدة هي الإحسان إلى الناس، ولا يوجد إلاّ سيئة واحدة هي إيذاء الناس، فهي تحصر الكمال في شيء واحد فقط، والقيم في قيمة واحدةٍ فقط.
موقف الإسلام منها؟
لا ريب، أنّ فعل الخير وخدمة الناس هو من القيم الإنسانيّة الإلهيّة الّتي حثّ الإسلام عليها، يقول تعالى: ï´؟إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَï´¾53.
بل إنّه عدَّ الإيثار مزيةً تستحقّ المدح والثناء، يقول تعالى حكايةً عن عليّ والزهراء والحسن والحسين عليهم السلام: ï´؟وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورï´¾54.53
ويروى أنّ رجلاً يُدعى "الأقرع بن حابس" دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقبِّل الحسن والحسينL فقال الرجل: إنّ لي عشرة من الولد ما قبّلت أحداً منهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "من لا يَرحم لا يُرحم"55 .
هذا ما يدعو الإسلام إليه وإنّنا لنجد الكثير من مصاديقه في مجتمعاتنا بخلاف المجتمعات الغربيّة الّتي سمتها قسوة القلب والخلوّ من العواطف الإنسانيّة.
يحكي أحد الأصدقاء أنّه كان مريضاً فسافر إلى النمسا للعلاج. وهناك أجريت له عملية جراحيّة، وفي أحد الأيّام كان يجلس مع ابنه في أحد المطاعم. وابنه يقوم بخدمته. وكان رجل وامرأة بدا عليها أنّهما زوجان يقومان
بمراقبتهما. واتفق أن مرَّ الإبن بهما فقاما بالحديث معه، وبعد عودة الإبن سأله أبوه عمّا كان يريدانه. فقال أنّهما سألاه عمّن يكون الرجل الّذي يقوم بخدمته، فأجابهما أنّه أباه. فاستغربا ذلك منه وقالا فليكن أباك ولكنّ هذا لا يوجب عليك خدمته. فأجابهما ثانيةً بالمنطق الّذي يفهمانه وقال إنّ أباه يقوم بالإنفاق على دراسته. فازداد تعجّبهما إذ ما الّذي يُلزم الأب بالإنفاق على ابنه.54
وبعد ذلك انضمّ الرجل والمرأة إلى مائدة صديقنا وأخبراه أنّ لهما ولد يدرس في الخارج. وبعد ذهابهما أخبره ابنه أنّهما يكذبان إذ ليس لهما ولد بل ليسا زوجين وإنّما تعرّفا على بعضهما منذ ثلاثين عاماً، وبقيا معاً حتّى يدرس كلّ واحد منهما أخلاق الآخر، وإلى الآن هما يقومان بذلك!!
إنّ العواطف الإنسانيّة تمثِّل قيمةً من القيم الإنسانيّة ولكن بشرط نموّها بشكلٍ متوازن لا أن تتحوّل إلى أنانيّة باسم الإنسانيّة، كالرجل الّذي يسميّ نفسه مضيافاً وكريماً ولكنّه يجبر زوجته على خدمة الآخرين باسم الكرم والضيافة. أيكون الكرم ممدوحاً إذا استلزم ظلم الآخرين،
وهل يعتبر فعل إيثاراً إذا انطوى على حبّ الظهور؟!55
إنّ الإسلام يدعو إلى فعل الخير وخدمة الناس ولكنّ حصر جميع القيم بهذه القيمة والاقتصار عليها خطأ لا ريب فيه.
6- مدرسة اللاطبقيّة
وهي ترى أنّ الإنسان الكامل هو الّذي لا ينتمي لأيّ طبقةٍ اجتماعيّة بل يحيا كأيّ إنسانٍ آخر، ومنشأ هذه الرؤية أنّه لا يمكن العثور في المجتمعات الطبقيّة على إنسانٍ خالٍ من العيوب.
7- مدرسة الحريّة والوعي
وهي ترى أنّ الإنسان الكامل هو الإنسان الحرّ الواعي المتميّز بوعي اجتماعيّ مسؤول.
8- مدرسة اللذة والاستمتاع
ولا تبتعد هذه المدرسة كثيراً عن مدرسة القوّة، فإنّها ترى أنّ الإنسان الكامل هو الّذي يستمتع بكلّ ما وهبته الطبيعة له، والعلم لا قيمة ذاتيّة له، بل هو أداةٌ ووسيلة لا غاية، إذ به
يستطيع الإنسان أن يسخِّر الطبيعة لمصلحته ليستمتع بها أكثر فأكثر، فهو كالأسنان للسبع والقرون للبقر.56
ومن خلال ما تقدّم نعرف الردّ على هذه المدارس، ولا داعي لزيادة التفصيل.
والحمد لله ربِّ العالمين
الخلاصة57
لقد سعت كلّ من المدارس: العقليّة والصوفيّة ومدرستا القوّة والضعف وغيرها من أجل تقديم رؤيةٍ متكاملة عن الإنسان الكامل.
ترى المدرسة العقليّة أنّ العقل هو جوهر الإنسان وأنّ سائر قوى الإنسان الأخرى هي أدوات بيده.
يتّفق الإسلام مع المدرسة العقليّة حول حجيّة المعرفة العقليّة، ولكنّه يختلف معها في جعلها العقل وحده جوهر الإنسان، وفي تحديدها للإيمان بأنّه معرفة فقط.
يوجد العديد من النقاط الّتي ينبغي دراستها في المدرسة الصوفيّة.
تحتقر المدرسة الصوفيّة العقل بل وتعجب من رؤية حكيمٍ ذي مكانةٍ سامية.
يرى التصوّف أنّ "أنا" الإنسان الحقيقيّة يمكن اكتشافها عند اكتشاف الله.
تحصر المدرسة الصوفيّة سبيل الوصول بالاعتماد
على القلب فقط والتوجّه نحو الباطن دون الظاهر.58
على الإنسان عند الصوفيّة أن يسعى للتحرّر من سجن الدنيا إذا أراد العودة إلى الله.
يميّز الإسلام بين مرتبتين للنفس ينبغي إعزاز إحداهما ومجاهدة الأخرى.
إنّ الإسلام يدعو إلى امتلاك القوّة ولكنّه يختلف مع مدرسة القوّة في تحديده لمفهوم القوّة ورؤيته لها.
لقد سعت كلّ من المدارس المتقدّمة من أجل تقديم رؤية متكاملة عن الإنسان الكامل إلّا أنّها عجزت جميعاً عن ذلك لتركيزها على جنبةٍ معيّنةٍ من شخصيّة الإنسان وإهمالها للجوانب الأخرى. أمّا الإسلام فقد استطاع أن يقدِّم رؤية متكاملة احتوت على جميع عناصر القوّة وسلمت من جميع عناصر الضعف.
59
تعليق