بسم الله الرحمن الرحيم
الرسالة السماوية
لقد جاءت الرسالات السماوية لتبشر بيوم يتحقق فيه وعد الله ويتم نوره ولو كره المشركون والكافرون والمنافقون، وبما أن القرآن الكريم هو آخرها وخاتمها وخلاصتها وصفوتها، فهو معني أكثر من سابقيه بالإشارة إلى ذلك اليوم الموعود، الذي تتخلص فيه الأرض ومن عليها من الظلم، ويستتب فيها الأمن والعدل وتقام شريعة الله وتحيا سنة رسوله وأحكام دينه بعد اندراسهما. ولو لم يكن ذلك الإيمان قائما في عقيدة المسلمين لما كان للإسلام معنى ولا لمفاهيمه قيمة، وهو الذي أصبح اليوم محاصرا ومحاربا ومشوها فهما وتطبيقا عند الكثيرين.
لقد أنبأنا القرآن الكريم بأن الإسلام كرسالة خاتمة كان معتقدا لدى الأنبياء السابقين ببعض أو بكل تفاصيله وعنصر غيب مأمورين بالإيمان به والتبليغ عنه، وكونه من المحتمات الواقعة في آخر الزمان، ونتيجة لحركة الإصلاح والخير والتقوى التي سلكها خلص البشرية، لتكون الأرض بما فيها تحت طائلة أحكامهم الإلهية ولا شيء غيرها. قال تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون".
والإيمان بيوم الخلاص أو اليوم الموعود ليس حكرا على الشرائع السماوية، فحتى النظريات المستوحاة من الفلاسفة والمفكرين، تعتقد كذلك بيوم تتم فيه فكرتها وتقوم البشرية على قوانينها. ولعل ذلك الإيمان نابع من الإحساس بشحنة الأمل التي تدفع معتقد الفكرة قدما في الزمن للعمل بلا كلل لنشرها والسعي إلى إقامتها.
ونظرية دولة العدل الإلهية ومجتمع الإسلام الحق، جاء بها القرآن الكريم وبشربها الرسول الأعظم (ص) مصرحا بتفاصيلها، التي لم يصلنا منها إلا ما نجا من براثن الطواغيت والظالمين، الذين كانوا يضيقون ذرعا بتلك النظرية ويرون فيها خطرا محدقا يهدد عروشهم، فكان سعيهم دائبا لطمسها وتمييعها، بل لعل الطريف أن فيهم من سعى إلى إلصاق ذلك اللقب بنفسه كالمهدي العباسي (775) والهادي (785) والمهتدي (869) والقائم (1031) وكان أول ملوك الفاطميين يلقب بالمهدي (934).
أما من ظهر يحمل لقب المهدي في شتى أنحاء البلاد الإسلامية فذلك عائد لإيمان المسلمين الراسخ بأن المهدي حقيقة وأن الهداية دور رباني متحقق الوقوع، وتسمية الأبناء به يأتي تيمنا وتفاءلا بعقيدة مترسخة فيهم عبر العصور.
يقول الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره الشريف، في بحثه حول المهدي: "إن فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر لتغيير العالم إلى الأفضل، قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله عموما، وفي روايات أئمة أهل البيت عليهم السلام خصوصا، وأكدت في نصوص كثيرة بدرجة لا يمكن أن يرقى إليها الشك. ولقد أحصي أربعمائة حديث عن النبي (ص) من طرق اخوتنا أهل السنة، كما أحصي مجموع الأخبار الواردة في الإمام المهدي من طرق الشيعة فكان أكثر من ستة آلاف رواية. هذا رقم إحصائي كبير لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الإسلام البديهية التي لا يشك فيها المسلم عادة". ص63.
إن أحاديث بلغت تلك الكثرة لهي دليل على صحة الشخصية المنتظرة ونقطة توافق منطقي بين فريقين من المسلمين تجمعهم أصول وفروع كثيرة وقضايا مشتركة أهمها على الإطلاق هذا الأمل الذي نحن بصدده والذي يجمعنا إلى غد أفضل ومستقبل يكتنفه العدل والأمن تحت قيادة فذة مقتدرة تجمع المسلمين والبشرية قاطبة على قانون واحد وأحكام صحيحة ثابتة تماما كما جاء بها الرسول الأعظم (ص) وأنزلت عليه أول مرة.
الحديث :عن عبد الله بن مسعود قال كنت عند النبي (ص) إذ مر فتية من بني هاشم كأن وجوههم المصابيح فبكى النبي (ص) قلت ما يبكيك يا رسول الله؟ فقال انا أهل بيت قد اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وانه سيصيب أهل بيتي قتل وتطريد وتشريد في البلاد حتى يتيح الله لنا راية تجيء من المشرق من يهزها يهز ومن يشاقها يشاق، ثم يخرج عليهم رجل من أهل بيتي اسمه كاسمي وخلقه كخلقي تؤوب إليه أمتي كما تؤوب الطير إلى أوكارها فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا". دلائل الإمامة لابن رستم الطبري ص 235.
وحتى نبسط النظرية أكثر نقول لاشك بأن كل المسلمين يدركون أن الشريعة بما تحتويه من قرآن وسنة تحتاج إلى من يحركها ويضعها موضعها في الأمة حتى يمكنها من أداء دورها. وهذا الإدراك نابع من وجهتين الأولى وجهة عقلية تعتمد على الأدلة المنطقية في بيان وجوب القائم على أي شريعة لتتمكن من التحقق والاستمرار ومن دون ذلك لا يمكن لها أن تستمر وأن تجد حظها. والثانية وجهة دينية شرعية فرضتها النصوص الكثيرة الصريحة والمشيرة إلى كون اليوم الموعود الذي بشرت به رسالات الله تعالى سيكون نتيجة إعداد الهي يتمثل في تهيئة القائد وتمكينه من يوم خلاص الأمة من أعدائها ومغتصبي خيراتها ومفرقي دينها واستخلاص أعوانه وأنصاره من سواد الأمة.
إن نظرية الإمامة التي طرحها أئمة أهل البيت الاثني عشر عليهم السلام الذين بشر بهم رسول الله (ص) في حديث الاثني عشر خليفة الذي أجمع الحفاظ قاطبة على نقله، والذي مر إخباره عنهم مطموسا مغيبا فلم يصلنا عبر أكثر الرواة غير عددهم وكونهم من قريش هذا عند اخوتنا من أهل السنة. هو أول الخيط الذي أخذنا بطرفه، والذي يجب على كل مؤمن أن يأخذ به لأن الإسلام الذي جاء به النبي الأكرم (ص) دين كامل متكامل. إن الإمامة وقد يطلق عليها الولاية وظيفة من الوظائف الإلهية المتصلة بأحكام الشريعة اتصال الحفظ والفهم والتطبيق والقيمومة عموما على الدين بكل تفاصيله، هي مشمولات الخالق تعالى له وحده حق التعيين والاختيار. قال تعالى مخاطبا رسوله: " ليس لك من الأمر شيء ".
فإذا كان صلى الله عليه وآله وسلم ليس له من الأمر شيء فكيف يكون لعامة الناس الحق في اختيار لم يرقوا إليه ولا هو من مشمولاتهم ولا من اختصاصهم ولا كانت لديهم فكرة عنه؟.
لما كان الحكم منبثقا منه تعالى، راجعا إليه بالنظر فان الحكومة الإسلامية لا بد أن تكون من نفس النسيج راجعة إليه قانونا وتعيينا.
تعليق