بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الحليم الذي لا يَعْجَلُ , العدل الذي لا يَحيف , الصادق الذي لا يُخْلِفُ , القهار الذي لا يُغْلَب , العظيم الذي لا يوصَفُ .
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين , محمد الصادق الوعد الأمين , وعلى آله الطيبين الطاهرين , واللعن الدائم على أعدائهم الى يوم الدين .
إحذروا سرطان الحسينيات !!! هكذا يبدأون كلامهم السمج , من أفواه عفنة كأنها جُثَثُ خنازيرٍ متفسخة , ويسترسلون ما يتم من أعمال في المآتم الحسينية بدعة غير جائزة ، والشعائر التي تقام في عاشوراء شعائر جاهلية .
وقبل الإجابة على هذه الترهات , ينبغي أن نتعرف على حقيقة البدعة ، و الفرق بينها وبين السنّة ، وحقيقة الشعائر أيضاً ، لكي نتمكن من تصنيف العناوين الأخرى ، التي طرحت في الشعائر الحسينية ، وهل هي من البدعة أم من السنّة .
تعريف السنّة
السنّة لغةً :
هي الطريقة (1) ، فسنّة الله تبارك وتعالى طريقته ، ومنه قوله تعالى : ( سُنّةَ اللهِ الّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) (2) .
والسنّة لغةً أعم من كونها حسنة أو سيئة ، قال ابن منظور : ( والسنّة : السيرة ، حسنة كانت أو قبيحة ... ) (3) .
وفي لسان العرب أيضاً : ( سنّ فلان طريقاً من الخير ، يسنّه إذا ابتدأ أمراً من البر لم يعرفه قومه ، فاستسنوا به وسلكوه ) (4) .
السنّة في الاصطلاح الشرعي
السنّة اصطلاحاً هي قول المعصوم وفعله وتقريره ، كقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وكذا فعله ، فإنّه إذا فعل شيئاً يدل على مشروعيته ، أو تقريره ، كما لو كان أحد من الصحابة يأكل الجراد ، بمرأى من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ولا يردعه (صلّى الله عليه وآله) ، فعدم الردع يدل على عدم حرمة أكل الجراد ؛ لأنّه لو كان حراماً لوجب على الرسول (صلّى الله عليه وآله) ردعه ، مع بيان حرمته ، فمن سكوته (صلّى الله عليه وآله) يستفاد عدم حرمته .
قال ابن الأثير في غريب الحديث : ( والأصل فيها [السنّة] الطريقة والسيرة ، وإذا أطلقت في الشرع فإنّما يراد بها ما أمر به النبي (صلّى الله عليه وآله) ونهى عنه وندب إليه قولاً وفعلاً ممّا لم ينطق به الكتاب العزيز ، ولهذا يقال في أدلة الشرع ، الكتاب والسنّة أي : القرآن والحديث ) (5) .
وبناءً على ما تقدم يتضح أنّ السنّة تنقسم بالمعنى اللغوي إلى قسمين : سنّة حسنة ، وسنّة سيئة ، كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( مَن سنّ سنّة حسنة كان له مثل مَن عمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء ، ومَن سنّ سنّة سيئة كان عليه مثل وزر مَن عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) (6) .
أمّا السنّة بالمعنى الاصطلاحي ، فهي دائماً سنّة حسنة ؛ لأنّها سنّة المعصوم (عليه السلام) .
البدعة لغةً :
بدع : بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه : أنشأه وبدأه والبديع والبدع : الشيء الذي يكون أولاً . وفي التنزيل : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ ) أي : ما كنت أول مَن أرسل ، قد أرسل قبلي رسل كثير .
البدعة : الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال ، قال ابن السكيت : ( البدعة كل محدثة ) (7) .
وقال الخليل الفراهيدي : البدع : ( الشيء الذي يكون أولاً في كل أمر ، كما قال الله عزّ وجلّ : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ ) أي : لست بأول مرسل . البدعة ما استحدث بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من أهواء وأعمال ، ويجمع على البدع ) (8) .
البدعة شرعاً :
هي نسبة شيء إلى الدين وليس منه ، وبتعبير آخر : إدخال ما ليس من الدين في الدين .
قال الراغب في المفردات : ( والبدعة في المذهب : إيراد قول لم يستنّ قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة ... ) (9) .
وفي لسان العرب عن ابن الأثير : ( البدعة بدعتان ، بدعة هدى ، وبدعة ضلال ، فما كانت في خلاف ما أمر الله به ورسوله (صلّى الله عليه وآله) فهو في حيّز الذم والإنكار ، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحضّ عليه أو رسوله فهو في حيّز المدح ) (10) .
وفي مجمع البحرين للطريحي : ( والبدعة بالكسر فالسكون : الحدث في الدين وما ليس له أصل في كتاب ولا سنّة ) (11) .
ويتبيّن من ذلك أنّ البدعة بالمعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي ؛ ولذا نجد أنّ الشافعي والغزالي وابن حزم وابن الأثير وغيرهم ، قسموا البدعة بالمعنى اللغوي إلى حسنة وسيئة ، بينما البدعة بالمعنى الشرعي لا تكون إلاّ مذمومة ، ولذا ورد في الحديث المستفيض عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( كل بدعة ضلالة ) (12) .
قال ابن حجر : ( المحدثات بفتح الدال جمع محدثة ، والمراد بها ما أحدث وليس له أصل في الشرع ، ويسمّى في عرف الشرع (بدعة) وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة ، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة ، فإنّ كل شيء أحدث على غير مثال يسمّى بدعة سواء كان محموداً أو مذموماً ) (13) .
فالبدعة إذاً في الاصطلاح الشرعي تقابل السنّة بمعناها الشرعي ومعناها اللغوي إذا كانت حسنة ، فما لم يكن الشيء من السنّة فهو بدعة ، وما هو من السنّة فليس ببدعة .
الشعيرة لغةً :
قال الخليل الفراهيدي في (كتاب العين) : ( تقول أنت الشعار دون الدثار ، تصفه بالقرب والمودّة ... [ويقال] : ليت شعري أي علمي ، ويقال : ما يشعرك أي : ما يدريك ومنهم مَن يقول : شعرتُه أي : عقلته وفهمته . والمشعر : موضع المنسك من مشاعر الحج ، وكذلك الشعارة من شعائر الحج وشعائر الله ، مناسك الحج ، أي : علاماته . والشعيرة من شعائر الحج وهو أعمال الحج من السعي والطواف والذبائح ، كل ذلك شعائر الحج ) (14) .
وفي غريب الحديث لابن الأثير : ( وشعائر الحج آثاره وعلاماته : جمع شعيرة ... الشعائر المعالم التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليه ) (15) .
وفي مجمع البحرين : ( وحملوا الشعائر على المعالم ، أي : معالم حدود الله ، وأمره ونهيه وفرائضه ) (16) .
وفي تاج العروس : ( في الصحاح الشعائر : أعمال الحج ، وكل ما جعل علماً لطاعة الله عزّ وجلّ ) (17) .
وقال القرطبي في تفسيره : ( الشعائر : جمع شعيرة ، وهو كل شيء لله فيه أمر أشعر به وأعلم ، ومنه شعائر القوم في الحرب ، وشعائر الله أعلام دينه ) (18) .
ومحصّل كلام اللغويين : أنّ المعنى الجامع لماهيّة الشعائر ، هو جنبة الإعلام الحسّي لكلّ معنى أو سلوك ديني ، أو حكم من الأحكام الدينية ، كل ذلك يسمّى شعاراً ، أو شعائر ، فالشعيرة إذاً هي العلامة .
هل للشعيرة معنى شرعي ؟
من الأمور المهمّة والأساسية التي يقرّرها علماء أصول الفقه ، هي أنّ الشارع إذا لم يتصرف في الوجود الخارجي في مرحلة تطبيق الحكم على العنوان المأخوذ في لسان الدليل ، فلابد أن يكون وجوده هو ما يصدق عليه العنوان عرفاً .
وبعبارة أخرى : إنّ الأصل الأوّلي يقتضي كون وجود ما ينطبق عليه الحكم والعنوان عرفياً ، إلاّ أن يجعل له الشارع وجوداً خاصاً ، بأن ينصب دليلاً على ذلك ، ومثال ذلك تدخل الشارع في وجود وتحقق الصيغة المحققة للطلاق ، حيث نجد أنّ الشارع تصرّف في كيفية حصول الطلاق وإن لم يتصرّف في عنوان الطلاق اللغوي ، وكذلك الأمر بالنسبة للحلف فلا يكون قسماً شرعياً إلاّ بالله ، وكذا النذر لا يكون شرعياً إلاّ أن يأتي به الناذر بصيغته الخاصة ، فهذا تصرّف من الشارع في كيفية الوجود .
أمّا إذا لم يقم دليل من الشارع على ذلك ، فإنّ القاعدة والأصل الأوّلي يقتضي أن يكون وجوده وجوداً عرفياً ، كما في قوله تعالى : ( وَأَحَلّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا ) (19) و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (20) ، فحيث لم يأت دليل يتصرّف في كيفية وجود العقد البيعي في الخارج يكون البيع بمقتضى القاعدة ما هو المتداول عند العقلاء من العقود ، وقد أحلّها وأمضاها الشارع وأوجب الوفاء بها ، وإذا تبيّن ذلك ؛ نقول : إنّ الشارع إذا لم يكن قد تصرّف في عنوان الشعائر ، ولا في كيفية تحقيقها ووجودها في الخارج ، فإنّها تبقى على ما هي عليه في العرف .
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
(1) لسان العرب ، ابن منظور : ج13 ص 225 ؛ مجمع البحرين ، الطبري : ج 2 ص 436 .
(2) الفتح : 23 .
(3) لسان العرب ، ابن منظور : ج 13 ، ص 225 .
(4) المصدر نفسه : ج 13 ص 226 .
(5) النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج 2 ص 409 .
(6) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 4 ص 361 ؛ سنن الدارمي ، الدارمي : ج 1 ص 130 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي : ج 4 ص 176 وغيرها .
(7) لسان العرب : ابن منظور : ج 8 ص 6 ؛ وانظر مختار الصحاح ، محمد عبد القادر : ص31 .
(8) كتاب اليمين ، الفراهيدي : ج 2 ص 54 .
(9) مفردات ألفاظ القرآن ، الراغب الأصفهاني : ص 39 .
(10) لسان العرب ، ابن منظور : ج 8 ص 6 .
(11) مجمع البحرين ، الطريحي : ج 1 ص 164 .
(12) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 4 ص 26 ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج 18 ص 246 ؛ فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني : ج 13 ص 212 .
(13) فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني : ج 13 ص 212 .
(14) كتاب العين ، الفراهيدي : ج 1 ص 251 .
(15) النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج 2 ص 479 .
(16) مجمع البحرين ، الطريحي : ج 2 ص 515 .
(17) مختار الصحاح ، محمد بن عبد القادر : ص 180 .
(18) تفسير القرطبي ، القرطبي : ج 12 ص 56 .
(19) البقرة : 275 .
(20) المائدة : 1 .
يتبع
الحمد لله الحليم الذي لا يَعْجَلُ , العدل الذي لا يَحيف , الصادق الذي لا يُخْلِفُ , القهار الذي لا يُغْلَب , العظيم الذي لا يوصَفُ .
والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين , محمد الصادق الوعد الأمين , وعلى آله الطيبين الطاهرين , واللعن الدائم على أعدائهم الى يوم الدين .
إحذروا سرطان الحسينيات !!! هكذا يبدأون كلامهم السمج , من أفواه عفنة كأنها جُثَثُ خنازيرٍ متفسخة , ويسترسلون ما يتم من أعمال في المآتم الحسينية بدعة غير جائزة ، والشعائر التي تقام في عاشوراء شعائر جاهلية .
وقبل الإجابة على هذه الترهات , ينبغي أن نتعرف على حقيقة البدعة ، و الفرق بينها وبين السنّة ، وحقيقة الشعائر أيضاً ، لكي نتمكن من تصنيف العناوين الأخرى ، التي طرحت في الشعائر الحسينية ، وهل هي من البدعة أم من السنّة .
تعريف السنّة
السنّة لغةً :
هي الطريقة (1) ، فسنّة الله تبارك وتعالى طريقته ، ومنه قوله تعالى : ( سُنّةَ اللهِ الّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) (2) .
والسنّة لغةً أعم من كونها حسنة أو سيئة ، قال ابن منظور : ( والسنّة : السيرة ، حسنة كانت أو قبيحة ... ) (3) .
وفي لسان العرب أيضاً : ( سنّ فلان طريقاً من الخير ، يسنّه إذا ابتدأ أمراً من البر لم يعرفه قومه ، فاستسنوا به وسلكوه ) (4) .
السنّة في الاصطلاح الشرعي
السنّة اصطلاحاً هي قول المعصوم وفعله وتقريره ، كقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وكذا فعله ، فإنّه إذا فعل شيئاً يدل على مشروعيته ، أو تقريره ، كما لو كان أحد من الصحابة يأكل الجراد ، بمرأى من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ولا يردعه (صلّى الله عليه وآله) ، فعدم الردع يدل على عدم حرمة أكل الجراد ؛ لأنّه لو كان حراماً لوجب على الرسول (صلّى الله عليه وآله) ردعه ، مع بيان حرمته ، فمن سكوته (صلّى الله عليه وآله) يستفاد عدم حرمته .
قال ابن الأثير في غريب الحديث : ( والأصل فيها [السنّة] الطريقة والسيرة ، وإذا أطلقت في الشرع فإنّما يراد بها ما أمر به النبي (صلّى الله عليه وآله) ونهى عنه وندب إليه قولاً وفعلاً ممّا لم ينطق به الكتاب العزيز ، ولهذا يقال في أدلة الشرع ، الكتاب والسنّة أي : القرآن والحديث ) (5) .
وبناءً على ما تقدم يتضح أنّ السنّة تنقسم بالمعنى اللغوي إلى قسمين : سنّة حسنة ، وسنّة سيئة ، كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( مَن سنّ سنّة حسنة كان له مثل مَن عمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء ، ومَن سنّ سنّة سيئة كان عليه مثل وزر مَن عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) (6) .
أمّا السنّة بالمعنى الاصطلاحي ، فهي دائماً سنّة حسنة ؛ لأنّها سنّة المعصوم (عليه السلام) .
البدعة لغةً :
بدع : بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه : أنشأه وبدأه والبديع والبدع : الشيء الذي يكون أولاً . وفي التنزيل : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ ) أي : ما كنت أول مَن أرسل ، قد أرسل قبلي رسل كثير .
البدعة : الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال ، قال ابن السكيت : ( البدعة كل محدثة ) (7) .
وقال الخليل الفراهيدي : البدع : ( الشيء الذي يكون أولاً في كل أمر ، كما قال الله عزّ وجلّ : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ ) أي : لست بأول مرسل . البدعة ما استحدث بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من أهواء وأعمال ، ويجمع على البدع ) (8) .
البدعة شرعاً :
هي نسبة شيء إلى الدين وليس منه ، وبتعبير آخر : إدخال ما ليس من الدين في الدين .
قال الراغب في المفردات : ( والبدعة في المذهب : إيراد قول لم يستنّ قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة ... ) (9) .
وفي لسان العرب عن ابن الأثير : ( البدعة بدعتان ، بدعة هدى ، وبدعة ضلال ، فما كانت في خلاف ما أمر الله به ورسوله (صلّى الله عليه وآله) فهو في حيّز الذم والإنكار ، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحضّ عليه أو رسوله فهو في حيّز المدح ) (10) .
وفي مجمع البحرين للطريحي : ( والبدعة بالكسر فالسكون : الحدث في الدين وما ليس له أصل في كتاب ولا سنّة ) (11) .
ويتبيّن من ذلك أنّ البدعة بالمعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي ؛ ولذا نجد أنّ الشافعي والغزالي وابن حزم وابن الأثير وغيرهم ، قسموا البدعة بالمعنى اللغوي إلى حسنة وسيئة ، بينما البدعة بالمعنى الشرعي لا تكون إلاّ مذمومة ، ولذا ورد في الحديث المستفيض عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( كل بدعة ضلالة ) (12) .
قال ابن حجر : ( المحدثات بفتح الدال جمع محدثة ، والمراد بها ما أحدث وليس له أصل في الشرع ، ويسمّى في عرف الشرع (بدعة) وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة ، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة ، فإنّ كل شيء أحدث على غير مثال يسمّى بدعة سواء كان محموداً أو مذموماً ) (13) .
فالبدعة إذاً في الاصطلاح الشرعي تقابل السنّة بمعناها الشرعي ومعناها اللغوي إذا كانت حسنة ، فما لم يكن الشيء من السنّة فهو بدعة ، وما هو من السنّة فليس ببدعة .
الشعيرة لغةً :
قال الخليل الفراهيدي في (كتاب العين) : ( تقول أنت الشعار دون الدثار ، تصفه بالقرب والمودّة ... [ويقال] : ليت شعري أي علمي ، ويقال : ما يشعرك أي : ما يدريك ومنهم مَن يقول : شعرتُه أي : عقلته وفهمته . والمشعر : موضع المنسك من مشاعر الحج ، وكذلك الشعارة من شعائر الحج وشعائر الله ، مناسك الحج ، أي : علاماته . والشعيرة من شعائر الحج وهو أعمال الحج من السعي والطواف والذبائح ، كل ذلك شعائر الحج ) (14) .
وفي غريب الحديث لابن الأثير : ( وشعائر الحج آثاره وعلاماته : جمع شعيرة ... الشعائر المعالم التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليه ) (15) .
وفي مجمع البحرين : ( وحملوا الشعائر على المعالم ، أي : معالم حدود الله ، وأمره ونهيه وفرائضه ) (16) .
وفي تاج العروس : ( في الصحاح الشعائر : أعمال الحج ، وكل ما جعل علماً لطاعة الله عزّ وجلّ ) (17) .
وقال القرطبي في تفسيره : ( الشعائر : جمع شعيرة ، وهو كل شيء لله فيه أمر أشعر به وأعلم ، ومنه شعائر القوم في الحرب ، وشعائر الله أعلام دينه ) (18) .
ومحصّل كلام اللغويين : أنّ المعنى الجامع لماهيّة الشعائر ، هو جنبة الإعلام الحسّي لكلّ معنى أو سلوك ديني ، أو حكم من الأحكام الدينية ، كل ذلك يسمّى شعاراً ، أو شعائر ، فالشعيرة إذاً هي العلامة .
هل للشعيرة معنى شرعي ؟
من الأمور المهمّة والأساسية التي يقرّرها علماء أصول الفقه ، هي أنّ الشارع إذا لم يتصرف في الوجود الخارجي في مرحلة تطبيق الحكم على العنوان المأخوذ في لسان الدليل ، فلابد أن يكون وجوده هو ما يصدق عليه العنوان عرفاً .
وبعبارة أخرى : إنّ الأصل الأوّلي يقتضي كون وجود ما ينطبق عليه الحكم والعنوان عرفياً ، إلاّ أن يجعل له الشارع وجوداً خاصاً ، بأن ينصب دليلاً على ذلك ، ومثال ذلك تدخل الشارع في وجود وتحقق الصيغة المحققة للطلاق ، حيث نجد أنّ الشارع تصرّف في كيفية حصول الطلاق وإن لم يتصرّف في عنوان الطلاق اللغوي ، وكذلك الأمر بالنسبة للحلف فلا يكون قسماً شرعياً إلاّ بالله ، وكذا النذر لا يكون شرعياً إلاّ أن يأتي به الناذر بصيغته الخاصة ، فهذا تصرّف من الشارع في كيفية الوجود .
أمّا إذا لم يقم دليل من الشارع على ذلك ، فإنّ القاعدة والأصل الأوّلي يقتضي أن يكون وجوده وجوداً عرفياً ، كما في قوله تعالى : ( وَأَحَلّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا ) (19) و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (20) ، فحيث لم يأت دليل يتصرّف في كيفية وجود العقد البيعي في الخارج يكون البيع بمقتضى القاعدة ما هو المتداول عند العقلاء من العقود ، وقد أحلّها وأمضاها الشارع وأوجب الوفاء بها ، وإذا تبيّن ذلك ؛ نقول : إنّ الشارع إذا لم يكن قد تصرّف في عنوان الشعائر ، ولا في كيفية تحقيقها ووجودها في الخارج ، فإنّها تبقى على ما هي عليه في العرف .
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
(1) لسان العرب ، ابن منظور : ج13 ص 225 ؛ مجمع البحرين ، الطبري : ج 2 ص 436 .
(2) الفتح : 23 .
(3) لسان العرب ، ابن منظور : ج 13 ، ص 225 .
(4) المصدر نفسه : ج 13 ص 226 .
(5) النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج 2 ص 409 .
(6) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 4 ص 361 ؛ سنن الدارمي ، الدارمي : ج 1 ص 130 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي : ج 4 ص 176 وغيرها .
(7) لسان العرب : ابن منظور : ج 8 ص 6 ؛ وانظر مختار الصحاح ، محمد عبد القادر : ص31 .
(8) كتاب اليمين ، الفراهيدي : ج 2 ص 54 .
(9) مفردات ألفاظ القرآن ، الراغب الأصفهاني : ص 39 .
(10) لسان العرب ، ابن منظور : ج 8 ص 6 .
(11) مجمع البحرين ، الطريحي : ج 1 ص 164 .
(12) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 4 ص 26 ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج 18 ص 246 ؛ فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني : ج 13 ص 212 .
(13) فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني : ج 13 ص 212 .
(14) كتاب العين ، الفراهيدي : ج 1 ص 251 .
(15) النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج 2 ص 479 .
(16) مجمع البحرين ، الطريحي : ج 2 ص 515 .
(17) مختار الصحاح ، محمد بن عبد القادر : ص 180 .
(18) تفسير القرطبي ، القرطبي : ج 12 ص 56 .
(19) البقرة : 275 .
(20) المائدة : 1 .
يتبع
تعليق