إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

إحذروا سرطان الحسينيات !!!

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • إحذروا سرطان الحسينيات !!!

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الحليم الذي لا يَعْجَلُ , العدل الذي لا يَحيف , الصادق الذي لا يُخْلِفُ , القهار الذي لا يُغْلَب , العظيم الذي لا يوصَفُ .
    والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين , محمد الصادق الوعد الأمين , وعلى آله الطيبين الطاهرين , واللعن الدائم على أعدائهم الى يوم الدين .
    إحذروا سرطان الحسينيات !!! هكذا يبدأون كلامهم السمج , من أفواه عفنة كأنها جُثَثُ خنازيرٍ متفسخة , ويسترسلون ما يتم من أعمال في المآتم الحسينية بدعة غير جائزة ، والشعائر التي تقام في عاشوراء شعائر جاهلية .
    وقبل الإجابة على هذه الترهات , ينبغي أن نتعرف على حقيقة البدعة ، و الفرق بينها وبين السنّة ، وحقيقة الشعائر أيضاً ، لكي نتمكن من تصنيف العناوين الأخرى ، التي طرحت في الشعائر الحسينية ، وهل هي من البدعة أم من السنّة .
    تعريف السنّة
    السنّة لغةً :
    هي الطريقة (1) ، فسنّة الله تبارك وتعالى طريقته ، ومنه قوله تعالى : ( سُنّةَ اللهِ الّتِي قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنّةِ اللهِ تَبْدِيلاً ) (2) .
    والسنّة لغةً أعم من كونها حسنة أو سيئة ، قال ابن منظور : ( والسنّة : السيرة ، حسنة كانت أو قبيحة ... ) (3) .
    وفي لسان العرب أيضاً : ( سنّ فلان طريقاً من الخير ، يسنّه إذا ابتدأ أمراً من البر لم يعرفه قومه ، فاستسنوا به وسلكوه ) (4) .
    السنّة في الاصطلاح الشرعي
    السنّة اصطلاحاً هي قول المعصوم وفعله وتقريره ، كقول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وكذا فعله ، فإنّه إذا فعل شيئاً يدل على مشروعيته ، أو تقريره ، كما لو كان أحد من الصحابة يأكل الجراد ، بمرأى من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ولا يردعه (صلّى الله عليه وآله) ، فعدم الردع يدل على عدم حرمة أكل الجراد ؛ لأنّه لو كان حراماً لوجب على الرسول (صلّى الله عليه وآله) ردعه ، مع بيان حرمته ، فمن سكوته (صلّى الله عليه وآله) يستفاد عدم حرمته .
    قال ابن الأثير في غريب الحديث : ( والأصل فيها [السنّة] الطريقة والسيرة ، وإذا أطلقت في الشرع فإنّما يراد بها ما أمر به النبي (صلّى الله عليه وآله) ونهى عنه وندب إليه قولاً وفعلاً ممّا لم ينطق به الكتاب العزيز ، ولهذا يقال في أدلة الشرع ، الكتاب والسنّة أي : القرآن والحديث ) (5) .
    وبناءً على ما تقدم يتضح أنّ السنّة تنقسم بالمعنى اللغوي إلى قسمين : سنّة حسنة ، وسنّة سيئة ، كما قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( مَن سنّ سنّة حسنة كان له مثل مَن عمل بها من غير أن ينقص من أجره شيء ، ومَن سنّ سنّة سيئة كان عليه مثل وزر مَن عمل بها من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ) (6) .
    أمّا السنّة بالمعنى الاصطلاحي ، فهي دائماً سنّة حسنة ؛ لأنّها سنّة المعصوم (عليه السلام) .
    البدعة لغةً :
    بدع : بدع الشيء يبدعه بدعاً وابتدعه : أنشأه وبدأه والبديع والبدع : الشيء الذي يكون أولاً . وفي التنزيل : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ ) أي : ما كنت أول مَن أرسل ، قد أرسل قبلي رسل كثير .
    البدعة : الحدث وما ابتدع من الدين بعد الإكمال ، قال ابن السكيت : ( البدعة كل محدثة ) (7) .
    وقال الخليل الفراهيدي : البدع : ( الشيء الذي يكون أولاً في كل أمر ، كما قال الله عزّ وجلّ : ( قُلْ مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ ) أي : لست بأول مرسل . البدعة ما استحدث بعد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من أهواء وأعمال ، ويجمع على البدع ) (8) .

    البدعة شرعاً :
    هي نسبة شيء إلى الدين وليس منه ، وبتعبير آخر : إدخال ما ليس من الدين في الدين .
    قال الراغب في المفردات : ( والبدعة في المذهب : إيراد قول لم يستنّ قائلها وفاعلها فيه بصاحب الشريعة ... ) (9) .
    وفي لسان العرب عن ابن الأثير : ( البدعة بدعتان ، بدعة هدى ، وبدعة ضلال ، فما كانت في خلاف ما أمر الله به ورسوله (صلّى الله عليه وآله) فهو في حيّز الذم والإنكار ، وما كان واقعاً تحت عموم ما ندب الله إليه وحضّ عليه أو رسوله فهو في حيّز المدح ) (10) .
    وفي مجمع البحرين للطريحي : ( والبدعة بالكسر فالسكون : الحدث في الدين وما ليس له أصل في كتاب ولا سنّة ) (11) .
    ويتبيّن من ذلك أنّ البدعة بالمعنى اللغوي أعم من المعنى الشرعي ؛ ولذا نجد أنّ الشافعي والغزالي وابن حزم وابن الأثير وغيرهم ، قسموا البدعة بالمعنى اللغوي إلى حسنة وسيئة ، بينما البدعة بالمعنى الشرعي لا تكون إلاّ مذمومة ، ولذا ورد في الحديث المستفيض عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( كل بدعة ضلالة ) (12) .
    قال ابن حجر : ( المحدثات بفتح الدال جمع محدثة ، والمراد بها ما أحدث وليس له أصل في الشرع ، ويسمّى في عرف الشرع (بدعة) وما كان له أصل يدل عليه الشرع فليس ببدعة ، فالبدعة في عرف الشرع مذمومة بخلاف اللغة ، فإنّ كل شيء أحدث على غير مثال يسمّى بدعة سواء كان محموداً أو مذموماً ) (13) .
    فالبدعة إذاً في الاصطلاح الشرعي تقابل السنّة بمعناها الشرعي ومعناها اللغوي إذا كانت حسنة ، فما لم يكن الشيء من السنّة فهو بدعة ، وما هو من السنّة فليس ببدعة .
    الشعيرة لغةً :
    قال الخليل الفراهيدي في (كتاب العين) : ( تقول أنت الشعار دون الدثار ، تصفه بالقرب والمودّة ... [ويقال] : ليت شعري أي علمي ، ويقال : ما يشعرك أي : ما يدريك ومنهم مَن يقول : شعرتُه أي : عقلته وفهمته . والمشعر : موضع المنسك من مشاعر الحج ، وكذلك الشعارة من شعائر الحج وشعائر الله ، مناسك الحج ، أي : علاماته . والشعيرة من شعائر الحج وهو أعمال الحج من السعي والطواف والذبائح ، كل ذلك شعائر الحج ) (14) .
    وفي غريب الحديث لابن الأثير : ( وشعائر الحج آثاره وعلاماته : جمع شعيرة ... الشعائر المعالم التي ندب الله إليها وأمر بالقيام عليه ) (15) .
    وفي مجمع البحرين : ( وحملوا الشعائر على المعالم ، أي : معالم حدود الله ، وأمره ونهيه وفرائضه ) (16) .
    وفي تاج العروس : ( في الصحاح الشعائر : أعمال الحج ، وكل ما جعل علماً لطاعة الله عزّ وجلّ ) (17) .
    وقال القرطبي في تفسيره : ( الشعائر : جمع شعيرة ، وهو كل شيء لله فيه أمر أشعر به وأعلم ، ومنه شعائر القوم في الحرب ، وشعائر الله أعلام دينه ) (18) .
    ومحصّل كلام اللغويين : أنّ المعنى الجامع لماهيّة الشعائر ، هو جنبة الإعلام الحسّي لكلّ معنى أو سلوك ديني ، أو حكم من الأحكام الدينية ، كل ذلك يسمّى شعاراً ، أو شعائر ، فالشعيرة إذاً هي العلامة .
    هل للشعيرة معنى شرعي ؟
    من الأمور المهمّة والأساسية التي يقرّرها علماء أصول الفقه ، هي أنّ الشارع إذا لم يتصرف في الوجود الخارجي في مرحلة تطبيق الحكم على العنوان المأخوذ في لسان الدليل ، فلابد أن يكون وجوده هو ما يصدق عليه العنوان عرفاً .
    وبعبارة أخرى : إنّ الأصل الأوّلي يقتضي كون وجود ما ينطبق عليه الحكم والعنوان عرفياً ، إلاّ أن يجعل له الشارع وجوداً خاصاً ، بأن ينصب دليلاً على ذلك ، ومثال ذلك تدخل الشارع في وجود وتحقق الصيغة المحققة للطلاق ، حيث نجد أنّ الشارع تصرّف في كيفية حصول الطلاق وإن لم يتصرّف في عنوان الطلاق اللغوي ، وكذلك الأمر بالنسبة للحلف فلا يكون قسماً شرعياً إلاّ بالله ، وكذا النذر لا يكون شرعياً إلاّ أن يأتي به الناذر بصيغته الخاصة ، فهذا تصرّف من الشارع في كيفية الوجود .
    أمّا إذا لم يقم دليل من الشارع على ذلك ، فإنّ القاعدة والأصل الأوّلي يقتضي أن يكون وجوده وجوداً عرفياً ، كما في قوله تعالى : ( وَأَحَلّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا ) (19) و ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (20) ، فحيث لم يأت دليل يتصرّف في كيفية وجود العقد البيعي في الخارج يكون البيع بمقتضى القاعدة ما هو المتداول عند العقلاء من العقود ، وقد أحلّها وأمضاها الشارع وأوجب الوفاء بها ، وإذا تبيّن ذلك ؛ نقول : إنّ الشارع إذا لم يكن قد تصرّف في عنوان الشعائر ، ولا في كيفية تحقيقها ووجودها في الخارج ، فإنّها تبقى على ما هي عليه في العرف .
    {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف: 8]


    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــ
    (1) لسان العرب ، ابن منظور : ج13 ص 225 ؛ مجمع البحرين ، الطبري : ج 2 ص 436 .
    (2) الفتح : 23 .
    (3) لسان العرب ، ابن منظور : ج 13 ، ص 225 .
    (4) المصدر نفسه : ج 13 ص 226 .
    (5) النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج 2 ص 409 .
    (6) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 4 ص 361 ؛ سنن الدارمي ، الدارمي : ج 1 ص 130 ؛ السنن الكبرى ، البيهقي : ج 4 ص 176 وغيرها .
    (7) لسان العرب : ابن منظور : ج 8 ص 6 ؛ وانظر مختار الصحاح ، محمد عبد القادر : ص31 .
    (8) كتاب اليمين ، الفراهيدي : ج 2 ص 54 .
    (9) مفردات ألفاظ القرآن ، الراغب الأصفهاني : ص 39 .
    (10) لسان العرب ، ابن منظور : ج 8 ص 6 .
    (11) مجمع البحرين ، الطريحي : ج 1 ص 164 .
    (12) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 4 ص 26 ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج 18 ص 246 ؛ فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني : ج 13 ص 212 .
    (13) فتح الباري ، ابن حجر العسقلاني : ج 13 ص 212 .
    (14) كتاب العين ، الفراهيدي : ج 1 ص 251 .
    (15) النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج 2 ص 479 .
    (16) مجمع البحرين ، الطريحي : ج 2 ص 515 .
    (17) مختار الصحاح ، محمد بن عبد القادر : ص 180 .
    (18) تفسير القرطبي ، القرطبي : ج 12 ص 56 .
    (19) البقرة : 275 .
    (20) المائدة : 1 .
    يتبع






  • #2
    هل تصرّف الشارع في كيفية تطبيق الشعائر ؟
    عند إجراء استقصاء لأهم الآيات القرآنية الدالة على مشروعية الشعائر الدينية ، نجد أنّ الشارع لم يتعرّض لبيان كيفية وجودها في الخارج إلاّ ما تعرّض له في بعض الموارد ، كما في شعائر الحج وغيرها ، حيث جاء ذلك في بعض الآيات القرآنية :
    أ ـ قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ } [المائدة: 2] .
    ب ـ قوله تعالى : { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32] .
    حيث نجد في هذه الآية المباركة دلالة واضحة على مطلوبية ورجحان التعظيم لشعائر الله ، من دون أي تصرّف في كيفية حصول التعظيم ، وهذا يعني إيكال كيفية التعظيم إلى العرف .
    ج ـ قوله تعالى : {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج: 36] .
    د ـ قوله تعالى : {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } [البقرة: 158] .
    والتعبير فيهما بلفظ (من) التبعيضية يكشف عن كون البُدن والصفا والمروة من مصاديق الشعائر ، من دون التعرّض نفياً أو إثباتاً للمصاديق والأفراد الأخرى للشعائر ، ممّا يدلل على الإيكال إلى العرف الذي ذكرناه .
    وأمّا كلمات العلماء من الفقهاء والمحدثين من أهل السنّة في هذا المجال ، والتي تؤكّد على فهمهم لعمومية مفهوم الشعيرة والشعائر وشموله لجميع معالم الدين الإسلامي ، فهي كثيرة جداً ، ونقتصر على ما نصّ عليه فقهاء السنّة ومحدّثوهم :
    قال القرطبي : ( مِن شَعَائِرِ اللهِ ) أي : من معالمه ومواضع عبادته وهي جمع شعيرة ) (1) .
    وقال أيضاً : ( سمّي مشعراً من الشعار وهو العلامة ) (2) .
    وأخرج عن عطاء قوله : ( شعائر الله جميع ما أمر ونهى عنه ... وقال الحسن : دين الله كله ) ، وقال بعد ذلك : ( قلت : وهذا القول هو الراجح الذي يقدم على غيره لعمومه ) (3) .
    وقال أيضاً في موضع آخر من تفسيره : ( فشعائر الله أعلام دينه ) (4) .
    وقال كذلك : ( وترك الصلاة والآذان فيه ترك إظهار شعائر الإسلام ) (5) .
    وأمّا الأمور التي عدّها العلماء والفقهاء من مصاديق شعائر الله والدين والإسلامي ، فهي كثيرة جداً ، نستعرض منها ما يلي :
    1 ـ ( الصلاة والزكاة والحج والصوم ؛ لكونها أظهر شعائر الإسلام وأعظمها ) (6) .
    2 ـ ( ... هي من شعائر الإسلام وهي العيد والكسوف والاستسقاء ) (7) .
    3 ـ ( من شعائر الله الوقوف والرمي والطواف والسعي ) (8) .
    4 ـ ( الأذان والإقامة من شعائر الإسلام فتختص بالفرائض ) (9) .
    5ـ النووي وغيره قالوا : ( الفقهاء والمتفقّهين يجب إكرامهم وتعظيم حرماتهم ) (10) .
    واستدلوا لذلك بقوله تعالى : ( ذلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) ، وقوله : ( وَمَن يُعَظّمْ حُرُمَاتِ اللهِ ) .
    وهذا فضلاً عن أقوال علماء مذهب الإمامية الذين ذهبوا إلى تعميم الشعائر لجميع معالم الدين .
    وخلاصة ما تقدّم من الآيات القرآنية والروايات وأقوال العلماء : إنّ الشعائر بمفهومها الشرعي لا تختص بمناسك الحج ، أو بخصوص العبادات ، وإنّما تشمل كلّ ما له دور في إظهار المعالم الأساسية والرئيسة في الشريعة ، ونشر أحكام الدين ، فلم يتصرّف الشارع في كيفية تطبيقها وتحقيقها خارجاً إلاّ في بعض الموارد ، إذن تبقى بعض المصاديق التطبيقية لمفهوم الشعائر على ما هي عليه في العرف ، كما هو الحال في البيع في قوله تعالى : ( وَأَحَلّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا ) ، حيث ترك الشارع المقدّس تعيين أفراد ومصاديق حقيقة وماهيّة البيع إلى ما عليه العرف .

    ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
    (1) تفسير القرطبي ، القرطبي : ج 2 ص 180 .
    (2) المصدر نفسه : ج 2 ص 42 .
    (3) المصدر نفسه : ج 6 ص 37 .
    (4) المصدر نفسه : ج 12 ص 56 .
    (5) المصدر السابق نفسه : ج 5 ص 160 .
    (6) شرح مسلم ، النووي : ج 1 ص 148 .
    (7) شرح مسلم ، النووي : ج 6 ص 70 ؛ الديباج على مسلم ، السيوطي : ج 2 ص 385 ؛ عون المعبود ، العظيم آبادي : ج 4 ص 226 .
    (8) المصنف ، ابن أبي شيبة : ج 4 ص 360 .
    (9) كشف القناع ، البهوتي : ج 1 ص 273 ؛ ونحوه المجموع ، النووي : ج 3 ص 80 ونحوه المغني ، ابن قدامة : ج 1 ص 427 .
    (10) المجموع ، النووي : ج 1 ص 24 .
    يتبع

    تعليق


    • #3
      إيكال الشعائر إلى العرف هل يستلزم البدعة ؟
      لأجل اتضاح المطلوب ينبغي الإشارة إلى حقيقة مهمة يذكرها علماء الأصول ، ويمكن تقريبها بمثال ، كما في الاحترام ، فإنّ الاحترام حكم أوّلي يحكم به العقل والشرع ، إلاّ أنّ مصاديقه وطرق التعبير عنه متغيّرة ومستجدة ، تتخذ أشكالاً مختلفة ومتنوعة ، فالبعض يستخدم القيام وسيلة وعلامة لإبداء الاحترام والتعظيم ، والبعض يجعل المصافحة باليد أو بالإيماء بالرأس أو السجود وسيلة لذلك ، إلاّ أنّ علم القانون ـ سواء الوضعي أم الشرعي ـ لا يعد هذه التغيرات في الأفراد والمصاديق تغيّراً في الحكم الأوّلي للاحترام .
      كذلك من الأمثلة قوله تعالى : {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] .
      فالقوّة سواء كانت ضمن أساليب القتال القديمة ، كالسيف والجواد والسهم ونحوها ، أو الحديثة كالطائرات والصواريخ والمدافع والدروع ونحوها ، فإنّ جميع ذلك يعد من القوّة التي يجب إعدادها ، فالقوّة ذات مصاديق متعددة ، لكن وجوب إعداد القوّة ثابت في الشريعة ولم يتغيّر .
      وعلى ضوء ذلك ، يتضح أنّ أصل حكم الشعائر ووجوب تعظيمها ثابت في الشريعة ، لأجل دورها الإعلامي الفاعل في إحياء الدين ، إلاّ أنّ مصاديقها متغيّرة وموكولة إلى العرف .
      وعلى هذا الأساس نفهم الفرق بين مؤدّى ( مَن سنّ سنّة حسنة ) وبين موارد حرمة البدعة ، حيث إنّه في موارد البدعة لم يكن هناك أي دليل ، أو مستند يُعتمد عليه ، بينما في موارد السُنّة الحسنة إنشاء عادات وتطبيقات للشعائر الدينية في المجتمع ذات طابع اجتماعي يكون لها الدور الأساس في إبراز معالم الدين ، فهي تستند إلى الدليل الشرعي ، ومقنّنة ضمن الشروط الشرعية .
      نعم لابد في الشيء المستجد من مصاديق الشعيرة أن يكون حلالاً مباحاً في نفسه ، بخلاف البدعة ، حيث تكون سبباً لنشر الرذائل بين الناس بشكل تتحول إلى ظاهرة اجتماعية ثابتة من دون أن يكون لها أي غطاء شرعي ؛ وبذلك يتحمّل محدثها الوزر المضاعف كما قال (صلّى الله عليه وآله) : ( مَن سنّ سنّة سيئة فعمل بها كان عليه وزرها ووزر مَن عمل بها لا ينقص من أوزارهم شيئاً ) (1) .
      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
      (1) سنن ابن ماجة : ج 1 ص 74 .
      يتبع

      تعليق


      • #4
        أدلّة إقامة المآتم والحزن والبكاء
        في مقام ذكر الأدلة التي تساق لإثبات مشروعية هذه الشعائر نواجه نوعين من الأدلة :
        النوع الأوّل : الأدلة العامة
        وهي التي دلّت على رجحان التعظيم وإقامة الشعائر التي لها دور الإعلام الديني ، فبعد أن أثبتنا أنّ الشعائر والشعار يستخدم في مورد الإعلام للمعاني الدينية بأدوات حسّيّة – كل ما أعلم وذكّر بالله تعالى ، أو بفكرة وعقيدة منتسبة له عزّ وجلّ كأمره ونهيه ، فهو شعار وشعيرة دينية – يتضح الأمر في المآتم والشعائر الحسينية من البكاء والحزن وإقامة المجالس وغيرها ، حيث إنّها تنهض بدور عظيم في التذكير والإعلام بالأهداف التي خرج من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) سبط النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وخامس أصحاب أهل الكساء ، والتي يقع في مقدمتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما صرح (عليه السلام) بذلك مراراً ، حيث قال (عليه السلام) : ( بأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ومفسداً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) (1) .
        وقال أيضاً (عليه السلام) : ( إنّ هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد في الأرض وأبطلوا الحدود وشربوا الخمور ، واستأثروا بأموال الفقراء والمساكين ، وأنا أولى مَن قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا ) (2) .
        وقال (عليه السلام) : ( مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعمل بعباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ... ) (3) .
        حيث يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الفرائض الدينية التي أكّدت عليها الآيات القرآنية ، كما في قوله تعالى : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] .
        وقوله تعالى : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] .
        وقوله تعالى : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 71] .
        إذن هذه الشعائر والمجالس والمواكب الحسينية وما تتخذ من أشكال مختلفة والمعبّرة عن الأسى والحزن ، ليست سلوكاً سلبياً خالياً من الأهداف والنتائج التي تُسهم في الرقي الديني للمجتمع ، ولا هي مجرد تقاليد اجتماعية فارغة من الأفكار والمفاهيم الرسالية ، وإنّما هذه الشعائر تعبر عن البعد الرسالي في الشخصية الإسلامية بما تحمل من رؤى وأفكار ومتبنيات رسالية ، فهي تشكّل جزءاً أساسياً في شخصية الفرد ، لما تقوم به من دور مؤثر في ربط الفرد المسلم بالأهداف الرسالية التي نهض من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) ، فتكون هذه المآتم والبكاء والحزن وإقامة المجالس من أفراد ومصاديق شعائر الله ، التي حثّ عليها القرآن الكريم ؛ وذلك لدخولها تحت قوله تعالى : ( ذلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) .
        النوع الثاني : الأدلة الخاصة
        وهي الأدلّة الواردة في خصوص مشروعية إقامة مآتم الحزن والبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) ، نشير إلى بعضها ضمن النقاط التالية :
        الدليل الأوّل : الحزن والبكاء سنّة تكوينية
        إنّ البكاء الذي هو تعبير عن الحزن سنّة إلهية تكوينية ، كما في قوله تعالى : {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: 29] ، فالآية المباركة تنفي بكاء السماء والأرض على هلاك قوم فرعون الظالمين المفسدين في الأرض ، وهذا يعني أنّ السماء والأرض لها القابلية على البكاء والحزن ، وإلاّ فلا معنى للنفي ، بل إنّ الذي يفهم من الآية المباركة هو أنّ السماء والأرض تبكيان على مَن يستحق البكاء ؛ ولذا ورد في كثير من الروايات ذكر بكاء السماء والأرض على المؤمن ، وإليك بعضها :
        1 ـ ما أخرجه الطبري في تفسيره عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله تعالى : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) ، قال : ( بقاع المؤمن التي كان يصلّي فيها من الأرض تبكي عليه إذا مات ، وبقاعه من السماء التي يرفع فيها عمله ) (4) .
        2 ـ وفي الدّر المنثور عن مجاهد وابن عباس : ( الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً ) (5) .
        3 ـ وفي تفسير القرطبي : ( ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلاّ شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت ) (6) .
        4 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً ، ألا لا غربة على مؤمن ، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلاّ بكت عليه السماء والأرض ) ، ثم قرأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) ثم قال : ( إنّهما لا يبكيان على كافر ) (7) .
        5 ـ وأخرج ابن المبارك ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا، وابن المنذر من طريق المسيب بن رافع ، عن علي (عليه السلام) ، قال : إنّ المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاّه من الأرض ومصعد عمله من السماء ، ثم تلا : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) (8) .
        6 ـ ( ما من ميت يموت إلاّ تبكي عليه الأرض أربعين صباحاً ) (9) .
        وأمّا بكاء السماء والأرض على الإمام الحسين (عليه السلام) فقد سطّرت المصادر العديدة من كتب السنّة ـ فضلاً عن الكتب الشيعية ـ تفاصيل حصول هذه الظاهرة الكونية عند مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) من مطر السماء دماً واحمرارها مدّة مديدة ، ورؤية لون الدم على الجدران وتحت الصخور والأحجار في المدن والبلدان الإسلامية ، وإليك بعض تلك الوقائع :
        بكاء السماء دماً حزنا على الحسين (عليه السلام)
        1 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال عندما مرّ بكربلاء موضع قبر الحسين (عليه السلام) : ( فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض ) (10) .
        2 ـ وذكر ابن حبان : ( لمّا قتل الحسين قطرت السماء دماً ، فأصبح جرارنا وكل شيء لنا ملأ دماً ) (11) .
        3 ـ عن ابن عباس : ( إنّ يوم قتل الحسين قطرت السماء دماً ، وإنّ هذه الحمرة التي ترى في السماء ظهرت يوم قتله ولم تر قبله ، وإنّ أيام قتله لم يرفع حجر في الدنيا إلاّ وُجد تحته دم ) (12) .
        4 ـ عن قرة بن خالد قال : ( ما بكت السماء على أحد إلاّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي ، وحمرتها بكاؤها ) (13) .
        5 ـ قال سليمان القاضي : ( مطرنا دماً يوم قتل الحسين ) (14) .
        6 ـ عن ابن عباس قال : ( إنّما حدثت هذه الحمرة التي في السماء حين قتل الحسين ) (15) .
        7 ـ أخرج الطبراني بسنده عن علي بن مسهر ، حدثتني أُمّ حكيم ، قالت : ( قتل الحسين بن علي (عليه السلام) وأنا يومئذ جويرية ، فمكثت السماء أياماً مثل العلقة ) (16) .
        8 ـ أخرج البيهقي عن نظرة الأزدية ، قالت : ( لمّا قتل الحسين بن علي مطرت السماء دماً فأصبحت جرارنا وكل شيء لنا ملأ دماً ) (17) .
        9 ـ عن السدي : ( لمّا قتل الحسين بكت السماء وبكاؤها حمرتها ) (18) .
        10 ـ عن هلال بن ذكوان ، قال : ( لمّا قتل الحسين مكثنا شهرين أو ثلاثة ، كأنّما لطخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس ) (19) .
        11 ـ وذكر ابن الأثير : ( لمّا قتل الحسين مكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنّها تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع ) (20) .
        12 ـ عن ابن أبي جرادة بسند متصل : ( لمّا قتل الحسين مطرنا مطراً بقي أثره في ثيابنا مثل الدم ) (21) .
        13 ـ عن جعفر بن سليمان ، قال حدثتني خالتي أم سالم ، قالت : ( لمّا قتل الحسين بن علي مطرنا مطراً كالدم على البيوت والجدر ، قال : وبلغني أنّه كان بخراسان والشام والكوفة ) (22) .
        14 ـ عن يزيد بن زياد ، قال : ( لمّا قتل الحسين بن علي (رضي الله عنهما) احمرت آفاق السماء أربعة أشهر ) (23) .
        15 ـ عن أبي جرادة بسند متصل عن إبراهيم النخعي : ( لمّا قتل الحسين احمرت السماء من أقطارها ، ثم لم تزل حتى تفطّرت وقطرت دماً ) (24) .
        16 ـ وعنه أيضاً بسند متصل عن مسعدة ، عن جابر ، عن قرط بن عبد الله ، قال : ( مطرت ذات يوم بنصف النهار ، فأصابت ثوبي فإذا دم ، فذهبت بالإبل إلى الوادي فإذا دم ، فلم تشرب ، وإذا هو يوم قتل الحسين (رحمة الله عليه) ) (25) .
        17 ـ ابن حبان عن حماد بن سلمة وابن علية ، عن سليم القاص أبي إبراهيم ، قال : ( مطرنا يوم قتل الحسين دماً ) (26) .
        18 ـ ما في الصواعق ، عن أبي نعيم الحافظ ، عن نصرة الأزدية ، أنّها قالت : ( لمّا قتل الحسين بن علي أمطرت السماء دماً فأصبحنا وجبابنا وجرارنا مملؤة دماً ) (27) .
        19 ـ في الصواعق أيضاً : ( قال أبو سعيد : ولقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطّعت ) (28) .
        20 ـ فيه أيضاً : ( ظنّ الناس أنّ القيامة قد قامت ) (29) .
        21 ـ وفي خطط المقريزي روي : ( أنّ السماء أمطرت دماً فأصبح كل شيء لهم ملآن دماً ) (30) ، أي يوم قتل الحسين (عليه السلام) .
        بكاء الأرض دماً عبيطاً
        1 ـ أخرج الهيثمي عن الزهري ، قال : ( لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط ) قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ، ورجاله ثقات ) (31) .
        2 ـ وفي خطط المقريزي : ( لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين إلاّ وجد تحته دم عبيط ) (32) .
        3 ـ عن الزهري أيضاً ، قال : ( ما رُفع بالشام حجر يوم قتل الحسين إلاّ عن دم ) ، قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) (33) .
        4 ـ عن أبي سعيد ، قال : ( ما رفع حجر في الدنيا لما قتل الحسين إلاّ وتحته دماً عبيطاً ، لقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطعت ) (34) .
        5 ـ عن خلاد صاحب السمسم ، قال : ( حدثتني أُمّي ، قالت : كنّا زماناً بعد مقتل الحسين وأنّ الشمس تطلع محمرّة على الحيطان والجدر بالغداة والعشيّ ، قالت : وكانوا لا يرفعون حجراً إلاّ وجد تحته دم ) (35) .
        كسوف الشمس واضطراب الكواكب
        1 ـ عن عيسى بن حارث الكندي ، قال : ( لمّا قتل الحسين (رضي الله عنه) مكثنا سبعة أيام إذا صلّينا العصر نظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة ، ونظرنا الكواكب يضرب بعضها بعضاً ) (36) .
        2 ـ عن خلف بن خليفة ، عن أبيه ، قال : ( لمّا قتل الحسين اسودت السماء وظهرت الكواكب نهاراً حتى رأيت الجوزاء عند العصر ، وسقط التراب الأحمر ) (37) .
        3 ـ عن أبي قبيل ، قال : ( لمّا قتل الحسين بن علي (رضي الله عنهما) كسفت الشمس كسفة ، بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنّها هي ) (38) ، قال الهيثمي : ( رواه الطبراني وإسناده حسن ) (39) .

        بكاء ملائكة السماء
        1 ـ عن زين العابدين (عليه السلام) في الشام ، قال : ( أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ، أنا ابن مَن بكت عليه ملائكة السماء ) (40) .
        جزور (41) تنقلب دماً وأخرى ناراً
        1 ـ عن دويد الجعفي ، عن أبيه ، قال : ( لمّا قتل الحسين انتهبت جزوراً من عسكره ، فلمّا طبخت إذا هي دم ) ، قال الهيثمي : ( رواه الطبري ورجاله ثقات ) (42) .
        2 ـ عن حميد الطحان ، قال : ( كنت في خزاعة فجاءوا بشيء من تركة الحسين ، فقيل لهم : ننحر أو نبيع ؟ قال : انحروا فجلست على جفنة ، فلمّا جلست فارت ناراً ) (43) .
        ورس (44) يتحوّل إلى رماد
        1 ـ قال سفيان : ( رأيت الورس الذي أخذ من عسكر الحسين صار مثل الرماد ) وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (45) .
        2 ـ حكى ابن عينية عن جدته : ( إنّ جمالاً ممّن انقلب ورسه رماداً ، أخبرها بذلك ) (46) .
        الحيطان تسيل دماً
        1 ـ ( لمّا جيء برأس الحسين (عليه السلام) إلى دار زياد سالت حيطانها دماً ) (47) .
        2 ـ عن مروان مولى هند بنت المهلب ، قال : ( حدثني بواب عبيد الله بن زياد إنّه لمّا جيء برأس الحسين بين يديه رأيت حيطان دار الأمارة تسيل دماً ) (48) .
        قلم يكتب من دم
        عن أبي قبيل ، قال : ( لمّا قتل الحسين بن علي بعث برأسه إلى يزيد فنزلوا أول مرحلة فجعلوا يشربون النبيذ ، ويتحيون بالرأس ، فبينما هم كذلك إذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم حديد فكتب سطراً بدم :
        أترجو أُمّةٌ قتلت حسيناً = شفاعةَ جدّه يومَ الحسابِ
        فهربوا وتركوا الرأس ) (49) .
        اضطرام القصر ناراً
        عن حاجب عبيد الله بن زياد ، قال : ( دخلت القصر خلف عبيد الله حين قتل الحسين فأضطرم في وجهه نار ) (50) .
        نواح الجن
        1 ـ عن أمّ سلمة (رضي الله عنها) ، قالت : ( سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي ) قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) (51) .
        2 ـ وعنها أيضاً ، قالت : ( ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي (صلّى الله عليه وآله) إلاّ الليلة ، وما أرى مشهورٌ إلاّ قد قُتل ، تعنى الحسين (رضي الله عنه) ، فقالت لجاريتها اخرجي فسلي ، فأخبرت أنّه قد قتل ، وإذا جنّية تنوح :
        ألا يا عين فاحتفلي بجهد = ومَن يبكي على الشهداء بعدي
        على رهط تقودهم المنايا = إلى متحير في ملك عبدي (52) .
        3 ـ عن ميمونة قالت : ( سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي ) ، قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) (53) .
        4 ـ عن أبي جناب الكلبي قال : ( حدثني الجصاصون ، قالوا : كنّا إذا خرجنا إلى الجبان بالليل عند مقتل الحسين سمعنا الجن ينوحون عليه ويقولون :
        مسح الرسول جبينه = فله بريق في الخدود
        أبواه من عليا قريش = جدّه خير الجدود ) (54) .
        ثياب مصبوغة بدم
        أخرج المغازلي الشافعي في مناقبه ، عن أبي أحمد عامر، قال : ( حدثنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي محمد بن علي (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : حشر ابنتي فاطمة ومعها ثياب مصبوغة بدمٍ ، فتعلقُ بقائمة من قوائم العرش ، وتقول : يا عدلُ يا جبار ! احكم بيني وبين قاتل ولدي ! قال (صلّى الله عليه وآله) : فيحكم لابنتي وربّ الكعبة ) (55) .
        انقلاب الدنانير خزفاً
        ما أخرجه الهيثمي في صواعقه : ( كان مع أولئك الحرس دنانير أخذوها من عسكر الحسين ففتحوا أكياسها ليقتسموها فرأوها خزفاً ، وعلى أحد جانبي كل منها : ( وَلاَ تَحْسَبَنّ اللهَ غَافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ ) وعلى الآخر ( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (56) .
        الدليل الثاني : البكاء والرثاء سنّة قرآنية
        ويمكن أن نتناول هذا العنوان من ثلاث جهات :
        الجهة الأولى : الندبة والرثاء في القرآن
        إنّ القرآن الكريم تضمّن الرثاء والندبة والعزاء على المظلومين ، حيث استعرض ظلاماتهم بدءاً من هابيل ومروراً ببقية الأنبياء والرسل وروّاد الإصلاح والعدالة ، وكذلك استعرض ما وقع من المصائب والظلم والاضطهاد لبعض الجماعات التي تصدّت لمحاربة الفساد والظلم ، كأصحاب الأخدود وقوافل الشهداء عبر تاريخ الإنسانية ، كما جاء في قوله تعالى : {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } [البروج: 4 - 6] ، بل نجد أنّ القرآن الكريم رثى المظلومين من الأطفال الصغار المجني عليهم ، نتيجة جهل الجاهلية ، كما في وأد البنات ، قال تعالى : {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9] ، بل أكثر من ذلك ، حيث رثى وندب القرآن الكريم ناقة صالح (عليه السلام) لكونها آية وشعيرة من شعائر الله تعالى .
        ولم يقتصر القرآن الكريم على رثاء هؤلاء المظلومين فقط ، بل أخذ يتوعّد الظلمة بالعذاب والنقمة والهلاك والتنديد بهذه الأفعال القاسية ، ومن أبرز هذه الموارد هي :
        1 ـ قصة الموءودة
        حيث رثاها القرآن الكريم ـ كما سبق ـ فعرض ما حلّ بها في الجاهلية بشكل مثير للعاطفة والوجدان ؛ إذ كانت تدفن في التراب وهي حيّة مع براءتها وصفاء روحها .
        2 ـ قصة يوسف (عليه السلام)
        استعرض القرآن تفصيل القصة المأساوية ، التي جرت على يوسف (عليه السلام) مع إخوته ، وقد بدأ الله عزّ وجلّ الحديث عن يوسف وظلامته وهو طفل صغير ، بقوله تعالى : {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ } [يوسف: 7 - 9] {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} [يوسف: 15] ، فكشفت هذه الآية عن مدى قسوتهم وتعصّبهم وتجمّعهم ، وفضاعة فعلهم في إلقاء الطفل الصغير ـ الذي لا يقوى على شيء ـ في أعماق البئر ، ولا يخفى ما في هذا المشهد من تهييج العاطفة والحزن ، ليجعل من القارئ والسامع يعيش الحالة المأساوية ، وكأنّها متجسّدة أمامه .
        ثم يتابع القصة باستعراض مقطع آخر لا يقل مأساةً عن سابقة ، وهو عظمة وشدّة آثار المصيبة على يعقوب (عليه السلام) بقوله تعالى : {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 84 - 86] ، وهذا النص القرآني يكشف عن أنّ الجزع والندبة قد اشتدا وتفاقما على يعقوب (عليه السلام) إلى حد إصابته بالعمى ، وفي بعض الروايات ( دخل جبريل على يوسف وهو في السجن ، فقال : أيّها الملك الطيب الريح ، الطاهر الثياب أخبرني عن يعقوب أو ما فعل يعقوب ؟ قال : ذهب بصره ، قال ما بلغ من حزنه ؟ قال : حزن سبعين ثكلى ) (57) ، كذلك يكشف النص القرآني الآنف الذكر أنّه (عليه السلام) قد اشتد حزنه ، كما هو معنى البث ، وشكواه إلى الله تعالى إلى درجة اتهام أبنائه له بالخلل في عقله أو بدنه كما هو معنى (الحرض) ، وهذا دليل قرآني قاطع على أنّ شدّة الحزن والجزع على الأصفياء ، والالتجاء إلى الله تعالى وبث الشكوى إليه تعالى ممدوح ؛ لأنّه من فعل الأنبياء المعصومين ، وفي تتمة الرواية السابقة سأل يوسف (عليه السلام) جبرائيل (عليه السلام) : ( قال : ما أجره ؟ قال : أجر مائة شهيد ) ، وهذا بخلاف ما لو كان الجزع جزعاً من قضاء الله وقدره ، فهو من الجزع المذموم ؛ لأنّه يعد اعتراضاً على الله تبارك وتعالى .
        3 ـ قصة أصحاب الأخدود
        يسطر لنا القرآن الكريم مجموعة من الدروس الأساسية في حياة المسلمين ، فيبدأ أولاً بذكر ضرورة توثيق الحادثة قبل الخوض في تفاصيلها ، وهذا ما نلمسه في بداية سورة البروج ، فقبل استعراضه لقصة أصحاب الأخدود بدأ بالقسم الإلهي {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 1 - 3] ثم بعد ذلك تبدأ السورة المباركة برسم أحداث القصة فتقول : ( قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ ) وهذا الأسلوب يعد من أروع أساليب الندبة والرثاء ، وهو نظير قول الراثي : ( قُتل الحسين عطشاناً مذبوحاً من القفا مسلوب العمامة والردا ) .
        ثم يأخذ القرآن الكريم بتصوير الحادثة بشكل يثير العواطف ويؤججها ، حيث أن نَفْسَ وصفهم بأصحاب الأخدود ، إنّما هو للتأكيد على بيان كيفية قتلهم داخل الأخدود ، وهو الشق داخل الأرض ، ثم يصف النار التي أحرقتهم بأنها شديدة ، كما في قوله ( النّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ) ، ثم ينتقل إلى نقطة أخرى من المشاهد التي تكشف بشاعة الجريمة ، فيقول : ( إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ) وأي أنّ الظالمين لشدّة قسوتهم وتنكيلهم بالمؤمنين أجلسوهم على شفير الأخدود المتأجج بالنار من أجل إيجاد حالة من الرعب والخوف في أوساطهم من أجل التخلي عن دينهم وعقيدتهم التي آمنوا بها ، وبعد ذلك تتابع السورة بيان شدة الرحمة والشفقة الإلهية على الظلامة التي حلّت بالمؤمنين بقوله تعالى : ( وَهُمْ عَلَى‏ مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ) ، وبعد ذلك تنتقل السورة لعرض براءة ساحة المؤمنين ، وفي نفس الوقت تكشف وتبرز صمود المؤمنين وتماسكهم ، وسمو هدفهم ونبل مبادئهم ، كما في قوله تعالى : ( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) ، ومن هنا يبدأ الباري تعالى بالتنديد للظالمين وتهديدهم ، ليعلن بذلك عن قاعدة وسنّة إلهية ، وهي الوقوف إلى جانب المظلومين في مواجهة الظالمين ؛ ليعطي بذلك درساً آخر من الدروس القرآنية للمؤمنين ، وهو تربيتهم على ضرورة الوقوف مع المظلومين ، والتضامن معهم ومساندتهم ، والتنديد بالظالمين وأدانتهم وشجبهم والنفرة منهم والبراءة من أفعالهم ، منهم وضرورة عدم وقوف المؤمنين موقف اللامبالاة والتقاعس بذريعة أنّ هذه الأحداث إنّما حصلت في غابر التاريخ ، كما قال تعالى : ( إِنّ الّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ * إِنّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ) ، ونلمس من هذا الجو القرآني أنّه لا يرضى بالاكتفاء من المسلم والقارئ للسورة بالتعاطف وإثارة الأحاسيس تجاه المظلوم ، وإنّما يطلب من المسلم أن يكون على أشدّ درجة من النصرة والاستنكار للظالم ، وعمله والتنديد به ، ولو كان زمانه قد مضى ، وهذا درس آخر يمليه القرآن الكريم على المؤمنين ؛ مستهدفاً بذلك تطهير الإنسان من الانصهار والذوبان مع الظالمين ، كما قال تعالى : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللهُ مِن وَرَائِهِم مُحِيطٌ ) .
        4 ـ قصة قتل قابيل هابيل
        إنّنا نجد أنّ القرآن الكريم استعرض جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل راثياً بقوله عزّ وجلّ : { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28].
        فالآية تبين لنا ما يحمله هابيل من إيمان وصفاء وخوف من الله عزّ وجل ، وتبيّن أيضاً ما يحمله قابيل من القسوة والوحشية والعدوان .
        وهذا العرض بدوره يبين صورة من صور الرثاء في القرآن الكريم للمظلومين ، عرضها تعالى بأسلوب مثير للعاطفة والوجدان للوقوف مع المظلومين .
        5 ـ قصّة فرعون وهامان مع بني إسرائيل
        الصورة التي يعكسها القرآن الكريم لعمل فرعون وهامان وما ارتكباه من ظلم واستكبار في الأرض ، قال تعالى : { يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } [القصص: 4] ، وقوله تعالى : { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } [البقرة: 49] ، ولا يخفى ما في هذا التعبير من الرثاء والعزاء ، لما حلّ بالمؤمنين من بني إسرائيل .
        6 ـ تنديد واستنكار القرآن لقتل الأنبياء
        وقد ذكر ذلك في مواضع عديدة من القرآن الكريم :
        منها : قوله تعالى : {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 91].
        ومنها : قوله عزّ وجلّ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: 61] .
        ومنها : قوله تبارك وتعالى : {وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] ، وقد استنكر القرآن الكريم في هذه الآيات وغيرها قتل رواد الإصلاح من الأنبياء والأولياء ، وهذا من التنديد والشجب الذي تستهدفه الكثير من الشعائر الحسينية .
        7 ـ قصّة قتل ناقة صالح
        إنّ من أروع صور العزاء والرثاء والندبة التي يعرضها القرآن الكريم هذه الجريمة البشعة ، التي ارتكبها الأشقى في حق ناقة صالح (عليه السلام) ، مع أنّها كانت تتمتع بنوع من الحرمة ؛ لكونها من الشعائر والحرمات التي أضافها الله سبحانه وتعالى لذاته المقدّسة ، حيث قال تعالى : { إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا } [الشمس: 12 - 15] .
        فالسورة المباركة أسندت ذلك الفعل الشنيع إلى قوم ثمود بأجمعهم ، مع أنّ الذي قام به شخص واحد ، وهذا درس آخر يقدّمه القرآن الكريم من خلال استعراضه هذه القصة ، وهي أنّ مَن رضي بفعل قوم كان كمن شاركهم في فعلهم ؛ ولذا أسند الجريمة لقوم ثمود لرضاهم بفعل ذلك الأشقى .
        وهذا يعني ضرورة التضامن والوقوف مع المظلومين ، والشجب والاستنكار لما يقوم به الظالمون ، فلابد من تفاعل الشخص مع آيات القرآن الكريم كل آية بحسبها ، وقد ورد في هذا المعنى روايات كثيرة :
        عن جرير ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لنفر من أصحابه : ( إنّي قارئ عليكم آيات من آخر الزمر فمَن بكى منكم وجبت له الجنّة ، فقرأها من عند ( وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقّ قَدْرِهِ ) إلى آخر السورة ، فمنّا مَن بكى ومنّا مَن لم يبك ، فقال الذين لم يبكوا : يا رسول الله لقد جهدنا فلم نبك ، فقال : إنّي سأقرئها عليكم فمَن لم يبك فليتباك ) (58) ، ولا يخفى ما في الآيات الأخيرة من سورة الزمر من دواعي الحزن والبكاء والأسى ، كقوله تعالى : {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 71، 72] .
        وهذا ما يقرّره أيضاً علماء فن التجويد من ضرورة قراءة السورة بطريقة تتناسب مع الجو الذي تثيره الآية ، فإن كانت تبشّر بالجنّة والثواب فلابد من قراءتها بأسلوب الفرح والابتهاج ، وإن كانت بنحو الإنذار والوعيد فلابد من أن تقرأ بكيفية الخوف والحزن والانكسار ، وإن كانت بنحو الرثاء والنوح فلابدّ أن تقرأ بهذا بالنحو المناسب لذلك .
        ثم إنّ القرآن الكريم يقرّر المبدأ النبوي القائل : ( لا يحب رجل قوماً إلاّ حُشر معهم ) (59) ، فينسب القرآن الكريم قتل الأنبياء إلى الذين عاصروا نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وآله) ، مع أنّ بينهم وبين أنبياء بوناً واسعاً ؛ وما ذلك إلاّ لأنّهم كانوا راضين بما فعل أسلافهم من اليهود بالأنبياء .
        والملاحظة الجديرة بالذكر أنّ القرآن الكريم ليس كتاباً قصصياً للتسلية ، وإنّما هو كتاب عبرة وموعظة ، قال تعالى : ( قَدْ جَاءَتْكُم مَوْعِظَةٌ مِن رَبّكُمْ وَشِفَاءٌ ) فالغرض الذي يرمي إليه القرآن من خلال عرض القصة هو أخذ العبرة والموعظة من الأمم السابقة .
        ويتحصّل ممّا تقدّم :
        1 ـ إنّ أسلوب وأدب الرثاء والعزاء وإقامة المآتم أسلوب اتخذه القرآن الكريم لإثارة المشاعر والعواطف للوقوف مع المظلومين والتضامن معهم والبراءة من الظالمين .
        2 ـ إذا كان أسلوب الرثاء والندبة والعزاء سنّة قرآنية اتخذها القرآن لبيان ظلامات المظلومين كالأنبياء والأولياء وكأصحاب الأخدود ، بل وحتى الناقة والموءودة ، فكيف بحبيب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفلذّة كبده وريحانته ، وسيّد شباب أهل الجنة ؟ لا سيّما وأنّ القرآن الكريم أمر بمودتهم ، والمودة تعني التعاطف والتضامن معهم (عليهم السلام) ، بأن يفرح المؤمن لفرحهم ويحزن لحزنهم .
        ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
        (1) الفتوح : ج 5 ص 21 .
        (2) تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي : ج 2 ص 140 .
        (3) تاريخ الطبري ، الطبري : ج 4 ص 304 .
        (4) تفسير القرآن ، الصنعاني : ج 3 ص 208 ؛ جامع البيان ، الطبري : ج 25 ص 162 .
        (5) المستدرك ، الحاكم : ج 2 ص 449 [وقال فيه] صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ؛ شعب الإيمان ، البيهقي : ج 3 ص 183 ؛ فتح القدير ، الشوكاني : ج 4 ص 577 ؛ الدّر المنثور ، السيوطي : ج 7 ، ص 412 ؛ المصنف في الأحاديث والآثار ، ابن شيبة : ج 7 ص 136 .
        (6) تفسير القرطبي : ج 16 ص 141 .
        (7) تفسير الطبري ، الطبري : ج 11 ص 137 .
        (8) مسند ابن الجعد ، علي بن الجعد : ص 335 .
        (9) الدّر المنثور ، السيوطي : ج 6 ص 31 .
        (10) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص 293 .
        (11) الثقات ، ابن حبان : ج 5 ص 487 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 227 ؛ سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج 3 ص 312 .
        (12) ينابيع المودة ، القندوزي : ج 3 ص 102 .
        (13) تفسير القرطبي : ج 16 ص 141 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 64 ص 217 ، وانظر : تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج 4 ص 154 ، الدّر المنثور ، السيوطي : ج 4 ص 264 .
        (14) تفسير القرطبي : ج 16 ص 141 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145 ؛ وانظر التاريخ الكبير : البخاري : ج 4 ص 129 ؛ تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 226 .
        (15) إحقاق الحق : ج 27 ص 379 .
        (16) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 ، ثم قال : ورجاله رجال الصحيح ؛ دلائل النبوة ، البيهقي : ص 472 ، المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 113 ؛ تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 433 .
        (17) الثقات ، ابن حبان : ج 5 ص 487 ؛ دلائل النبوة ، البيهقي : ج 6 ، ص 471 .
        (18) نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص 222 ؛ جامع البيان ، الطبري : ج 25 ص 160 .
        (19) تذكرة الخواص ، ابن الجوزي : ص 232 .
        (20) تاريخ الطبري : الطبري : ج 4 ص 296 ؛ الكامل في التاريخ ، ابن الأثير : ج 4 ص 90 ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج 8 ص 185 ؛ أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ ، أحمد بن يوسف القرماني : ج 1 ص 325 .
        (21) شرح إحقاق الحق : ج 27 ص 392 ؛ عن تاريخ حلب : ج 6 ص 2649 .
        (22) تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 433 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 228 .
        (23) الدر المنثور ، السيوطي : ج 6 ص 31 ؛ تفسير القرطبي ، القرطبي : ج 16 ص 141 ؛ وانظر : تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 227 .
        (24) الذرية الطاهرة النبوية ، محمد بن أحمد الدولابي : ص 97 ، 1407 هـ ، الدار السلفية .
        (25) الثقات ، ابن حبان : ص 329 .
        (26) الثقات ، ابن حبان : ج 4 ص 329 ؛ لسان الميزان ، ابن حجر : ج 3 ص 113 .
        (27) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي : ص 294 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145.
        (28) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي : ص 295 .
        (29) الصواعق المحرقة ، ابن حجر : ص 295 ؛ نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص 220 .
        (30) تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 433 ؛ سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج 3 ص 312 .
        (31) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 119 .
        (32) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 230 .
        (33) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 ؛ المعجم الكبير ، الطبري : ج 3 ص 113 .
        (34) نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص 22 .
        (35) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 226 .
        (36) مجمع الزوائد : ج 9 ص 197 .
        (37) تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 432 .
        (38) السنن الكبرى ، البيهقي : ج 3 ص 337 .
        (39) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 197 .
        (40) نور العين في مشهد الحسين ، أبو إسحاق الأسفراييني : ص 70 .
        (41) الجزور ، الناقة المجزورة ، وجزر الناقة يجزرها جزراً نحرها وقطعها ، انظر : لسان العرب : ج 4 ص 134 .
        (42) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 121 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 .
        (43) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 121 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 231 ؛ تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 435 .
        (44) الورس : نبت أصفر يكون باليمن يتخذ الغمرة للوجه . عن الصحاح ، الجوهري : ج 3 ص 988 .
        (45) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 197 .
        (46) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي : ص 295 .
        (47) المصدر نفسه : ص 295 .
        (48) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145 .
        (49) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145 ؛ الصواعق ، الهيثمي : ص 294 .
        (50) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 113 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 .
        (51) المصدر نفسه : ج 3 ص 121 ؛ المصدر نفسه : ج 9 ص 199 .
        (52) المصدر نفسه : ج 3 ص 123 ؛ المصدر نفسه : ج 9 ص 199 .
        (53) المصدر نفسه : ج 3 ص 122 ؛ المصدر نفسه : ج 9 ص 199 .
        (54) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 121 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 199 .
        (55) مناقب علي بن أبي طالب ، الفقيه الحافظ أبو الحسن علي بن محمد الشافعي المغازلي : ص 64 .
        (56) الصواعق المحرقة ، الهيثمي : ص 302 .
        (57) المصنف ، ابن أبي شيبه : ج 8 ص 122 ؛ الهمّ والحزن ، ابن أبي الدنيا ، ص 77 ؛ وانظر : زاد المسير ، ابن الجوزي : ج 4 ص 204 ؛ وانظر : الدر المنثور ، السيوطي : ج 4 ص 30 ؛ وانظر : تفسير الثغالبي : ج 3 ص 346 .
        (58) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 2 ص 348 .
        (59) المعجم الصغير ، الطبراني : ج 2 ص 41 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 10 ص 280 ، وقال ، ( رواه الطبراني في الصغير والأوسط ، ورجاله رجال الصحيح ) .

        يتبع







        تعليق


        • #5
          {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}
          {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ}
          احسنتم ووفقكم الله
          قال الأمام علي بن ابي طالب عليه السلام :
          كن على حذر ... من الكريم إذا أهنته، ومن العاقل إذا أحرجته،
          ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن الأحمق إذا مازحته، ومنالفاجر إذا عاشرته ...
          إنني ذقت الطيبات كلها، ولم أجد أطيب من العافية،
          وذقت المرارات كلها، فلم أجد أمر من الحاجة إلى الناس ،
          ونقلت الحديد والحجر، فلم أجد أثقل من الدين ...
          اعلم أن الدهر يومان، يوم لك ويوم عليك،
          فإن كان لك فلا تبطر،
          وإن كان عليك فاصبر،
          فكلاهما ‘’سينحسر’’

          تعليق


          • #6
            الجهة الثانية : رثاء أهل البيت ومودتهم
            لا شك أنّ مفهوم الحب والمودة والرحمة من الصفات المهمة التي أكّد عليها القرآن الكريم ، واعتبرها من الصفات الأساسية في المؤمنين كقوله تعالى : {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] وقوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54] ، وقوله تعالى : {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: 8] .
            وقوله عزّ وجلّ : {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [الفتح: 29] .
            وقد أثبت القرآن صريحاً أيضاً وجوب محبّة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) والمودة لهم ، والآيات في ذلك كثيرة من جملتها :
            1 ـ قوله تعالى : {قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] .
            2 ـ وقوله تعالى : {إن كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: 31].
            3 ـ وقوله تعالى : {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ } [التوبة: 24] .
            وقد دأب النبي (صلّى الله عليه وآله) على بيان أنّ محبة أهل البيت (عليه السلام) واجبة ومفروضة على كل مسلم ، وأنّها شرط شفاعته يوم القيامة ، وأنّ حبهم وولاءهم لا يفارق حب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وولاءه ، كما لا ينفك حبه وولاؤه (صلّى الله عليه وآله) عن حب الله وولائه ، وأنّ بغضهم بغض لله ولرسوله (صلّى الله عليه وآله) ، وفي مقام الاستشهاد لذلك نواجه حشداً واسعاً من الروايات :
            1 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( لا يؤمن عبد حتى أكون أحبّ إليه من نفسه وأهلي أحبّ إليه من أهله وعترتي أحبّ إليه من عترته وذاتي أحب إليه من ذاته ) (1) .
            2 ـ وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله) : ( شفاعتي لأُمّتي من أحبّ أهل بيتي وهم شيعتي ) (2) .
            3 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( يرد الحوض أهل بيتي ومَن أحبهم من أُمّتي كهاتين السبّابتين ) (3) .
            4 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع : عن عمره فيم أفناه ، وعن جسده فيم أبلاه ، وعن ماله فيم أنفقه ، وممّ اكتسبه ، وعن حبّنا أهل البيت ) (4) .
            5 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( أدّبوا أولادكم على ثلاث : حبّ نبيكم ، وحبّ أهل بيتي ، وعلى قراءة القرآن ) (5) .
            6 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( مَن أراد التوسّل إليّ وأن يكون له عندي يد أشفع له بها يوم القيامة فليصل أهل بيتي ويدخل السرور عليهم ) (6) .
            7 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( لا يحبنا أهل البيت إلاّ مؤمن تقي ، ولا يبغضنا إلاّ منافق شقي ) (7) .
            8 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( والذي نفسي بيده لا يدخل قلب امرئ الإيمان حتى يحبهم لله ولقرابتهم منّي ) (8) ، يعني بهم أهل البيت (عليهم السلام) .
            9 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( مَن أحبني وأحب هذين وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة ) (9) .
            10 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( لا يؤمن رجل حتى يحب أهل بيتي لحبّي ) ، فقال عمر بن الخطاب : وما علامة حب أهل بيتك ؟ قال : ( حب هذا وضرب بيده على علي ) (10) .
            11 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( إنّ السعيد حقّ السعيد مَن أحب عليّاً في حياته وبعد موته ، وإنّ الشقي كلّ الشقي مَن أبغض عليّاً في حياته وبعد موته ) (11) .
            12 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( مَن أحبّ الحسن والحسين فقد أحبّني ، ومَن أبغضهما فقد أبغضني ) (12) .
            13 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( بأبي هما وأُمّي مَن أحبني فليحب هذين ) (13) .
            14 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( اللّهمّ إنّي أحبّهما فأحبّهما وأحبّ مَن يحبّهما ) (14) .
            15 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( مَن أحبّني فليحب هذين ) (15) .
            16 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( اللّهمّ إنّي أحبّه فأحببه وأحبّ مَن يحبه )(16) ، يعني الحسين (عليه السلام) .
            17 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( حسين منّي وأنا من حسين ، أحبّ الله مَن أحب حسيناً ، حسين سبط من الأسباط ) (17) .
            وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره تعليقاً على آية المودة : ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) اختصاص أهل البيت (عليهم السلام) بمزيد من التعظيم ، وذكر لذلك وجوها قال : ( الثاني : لا شك أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) كان يحب فاطمة (عليها السلام) ، قال (صلّى الله عليه وآله) : ( فاطمة بضعة منّي يؤذيني ما يؤذيها ) ، وثبت بالنقل المتواتر عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّه كان يحب عليّاً والحسن والحسين (عليها السلام) وإذا ثبت ذلك ، وجب على كل الأُمّة مثله لقوله : {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: 158] ، ولقوله تعالى : {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: 63] ، ولقوله : {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: 31] ، ولقوله سبحانه : {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21] ، الثالث إنّ الدعاء للآل منصب عظيم ؛ ولذلك جُعل هذا الدعاء خاتمة التشهّد في الصلاة ، وهو قوله : ( اللّهم صلّ على محمد وآل محمد وارحم محمداً وآل محمد ) ، وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل ، فكل ذلك يدلّ على أنّ حب آل محمد واجب ، قال الشافعي :
            يا راكِباً قِف بِالمُحَصَّبِ مِن مِنىً = وَاِهتِف بِقاعِدِ خَيفِها وَالناهِضِ
            سَحَراً إِذا فاضَ الحَجيجُ إِلى مِنىً = فَيضاً كَمُلتَطِمِ الفُراتِ الفائِضِ
            إِن كانَ رَفضاً حُبُّ آلِ مُحَمَّدٍ = فَليَشهَدِ الثَقَلانِ أَنّي رافِضي
            ونقل أيضاً عن الكشاف عن النبي (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : ( مَن مات على حب آل محمد مات شهيداً ، ألا ومَن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومَن مات على حب آل محمد مات تائباً ، ألا ومَن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ، وألا ومَن مات على حب آل محمد بشّره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير ، ألا ومَن مات على حب آل محمد يزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومَن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان إلى الجنة ، ألا ومَن مات على حب آل محمد جعل الله قبره مزار ملائكة الرحمة ، ألا ومَن مات على حب آل محمد مات على السنّة والجماعة ، ألا ومَن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً على جبينه آيس من رحمة الله ، ألا ومَن مات على بغض آل محمد مات كافراً ، ألا ومَن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة ) .
            هذا هو الذي رواه صاحب الكشاف ، وأنا أقول : آل محمد (صلّى الله عليه وآله) هم الذين يؤول أمرهم إليه ، فكل مَن كان أمرهم إليه أشدّ وأكمل كانوا هم الآل ، ولا شكّ أنّ فاطمة وعليّاً والحسن والحسين كان التعلّق بينهم وبين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أشد التعلّقات ، وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر ، فوجب أن يكونوا هم الآل ... ) (18) .
            ولا يخفى أنّ المودة لأهل البيت (عليهم السلام) لا تقتصر على مجرد المحبة القلبية فقط ، وإنّما هي عمل قلبي تترجمه أفعال الشخص على أرض الواقع ، فلابدّ أن تتجلّى تلك المحبة في بعض المظاهر التي تجسّدها في الواقع الخارجي ، ومن أهم هذه المظاهر :
            أولاً : لزوم اتّباعهم والأخذ منهم ، والتسليم لأمرهم ، لقوله تعالى : ( قُلْ إِن كُنْتُمْ تُحِبّونَ اللهَ فَاتّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ ) ، وهذه الآية المباركة دالة على أنّ المحبة الحقيقية لله عزّ وجلّ إنّما تكون بمحبة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وإتباعه ، وهذا جارٍ فيمَن هم نفسه وأهله وورثته وأوصياؤه .
            ثانياً : الحزن لحزنهم ، والفرح لفرحهم ، كما في قوله تعالى : {إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ} [التوبة: 50] ، فقد ذمّ الله تبارك وتعالى أعداء رسول الله من الكفّار بأنّهم يفرحون بما يسوء النبي (صلّى الله عليه وآله) ويحزنون إذا أصابته (صلّى الله عليه وآله) حسنة ، فالآية الكريمة تبيّن أنّ العداوة تستلزم الحزن لفرح النبي (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) والفرح لمصيبته (صلّى الله عليه وآله) وأهل بيته (عليهم السلام) ، فتدل الآية ـ بدلالة المفهوم ـ أنّ المحبة تقتضي الحزن لمصابهم والفرح لفرحهم ، ونظير ذلك قوله تعالى : ( إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبروا وَتَتّقُوا لاَ يَضُرّكُمْ كَيْدُكُمْ ) .
            إذن بمقتضى هذه الدلالات القرآنية يتّضح أنّ إقامة مظاهر الحزن من العزاء والرثاء على المصائب ـ التي حلّت بأهل البيت (عليهم السلام) وبالخصوص ما جرى على سيّد شباب أهل الجنة من الرزايا والمصائب ـ من أهم ما تفرضه وتوجبه مودة القربى .
            الجهة الثالثة : مدح القرآن للبكاء
            عند التأمّل والتدبّر في الآيات القرآنية ؛ نجد أنّ مدح البكاء والتحسّس والتأثّر العاطفي احتل مساحة واسعة من القرآن الكريم ، فهناك العديد من الآيات الكريمة التي اعتبرت الانفعال العاطفي ـ الذي يكون البكاء أحد مظاهره البارزة ـ بأنّه انفعال وتأثّر مطلوب وفطري ، وكمال للنفس الإنسانية ؛ إذا كان ناشئاً عن حقيقة من الحقائق الدينية ، وفيما يلي إشارة إلى بعض تلك الآيات :
            أولاً : قوله تعالى : {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ } [المائدة: 82، 83] ، حيث نجد أنّ هذه الآية المباركة ذمّت اليهود لشدّتهم وقسوتهم وامتدحت القسّيسين والرهبان من النصارى لرقّة ولين قلوبهم وفيض دموعهم خضوعاً أمام الحق بعد أن عرفوه .
            ثانياً : قوله تعالى : {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ } [التوبة: 91، 92] ، فمدح القرآن الكريم المؤمنين الذين يتشوّقون للمشاركة في الجهاد وفعل الخير والإنفاق .
            ثالثاً : قوله تعالى : {أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} [مريم: 58] ، فمن صفات المدح التي أثبتها القرآن الكريم للأنبياء ـ وهم الأسوة والقدوة المتحركة أمام الناس والنموذج الذي تقتدي به البشرية ـ هي تأثّرهم العاطفي الذي يظهر بمظهر البكاء غالباً عندما تتلى عليهم آيات الرحمن .
            رابعاً : قوله تعالى حكاية عن يعقوب (عليه السلام) : {وَقَالَ يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 84 - 86] ، فقد خلّد القرآن الكريم بهذه الآيات المباركة بكاء يعقوب على يوسف ليسطّر بذلك درساً قرآنياً على مر الأجيال وهذا هدي من هدي الأنبياء ، الذين أمر الله سبحانه وتعالى رسوله (صلّى الله عليه وآله) الاقتداء بهديهم حيث قال : ( فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ) وأمر أمة النبي (صلّى الله عليه وآله) بالاقتداء به بقوله عزّ وجلّ : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) ( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) ، وهذا يعني إنّما جاء من قصص في القرآن الكريم لأجل العبرة والاقتداء ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولي الأَلْبَابِ ) ، فيعقوب (عليه السلام) الذي هو نبي من أنبياء الله المصطفين المعصومين استمرّ بكاؤه على يوسف طوال فترة غيابه ، واشتد به البكاء حتى أبيضت عيناه من الحزن ، أي عميت ، وقد كان بكاؤه ـ الذي أوصله إلى حالة العمى ـ بإرادة واختيار منه ، فإذا كان شوق وحزن وبكاء نبي على نبي آخر يصل إلى هذا الحد ، فكيف بنا نحن غير المعصومين عندما نرى ونسمع بما حلّ بالمعصومين (عليهم السلام) من المصائب والرزايا والقتل والاضطهاد ، فأيّ قلب لا يحزن وأيّ عين لا تدمع ، وكيف لا نعقد تلك المجالس التي عقدها يعقوب (عليه السلام) على يوسف (عليه السلام) حزناً وبكاءً ورثاءً وكان حزنه كحزن سبعين ثكلى ، ولم يكن يعلم أنّ يوسف قد مات أو قتل ، بل ظاهر الآيات القرآنية تدل على أنّه كان يعلم بحياته ، كما في قوله : ( قَالَ إِنّمَا أَشْكُوا بَثّي وَحُزْنِي إِلَى اللهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ * يَا بَنِيّ اذْهَبُوا فَتَحَسّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رّوْحِ اللهِ إِنّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَوْحِ اللهِ إِلاّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ) إذن هذا السلوك والخلق النبوي الذي يسطّره القرآن الكريم ، أنّما هو لأجل التأسّي به ، وأخذ العبرة والموعظة ، قال تعالى : ( لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأولي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى‏ وَلكِن تَصْدِيقَ الّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلّ شَي‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) .
            خامساً : مدح القرآن الكريم البكاء الناتج عن الخشوع والتدبّر في الآيات الإلهية ، والشوق إلى لقاء الله عزّ وجلّ ، كما في قوله تعالى : ( قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لاَ تُؤْمِنُوا إِنّ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِن قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى‏ عَلَيْهِمْ يَخِرّونَ لِلأَذْقَانِ سُجّداً * وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبّنَا إِن كَانَ وَعْدُ رَبّنَا لَمَفْعُولاً * وَيَخِرّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوع ) .
            سادساً : ذم القرآن الكريم ونهيه عن الضحك والإمساك عن البكاء كقوله تعالى : ( أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلاَ تَبْكُونَ ) .
            كذلك ذمّه تعالى وزجره عن الفرح المذموم الذي يكون قريناً للفخر والزهو ، كما في قوله تعالى : ( وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرّاءَ مَسّتْهُ لَيَقُولَنّ ذَهَبَ السّيّئَاتُ عَنّي إِنّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ) ، فالقرآن يذم الفرح الذي يكون سببه غاية دنيوية أو ترقّب غاية دنيوية ، قال تعالى : ( لاَ تَفْرَحْ إِنّ اللهَ لاَ يُحِبّ الْفَرِحِينَ ) . ويخصص الفرح الممدوح فيما إذا كان في سياق الطريق إلى الكمال ، قال تعالى : ( قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ ) ، وهو نظير قول الرسول (صلّى الله عليه وآله) : ( ما أدري بأيّهما أشدّ فرحاً بقدوم جعفر أم بفتح خيبر ) (19) .
            إذن من ذلك يتّضح أنّ البكاء ليس مذموماً ولا سلبياً على إطلاقه ، بل إنّ أغلب أفراده لها آثار إيجابية على النفس الإنسانية بصريح القرآن الكريم كما تقدم . فضلاً عمّا ورد من الروايات المستفيضة وفتاوى الفقهاء ، التي عدّت البكاء من خشية الله من أعظم العبادات والمقربات لله سبحانه ومنها :
            1 ـ في دعاء لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( اللّهمّ ارزقني عينين هطّالتين ، تشفيان القلب تذرف الدموع من خشيتك قبل أن يكون الدمع دماً والأضراس جمراً ) (20) .
            2 ـ عن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال : ( سبعة يظلّهم الله ... رجل ذكر الله ففاضت عيناه ) (21) .
            3 ـ عن مطرف عن أبيه قال : ( رأيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يصلّي وفي صدره أزيز كأزيز الرحى من البكاء ) (22) .
            4 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( لا يلج النار رجل بكى من خشية الله ) (23) .
            5 ـ عن سعد بن مالك قال : سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : ( إنّ هذا القرآن نزل بحزن فإذا قرأتموه فأبكوا ، فإن لم تبكوا فتباكوا ) (24) .
            6 ـ عن عائشة قالت : (كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يبيت فيناديه بلال بالأذان فيقوم فيغتسل ، فإنّي لأرى الماء ينحدر على خده وشعره ، ثم يخرج فيصلّي فاسمع بكاءه ) قال الهيثمي : رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح (25) .
            7 ـ في بعض مناجاة الله تعالى لموسى (عليه السلام) : ( وأمّا البكّاؤون من خيفتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا يشاركون فيه ) (26) .
            8 ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) : ( البكاؤون خمسة : آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين ، فأمّا آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية ، وأمّا يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين ، وأمّا يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذّى به أهل السجن فقالوا : أمّا أن تبكي نهاراً وتسكت الليل وأمّا أن تبكي الليل وتسكت النهار فصالحهم على واحد منهما ، وأمّا فاطمة فبكت على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حتى تأذّى بها أهل المدينة ، فقالوا لها آذيتنا بكثرة بكائك ، فكانت تخرج إلى مقابر الشهداء فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف ، وأمّا علي بن الحسين فبكى على الحسين عشرين سنة أو أربعين سنة ما وضع بين يديه طعام إلاّ بكى حتى قال له مولى له جُعلت فداك يابن رسول الله إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين ، قال إنّما أشكو بثّي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون إنّي لم أذكر مصرع بني فاطمة (عليها السلام) إلاّ خنقتني لذلك العبرة ) (27) .
            9 ـ عن أنس بن مالك : ( إنّ فاطمة بكت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقالت : يا أبتاه من ربه ما أدناه يا أبتاه إلى جبريل أنعاه يا أبتاه جنة الفردوس مأواه ) (28) .
            10 ـ وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( عينان لا تمسّهما النار : عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ) (29) .
            11 ـ عن جرير قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لنفر من أصحابه : ( إنّي قارئ عليكم آيات من آخر الزمر فمَن بكى منكم وجبت له الجنة ، فقرأها من عند ( وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقّ قَدْرِهِ ) إلى آخر السورة ، فمنّا مَن بكى ومنّا مَن لم يبك ، فقال الذين لم يبكوا يا رسول الله لقد جهدنا أن نبكي فلم نبك ، فقال : إنّي سأقرأها عليكم فمَن لم يبك فليتباك ) (30) .
            12 ـ وعنه (صلّى الله عليه وآله) : ( مَن بكى من خشية الله غفر الله له ) (31) .
            13 ـ وعنه أيضاً (صلّى الله عليه وآله): ( مَن بكى على ذنبه في الدنيا حرّم الله ديباجة وجهه على جهنّم ) (32) .
            14 ـ وفي تفسير القرطبي ، يقول في سجدة الإسراء : ( اللّهمّ اجعلني من الباكين إليك والخاشعين لك ) (33) .
            15 ـ وفيه أيضاً يقول : ( اللّهمّ اجعلني من عبادك المنعم عليهم المهديين الساجدين لك الباكين عند تلاوة آياتك ) (34) .
            16 ـ قال النووي في (المجموع) : ( ويستحب البكاء عند القراءة وهي صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين ، قال تعالى : ( وَيَخِرّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً ) والأحاديث والآثار فيه كثيرة ) (35) .
            17 ـ عن ابن مسعود قال : ( ما رأينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) باكياً أشدّ من بكائه على حمزة ، وضعه في القبلة ثم وقف على جنازته وانتحب حتى بلغ به الغشي ، يقول : ( يا عم رسول الله ، يا حمزة ، يا أسد الله وأسد رسوله ، يا حمزة يا فاعل الخيرات ، يا حمزة يا كاشف الكربات ، يا حمزة يا ذاب عن وجه رسول الله ) (36) ، وقد ندب (صلّى الله عليه وآله) للبكاء على حمزة عندما قال : ( ولكن حمزة لا بواكي له ) (37) ، وقد استمرت سنة البكاء على حمزة فـ ( فلم تبك امرأة من الأنصار على ميت بعد قول رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : لكن حمزة لا بواكي له إلى اليوم إلاّ بدأت البكاء على حمزة ) (38) .
            ويكشف ذلك أيضاً عن مشروعية الندبة والرثاء وإدامة العزاء والبكاء على العظماء من آل الرسول (صلّى الله عليه وآله) .
            18 ـ عن حماد بن زيد ، عن خالد بن سلمة قال : ( لمّا جاء نعي زيد بن حارثة أتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منزل زيد فخرجت عليه ابنة لزيد فلمّا رأت النبي (صلّى الله عليه وآله) أجهشت في وجهه فبكى النبي (صلّى الله عليه وآله) حتى انتحب فقيل يا رسول الله ما هذا ؟ قال : شوق الحبيب إلى حبيبه ) (39) .

            ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
            (1) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 7 ص 75 ؛ المعجم الأوسط ، الطبراني : ج 6 ص 59.
            (2) تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ج 2 ص 144 .
            (3) ذخائر العقبى ، الطبري : ص 18 ؛ مقاتل الطالبين ، أبو الفرج الأصفهاني : ص 44 ؛ ينابيع المودة : ج 2 ص 116 .
            (4) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 11 ص 84 ؛ المعجم الأوسط ، الطبراني : ج 9 ص 156 ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج 14 ص 379 .
            (5) الجامع الصغير ، السيوطي : ج 10 ص 51 ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج 16 ص 456.
            (6) الصواعق ، ابن حجر : ص 267 ؛ ينابيع المودة : ج 2 ص 379 .
            (7) المصدر نفسه : ص 347 ؛ المصدر نفسه : ج 2 ص 116 ، 460 .
            (8) سنن ابن ماجة ، ابن ماجه : ج 1 ص 50 ؛ المستدرك ، الحاكم : ج 4 ص 75 .
            (9) سنن الترمذي ، محمد بن عيسى : ج 5 ، ص 305 ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 1 ص 77 .
            (10) نضم درر السمطين ، الزرندي : ص 233 ؛ بشارة المصطفى ، محمد بن علي الطبري : ص 244 ؛ ينابيع المودة ، القندوزي : ج 2 ص 265 .
            (11) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 22 ص 415 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 132 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 92 .
            (12) سنن ابن ماجه : ج 1 ص 51 ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 2 ص 288 ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 48 ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج 2 ص 554 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 123 .
            (13) المصنف : ج 7 باب ما جاء في الحسن والحسين (عليهما السلام) ، ص 511 وانظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي ، ج 9 ص 179 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 123 .
            (14) سنن الترمذي ، الترمذي : ج 5 ص 322 ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 49 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 180 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 121 ؛ نظم درر السمطين ، الزرندي : ص 211 ؛ أسد الغابة ، ابن الأثير : ج 2 ص 11 .
            (15) مسند أبي داود : الطيالسي : ص 327 ؛ الإصابة : ج 2 ص 63 ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج 13 ص 200 ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج 8 ص 225 ؛ العلل ، الدار قطني : ج 5 ص 64 .
            (16) صحيح البخاري : ج 7 ص 55 ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 2 ص 249 ؛ السنن الكبرى ، النسائي : ج 5 ص 49 ؛ صحيح ابن حبان : ج 15 ص 417 ؛ سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج 3 ص 250 .
            (17) سنن الترمذي ، ج 5 ص 324 ؛ سنن ابن ماجه ج 1 ص 51 ، باب فضائل أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ؛ مستدرك الصحيحين : ج 3 ص 177 ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل ، ج 4 ص 172 .
            (18) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : ج 27 ص 166 ـ 167 .
            (19) المعجم الصغير ، الطبراني : ج 1 ص 19 ؛ المستدرك ، الحاكم : ج 2 ص 624 ، قال الحاكم ، ( هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) ؛ تهذيب الكمال ، المزي : ج 5 ص 53 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 272 ، قال فيه ، ( رواه الطبراني مرسلاً ورجاله رجال الصحيح ) .
            (20) كتاب الدعاء ، الطبراني : ص 429 ؛ تاريخ دمشق : ج 11 ص 120 ؛ فيض القدير في شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج 2 ص 181 ، وقال فيه المناوي ( قال الحافظ العراقي وإسناده حسن ) .
            (21) صحيح البخاري ، البخاري : ج 7 ص 185 ؛ فتح الباري : ج 11 ص 267 ؛ الجامع الصغير : ج 2 ص 43 .
            (22) سنن أبي داود : ج 1 ص 206 ؛ ونحوه مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 4 ص 25 ؛ ونحو النسائي : ج 3 ص 13 ؛ ونحوه المستدرك : ج 1 ص 264 ، قال ، ( هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ) ؛ السنن الكبرى ، البيهقي : ج 2 ص 251 ؛ فتح الباري : ج 2 ص 173 ؛ ونحوه صحيح ابن حبان : ج 2 ص 440 ، ج 3 ص 31 .
            (23) سنن الترمذي : ج 3 ص 380 ؛ سنن النسائي : ج 6 ص 12 ؛ فتح الباري ، العسقلاني : ج 11 ص 267 ؛ قال ، ( وصححه الترمذي والحاكم ) ؛ الدر المنثور ، السيوطي : ج 1 ص 248 .
            (24) السنن الكبرى ، البيهقي : ج 10 ، ص 231 ؛ سنن ابن ماجه ، ج 1 ص 424 ؛ تهذيب الكمال ، المزني : ج 17 ص 129 ؛ مسند أبي يعلى ، أبي يعلى الموصلي : ج 2 ص 50 .
            (25) مسند أبي يعلى ، أبي يعلى ، ج 8 ص 163 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 2 ص 88 ـ 89 .
            (26) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 12 ص 94 ؛ تاريخ مدينة دمشق ؛ ابن عساكر : ج 61 ص 114 .
            (27) كشف الغمّة ، الإربلي : ج 2 ص 121 .
            (28) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 3 ص 197 ؛ سنن النسائي : ج 4 ص 13 ؛ المستدرك ، الحاكم : ج 3 ص 59 ؛ سنن البيهقي : ح2 ص 71 .
            (29) سنن الترمذي : ج 3 ص 96 ؛ تاريخ بغداد : ج 3 ص 163 ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج 2 ص 184 ؛ مجمع الزوائد : ج 5 ص 288 .
            (30) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 2 ص 348 ؛ الدر المنثور ، السيوطي : ج 5 ص 335 ؛ ونحوه فتح القدير ، الشوكاني : ج 5 ص 488 .
            (31) كنز العمال ، المتقي الهندي : ج 3 ص 148 .
            (32) ذكر أخبار أصبهان ، الحافظ الأصفهاني : ج 2 ص 171 .
            (33) تفسير القرطبي ، القرطبي : ج 11 ص 121 ؛ مغني المحتاج ، الشربيني : ج 1 ص 217 ، حواشي الشرواني : ج 2 ص 215 .
            (34) تفسير القرطبي ، القرطبي : ج 11 ص 121 .
            (35) المجموع ، النووي : ج 2 ص 164 .
            (36) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 181 .
            (37) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 83 .
            (38) طبقات ابن سعد : ج 3 ص 11 ؛ ونحوه أسد الغابة : ج 2 ص 48 .
            (39) الأخوان ، الحافظ ابن أبي الدنيا : ص 152 ؛ فيض القدير : ج 3 ص 695 .
            يتبع

            تعليق


            • #7
              البكاء وإقامة المآتم على الإمام الحسين من سنن الأنبياء
              إنّ الاعتماد في الاستدلال على مشروعية الشعائر الحسينية بسنن الأنبياء (عليهم السلام) يعد من العناصر المهمة لوجود الأمر الإلهي بوجوب الاقتداء بهم والاتّباع لهم ، و يقسم هذا الدليل إلى قسمين :
              القسم الأوّل : سنّة الأنبياء في البكاء بصورة عامة .
              القسم الثاني : بكاء الأنبياء على الإمام الحسين (عليه السلام) خاصة .
              القسم الأوّل :
              والشواهد الدالة على هذا القسم بخصوصه كثيرة جداً ، منها :
              1 ـ بكاء يعقوب (عليه السلام) على يوسف (عليهما السلام).
              2 ـ بكاء يوسف على يعقوب ( عليهما السلام ) .
              القسم الثاني : بكاء النبي (صلّى الله عليه وآله) على الإمام الحسين (عليه السلام) :
              1 ـ عن أُمّ سلمة : ( كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جالساً ذات يوم في بيتي ، قال : لا يدخل عليّ أحد فانتظرت فدخل الحسين فسمعت نشيج رسول الله ( صلّى الله عليه وآله) يبكي فاطلعت ، فإذا حسين في حجره والنبي يمسح جبينه وهو يبكي) (1) ، قال الهيثمي : رواه الطبراني ، بأسانيد ورجال أحدها ثقات ) (2) .
              2 ـ وفي حديث آخر لأُمّ سلمة قالت : ( كان جبرائيل عند النبي (صلّى الله عليه وآله) والحسين معي فبكى فدنا من النبي فتركته فدنا منه فأخذته فبكى فتركته ، فقال له جبرئيل : أتحبّه يا محمد ؟ فقال : نعم ، قال جبرائيل : أما إنّ أمتك ستقتله ، وإن شئت أريتك الأرض التي يقتل بها ) (3) .
              3 ـ وعن أُمّ الفضل بنت الحارث أنّها جاءت بالإمام الحسين (عليه السلام) بعد ولادته حيث قالت : ( فدخلت يوماً على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فوضعته في حجره ثم حانت منّي التفاتة فإذا عينا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) تهريقان من الدموع ، قالت : فقلت : يا نبي الله ـ بأبي أنت وأُمّي ـ ما لك ؟ قال : ( أتاني جبريل فأخبرني أنّ أُمّتي ستقتل أبني هذا ، فقالت : هذا ؟! فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء ) (4) .
              4 ـ وعن أُمّ سلمة أيضاً قالت : ( إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) اضطجع ذات ليلة للنوم ... فاستيقظ وفي يده تربة حمراء يقبّلها ، فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله ؟ قال : أخبرني جبرئيل (عليه السلام) إنّ هذا يقتل بأرض العراق ، فقلت لجبرئيل : أرني تربة الأرض التي يقتل بها ، فهذه تربته ) (5) .
              5 ـ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُوحَى إِلَيْهِ، فَنَزَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُنْكَبٌّ، وَلَعِبَ عَلَى ظَهْرِهِ، فَقَالَ جِبْرِيلُ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَتُحِبُّهُ يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: «يَا جِبْرِيلُ، وَمَا لِي لَا أُحِبُّ ابْنِي» . قَالَ: فَإِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتُلُهُ مِنْ بَعْدِكَ. فَمَدَّ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَدَهُ، فَأَتَاهُ بِتُرْبَةٍ بَيْضَاءَ، فَقَالَ: فِي هَذِهِ الْأَرْضِ يُقْتَلُ ابْنُكَ هَذَا يَا مُحَمَّدُ، وَاسْمُهَا الطَّفُّ. فَلَمَّا ذَهَبَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالتُّرْبَةُ فِي يَدِهِ يَبْكِي، فَقَالَ: «يَا عَائِشَةُ، إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَخْبَرَنِي أَنَّ الْحُسَيْنَ ابْنِي مَقْتُولٌ فِي أَرْضِ الطَّفِّ، وَأَنَّ أُمَّتِي سَتُفْتَتَنُ بَعْدِي» . ثُمَّ خَرَجَ إِلَى أَصْحَابِهِ فِيهِمْ عَلِيٌّ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَحُذَيْفَةُ وَعَمَّارٌ وَأَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ: «أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ أَنَّ ابْنِي الْحُسَيْنَ يُقْتَلُ بَعْدِي بِأَرْضِ الطَّفِّ، وَجَاءَنِي بِهَذِهِ التُّرْبَةِ، وَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهَا مَضْجَعَهُ» (6) .
              بكاء الأوصياء من الأئمّة (عليهم السلام)
              إنّ قيام أهل البيت (عليهم السلام) بالحزن والبكاء يكون بنفسه دليلاً مستقلاً لجواز البكاء والعزاء على الإمام الحسين (عليه السلام) ، لما يتمتعون به من عصمة وطهارة ، كما نصّ على ذلك القرآن الكريم والروايات المتواترة كحديث الثقلين ، ومن ثمّ لا يكون عملهم إلاّ في طاعة ورضا الله تعالى ، فلابدّ من الاقتداء بهم والأخذ منهم , ومن ذلك
              1 ـ بكاء الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) :
              ( سُئل علي بن الحسين عليه السلام عن كثرة بكائه ، فقال : لا تلوموني ، فإنّ يعقوب فقد سبطاً من ولده فبكى حتى ابيضّت عيناه من الحزن ولم يعلم أنّه مات ، وقد نظرت إلى أربعة عشر رجلاً من أهل بيتي يذبحون في غداة واحدة ، فترون حزنهم يذهب من قلبي أبداً ؟ ) (7).
              2 ـ بكاء الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) حيث قال : ( إنّ يوم عاشوراء أحرق قلوبنا وأرسل دموعنا وأرض كربلاء أورثتنا الكرب والبلاء ) (8) .
              حثّ الرسول وأهل بيته (عليهم السلام) على البكاء
              لقد حثّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الأُمّة الإسلامية على إدامة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) وإحياء ذكرى شهادته ، التي أنبأ عنها قبل وقوعها ، وكذا حثّ أهل بيت العصمة المطهرون على إقامة مجالس إحياء ذكرى الإمام الحسين (عليه السلام) والبكاء عليه وعلى ما حلّ بأهله من القتل والسبي والتشريد والتطريد ، وذلك من أجل إدامة المبادئ التي قام من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) في نفوس الأمة ، ومن تلك الروايات :
              1 ـ ما جاء عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حيث قال : ( ما من عبد يبكي يوم أصيب ولدي الحسين إلاّ كان يوم القيامة مع أُولي العزم من الرسل (وقال) البكاء في يوم عاشوراء نور تام يوم القيامة ) (9) .
              2 ـ وعن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أيضاً : ( إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ من بطنان العرش : يا أهل القيامة غضّوا أبصاركم لتجوز فاطمة بنت محمد مع قميص مخضوب بدم الحسين ، فتحتوي على ساق العرش فتقول : أنت الجبّار العدل : اقضِ بيني وبين مَن قتل ولدي ، فيقضي الله لابنتي ورب الكعبة ، ثم تقول : اللّهمّ اشفعني في مَن بكى على مصيبته فيشفعها الله فيهم ) (10) .
              3 ـ وعن الإمام الحسين (عليه السلام) قال : ( مَن دمعت عيناه فينا دمعة أو قطرت عيناه فينا قطرة آتاه الله عزّ وجلّ الجنّة ) (11) .
              4 ـ عن الإمام محمد الباقر (عليه السلام) قال : ( كان أبي علي بن الحسين يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين ومَن معه حتى تسيل على خديه بوّأه الله في الجنّة غرفاً ، وأيّما مؤمن دمعت عيناه دمعاً حتى يسيل على خديه ، لأذى مسّنا من عدونا بوّأه الله مبوء صدق ) (12) .
              5 ـ عن الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) قال : ( إنّ يوم عاشوراء أحرق قلوبنا وأرسل دموعنا ، وأرض كربلاء أورثتنا الكرب والبلاء ، فعلى مثل الحسين فليبك الباكون ، فإنّ البكاء عليه يمحو الذنوب أيها المؤمنون ) (13) .
              اندراج الشعائر الحسينية تحت عنوان تعظيم الشعائر
              لا شك أنّ الحسين (عليه السلام) ونهضته والمبادئ التي خرج من أجلها من شعائر الله ، بل الحسين (عليه السلام) الذي هو عدل القرآن الكريم وثاني الثقلين وسيّد شباب أهل الجنّة من أعظم شعائر الله ، التي لابد من التمسّك بها وتعظيمها وإحياء أمرها ، كما تقدّم مفصّلاً وجوب تعظيم شعائر الله بنص الآيات والروايات الشريفة وفتاوى العلماء والفقهاء ؛ ولا ريب أنّ إقامة المآتم والمجالس والبكاء والرثاء يعد رافداً مهمّاً من روافد الثقافة ، لما تضطلع به من دور مهم وكبير في الحركة الإعلامية والثقافية للدين الإسلامي .
              إنّ الحزن والبكاء والرثاء ممّا تقتضيه الفطرة البشرية
              من الواضح أنّ التركيبة الإنسانية مليئة بالعواطف والأحاسيس ، ويعد هذا الجانب من العناصر الأساسية في الفطرة الإنسانية التي أودعها الله تعالى في النفوس : {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} [الروم: 30] .
              وقد قنّنت الشريعة حدود هذه الفطرة بحيث لا تصل إلى حدّ الإفراط والتعدّي للحدود الإلهية ، وكذلك لا تصل إلى حد التفريط وإماتة هذه الفطرة ، والشريع الإسلامية وفقاً لمتطلبات تلك الفطرة سمحت بالحزن والبكاء ؛ ولذا نجد أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال حينما فقد ابنه إبراهيم : ( العين تدمع والقلب يحزن ، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا ، وإنّا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون ) (14) .
              والخلاصة
              إن معطيات المجالس والمآتم الحسينية ودورها الإيجابي في تكامل الفرد والمجتمع ، وترسيخ القيم الروحية والأخلاقية . لما تحمله تلك المآتم والمجالس من القيم والمعاني الإنسانية الرفيعة ، فضلاً عن مشاهدها وأحداثها الملحمية الدامية ، كلّ ذلك جعل من ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) رمزاً يتجاوز في دلالاته حدود الزمان والمكان ، ويعلو على حواجز الانتماء إلى مذهب أو طائفة ؛ لذا صار الإمام الحسين (عليه السلام) إرثاً ورمزاً إنسانياً عاماً يستنطقه ويستلهم منه الجميع من خلال :
              أوّلاً : إبراز الجانب المأساوي في واقعة عاشوراء.
              ثانياً : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
              ثالثاً : التفاعل الإيجابي بين الفكرة والعاطفة .
              رابعاً : إبراز جانب القدوة في المجتمع .
              خامساً : الحفاظ على استقلالية المذهب وتعبئة الجماهير .

              ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
              (1) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 108 ـ 109 .
              (2) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 189 .
              (3) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 194 .
              (4) المستدرك ، الحاكم : ج 3 ص 176 قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ) .
              (5) المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج 4 ص 398 ، قال الحاكم : ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ... ) .
              (6) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 107 .
              (7) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 41 ص 386 ؛ تهذيب الكمال ، المزي : ج 20 ص 399 ؛ ونحوه البداية والنهاية ، ابن كثير : ج 9 ص 125 .
              (8) نور العين في مشهد الحسين ، أبو إسحاق الأسفراييني : ص 84 .
              (9) لسان الميزان ، ابن حجر : ج 2 ص 451 .
              (10) ينابيع المودة ، القندوزي : ج 2 ص 323 .
              (11) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 19 ؛ ينابيع المودة ، القندوزي : ج 2 ص 117.
              (12) ينابيع المودة ، القندوزي : ج 3 ص 102 .
              (13) نور العين في مشهد الحسين ، أبو إسحاق الأسفراييني : ص 83 ـ 84 .

              (14) صحيح البخاري ، البخاري : ج 2 ص 85 ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج 2 ص 194 ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج 2 ص 717 ؛ ونحوه مستدرك ، الحاكم : ج 4 ص 40 ؛ سنن أبي داود : ج 2 ص 64 .

              تعليق

              يعمل...
              X