إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حديث السفينة

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حديث السفينة

    بسم الله الرحمن الرحيم

    (حديث السفينة)

    وروى الطبراني بإسناده عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق(1).

    ورواه أحمد بن عبد الله الطبري في ذخائر العقبى عن ابن عباس بلفظ: مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تعلق بها فاز، ومن تخلف عنها غرق. قال: أخرجه الملا في سيرته(2).


    وروى الطبراني عن عطية، عن أبي سعيد الخدري: سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقول: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق، وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطة في بني إسرائيل من دخله غفر له(3).


    وعن أنس بن مالك، قال: قال رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم: إنما مثلي ومثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق(4).


    وعن البزار: عن عبد الله بن الزبير أن النبي صلى الله عليه (وآله) وسلم قال: مثل أهل بيتي مثل سفينة نوح من ركبها سلم، ومن تركها غرق(5).


    قال ابن حجر: وجاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً: إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا، وفي رواية مسلم: ومن تخلف عنها غرق، وفي رواية: هلك.. (6).

    وفي معنى هذا الحديث يقول الشافعي محمد بن إدريس (ت ظ¢ظ*ظ¤):

    ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم مذاهبهم في أبحر الغي والجهل
    ركبت على اسم الله في سفن النجا وهم أهل بيت المصطفى خاتم الرسل
    وأمسكت حبل الله وهو ولاؤهم كما قد أمرنا بالتمسك بالحبل(7)

    معنى الحديث واضح وظاهر في أن طريق النجاة منحصر في اتباع أهل البيت عليهم السلام والتمسك بهم، فالمقصود من الحديث هو لزوم السير على ضوء تعاليم أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله والأخذ بما يصدر منهم، كما يسير راكب السفينة بسيرها أينما ذهبت، فمقتضى تشبيههم بسفينة نوح أن النجاة منحصر بهم كما انحصر النجاة بالسفينة، كما أن المتخلف عنهم نهايته الهلاك والغرق كما هو شأن كل من تخلف عن سفينة نوح كانت نتيجته الغرق والهلاك.

    وقد جاء الحديث ببيان عربي مبين، فليس فيه غموض، فقوله صلى الله عليه وآله: (من تخلف عنهم غرق وهوى) وفي رواية أخرى: (ومن تخلف عنها هلك) فيهما دلالة واضحة على هلاك من تخلف عنهم واتبع طريق غيرهم، يعني من أعرض عنهم، واتبع طريقة غيرهم كان مصيره الهلاك، وهو دخول النار وبئس القرار، كما في لفظ آخر، قال: (من تخلف عنها زُخ به في النار).

    وأقول بعد هذا: هل تجد في حديث السفينة قصوراً في الدلالة على لزوم طاعة أهل البيت عليهم السلام ووجوب السير على منهاجهم وطريقتهم؟ قال تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (8) فإنَّ هذا الحديث برهان واضح كلَّ الوضوح يأخذ بعنق كلِّ مسلم، ويلزمه باتباع عليٍّ وأهل بيته عليهم السلام، ولا حجة لأحد أن يتخلف عنهم.

    قال السيد شرف الدين رحمه الله تعالى في كتابه المراجعات (9): ومما يأخذ بالأعناق إلى أهل البيت، ويضطر المؤمن إلى الانقطاع في الدين إليهم، قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ألا إن مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق.. وقوله صلى الله عليه وآله: النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف (في الدين) فإذا خالفتها قبيلة من العرب (يعني في أحكام الله عزَّ وجلَّ) اختلفوا فصاروا حزب إبليس، هذا غاية ما في الوسع من إلزام الأمة باتباعهم، وردعها عن مخالفتهم، وما أظن في لغات البشر كلها أدل من هذا الحديث على ذلك..

    وأنت تعلم أنّ المراد بتشبيههم عليهم السلام بسفينة نوح، أن من لجأ إليهم في الدين، فأخذ فروعه وأصوله عن أئمتهم الميامين نجا من عذاب النار، ومن تخلف عنهم كان كمن آوى (يوم الطوفان) إلى جبل ليعصمه من أمر الله، غير أن ذاك غرق في الماء وهذا في الحميم، والعياذ بالله.. وقد حاوله ابن حجر إذ قال بعد أن أورد هذه الأحاديث وغيرها من أمثالها: ووجه تشبيههم بالسفينة أن من أحبّهم وعظّمهم شكراً لنعمة مشرّفهم صلى الله عليه (وآله) وسلم، وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات، ومن تخلّف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم، وهلك في مفاوز الطغيان(10).

    أقول: فيا للأسف حينما يغض السنة الطرف عن هذا الحديث ومدلوله، فيصبح حينئذٍ وجود هذا الحديث وعدمه عندهم سواء، حتى لو اعترف بعض علمائهم بمدلوله تجده في النهاية لا يرتب عليه أيَّ أثر يُذكر.


    قال المناوي - وهو من علماء السنة - في شرح هذا الحديث في ذكر أوجه الشبه بين أهل البيت عليهم السلام وبين النجوم: (إن مثل أهل بيتي) فاطمة وعليّ وابنيهما وبنيهما أهل العدل والديانة (فيكم مثل سفينة نوح من ركبها نجا، ومن تخلف عنها هلك) وجه التشبيه أن النجاة ثبتت لأهل السفينة من قوم نوح فأثبت المصطفى صلى الله عليه (وآله) وسلم لأمته بالتمسك بأهل بيته النجاة، وجعلهم وصلة إليها، ومحصوله الحث على التعلق بحبهم وحبلهم، وإعظامهم شكراً لنعمة مشرفهم، والأخذ بهدي علمائهم، فمن أخذ بذلك نجا من ظلمات المخالفة، وأدّى شكر النعمة المترادفة، ومن تخلّف عنه غرق في بحار الكفران، وتيار الطغيان، فاستحق النيران لما أن بغضهم يوجب النار، كما جاء في عدة أخبار، كيف وهم أبناء أئمة الهدى، ومصابيح الدجى الذين احتج الله بهم على عباده، وهم فروع الشجرة المباركة، وبقايا الصفوة الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم، وبرأهم من الآفات، وافترض مودتهم في كثير من الآيات، وهم العروة الوثقى، ومعدن التقى.


    واعلم أن المراد بأهل بيته في هذا المقام العلماء منهم، إذ لا يحث على التمسك بغيرهم، وهم الذين لا يفارقون الكتاب والسنة حتى يردوا معه على الحوض(11).

    خلاصة الكلام في حديث السفينة
    أقول: وبعد الذي أوردناه من ثبوت هذا الحديث عند السنة، ووضوح معناه ودلالته على إمامة أهل البيت عليهم السلام، فلا يبقى حينئذ أي عذر لأحد في التخلف عن أهل البيت عليهم السلام بعدما قامت الحجة عليهم بهذا الحديث وأمثاله ببيان عربي مبين لا يقبل الشك أو التأويل، أو صرفه عن العترة إلى غيرهم.. ممن ادعوا إمامتهم، واتبعوهم.


    ولأهمية هذا البحث لابأس أن نورد هنا ماجاء في كتاب خلاصة عبقات الأنوار للمحقق الحجة السيد حامد حسين في كلامه في (دلالة حديث السفينة على إمامة أهل البيت عليهم السلام) وذلك لأهميته ببيان بديع، قال: ويدل حديث السفينة على إمامة أهل البيت عليهم السلام من وجوه:

    الأول: وجوب اتباعهم
    إن هذا الحديث يدل على وجوب اتباع أهل البيت عليهم السلام على الإطلاق، ولا يجب اتباع أحد كذلك - بعد الله ورسوله صلى الله عليه وآله - إلا الإمام كما دريت فيما سبق في وجوه دلالة حديث الثقلين على المطلوب.


    ويشهد لدلالته على وجوب اتباعهم مطلقاً كلمات عدة من علماء أهل السنة منهم العجيلي الشافعي، وقد تقدم ذكر بعض تلك الكلمات.


    الثاني: اتباعهم يوجب النجاة
    إن هذا الحديث يدل على أن اتباع أهل البيت عليهم السلام يوجب النجاة والخلاص، ومن المعلوم أن كونهم كذلك دليل العصمة، وهي تستلزم الإمامة والخلافة.


    وقد نص على دلالة الحديث على ذلك جماعة في بيان وجه تشبيههم بالسفينة: قال الواحدي: أنظر كيف دعا الخلق إلى التسبب إلى ولائهم، والسير تحت لوائهم، بضرب مثلهم بسفينة نوح عليه السلام، جعل ما في الآخرة من مخاوف الأخطار وأهوال النار كالبحر الذي لج براكبه، فيورده مشارع المنية، ويفيض عليه سجال البلية، وجعل أهل بيته عليه وعليهم السلام مسبب الخلاص من مخاوفه والنجاة من متألفه، وكما لا يعبر البحر الهياج عند تلاطم الأمواج إلا بالسفينة، كذلك لا يأمن نفخ الجحيم ولا يفوز بدار النعيم إلا من تولى أهل بيت الرسول صلوات الله عليه وعليهم، وتخلى لهم ودّه ونصيحته، وأكد من موالاتهم عقيدته، فإن الذين تخلفوا عن تلك السفينة آلوا شر مآل، وخرجوا من الدنيا إلى أنكال، وجحيم ذات أغلال، وكما ضرب مثلهم بسفينة نوح قرنهم بكتاب الله تعالى فجعلهم ثاني الكتاب وشفع التنزيل... (12).

    الثالث: دلالته على أفضليتهم
    إن هذا الحديث يدل على أفضلية أهل البيت عليهم السلام من سائر الناس مطلقاً، إذ لو كان أحد أفضل منهم - أو في مرتبتهم من الفضل - لأمر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بالاقتداء به دونهم، وإلا لزم أن يكون قد غش أمته، وحاشا لله من ذلك... وقد صرح بدلالة الحديث على ذلك جماعة من أعيان علماء السنة كما تقدم.

    الرابع: دلالته على وجوب محبتهم
    إن هذا الحديث يدل على وجوب محبة أهل البيت عليهم السلام على الإطلاق، ووجوبها كذلك دليل على وجوب عصمتهم وأفضليتهم والانقياد لهم.. وكل ذلك يستلزم الإمامة.

    الخامس: دلالته على عصمتهم
    إن هذا الحديث يدل على أن محبة أهل البيت عليهم السلام توجب النجاة، وهذا المعنى يستلزم عصمتهم، إذ لو كان منهم ما يوجب سخط الباري تعالى لما جازت محبتهم ومتابعتهم فضلاً عن وجوبها وكونها سبباً للنجاة وهذا واضح، وإذا ثبت عصمتهم عليهم السلام لم يبق ريب في إمامتهم..

    السادس: من تخلف عنهم ضل
    إن هذا الحديث يدل على هلاك وضلال المتخلفين عن أهل البيت عليهم السلام، وتخلف الخلفاء عنهم من الوضوح بمكان كما أثبته علماؤنا الأعيان في كتب هذا الشأن، فبطل بهذا خلافتهم عن رسول الله صلى الله عليه وآله، وثبتت خلافة سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام.

    السابع: هم الميزان لمعرفة المؤمن والكافر
    إن هذا الحديث يدل على أن من اتبعهم كان من المفلحين الناجين، ومن خالفهم وتركهم كان من الكافرين الخاسرين، فبهم وباتباعهم يعرف المؤمن من الكافر، وهذا المعنى أيضاً يقتضي الإمامة والرئاسة العامة، لأنه من شؤون العصمة المستلزمة للإمامة(13).
    -----------------------------
    1- المعجم الكبير، الطبراني: 2638/46/3ح ، مجمع الزوائد، الهيثمي: 168/9.
    2- ذخائر العقبى، أحمد بن عبد الله الطبري: 20.
    3- المعجم الصغير، الطبراني: 22/2، المعجم الأوسط، الطبراني: 85/6، مجمع الزوائد، الهيثمي:168/9.
    4- تأريخ بغداد، الخطيب البغدادي: 90/12، رقم:6507
    5- مجمع الزوائد، الهيثمي: 168/9.
    6- الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: 125، (الفصل الأول، في الآيات الواردة فيهم عليهم السلام، الآية السابعة).
    7- رشفة الصادي، الحضرمي: 28.
    8-سورة الحج، الآية:46.

    9- المراجعات، السيد شرف الدين العاملي: 75– 78.
    10- الصواعق المحرقة، ابن حجر الهيتمي: 153 (الآية السابعة) الباب 11، الفصل 1.
    11- فيض القدير شرح الجامع الصغير، المناوي: 2442ح659-658.

    12- راجع: فرائد السمطين، الجويني:517ح،47باب243/2.

    13- خلاصة عبقات الأنوار، السيد حامد النقوي: 210-209/4.
يعمل...
X