إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

فضائل امير المؤمنين (ع)

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • فضائل امير المؤمنين (ع)


    بسم الله الرحمن الرحيم

    (فضائل امير المؤمنين (ع))

    1ـ قال أحمد(1) و إسماعيل القاضي(2) والنسائي(3) وأبو علي النيسابوري(4):
    «لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الجياد أكثر مما جاء في علي»(5).


    2ـ قال ابن أبي الحديد المعتزلي (ت: 655هـ) في «شرح نهج البلاغة»:
    «فأما فضائله (عليه السلام)، فإنها قد بلغت من العظم والجلالة والانتشار والاشتهار مبلغاً يسمج معه التعرض لذكرها، والتصدي لتفصيلها» إلى أن قال: «وما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل، ولم يمكنهم جحد مناقبه، ولا كتمان فضائله، فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق الأرض وغربها، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره، والتحريض عليه، ووضع المعايب والمثالب له، ولعنوه على جميع المنابر، وتوعدوا مادحيه، بل حبسوهم وقتلوهم، ومنعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة، أو يرفع له ذكراً، حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه، فما زاده ذلك إلاّ رفعة وسموّاً، وكان كالمسك كلّما ستر انتشر عرفه، وكلّما كتم تضوع نشره، وكالشمس لا تستر بالراح، وكضوء النهار إن حجبت عنه عين واحدة، أدركته عيون كثيرة، وما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة، وتنتهي إليه كل فرقة، وتتجاذبه كل طائفة، فهو رئيس الفضائل وينبوعها، وأبو عذرها، وسابق مضمارها، ومجلى حلبتها، كل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ، وله اقتفى، وعلى مثاله احتذى»(6).


    3 ـ قال السمهودي (ت: 911 هـ) في «جواهر العقدين»:
    «ومناقب علي رضي الله عنه جليلة عظيمة شهيرة كثيرة حتى قال الإمام
    أحمد بن حنبل (رحمه الله): ما جاء لأحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنهم من الفضائل ما جاء لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه»(7).


    4 ـ قال ابن العماد الحنبلي (ت: 1089 هـ) في «شذرات الذهب»:
    «و مناقبه لا تعد؛ من أكبرها تزويج البتول ومؤاخاة الرسول ودخوله في المباهلة والكساء وحمله في أكثر الحروب اللواء، وقول النبي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى وغير ذلك مما يطول ذكره ويعزّ حصره»(8).


    5 ـ قال الحافظ أحمد بن الصديق المغربي (ت: 1380 هـ) في «فتح الملك العلي»:
    «فإنّ الأحاديث الصحيحة الواردة بفضل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) عديدة متكاثرة، وشهيرة متواترة، حتى قال جمع من الحفاظ: إنّه لم يرد من الفضائل لأحد من الصحابة بالأسانيد الصحيحة الجياد ما ورد لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)»(9).

    ومن هنا لا نجد حاجة لبسط كلمات علماء وأعلام أهل السنّة في فضله ومدحه والثناء عليه، وسنقتصر في هذا الفصل على ذكر جملة مما ورد في فضله من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف.
    -----------------
    (1) هو الإمام المحدث أحمد بن حنبل (ت: 241 هـ)، صاحب المذهب.
    (2) هو الإمام العلامة الحافظ شيخ الاسلام، أبو اسحاق، إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل بن محدث البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي، مولاهم البصري المالكي قاضي بغداد، وصاحب التصانيف، المتوفى 282 هـ. انظر ترجمته في «سير أعلام النبلاء»: 13 / 393، مؤسسة الرسالة.
    (3) هو الحافظ الشهير أحمد بن شعيب النسائي (ت: 303 هـ)، صاحب السنن.
    (4) هو أبو علي الحسن بن علي بن زيد بن داود النيسابوري (ت: 349 هـ)، قال عنه الذهبي: الحافظ الإمام العلامة الثبت...، انظر «سير أعلام النبلاء»: 16 / 51، مؤسسة الرسالة.
    (5) أرسل هذا القول إرسال المسلّمات (مع اختلاف قليل في اللفظ) في كلمات جملة من الحفاظ منهم ابن عبد البر في «الاستيعاب»: 3 / 1115، دار الجيل، لكنه اقتصر على نسبة القول إلى الثلاثة ولم يذكر أبا علي النيسابوري، وابن حجر العسقلاني في «فتح الباري»: 7 / 91، دار السلام، وابن حجر الهيتمي في «الصواعق المحرقة»: 186، دار الكتب العلمية. وقد أفرد لفظاً لاحمد وآخر للثلاثة، والمباركفوري في «تحفة الأحوذي»: 10 / 44، دار الكتب العلمية. واللفظ منقول من «فتح الباري»، كما أخرج قول أحمد مسنداً ـ مع اختلاف قليل في اللفظ ـ جمع كثير منهم الحاكم في «المستدرك على الصحيحين»: 3 / 107، دار المعرفة والثعلبي في تفسيره «الكشف والبيان»: 4 / 81، دار إحياء التراث العربي. والحاكم الحسكاني في «شواهد التنزيل»: 1 / 18 ـ 19، الأحاديث: 7، 8، 9، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»: 42/ 419، دار الفكر، وشمس الدين الجزري في «أسنى المطالب في مناقب سيدنا علي بن أبي طالب»: 47. وقد صرح في مقدمة كتابه بصحة كل ما جاء فيه. وأورد قوله أيضاً ابن الأثير في «الكامل»: 3 / 339، دار الفكر، مرسلاً إياه إرسال المسلمات، والذهبي في «تاريخ الإسلام»: حوادث وفيات (11 ـ 40 هـ)، ص 638، دار الكتاب العربي، نقلاً بواسطة محمد بن منصور الطوسي، (الثقة عندهم)، كما أرسله ابن حجر إرسال المسلّمات في «الإصابة»: 2 / 507، دار الفكر. كما نقل المناوي قول أحمد والنيسابوري كلاً على انفراد مرسلاً إياهما إرسال المسلّمات في «فتح القدير شرح الجامع الصغير»: 4 / 468، دار الكتب العلمية.
    (6) شرح نهج البلاغة: 1 / 17، دار الكتب العلمية. طبعة مصورة على طبعة دار إحياء الكتب العربية.

    (7) جواهر العقدين: 251، دار الكتب العلمية.
    (8) شذرات الذهب: 1 / 85، دار الكتب العلمية.
    (9) فتح الملك العلي بصحة حديث باب مدينة العلم علي: [مقدمة الكتاب].


  • #2

    من فضائل علي في القرآن الكريم



    الآية الأولى:
    آية التطهير: {إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}(1).


    وحيث إن الآية الكريمة صريحة في تكريم أهل البيت، وتمييزهم وخصهم بكرامة عالية ومنقبة جلية سامية، ألا وهي إذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم تطهيراً؛ لذا نقصر الكلام على بيان المراد من أهل البيت (عليهم السلام) في هذه الآية:


    وقد دلّت الأخبار الصحيحة المتظافرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) على اختصاص أهل البيت بأصحاب الكساء وهم: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة والحسن والحسين.


    وروى ذلك عدد كبير من الصحابة كابن عباس وأبي سعيد الخدري وعمر بن أبي سلمة وواثلة بن الأسقع وجابر بن عبدالله الأنصاري وسعد بن أبي وقاص وزيد بن أرقم وأم سلمة وعائشة وغيرهم، وإليك نماذج من الروايات في ذلك:


    1 ـ أخرج مسلم في «صحيحه» بسنده إلى عائشة، قالت: «خرج النبي صلّى الله عليه وسلم غداة وعليه مرط مرجل من شعر أسود فجاء الحسن بن علي فأدخله ثم جاء الحسين فدخل معه ثم جاءت فاطمة فأدخلها ثم جاء علي فأدخله ثم قال: إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً»(2).


    2 ـ أخرج الترمذي في «سننه» بسنده إلى شهر بن حوشب عن أم سلمة، قالت: «إنّ النبي جلّل على الحسن والحسين وعلي وفاطمة كساء، ثم قال: اللّهم هؤلاء أهل بيتي وحامّتي(3)، أذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، فقالت أم سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: إنّك إلى خير.
    قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وهو أحسن شيء روي في هذا الباب(4).


    3 ـ أخرج أحمد في «مسنده» بسنده إلى شهر بن حوشب عن أم سلمة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: ائتني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم فألقى عليهم كساءً فدكياً، قال: ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إنّ هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك وبركاتك على محمد وآل محمد إنّك حميد مجيد، قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال:إنك على خير(5).


    4 ـ أخرج الترمذي في «سننه» بسنده إلى عطاء بن أبي رياح عن عمر بن أبي سلمة (ربيب النبي صلى الله عليه وسلم)، قال: لمّا نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم: {إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} في بيت أم سلمة، فدعا فاطمة وحسناً وحسيناً، فجلّلهم بكساء وعلي خلف ظهره، فجلله بكساء، ثم قال: «اللّهم هؤلاء أهل بيتي، فأذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيراً»، قالت أمّ سلمة: وأنا معهم يا رسول الله؟ قال: «أنتِ على مكانك وأنتِ إلى خير»(6).


    قال الشيخ الألباني: «صحيح»(7).


    5 ـ أخرج ابن عساكر الشافعي في «الأربعين في مناقب أمّهات المؤمنين» بسنده إلى أبي سعيد الخدري عن أمّ سلمة رضي الله عنها، قالت: نزلت هذه الآية في بيتي {إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً}، قلت يا رسول الله: ألستُ من أهل البيت؟ قال: إنّك إلى خير، إنّك من أزواج رسول الله صلّى الله عليه وسلم، قالت: وأهل البيت: رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم أجمعين.


    قال ابن عساكر: هذا حديث صحيح(8).


    6 ـ أخرج أحمد في «مسنده» بسنده إلى علي بن زيد عن أنس بن مالك: أن النبي صلّى الله عليه وسلم كان يمرّ ببيت فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى الفجر فيقول: الصلاة يا أهل البيت إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً(9).

    إلى غير ذلك من الروايات الصحيحة الكثيرة الشهيرة في هذا الباب والتي تثبت بوضوح اختصاص أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) بأربعة وهم علي وفاطمة والحسن والحسين؛ لذا قرأنا في ما صحّ عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنّه جذب الثوب من أمّ سلمة حين أرادت الدخول وقال لها: إنّك على خير أو منعها من الدخول معهم وقال لها: أنتِ على مكانك وأنتِ إلى خير.

    كما عرفنا أنه كان يمرّ ببيت
    فاطمة ـ وهو بيت علي والحسنين ـ مدة ستة أشهر ويقول: الصلاة يا أهل البيت، ثم يتلو الآية الكريمة ولم نقرأ ولم نسمع أنّه مرّ ساعة واحدة على أحد بيوت أزواجه وفعل مثل ذلك. أفليس ذلك من باب تعميق وتأكيد معنى أهل البيت في نفوس المسلمين، ثم إنّ نفس وضع الكساء على هؤلاء الأربعة وقوله: اللهم هؤلاء أهل بيتي فيه قرينة حالية واضحة على حصر أهل البيت في زمانه بهؤلاء الأربعة، وبهذا يندفع القول بأنها شاملة لنساء النبي فضلاً عن القول باختصاصها بهن.

    فإن عمدة ما يمكن أن يستدل به على شمولها لنساء النبي هو سياق الآيات القرآنية المتحدثة عن نساء النبي، صدراً وعجزاً، مما يدلل على أن الآية ظاهرة في إرادة نساء النبي، وبضميمة الروايات الصحيحة تكون شاملة للأربعة المذكورين من أهل بيت النبي وغير مختصة بهم.

    وفيه: بعد التسليم بوحدة السياق وعدم إبراز احتمال كون هذا المقطع ليس في سياق تلك الآية حيث إن القرآن الموجود غير مرتب على حسب النزول(10)، أقول: بعد التسليم بوحدة السياق(11)، فإن التمسك به متوقف على عدم وجود نص شرعي مبيـّن له، وحيث إنّ النص موجود فالتمسك بوحدة السياق ممنوع، إذ لا معنى مع بيان النبي وتصريحه مراراً، وتأكيده على أنّ المراد من أهل البيت هم الأربعة، لا معنى للتمسك بوحدة السياق فإن وحدة السياق تفيد ظهور الكلام في المعنى المراد ومع تصريح النبي بخلافه ينتهي ذلك الظهور، خصوصاً مع منعه دخول أم سلمة في الكساء، قاطعاً بذلك السبيل على من أراد إدخال نسائه في الآية المذكورة.


    ومما يؤكد على عدم دخول نساء النبي في الآية الكريمة هو عدم ادّعاء واحدة من نساء النبي تلك المزيّة والمنقبة حتى إن السيدة عائشة في قتالها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لم تدع ذلك ولو كان، لرفعته شعاراً في تجييشها الجيوش ونادت به وأقامت الدنيا وما أقعدتها.

    هذا مضافاً لما روي عنها في الصحيح ما يدل على عدم شمولها بآية التطهير؛ فقد جاء في صحيح البخاري أن عائشة قالت: «ما أنزل الله فينا شيئاً من القرآن، إلا أن الله أنزل عذري»(12) ولوكانت مشمولة بآية التطهير، لكان ذكرها أولى من ذكر غيرها، مع أنّ لفظها في الرواية ظاهر في حصر الآيات النازلة فيها؛ أي أنّ الله لم ينزل شيئاً في عائشة سوى الآية النازلة في برائتها مما رميت به(13).


    و بعد سقوط القول بشمول آية التطهير لنساء النبي يتضح وهن وضعف القول باختصاصها بهن، ولا بأس أن نشير إلى أنّ هذا القول نُسِب إلى ابن عباس عن طريق عكرمة الخارجي، ونقل أنّ عكرمة كان يقول: «من شاء باهلته، إنها نزلت في أزواج النبي» وروي عنه عند نزول الآية: «ليس بالذي تذهبون إليه، إنّما هو نساء النبي»(14).وفيه:

    أولاً: أنّه مخالف للصحيح الصريح المتظافر من النبي (صلى الله عليه وآله) في أن الآية مختصة بأصحاب الكساء.

    ثانياً: أنها مخالفة لما ثبت وصح عن ابن عباس نفسه في أنّ النبي أخذ ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً»(15).

    ثالثاً: أنّ قول عكرمة قول شاذ ونادر، ولم يعبأ به أحد من المسلمين، بل إنّ إجماعهم على خلافه.


    رابعاً: أنّ عكرمة متهم بالكذب، مضافاً لكونه خارجياً(16) مبغضاً لعلي بن أبي طالب (عليه السلام)، وقد صحّ عن النبي قوله لعلي (عليه السلام) أنّه: «لا يحبك إلاّ مؤمن ولايبغضك إلاّ منافق»(17)، فعكرمة منافق بنص قول النبي فكيف يعتمد عليه في بيان أمور الدين وما يتعلق بشريعة سيد المرسلين(18).


    خامساً: إن نفس قول عكرمة: «من شاء باهلته»، أو: «ليس بالذي تذهبون»، فيه دلالة واضحة وصريحة على أنّ المسلمين كانوا يذهبون إلى خلاف رأيه.


    وبهذا اتضح أنّ الآية مختصة بالخمسة أصحاب الكساء وهم نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) وعلي بن أبي طالب وفاطمة الزهراء والحسن والحسين ـ عليهم جميعاً سلام الله ورضوانه ـ بحسب ما صحّ عن النبي (صلى الله عليه وآله).

    ولذا نرى جمعاً من علماء أهل السنة ذهبوا إلى هذا القول منهم القرطبي في كتابه المفهم حيث قال: «وقراءة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية {إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} دليل على أن أهل البيت المعنيين في الآية: هم المغطون بذلك المرط في ذلك الوقت»(19) ومنهم الطحاوي في «مشكل الآثار»(20)، ووافقه عليه قاضي القضاة أبو المحاسن يوسف بن موسى الحنفي في كتابه «المعتصر من المختصر من مشكل الآثار»(21)، وهو كتاب مختصر لـ «المختصر من مشكل الآثار» لمؤلفه القاضي أبي الوليد بن رشد، ويظهر أن أبا الوليد وافق الطحاوي أيضاً إذ لم نر من أبي المحاسن أي إشارة إلى الخلاف عند التعرض لهذا المطلب مع أنه وعد في مقدمة كتابه التنبيه إلى اختلافات أبي الوليد مع الطحاوي.


    ومنهم ابن عساكر الشافعي المتوفى (620 هـ) في كتابه «الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين»(22) وغيرهم.

    --------------------
    (1) الأحزاب: 33.
    (2) صحيح مسلم: 7 / 130، باب فضائل أهل بيت النبي، دار الفكر. وأخرجه ابن أبي شيبة في «المصنف»: 7 / 501، دار الفكر. والحاكم النيسابوري صحّحه في «المستدرك على الصحيحين»: 3/147، دار المعرفة، وغيرهم.
    (3) حامّة الإنسان: خاصته، ومن يقرب منه وهو الحميم أيضاً، «النهاية في غريب الحديث»: 1 / 429.
    (4) سنن الترمذي: 5 / 361، ما جاء في فضل فاطمة (رضي الله عنها)، ط. دار الفكر، وأخرجه أحمد في مسنده 18 / 272، حديث رقم 26476، دار الحديث، القاهرة، وحسّنه حمزة أحمد الزين محقق الكتاب حيث قال: «إسناده حسن». كما أخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده: 12 / 451، دار المأمون للتراث، وأورده الذهبي في «سير أعلام النبلاء»: 3 / 283، في ترجمة الحسين الشهيد، مؤسسة الرسالة، قائلاً: «إسناده جيد، روي من وجوه عن شهر وفي بعضها يقول: دخلتُ عليها أعزيها على الحسين».
    (5) مسند أحمد: 18 / 314، حديث رقم 26625، دار الحديث، القاهرة. وقد حسّن الحديث محقق الكتاب حمزة أحمد الزين بقوله في الهامش: «إسناده حسن»، وأخرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده: 12 / 344، حديث رقم 6912، وبسند آخر إلى شهر في: 12 / 456، حديث رقم 7026، ط. دارالمأمون للتراث. والطبراني في «المعجم الكبير»: 3 / 53، حديث رقم 2664، ط. دار إحياء التراث العربي. وكذا في: 23 / 336، وابن عساكر في «تاريخ دمشق»: 13 / 203، و14 / 141، ط. دار الفكر، وأورده السيوطي في «الدر المنثور»: 5 / 198، ط. الفتح، جدة.
    (6) سنن الترمذي: 5 / 328، كتاب تفسير القرآن، دار الفكر، بيروت.
    (7) صحيح سنن الترمذي: 3 / 306، كتاب تفسير القرآن، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع. وأخرجه ابن جرير الطبري في «جامع البيان»: مجلد12 ج22 ص11، دار الفكر، والطحاوي في مشكل الآثار: 1 / 335، دار صادر.
    (8) الأربعين في مناقب أمّهات المؤمنين: 106.
    (9) مسند أحمد بن حنبل 11 / 257، حديث رقم 13663، وأخرجه بسند آخر إلى علي بن زيد في: 11 / 336، حديث رقم 13973، دار الحديث، القاهرة. وقد حسّن محقق الكتاب حمزة أحمد الزين كلا الطريقين قائلاً: «إسناده حسن» في تهميشه على كل منهما. وأخرج الحديث الترمذي في سننه: 5 / 31، كتاب تفسير القرآن، دار الفكر. قائلاً: «هذا حديث حسن»، وأخرجه الحاكم النيسابوري في «المستدرك»: 3 / 158، ذكر مناقب فاطمة، دار المعرفة، قائلاً: «هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»، وأقرّه الذهبي في التلخيص.
    (10) وقد دلّت الروايات الصحيحة على أن آية }إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ...{ نزلت في بيت أم سلمة، وقد تقدم ذكر بعض الروايات في ذلك: «انظر رواية رقم (4) ورواية رقم (5)»، وفيها ظهور بيّن على أنّ هذه الآية نزلت منفصلة عن بقية الآيات الواردة في نساء النبي.
    (11) أي لو فرضنا أن آية التطهير نزلت في سياق واحد مع الآيات المتحدثة عن نساء النبي.
    (12) صحيح البخاري: 6 / 42، دار الفكر.
    (13) وتقصد من الآية النازلة في عذرها، قوله تعالى: (إنَّ الَذينَ جاءُوا بالإفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شراً لَكُمْ بَلْ هو خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئ مِنْهُمْ ما اكْتسَبَ مِنَ الإثْمِ والّذِي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، النور: 11.
    (14) الدر المنثور للسيوطي: 5 / 198، مطبعة الفتح، جدة.
    (15) أخرج الحاكم في مستدركه بسنده إلى عمرو بن ميمون قال: إني جالس عند ابن عباس إذ أتاه تسعة رهط فقالوا: يا ابن عباس إما أن تقوم معنا وإما أن تخلو بنا من بين هؤلاء، قال فقال ابن عباس: بل أنا أقوم معكم، قال وهو يومئذ صحيح قبل أن يعمى، قال: فابتدأوا فتحدثوا فلا ندري ماقالوا، قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول أف وتف وقعوا في رجل له بضع عشرة فضائل ليست لأحد غيره، وقعوا في رجل قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبعثن رجلاً لا يخزيه الله أبداً يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فاستشرف لها مستشرف فقال: أين علي؟ فقالوا إنه في الرحى يطحن، قال وما كان أحدهم ليطحن، قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد أنْ يبصر، قال فنفث في عينيه ثم هزّ الراية ثلاثاً فأعطاها إياه فجاء علي بصفية بنت حيي، قال ابن عباس، ثم بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلاناً بسورة التوبة فبعث علياً خلفه فأخذها منه وقال: لا يذهب بها إلا رجل هو مني وأنا منه، فقال ابن عباس: وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبني عمه أيكم يواليني في الدنيا والآخرة قال وعلي جالس معهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله واقبل على رجل رجل منهم أيكم يواليني في الدنيا والآخرة فأبوا فقال لعلي أنت وليي في الدنيا والآخرة، قال ابن عباس وكان علي أول من آمن من الناس بعد خديجة رضي الله عنها، قال: وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين وقال: «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً...».
    قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد».
    وقال الذهبي في التلخيص: «صحيح»، انظر «المستدرك على الصحيحين»: 3 / 133 - 134، وبذيله «تلخيص المستدرك» للذهبي، دار المعرفة، بيروت.
    وأخرج الحديث أحمد في «مسنده»: 1 / 331، دار صادر، بيروت.
    وأورده الهيثمي في «مجمع الزوائد»: 9 / 119، دار الكتب العلمية..
    وقال: رواه أحمد، والطبراني في «الكبير» و «الأوسط» باختصار.
    (16) قال مصعب الزبيري: كان عكرمة يرى رأي الخوارج، وقال أبو خلف الخزار عن يحيى البكاء: سمعت ابن عمر يقول لنافع: اتقِ الله ويحك يا نافع، ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس، وقال جرير بن عبد الحميد عن يزيد بن أبي زياد: دخلت على علي بن عبد الله بن عباس وعكرمة مقيد على باب الحش، قال: قلتُ ما لهذا؟ قال: إنه يكذب على أبي وقال هشام بن سعد عن عطاء الخراساني: قلتُ لسعيد بن المسيب: إن عكرمة يزعم أن رسول الله تزوج ميمونة وهو محرم، فقال: كذب مخبثان [يعني الخبيث].
    و قال فطر بن خليفة: قلت لعطاء: إن عكرمة يقول: سبق الكتاب، المسح على الخفين، فقال: كذب عكرمة سمعت ابن عباس يقول: امسح على الخفين وإن خرجت من الخلاء.
    وقال إسرائيل عن عبدالكريم الجزري عن عكرمة أنه كره كراء الأرض، قال: فذكرت ذلك لسعيد بن جبير، فقال: كذب عكرمة، سمعت ابن عباس يقول: إن أمثل ما أنتم صانعون استيجار الأرض البيضاء سنة بسنة.
    وقال وهيب بن خالد عن يحيى بن سعيد الأنصاري: كان كذاباً، وقال إبراهيم بن المنذر عن معن بن عيسى وغيره: كان مالك لا يرى عكرمة ثقة ويأمر أن لا يؤخذ عنه.
    وقال الدوري عن ابن معين: كان مالك يكره عكرمة.
    وقال الربيع عن الشافعي: «وهو ـ يعني مالك بن أنس ـ سيء الرأي في عكرمة، قال: «لا أرى لأحد أن يقبل حديثه» (تجد هذه الأقوال في «تهذيب التهذيب»: 5 / 634 - 635، دار الفكر).
    وترجمه الذهبي في «ميزان الاعتدال»: وقال: «...وأما مسلم فتجنبه وروى له قليلاً مقروناً بغيره، وأعرض عنه مالك وتحايده إلا في حديث أو حديثين»، وروى روايات في تضعيفه وأنه كان يلعب النرد ويسمع الغناء ويرى رأي الخوارج «ميزان الاعتدال»: 3 / 93 ـ 97، دار الفكر، وبهذا يثبت أن عكرمة كان متهماً بالكذب ولا حاجة لسرد مزيد كلمات.
    (17) تجد الحديث بألفاظ مختلفة في مصادر عديدة منها: «صحيح مسلم»: 1 / 61، دار الفكر و «مسند أحمد»: 1 / 95، دار صادر، و «سنن النسائي»: 8 / 116 دار الفكر وغيرها.
    (18) ومن المؤسف حقاً مانراه من علماء أخواننا من أهل السنة في توثيقهم للخوارج والنواصب المبغضين لعلي بن أبي طالب، وهم منافقون بنصّ قول النبي المتقدم.
    (19) المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم: 6 / 302 ـ 303، دار ابن كثير.
    (20) انظر «مشكل الآثار»: 1 / 336 ـ 337 ـ 338 ـ 339، دار صادر.
    (21) انظر «المعتصر من المختصر من مشكل الآثار»: 2 / 267، عالم الكتب.
    (22) انظر «الأربعين في مناقب أمهات المؤمنين»: 10

    تعليق


    • #3

      الآية الثانية:

      آية المباهلة: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وأَبْنَاءَكُمْ ونِسَاءَنا ونِسَاءَكُمْ وأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الكاذِبِينَ}(1).

      سنصب البحث في هذه الآية مختصراً، على ثلاثة أمور:

      الأول: في بيان المراد من المباهلة مع ذكر مختصر لحادثة المباهلة.

      الثاني: في بيان المقصودين من آية المباهلة.

      الثالث: في بيان معطيات آية المباهلة.

      أما الأول: فالمباهلة كما في «لسان العرب» هي: أن يجتمع القوم إذا اختلفوا في شيء فيقولوا: لعنة الله على الظالم منا...
      والابتهال: الاجتهاد في الدعاء وإخلاصه لله عزوجل، وفي التنزيل العزيز: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الكاذِبِينَ}، أي نخلص ويجتهد كل منّا في الدعاء، واللعن على الكاذب منا(2)؛ فالمراد بقوله: «نبتهل» في الآية هو أنْ نجتهد في الدعاء إلى الله تعالى في أن يجعل لعنته على الكاذبين.

      و قد أمر الله، سبحانه وتعالى نبيه في أن يباهل نصارى نجران، حيث كانوا يعاندون في قضية عيسى (عليه السلام)، ويعتقدون بألوهيته ويجادلون النبي في ذلك، ونقتصر في ذكر الحادثة على ما نقله الفخر الرازي في تفسيره، قال: «روي أنه (عليه السلام) لما أورد الدلائل على نصارى نجران، ثم إنهم أصرّوا على جهلهم، فقال (عليه السلام): «إن الله أمرني إنْ لم تقبلوا الحجة أنْ أباهلكم» فقالوا: يا أبا القاسم، بل نرجع فننظر في أمرنا، ثم نأتيك، فلما رجعوا، قالوا للعاقب: وكان ذا رأيهم، يا عبد المسيح ما ترى؟ فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمداً نبي مرسل، ولقد جاءكم بالكلام الحق في أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبياً قط فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لكان الاستئصال فإن أبيتم إلا الإصرار على دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وعليه مرط من شعر أسود، وكان قد احتضن الحسين وأخذ بيد الحسن، وفاطمة تمشي خلفه، وعلي رضي الله عنه خلفها، وهو يقول: إذا دعوت فأمِّنوا، فقال أسقف نجران: يا معشر النصارى، إني لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها، فلا تباهلوا فتهلكوا، ولا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، ثم قالوا: يا أبا القاسم: رأينا أنْ لا نباهلك وأنْ نقرك على دينك، فقال صلوات الله عليه فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، فأبوا، فقال: فإني أناجزكم القتال، فقالوا ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أنْ لا تغزونا ولا تردنا عن ديننا على أنْ نؤدي إليك في كل عام ألفي جلة: ألفاً في صفر، وألفاً في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك، وقال: والذي نفسي بيده، إن الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا، لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله، حتى الطير على رؤوس الشجر ولما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا(3)، وروي أنه (عليه السلام) لمّا جاء في المرط الأسود، فجاء الحسن رضي الله عنه فأدخله، ثم جاء الحسين رضي الله عنه فأدخله ثم فاطمة، ثم علي رضي الله عنهما ثم قال: {إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أهْلَ البَيْتِ ويُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} واعلم أنّ هذه الرواية كالمتفق على صحتها بين أهل التفسير والحديث»(4).

      هذا ملخص ما يقال في الأمر الأول.

      الثاني: في بيان المقصودين من آية المباهلة:اتضح من قصة المباهلة أن المقصودين من الآية هم الخمسة أصحاب الكساء الواردة فيهم آية التطهير وهم نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء سلام الله عليها وولداهما الإمامان الهمامان الحسن والحسين عليهما السلام.

      و الأخبار في ذلك متواترة ومن ضمنها الصحيحة الصريحة في ذلك.قال الحاكم النيسابوري: «وقد تواترت الأخبار في التفاسير عن عبد الله بن عباس وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين وجعلوا فاطمة وراءهم ثم قال: هؤلاء أبناؤنا وأنفسنا ونساؤنا فهلمّوا أنفسكم وابناءكم ونساءكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين(5) ».

      وذهب الجصاص إلى عدم الخلاف في ذلك فقال في «أحكام القرآن»: «فنقل رواة السير ـ ونقلة الأثر لم يختلفوا فيه ـ أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم أخذ بيد الحسن والحسين وعلي وفاطمة ـ رضي الله عنهما ـ ثم دعا النصارى الذين حاجّوه إلى المباهلة...»(6).

      هذا وقد أخرج أحمد ومسلم والترمذي والحاكم وابن الأثير وابن حجر وغيرهم بسندهم إلى سعد بن أبي وقاص، قال: «...وأنزلت هذه الآية {فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وأَبْنَاءَكُمْ ونِسَاءَنا ونِسَاءَكُمْ وأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ} فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة وحسناً وحسيناً، فقال: «اللهم هؤلاء أهلي»(7).

      وقال القرطبي في تفسيره لهذه الآية عند بلوغه كلمة (أبناءنا): «[أبناءنا] دليل على أنّ أبناء البنات يسمّون أبناء، وذلك أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم جاء بالحسن والحسين وفاطمة تمشي خلفه وعلي خلفهما وهو يقول لهم: «إن أنا دعوت فأمّنوا...»(8) فهو إذن أرسل الخبر إرسال المسلّمات.

      و أخرج ابن مردويه بسنده إلى الشعبي عن جابر بن عبدالله، قال: «قدم على النبي العاقب والطيب فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه على أن يلاعناه الغداة، قال: فغدا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد علي وفاطمة والحسن والحسين ثم أرسل إليهما فأبيا أن يجيبا وأقرّا له بالخراج. قال: فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) «والذي بعثني بالحق لو قال: لا، لأمطر عليهم الوادي ناراً».

      قال
      جابر: وفيهم نزلت {تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وأَبْنَاءَكُمْ ونِسَاءَنا ونِسَاءَكُمْ وأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ} قال جابر: {وأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ} رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي بن أبي طالب و {أَبْنَاءَنَا} الحسن والحسن و {ونِسَاءَنا} فاطمة»(9).

      إذن، فلا كلام في أن المقصودين من الآية هم: نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام) والسيدة فاطمة الزهراء والحسن والحسين (عليهم السلام)، كما اتضح أن المراد من الأبناء هم الحسن والحسين إذ لم يأت النبي بغيرهم فهم أبناء رسول الله بنصّ هذه الآية.

      قال الفخر الرازي في تفسيره: «هذه الآية دالة على أن الحسن والحسين عليهما السلام كانا ابني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعد أنْ يدعو أبناءه فدعا الحسن والحسين، فوجب أن يكونا ابنيه...»(10).

      كما أن المراد من النساء هي فاطمة الزهراء عليها السلام إذ لم يأت النبي بغيرها مع أنّه كان تحته عدة زوجات، كما أن النفس المرادة هي نفس علي بن أبي طالب إذ لم يدع النبي غير هؤلاء وتفسيرها منحصر فيهم ولا يحتمل التأويل وقد تقدمت رواية جابر المصرّحة بذلك، كما نلاحظ أن الفخر الرازي يصّر في تفسيره بأن المراد من النفس هي نفس علي بن أبي طالب(11).

      ولهذا
      المعنى أشار علي بن أبي طالب (عليه السلام) في احتجاجه على القوم يوم الشورى، فقد أخرج الدارقطني أن علياً يوم الشورى احتج على أهلها، فقال لهم: أنشدكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله صلَى الله عليه وسلم في الرحم مني، ومنْْ جعله صلى الله عليه وسلم نفسه وأبناءه أبناءه، ونساءه نساءه غيري، قالوا اللهم لا، الحديث(12).

      الثالث: في بيان معطيات آية المباهلة:
      لا يرتاب أحد ولا يشك ذو لب بأن الآية تعطي منقبة عليَّة ومزية جلية للأربعة من أصحاب الكساء (عليهم السلام)، فهم صفوة الصفوة ولباب اللباب والخيرة الخـيّرة من عامة المسلمين بعد النبي محمد (صلى الله عليه وآله).

      اختارهم الرسول (صلى الله عليه وآله) من بين أمته ـ بأمر من الله ـ ليباهل بهم الكفر والنفاق وليثبت بهم الحق الحقاق.دعاهم لقضية هي من أهم القضايا ولأمر غاية في الخطورة ولمسألة يهتز لها الكون، إنها إثبات أحقية الإسلام، الدعاء والابتهال من أجل إظهار الحق وخذلان معانديه.فمَن يا ترى الذي سيظهر الحق بدعائه وعلى يديه؟ ومن سيقف في الخندق الأول ويدعو ويبتهل لإبقاء راية الإسلام خفاقة مرفرفة فوق الجميع؟لاريب أن الرسول سيختار صفوة الأمة وخيرتها، سيختار قلوباً تتفتح أبواب السموات بدعائها، سيختار أنفساً طاهرة لا تعرف في داخلها شيئاً سوى الله، فكانت صفوة الأولاد متمثلة بأولاد النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، الحسن والحسين، ولو كان من هو بمقامهما، لدعاه معهما، وكانت صفوة النساء متمثلة بفاطمة الزهراء ولو كانت هناك من تماثلها لدعاها مع أنه (صلى الله عليه وآله) كان تحته عدة زيجات، وكانت نفس النبي المتصفة بصفاته هي نفس علي (عليه السلام)؛ فدعاه، ولو كان له مماثل لدعاه أيضاً، هكذا أمر الله، وهكذا امتثل رسوله.

      صورة جلية ومقام كبير شامخ ووصية أوصاها الرسول لأمته، هي النخبة التي ضمها في الكساء، هي النخبة التي باهل بها!! سبحان الله! طفلان، يحتضن الرسول أحدهما ويمسك بيد الآخر، امرأة تسير خلفهما، قطب الرحى وحلقة الوصل بين النبوة والإمامة ورجل من خلفها، يمثل الخلافة السامية بعد النبي (صلى الله عليه وآله). بهذه الكيفية خرج الرسول مباهلاً، منظر اهتزت له السموات والأرض وانذعر منه النصارى وارتعدت مفاصلهم، وكادوا يهلكون؛ فرفضوا المباهلة وصالحوا، ولو باهلوا لما بقي لهم ذكر إلى يوم القيامة.

      فضيلة لا تدانيها فضيلة، ومنزلة يعجز القلم عن وصفها وبيانها، لا ينكرها إلا مكابر ومعاند؛ لذا أقرّ بها المؤالف والمخالف، وهذا الزمخشري يعدها دليلاً لا شيء أقوى منه على فضيلتهم فيقول في تفسيره: «وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء (عليهم السلام)»(13).

      و في الآية المباركة دلالة واضحة على عظم مقام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام)، فهو نفس الرسول الكريم (صلى الله عليه وآله) بنص هذه الآية، وحيث لا يمكن أن يكون هو النفس حقيقةً لمحمد (صلى الله عليه وآله) فتعين أن يكون أقرب المجاز إلى الحقيقة، يعني المماثلة في الصفات والمقامات الثابتة للنبي (صلى الله عليه وآله) عدا ماثبت اختصاصه به صلي الله عليه وآله، كالنبوة وأفضليته على الخلق بما فيهم علي (عليه السلام)، وما شابه ذلك من مختصاته، وتبقى صفات النبي الأخرى ثابتة لعلي (عليه السلام) بنص هذه الآية كالعصمة، والأفضلية على الصحابة أجمع، والخلافة والولاية بعد النبي وغير ذلك.
      ---------------------
      (1) آل عمران: 61.
      (2) انظر «لسان العرب»: 11 / 72، دار إحياء التراث العربي.
      (3) تفسير الفخر الرازي: مجلد4، ج8، ص79 ـ 90، دار الفكر، وانظر «تفسير الثعلبي»: 3 / 85، دار إحياء التراث العربي، وقد أرسل الخبر إرسال المسلمات.
      (4) المصدر نفسه: مجلد 4 ج8 ص90.
      (5) معرفة علوم الحديث: 48، ط. دار الآفاق الجديدة.
      (6) أحكام القرآن: 2 / 18، دار الكتب العلمية.
      (7) انظر «صحيح مسلم»: 7 / 120، دار الفكر، و «مسند أحمد»: 1 / 85، دار صادر، و «سنن الترمذي»: 4/ 293، دار الفكر، وقال عنه: «هذا حديث حسن غريب صحيح»، و «مستدرك الحاكم»: 3 / 150، دار المعرفة، وصحّحه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، و «أسد الغابة» لابن الأثير: 4 / 114، دار إحياء التراث العربي. و «الإصابة» لابن حجر: 4 / 468، دار الكتب العلمية، واللفظ للأخير.
      (8) تفسير القرطبي المسمّى «الجامع لأحكام القرآن»: 4 / 104، دار الكتاب العربي.
      (9) تفسير ابن كثير: 1 / 350، دار الجيل، وأخرجه الواحدي في «أسباب النزول»: 90، دار الكتاب العربي.
      (10) تفسير الفخر الرازي: مجلد4/ج8/ص90، دار الفكر. ونبّه القرطبي في تفسيره إلى أنْ تسميه أولاد البنت بالأولاد إنما ذلك مختص بالحسن والحسين عليهما السلام، انظر «تفسر القرطبي»: 4/105، دار الكتاب العربي.
      (11) تفسير الفخر الرازي: مجلد4/ ج8/ ص91، دار الفكر.
      (12) الصواعق المحرقة: 239، دار الكتب العلمية.
      (13) تفسير الكشاف: 1 / 370.

      تعليق


      • #4

        الآية الثالثة:

        آية المودة: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرَاً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى}(1).يقع الكلام في هذه الآية على أمرين:

        الأول: في دلالتها.

        الثاني: في المراد من القربي.

        الأمر الأول: دلّت الآية المباركة على وجوب مودّة ومحبة قرابة النبي وعترته؛ وعلى ذلك إجماع الشيعة الإمامية استناداً إلى الروايات المتظافرة عن أهل بيت العصمة والطهارة، ووافقهم على ذلك جملة من علماء وأعلام أهل السنّة(2).

        قال الثعلبي في تفسيره: «وقال بعضهم: معناه إلاّ أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحفظوني فيهم، وهو قول سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب»(3)، إلى أنْ قال في آخر بحثه عن الآية: «والدليل على صحة مذهبنا فيه ما أخبرنا...»، وأخرج حديثاً بسنده إلى جرير بن عبدالله البجلي، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات على حب آل محمد مات شهيداً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مغفوراً له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان، ألا ومن مات على حب آل محمد بشّره ملك الموت بالجنة ثم منكر ونكير، ألا ومن مات على حب آل محمد جعل الله زوّار قبره ملائكة الرحمان، ألا ومن مات على حب آل محمد فتح له في قبره بابان من الجنة، ألا ومن مات على بغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوباً بين عينيه آيس من رحمة الله، ألا ومن مات على بغض آل محمد مات كافراً، ألا ومن مات على بغض آل محمد لم يشم رائحة الجنة»(4).

        و هذا الحديث أورده الثعلبي كدليل على صحة رأيه في الآية مما يدل على أنه معتمد عليه عنده.

        كما أن الزمخشري قد أرسل هذه الرواية إرسال المسلمات في تفسيره ونقل الرواية بقوله: «قال رسول الله...»، مما يدل على اعتقاده وجزمه بصحة ما نقله عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)(5).

        وقال الفخر الرازي في المسألة الثالثة من مسائله حول هذه الآية: «آل محمد هم الذين يؤول أمرهم إليه، فكل من كان أمرهم إليه أشد وأكمل كانوا هم الآل، ولا شك أن فاطمة وعلياً والحسن والحسين كان التعلق بينهم وبين رسول الله أشد التعلقات وهذا كالمعلوم بالنقل المتواتر فوجب أن يكونوا هم الآل، وأيضاً اختلف الناس في الآل فقيل هم الأقارب وقيل هم أمته، فإن حملناه على الأمة الذين قبلوا دعوته فهم أيضاً آل، فثبت أن على جميع التقديرات هم الآل وأما غيرهم فهل يدخلون تحت لفظ الآل فمختلف فيـه(6).

        وروى صاحب الكشاف: «أنه لما نزلت هذه الآية قيل يا رسول الله صلى الله عليه وسلم من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم؟ فقال: علي وفاطمة وابناهما، فثبت أن هؤلاء الأربعة أقارب النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا ثبت هذا وجب أن يكونوا مخصوصين بمزيد التعظيم ويدل عليه وجوه:

        (الأول) قوله تعالى {إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى} ووجه الاستدلال به ما سبق.

        (الثاني) لا شك أنّ النبي صلّى الله عليه وسلم كان يحب فاطمة عليها السلام، قال صلّى الله عليه وسلم: «فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها» وثبت بالنقل المتواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحب علياً والحسن والحسين وإذا ثبت ذلك وجب علىكل الأمة مثله لقوله: {واتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} ولقوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} ولقوله: {إنْ كُنْتُمْ تُحِـبُّونَ اللهَ فاتّبِعُونِي يُحْبِـبْكُمُ اللهُ} ولقوله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهَ أُسْوَةٌ حَسَنةٌ}.

        (الثالث) إن الدعاء للآل منصب عظيم ولذلك جعل هذا الدعاء خاتمة التشهد في الصلاة وهو قوله اللهم صل على محمد وآل محمد وارحم محمداً وآل محمد، وهذا التعظيم لم يوجد في حق غير الآل، فكل ذلك يدل على أن حب آل محمد واجب، وقال الشافعي رضي الله عنه:


        يا راكباً قف بالمحصب من منى
        و اهتف بساكن خيفها والناهض
        سحراً إذا فاض الحجيج إلى منى
        فـيضاً كما نظم الفرات الفائض
        إنْ كـان رفـضاً حب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي»(7)
        وقال الشيخ أحمد الرفاعي الشافعي(8) في «البرهان المؤيد»: «و نوروا كل قلب من قلوبكم بمحبة آله الكرام (عليهم السلام) فهم أنوار الوجود اللامعة وشموس السعود الطالعة. قال تعالى: {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرَاً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى}.

        وقال(9) الله الله في أهل بيتي.

        مَنْ أراد الله به خيراً ألزمه وصية نبيه في آله فأحبهم واعتنى بشأنهم وعظمهم وحماهم وصان حماهم وكان لهم مراعياً ولحقوق رسوله فيهم راعياً، المرء مع من أحبَّ ومن أحبَّ الله أحبَّ رسول الله ومن أحبَّ رسول الله أحبَّ آل رسول الله ومن أحبَّهم كان معهم وهم مع أبيهم قدَّموهم عليكم ولا تقْدِموهم وأعينوهم وأكرموهم يعود خير ذلك عليكم»(10).

        و قال الشيخ حسن بن علي السقاف في «صحيح شرح العقيدة الطحاوية»: «محبة آل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) فريضة عقائدية من الله تعالى على كل مسلم ومؤمن والدليل عليها من القرآن قوله تعالى {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرَاً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى}. وأشار في هامشة على هذه الآية إلى قضية حساسة جداً وهي إدخاله عدداً كبيراً من علماء أهل السنة في دائرة النصب والبغض لآل البيت (عليهم السلام) فقال: «و قد زعم النواصب أعداء النبي وآل بيته الأطهار أن المراد بلفظ (القربى) هو الطاعة التي هي بمعنى «القربة» ليحرفوا الناس عن فهم القرآن باللغة التي أنزله الله تعالى به بقصد صرف الناس عن محبة آل البيت!! فلا تغفل عن هذا!»(11).

        أقول: والسقاف من علماء أهل السنّة، فلا تغفل عن هذا!.
        الأمر الثاني: في المراد من القربى:عُلِم مما سبق أن دلالة الآية على وجوب محبة آل محمد، عليها إجماع الشيعة الإمامية، وبه قال سعيد بن جبير وعمرو بن شعيب وجملة من علماء أهل السنّة، بل إنّ السقاف يرى أن من يقول بغير ذلك فهو مبغض معادٍ لآل البيت ويرى أن اللغة التي نزلت بها الآية صريحة في المطلوب.بقي الكلام في تشخيص المراد من آل البيت (عليه السلام)، وما يهمنا في المقام هو التشخيص الشرعي لهذه الكلمة سواء كان موافقاً للمعنى اللغوي أم أخصّ منه، والمتابع للروايات الشريفة يلحظ بجلاء أن النبي (صلى الله عليه وآله) استعمل لفظ الآل والأهل والعترة في معنى واحد وهم محمد وآله الكرام المخصوصون، فنلاحظ ـ مثلاً ـ يوصي بالثقلين ويقول «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي... كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي»(12)؛ فالعترة هنا هم أهل بيت النبي (صلى الله عليه وآله) وتقدّم فيما سبق أن المراد من أهل البيت هم: محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وعرفنا أن هؤلاء اختصت بهم آية التطهير، وهم الذين خرجوا لمباهلة نصارى نجران، وسيأتي من بعض علماء أهل السنّة التصريح بأن المراد من العترة في حديث الثقلين هم الخمسة أصحاب الكساء.

        وكما دلّت الروايات على أن أهل البيت هم عترة النبي كذا دلّت على أنهم آله الكرام فقد تقدّم في ضمن أحاديث الكساء ما أخرجه أحمد بن حنبل بسنده إلى شهر بن حوشب عن أم سلمة: «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة: ائتني بزوجك وابنيك، فجاءت بهم فألقى عليهم كساء فدكياً، قال: ثم وضع يده عليهم ثم قال: اللهم إنّ هؤلاء آل محمد فاجعل صلواتك
        وبركاتك على محمد وعلى آل محمد إنّك حميد مجيد، قالت أم سلمة: فرفعت الكساء لأدخل معهم فجذبه من يدي وقال: إنك على خير»(13) فالحديث دالّ بالصراحة على أن أصحاب الكساء هم آل محمد وهم محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين.

        وقد صرّح الحاكم النيسابوري في المستدرك بأن الآل وأهل البيت هم واحد، فقد أخرج بسنده إلى عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: «لقيني كعب بن عجرة فقال، ألا أهدي لك هدية سمعتها من النبي (صلى الله عليه وآله)، قلت بلى، قال فأهدها إليّ، قال: سألنا رسول الله كيف الصلاة عليكم أهل البيت، قال فقولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل ابراهيم إنك حميد مجيد»(14) فالسؤال كان عن كيفية الصلاة عليكم أهل البيت ووقع الجواب: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد...، فالسؤال عن الأهل والجواب بلفظ الآل؛ ولذا فإن الحاكم تنبـّه لهذا المضمون، فأخرج هذا الحديث في مستدركه مع أنه موجود في صحيح البخاري فعلّق؛ ليرفع اللبس عن القارئ، قائلاً: وقد روى هذا الحديث بإسناده وألفاظه حرفاً بعد حرف الإمام محمد بن إسماعيل البخاري عن موسى بن إسماعيل في الجامع الصحيح وإنما أخرجته ليعلم المستفيد أن أهل البيت والآل جميعاً هم(15).

        فتلخّص أنّ الآل والأهل والعترة عناوين لمصداق واحد، وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين، وعرفنا أن الآية دلّت على وجوب محبة آل البيت فيتعين حينئذ، أنّ القربى في الآية هم الأربعة الذين ضمّهم النبي (صلى الله عليه وآله) معه في الكساء.

        ولعمري! لو أنصف كل باحث في بحثه، لعرف بلا أدنى شك أنّ هؤلاء الأربعة لهم عناية ربانية خاصة، ومقام إلهي منقطع النظير، ولا يشك المتأمل، خصوصاً، عند ضم الآيات والروايات إلى بعضها البعض، بأن هؤلاء هم المحور الذي أراد الرسول من المسلمين، أن يلتفوا حوله، ويستلهموا من نهجه، وأن النجاة وطريق السعادة الإلهية لا تحصل إلا بمحبتهم، والتمسك بمنهجهم والسير وفق طريقتهم؛ فماذا يعني نزول آية التطهير المساوقة للعصمة في حقهم؟ وماذا يعني الخروج بهم لمباهلة الكفار، مع وجود الصحابة والأزواج؟ وماذا يعني وجوب محبتهم؟ وماذا يعني وجوب الصلاة عليهم؟ بل وماذا يعني وجوب التمسك بهم الوارد في حديث الثقلين وغيرها الكثير الكثير من الآيات والروايات التي تفضي إلى نتيجة قطعية بوجوب اتباعهم (عليهم السلام).


        إذن، تلخص أنّ الآية دلّت على وجوب مودّة ومحبة قربى النبي، وهم آل بيته الأربعة أصحاب الكساء، وعلى هذا المعنى دلّت روايات خاصة أيضاً: فقد أخرج أحمد والطبراني وغيرهما، بسندهم إلى ابن عباس، قال: «لمّا نزلت {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرَاً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى} قالوا: يا رسول الله؛ من قرابتك هؤلاء الذين وجبت علينا مودتهم قال: علي وفاطمة وابناهما رضي الله عنهم»(16).


        كما أورد الرواية محمد بن طلحة الشافعي(17) وصحّحها في كتابه «مطالب السؤول في مناقب آل الرسول»(18).


        وأوردها أحمد بن عبد الله الطبري في كتابه «ذخائر العقبى» وجعلها دليلاً على أن المراد من الآية هم علي وفاطمة وولداهما(19).


        وأوردها ابن حجر الهيتمي في «صواعقه» وعقّب عليها في معرض مناقشته للسند قائلاً: «وفي سنده شيعي غالٍ لكنه صدوق»(20)، فهو يعترف باعتبار الرواية من جهته لأنه صدوق.


        إذن، فالرواية معتبرة عند بعض علماء أهل السنّة ولا غبار عليها.


        ومن جملة الروايات الخاصة أيضاً ما ورد صحيحاً عن رابع أصحاب الكساء السبط الشهيد الحسن بن علي (عليه السلام)، فقد أخرج الطبراني بسنده إلى أبي الطفيل خطبة الإمام الحسن بعد شهادة أبيه علي بن أبي طالب (عليه السلام)، من جملتها: «ثم أخذ في كتاب الله فقال: أنا ابن البشير وأنا ابن النذير وأنا ابن النبي وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه وأنا ابن السراج المنير وأنا ابن الذي أرسل
        رحمة للعالمين وأنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وأنا من أهل البيت الذين افترض الله عز وجل مودتهم وولايتهم، فقال فيما أنزل الله على محمد صلى الله عليه وسلم {قُلْ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيهِ أَجْرَاً إِلاّ المَوَدَّةَ فِي القُرْبَى}»(21).

        وأورد الحديث الهيثمي في «مجمع الزوائد» وعلّق عليه قائلاً: «رواه الطبراني في الأوسط والكبير باختصار... وأبو يعلى باختصار والبزار بنحوه... ورواه أحمد باختصار كثير وإسناد أحمد وبعض طرق البزار والطبراني في الكبير حسان»(22).


        وأورده ابن حجر الهيتمي في صواعقه وقال: «وأخرج البزار والطبراني عن الحسن رضي الله عنه من طرق بعضها حسن»(23).


        فالرواية إذن، معتبرة. ولو لم تكن آية المودة مختصة بالأربعة من أصحاب الكساء وكانت شاملة للكثير من غيرهم، لما كان هناك أي مبرر لأن يفتخر بها الإمام الحسن (عليهم السلام).


        ومن الشواهد على اختصاص الآية بالأربعة ما أخرجه الحاكم وحسّنه بسنده إلى أبي هريرة قال: «نظر النبي (صلى الله عليه وآله) إلى علي وفاطمة و الحسن والحسين فقال أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم».

        قال الحاكم: «هذا حديث حسن» وأقرّه الذهبي في التلخيص(24).


        و ذكر الحاكم حديثاً يشهد بصحة ما تقدم فقال: وله شاهد عن زيد بن أرقم، وسلسل السند إلى زيد عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال لعلي وفاطمة والحسن والحسين: «أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم» ونقله الذهبي في التلخيص بعنوان شاهد أيضاً(25).

        فالرسول (صلى الله عليه وآله) خص هؤلاء الأربعة، وجعل حربهم حرباً لنفسه الطاهرة وهي حرب للإسلام، والسلم معهم سلماً مع نفسه الشريفة (صلى الله عليه وآله) وهي سلم للإسلام، وسيأتي التعرض للحديث لاحقاً إن شاء الله.


        كما يؤيد ما ذهبنا إليه كل الروايات الواردة في محبة علي وفاطمة والحسن والحسين، وهي كثيرة شهيرة، وسيأتي التعرض لبعضها في المباحث القادمة إن شاء الله تعالى.
        -------------------------
        (1) الشورى: 23.
        (2) ينبغي الالتفات إلى أن وجوب مودة آل بيت هي ضرورة إسلامية متفق عليها بين المسلمين بكل طوائفهم، لكن الخلاف هل أن هذه الآية أحد الأدلة على ذلك أم لا؟ فأجمعت الشيعة على أنها أحد أدلة ذلك، ووافقهم جملة من علماء أهل السنة عليه.
        (3) تفسير الثعلبي: 8 / 310، دار إحياء التراث.
        (4) تفسير الثعلبي: 8 / 314، دار إحياء التراث.
        (5) انظر «تفسير الكشاف» للزمخشري: 4 / 220، ونقله عنه القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن»: 16 / 22، دار الكتاب العربي.
        (6) وسيأتي منّا في الأمر الثاني حول هذه الآية بيان معنى الآل فانتظر.

        (7) تفسير الفخر الرازي: مجلد14/ج27/ص167، دار الفكر.
        (8) قال ابن العماد الحنبلي في «شذرات الذهب» عند ذكره لحوادث وفيات (578 هـ): «وفيها توفي الشيخ الزاهد القدوة أبوالعباس أحمد بن علي بن أحمد بن يحيى بن حازم بن علي بن رفاعة، الشيخ الكبير الرفاعي البطائحي... كان شافعي المذهب، فقيهاً» وقال عنه اليافعي في «مرآة الزمان» في حوادث سنة (578): «...شيخ الشيوخ الذي ملأت شهرته المشارق والمغارب، تاج العارفين وإمام المعرفين ذي الأنوار الزاهرة والكرامات الباهرة والمقامات العلية والأحوال السَنية، والبركات العامة والفضائل الشهيرة بين الخاصة والعامة، أحمد بن أبي الحسن الرفاعي...».
        (9) يعني الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله.
        (10) البرهان المؤيد: 1 / 25، نشر دار الكتاب النفيس، بيروت.
        (11) صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 653، دار الإمام النووي، الأردن.
        (12) سيأتي فيما بعد التحدث عن حديث الثقلين بنوع من التفصيل.

        (13) مسند أحمد: 18 / 314، حديث رقم (26625)، دار الحديث، القاهرة.
        (14) مستدرك الحاكم: 3 / 148، دار المعرفة، وانظر «صحيح البخاري»: 4 / 118، دار الفكر.
        (15) مستدرك الحاكم: 3 / 148، دار المعرفة.
        (16) فضائل الصحابة: 2 / 669، مؤسسة الرسالة، وجاءت الرواية بلفظ «من قرابتنا هؤلاء...» والمعجم الكبير: 11 / 351، دار إحياء التراث.
        (17) قال عنه السبكي في «طبقات الشافعية الكبرى»: تفقّه وبَرَع في المذهب... وكان من صدور الناس، انظر الطبقات: 8 / 63.
        (18) مطالب السؤول: 1 / 38.
        (19) انظر «ذخائر العقبى»: 25، عن نسخة دار الكتب المصرية.
        (20) الصواعق المحرقة: 259، دار الكتب العلمية.
        (21) المعجم الأوسط: 2 / 337، دار الحرمين، القاهرة.
        (22) مجمع الزوائد: 9 / 146، دار الكتب العلمية، بيروت.
        (23) الصواعق المحرقة: 259، دار الكتب العلمية.
        (24) المستدرك على الصحيحين: 3 / 149، دار المعرفة، وبهامشه تلخيص الذهبي، وأخرج هذا الحديث أحمد في «مسنده»: 2 / 442، دار صادر، وابن أبي شيبة في «مصنفه» عن طريق زيد: 7/512، دار الفكر، وابن حبان كذلك في «صحيحه»: 15/434، مؤسسة الرسالة، والطبراني في «المعجم الكبير» بكلا الطريقين: 3/40، دار إحياء التراث، نشر مكتبة ابن تيمية، وغيرهم.

        (25) المستدرك على الصحيحين: 3 / 149، دار المعرفة وبهامشه تلخيص الذهبي.

        تعليق


        • #5

          الآية الرابعة:

          آية الولاية: {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ آمَنُوا الذِينَ يُقِـيمُونَ الصَّـلاةَ ويُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.


          تعدّ هذه الآية أحد أدلة الشيعة الإمامية على أن الخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله)
          تكون لعلي بن أبي طالب، ورواياتهم متواترة بأن الآية الشريفة نزلت حينما تصدق أمير المؤمنين (عليه السلام) بخاتمه على السائل، وهو في أثناء الصلاة وفي حال الركوع، لكن وطبقاً لمنهجنا في هذا الكتاب، وهو الالتزام في الاستدلال بما ورد في كتب أهل السنّة وصحّ عندهم؛ لذا لابدّ من النظر إلى سبب نزول هذه الآية عندهم، ثم بعد ذلك نبيـّن دلالتها على خلافة علي (عليه السلام)، فالكلام يقع في أمرين:


          الأول: في سبب نزول هذه الآية.


          الثاني: في دلالتها على الخلافة.


          أما الأول: فقد دلّت أقوال بعض الصحابة، والتابعين والعلماء، من أهل التفسير، والحديث على أن الآية نزلت في علي (عليه السلام) في تلك القضية الخاصة وعلى ذلك الروايات المستفيضة أيضاً.


          قال الثعلبي في تفسير «الكشف والبيان»: «قال ابن عباس، وقال السدي، وعتبة بن حكيم، وثابت بن عبدالله: إنما يعني بقوله: {وَالذِينَ آمَنُوا الذِينَ يُقِـيمُونَ الصَّـلاةَ} الآية، علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) مرّ به سائل، وهو راكع في المسجد وأعطاه خاتمه»(1).


          و قال ابن الجوزي في «زاد المسير» بعد أنْ ذكر القول الأول في المسألة وهو أن الآية نزلت في علي بن أبي طالب، وذكر إحدى الروايات الدالّة على ذلك، قال: «و به قال مقاتل، وقال مجاهد: نزلت في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع»(2).


          فاتضح من قول الثعلبي وابن الجوزي، أن ابن عباس والسدي وعتبة بن حكيم وثابت بن عبدالله ومقاتل ومجاهد كلهم يقولون بأن الآية نزلت في علي (عليه السلام)، وإلى هذا القول ذهب بعض العلماء أيضاً: قال أبو جعفر الإسكافي(3) (ت: 240 هـ) في «المعيار والموازنة»: «و فيه نزلت: {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ آمَنُوا الذِينَ يُقِـيمُونَ الصَّـلاةَ ويُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} تصديقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كنت مولاه فعلي مولاه» إذ قرن الله ولايته بولاية رسوله»(4).


          كما نلاحظ أن الزمخشري لم يفصح عن سبب نزول الآية؛ مما ينبئ عن حيرته في المسألة؛ لذا نسب ذلك إلى «القيل» فقال في تفسيره «الكشاف»: «و قيل... وأنها نزلت في علي كرم الله وجهه حين سأله سائل، وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه كأنه كان مرجاً(5)، في خنصره، فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته» ثم أجاب عن إشكال حاصله كيف تكون الآية نازلة في علي وهو مفرد مع أن الآية جاءت بلفظ الجمع فقال: «فإن قلتَ:

          كيف صح أنْ يكون لعلي رضي الله عنه واللفظ لفظ جماعة؟ قلتُ: جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً، ليرغب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه، ولينبه على أن سجية المؤمنين يجب أنْ تكون على هذه الغاية من الحرص على البر والإحسان وتفقّد الفقراء، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ منها(6) ».

          وهذا يكشف عن أن القول عند الزمخشري له وجه وجيه وأن هكذا إشكال لا يرد عليه.

          وقال الجصاص في «أحكام القرآن»: «و قوله تعالى {ويُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} يدل على أن صدقة التطوع تسمى زكاة لأن علياً تصدّق بخاتمه تطوعاً...»(7).

          وقال الآلوسي في تفسيره: «وغالب الإخباريين على أنها نزلت في علي كرم الله وجهه...»(8).

          وقال في موضع آخر: «والآية عند معظم المحدثين نزلت في علي كرم الله وجهه...»(9).

          والروايات متظافرة مستفيضة نذكر للقارئ طرفاً منها.


          فقد أخرج الخطيب في المتفق عن ابن عباس قال: «تصدق علي بخاتمه وهو راكع، فقال النبي للسائل: «من أعطاك هذا الخاتم؟ قال: ذاك الراكع، فأنزل الله {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ}»(10).


          وأخرج الحاكم بسنده إلى علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال: «نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالذِينَ آمَنُوا الذِينَ يُقِـيمُونَ الصَّـلاةَ ويُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل المسجد والناس يصلّون بين راكع وقائم فصلّى فإذا سائل، قال يا سائل أعطاك أحد شيئاً؟ فقال: لا؛ إلاّ هذا الراكع (لعلي) أعطاني خاتماً»(11).


          وأخرج ابن مردويه بسنده إلى ابن عباس قال: «كان علي بن أبي طالب قائماً يصلّي فمرّ سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ} الآية(12).


          وأخرج ابن أبي حاتم بسنده إلى سلمة بن كهيل، قال: «تصدّق علي بخاتمه وهو راكع، فنزلت {إنّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ} الآية(13).


          و الروايات مستفيضة كما قلنا والملاحظ أن ابن حجر العسقلاني في تخريجه لروايات تفسير «الكشاف للزمخشري» أخرج رواية ابن أبي حاتم، وابن مردويه والحاكم، ولم يقدح في سندهما مع أنه أخرج غيرهما وقدح في سنده مما يدل على قبوله بما ذكر(14).

          ومهما يكن من أمر؛ فإن خبر تصدق علي بالخاتم في أثناء الركوع له طرق متعددة يعضد بعضها بعضاً؛ ولذا فإن السيوطي في «لباب النقول» بعد أن ذكر عدة طرق للرواية، قال: «فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً»(15).


          فالحادثة ـ إذن ـ ثابتة والآية نازلة في علي بن أبي طالب (عليه السلام).


          و في ذلك أنشأ حسان بن ثابت قائلاً:

          أبا حسن تفديك نـفـسي ومهجتي وكل بطيء فـي الهدى ومسارع
          أيذهب مـدحي والـمحبر ضائعاً وما المدح في جنب الإله بضائع
          وأنتَ الذي أعطيت إذ كنت راكعاً زكـاة فدتك النفس يا خير راكع
          فـأنـزل فـيك الله خـير ولاية فبيَّنها في نـيرات الـشـرائع(16)

          الأمر الثاني: في دلالتها على الخلافة:

          دلّت الآية الكريمة على حصر الولاية في ثلاثة وهم: الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون وهو علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وتقدم الجواب من قبل الزمخشري كيف أن المراد واحد واللفظ القرآني جاء بصيغة الجمع، وهناك أجوبة أخرى تعرض لها العلماء، ليس غرضنا بحثها والتعرض لها، بل فقط أحببنا التنويه إلى أن هذا الإشكال غير وارد.


          فلابدّ أن نصبّ الكلام على معنى كلمة «وليـّكم» الواردة في الآية، وعند النظر في القرائن المحيطة بالآية يتضح أن المراد من الولي هنا هو: منْ له حق التصرف في شؤون الأمة الإسلامية من قبيل ما جاء في حق الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) {النَّبِيُّ أوْلَى بالمُؤْمِنينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ} فهذه الأولوية الثابتة لرسول الله، ثابتة لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) بموجب هذه الآية الكريمة، ولا يمكن حملها على النصرة؛ أي أن المراد أن النصرة محصورة بموجب أداة الحصر «إنما» بالله والرسول وعلي (عليه السلام)؛ لأن النصرة عامة ومطلوبة من كل المؤمنين، كما جاء في الذكر الحكيم: {والمُؤْمِنُونَ وَالمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُم أوْلِياءُ بَعْضٍ}.

          مضافاً إلى أن ذيل الآية لا ينسجم مع تفسير كلمة «وليكم» بـ «ناصركم»؛ لأن النصرة مطلوبة على كل حال ولايمكن أن تكون متصفة بحال الركوع، سواء فسرناه بالركوع الحقيقي أو المجازي وهو الخشوع؛ لأن المؤمن ناصر لأخيه المؤمن، سواء في حال الركوع أو غيره، فتكون هذه الإضافة لغواً، ولا قيمة لها وحاشا لله ذلك فلابد ـ إذن ـ أن نحمل الولاية على ولاية الأمر، والتصرف، ويكون ذيل الآية مبيّناً لصفات ذلك الولي، وتلك الصفات ـ كما اتّضح ومرّ ـ لا تنطبق إلا على علي (عليه السلام)، فيتعين أن المراد من الولاية هي ولاية الأمر وهي الإمامة والخلافة، ويكون ولي الأمر والإمام الشرعي بموجب ما تقدم هو علي بن أبي طالب، وأداة الحصر دالة على نفي من يكون خليفة في عرضه، وحتى لايطول بنا المقام فإنّا نقف عند هذا الحد من ذكر الآيات القرآنية الشاملة لعلي أو المختصة به؛ إذ ليس غرضنا استيفاء ذلك، ولا إثبات الإمامة بل كما عرفت ـ قارئي الكريم ـ إن هدف الكتاب يصبّ في ذكر جملة من كلمات علماء وأعلام أهل السنّة في أئمة أهل البيت، ولكثرة ما ورد في فضائل علي والحسنين، اقتصرنا في الفصلين الأول والثاني على ذكر نبذ من فضائلهم، سواء من القرآن أو السنّة الشريفة.

          لذا نتوقّف عن ذكر بقية الآيات، كآية البلاغ والإكمال، وغيرهما ونحيل مَن شاء المراجعة والتفصيل إلى الكتب المختصة في ذلك، مثل «دلائل الصدق» للمظفر، و «عبقات الأنوار» للنقوي، و «الغدير» للأميني، وغيرها، وننقل الكلام الآن إلى السنة الشريفة ونضع بين يدي القارئ جملة من الروايات الواردة في فضل علي بن أبي طالب (عليه السلام) مشمولاً بها مع غيره أو مختصاً بها، ومنه تعالى نستمد العون والتسديد.
          -----------------------
          (1) تفسير الثعلبي: 4 / 80، تفسير آية 50، من سورة المائدة.
          (2) زاد المسير 2 / 292، دار الفكر، بيروت.
          (3) قال عنه الذهبي: «و هو العلامة أبو جعفر محمد بن عبدالله السمرقندي ثم الإسكافي المتكلم وكان أعجوبة في الذكاء، وسعة المعرفة مع الدين والتصون والنزاهة». انظر «سير أعلام النبلاء»: 10/550، مؤسسة الرسالة.
          (4) المعيار والموازنة: 228.
          (5) كأنه كان مرجاً: أي قلقاً غير ثابت.
          (6) تفسير الكشاف: 1 / 649، تفسير الآية 55 من سورة المائدة.
          (7) أحكام القرآن: 2 / 558، دار الكتب العلمية.
          (8) تفسير روح المعاني: 6 / 167، دار إحياء التراث العربي.
          (9) المصدر نفسه: 6 / 186.
          (10) الدر المنثور للسيوطي: 3 / 104، دار الفكر.
          (11) معرفة علوم الحديث: 102، دار الآفاق الجديدة.
          (12) تفسير ابن كثير: 2 / 74، دار المعرفة.
          (13) الدر المنثور للسيوطي: 3 / 105، دار الفكر.
          (14) تفسير الكشاف: 1 / 649، الحاشية.
          (15) لباب النقول: 81، دار الكتب العلمية.
          (16) انظر «شواهد التنزيل» للحاكم الحسكاني: 1 / 236، و «نظم درر السمطين»: 88.

          تعليق

          يعمل...
          X