بسم الله الرحمن الرحيم
باب علم
ما الكلم؟
باب علم
ما الكلم؟
إن قال قائل : ما الكلم؟ قيل : الكلم اسم جنس ؛ واحده (1) «كلمة» ؛ كقولك : نبقة (2) ونبق ، ولبنة ولبن وثفنة وثفن ، وما أشبه ذلك. فإن قيل : ما الكلام؟ قيل : ما كان من الحروف دالّا بتأليفه على معنى يحسن السّكوت عليه ، فإن قيل : فما الفرق بين الكلم والكلام؟ قيل : الفرق بينهما أنّ الكلم ينطلق على المفيد ، وعلى غير المفيد ؛ وأمّا الكلام ، فلا ينطلق إلّا على المفيد خاصّة ، فإن قيل : فلم قلتم : إنّ أقسام الكلام ثلاثة ، لا رابع لها؟ قيل : لأنّا وجدنا هذه الأقسام / الثّلاثة / (3) يعبّر بها عن جميع ما يخطر بالبال ، ويتوهّم في الخيال ولو كان ها هنا قسم رابع ؛ لبقي في النّفس شيء ، لا يمكن التّعبير عنه ، ألا ترى أنّه لو سقط أحد (4) هذه الأقسام الثّلاثة ؛ لبقي في النّفس شيء ، لا يمكن التّعبير عنه بإزاء ما سقط؟ فلمّا عبّر بهذه الأقسام عن جميع الأشياء ؛ دلّ على أنّه ليس إلّا هذه الأقسام الثّلاثة.
فإن قيل : لم سمّي الاسم اسما؟ قيل : اختلف فيه النّحويّون ، فذهب البصريّون إلى أنّه سمّي اسما لوجهين ؛ أحدهما : أنّه سما على مسمّاه ، وعلا على ما تحته من معناه ؛ فسمّي اسما / لذلك / (5). والوجه الثّاني : أنّ هذه الأقسام الثّلاثة ، لها ثلاث مراتب ؛ فمنها ما يخبر به ، ويخبر عنه ، وهو الاسم ؛ نحو : «زيد قائم» ، ومنها ما يخبر به ، ولا يخبر عنه ، وهو الفعل ؛ نحو : «قام زيد» ، ومنها ما لا يخبر به ، ولا يخبر عنه ، وهو الحرف ؛ نحو : «هل ويل» وما أشبه ذلك ، فلمّا كان الاسم يخبر به ، ويخبر عنه ، والفعل يخبر به ، ولا يخبر عنه ،والحرف لا يخبر به ، ولا يخبر عنه ، فقد سما على الفعل والحرف ؛ أي ارتفع.
والأصل فيه «سمو» إلّا أنّهم حذفوا الواو من آخره ، وعوّضوا الهمزة في أوّله ، فصار اسما وزنه «افع» ؛ لأنّه قد حذف منه لامه التي هي الواو في «سمو». وذهب الكوفيّون إلى أنّه سمّي اسما ؛ لأنّه سمة على المسمّى يعرف بها ؛ والسّمة العلامة ؛ والأصل فيه (6) «وسم» إلّا أنّهم حذفوا الواو من أوّله ، وعوّضوا مكانها الهمزة ، فصار اسما ؛ وزنه «إعل» ؛ لأنّه قد حذف منه فاؤه التي هي الواو في «وسم».
والصّحيح ما ذهب إليه البصريّون ؛ وما ذهب إليه الكوفيّون ، وإن كان صحيحا من جهة المعنى ، إلّا أنّه فاسد من جهة التّصريف ، وذلك من أربعة أوجه :
الوجه الأول : إنّك تقول في تصغيره «سميّ» ؛ نحو : (حنو (7) وحنيّ ، وقنو (8) وقنيّ) ولو كان مأخوذا من السّمة ؛ لوجب أن تقول : «وسيم» كما تقول في تصغير «عدة» : وعيدة ، وفي تصغير «زنة» : وزينة. فلمّا قيل «سميّ» دل على أنّه من السّموّ ، لا من السّمة ، وكان الأصل فيه : «سمين» إلّا أنّه لمّا اجتمعت الياء والواو ، والسّابق منهما ساكن ؛ قلبوا الواو ياء ، وجعلوهما ياء مشدّدة ، كما قالوا : سيّد وهيّن وميّت ، والأصل فيه : سيود وهيون وميوت ، إلّا أنّه لمّا اجتمعت الواو والياء ، والسّابق منهما ساكن ؛ قلبوا الواو ياء ، وجعلوهما ياء مشدّدة ، وقلبوا الواو إلى الياء ، ولم يقلبوا الياء إلى الواو ؛ لأنّ الياء أخفّ ، والواو أثقل ، فلمّا وجب قلب أحدهما إلى الآخر ، كان قلب الواو التي هي أثقل ، إلى الياء التي هي أخفّ أولى.
والوجه الثّاني : أنّك تقول في تكسيره : «أسماء» ؛ نحو : حنو وأحناء ، وقنو وأقناء ، ولو كان مأخوذا من السّمة ؛ لوجب أن تقول في تكسيره : «أوسام» فلمّا قيل «أسماء» دلّ على أنّه من السّمو لا من السّمة ، وكان الأصل فيه : «اسماو» إلّا أنّه لمّا وقعت الواو طرفا ، وقبلها ألف زائدة ؛ قلبت همزة ، كما قالوا : حذاء ، وكساء ، وسماء ؛ والأصل فيه : حذاو ، وكساو ، وسماو ، إلّا أنّه لمّا وقعت الواو طرفا ، وقبلها ألف زائدة ؛ قلبت همزة ؛ وقيل : قلبت ألفا ؛ لأنّها لمّا كانت متحرّكة ، وقبل الألف فتحة لازمة ، قدّروا أنّها قد تحرّكت ، وانفتح ما قبلها ؛ لأنّ الألف لمّا كانت خفيّة زائدة ساكنة ، والحرف السّاكن حاجز غير حصين لم يعتدّوا بها ، فقلبوا الواو ألفا ، فاجتمع ألفان ؛ ألف زائدة ، وألف منقلبة ، والألفان ساكنان وهما لا يجتمعان ، فقلبت المنقلبة همزة ؛ لالتقاء السّاكنين ، وكان قلبها إلى الهمزة أولى ؛ لأنّها أقرب الحروف إليها.
والوجه الثّالث : أنّك تقول : أسميته ، ولو كان مأخوذا من السّمة ؛ لوجب أن تقول : وسمته (9) ؛ فلمّا قيل : أسميته ، دلّ على أنّه من السّموّ ، لا من السّمة ، وكان الأصل فيه : أسموت ، إلّا أنّه لمّا وقعت الواو رابعة ؛ قلبت ياء ، وإنّما قلبت ياء حملا على المضارع ؛ نحو : يدعى ، ويغزى ، ويشقى ؛ والأصل : يدعو ، ويغزو ، ويشقو ، كما قالوا : أدعيت ، وأغزيت ، وأشقيت ؛ والأصل : أدعوت ، وأغزوت ، وأشقوت ، إلّا أنّه لمّا وقعت الواو رابعة ؛ قلبت ياء ، وإنّما قلبت في المضارع ياء للكسرة قبلها ، فأمّا : تغازيت وترجّيت ، فإنّما قلبت الواو فيهما ياء ، وإن لم تقلب في لفظ المضارع ؛ لأنّ الأصل في تفاعلت : فاعلت ، وفي تفعّلت : فعّلت ، وفاعلت ، وفعّلت يجب قلب الواو فيهما ياء وكذلك (10) تفاعلت وتفعّلت.
والوجه الرّابع : أنّك تجد في أوّله همزة التّعويض ، وهمزة التّعويض إنّما تكون في ما حذف منه لامه لا فاؤه ، ألا ترى أنّهم لمّا حذفوا الواو التي هي اللّام من «بنو» عوّضوا الهمزة في أوّله ، فقالوا : «ابن» ، ولمّا حذفوا الواو التي هي الفاء من «عدة» ونحو ذلك ، لم يعوّضوا الهمزة في أوّله؟ فلمّا عوّضوا الهمزة في أوّله ، دلّ على أنّ الأصل فيه : «سمو» كما أنّ الأصل في ابن : بنو ، إلّا أنّهم لمّا حذفوا الواو التي هي اللّام عوّضوا الهمزة في أوّله ، فقالوا : اسم ، فدلّ على أنّه مشتق من السّموّ لا من السّمة.
وممّا يؤيّد أنّه مشتقّ من السّموّ لا من السّمة أنّه قد جاء في «اسم» : سمّى على وزن «هدى» والأصل فيه : «سمو» إلّا أنّه لمّا تحرّكت الواو ، وانفتح ما قبلها ، قلبوها ألفا ، وحذفوا الألف ؛ لسكونها وسكون التّنوين ، فصار : «سمّى».
وفي الاسم خمس لغات : «اسم» و «اسم» ، و «سِم» و «سُم» و «سُمّى».
قال الشّاعر : (11) [الرّجز]
قال الشّاعر : (11) [الرّجز]
باسم الذي في كلّ سورة سمه (12)
وقال الآخر (13) : [الرّجز]
وعامنا أعجبنا مقدّمه |
يدعى أبا السّمح وقرضاب سمه (14) |
وقال الآخر (15) : [الرّجز]
والله أسماك سمّى مباركا |
آثرك الله به إيثاركا (16) |
وكسرت الهمزة في «اسم» لمحا لكسرة سينه في : «سمو» ؛ لأنّه الأصل ، وضمّت الهمزة في «اسم» لمحا لضمة سينه في «سمو» ؛ لأنّه أصل ثان ، والذي يدلّ على ذلك اللّغتان الأخريان وهما «سم» و «سم» فإنّهما حذفت لامهما ، وبقيت فاؤهما على حركتها في الأصلين. ووزن «اسم» بضمّ الهمزة : افع ، ووزن «سم» : فع ، ووزن «سم» : فع ، ووزن «سمّى» : فعل.
__________________(1) في (س) واحدته.
(2) نبقة : مفرد «نبق» : وهو دقيق يخرج من لبّ جذع النّخلة ، وحمل السّدر.
(3) سقطت من (س).
(4) في (ط) آخر ، والصّواب ما ذكرنا من (س).
(5) سقطت من (س).
(6) في (س) فيها.
(7) حنو : كلّ ما فيه اعوجاج من البدن ، ويجمع على أحناء ، وحنيّ.
(8) القنو : العذق من النّخل ، وهو كالعنقود من العنب ؛ ومثلها : القناء.
(9) في (س) أو سمته.
(10) في (س) وكذلك في.
(11) رواه الكسائيّ عن رجل من بني قضاعة بضمّ السّين ، ويروى عن غير قضاعة سمه بكسر السّين.
(12) في (س) سمه.
(13) لم ينسب إلى قائل معيّن.
(14) القرضاب : اسم للسّيف. ويقال : قرضب الرّجل : إذا أكل شيئا يابسا ، وهو قرضاب.
راجع لسان العرب : مادة (قرضب).
موطن الشّاهد : سمه. وجه الاستشهاد : مجيء «اسم» على صيغة «سم» وهي لغة فيه.
(15) نسب البيت إلى أبي خالد القنائيّ الأسديّ ، والظّاهر أنّه هبان بن خالد الأسديّ الملقّب بالنّوّاح لحسن مراثيه. راجع المقاصد النّحويّة : 1 / 154 ، وإصلاح المنطق : 134 ، ومعجم الشعراء : 30.
(16) موطن الشّاهد : «سما». وجه الاستشهاد : مجيء «اسما» على صيغة «سمّى» وهي لغة فيه.
تعليق