إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

باب علم

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • باب علم

    بسم الله الرحمن الرحيم
    باب علم

    ما الكلم؟
    إن قال قائل : ما الكلم؟ قيل : الكلم اسم جنس ؛ واحده (1) «كلمة» ؛ كقولك : نبقة (2) ونبق ، ولبنة ولبن وثفنة وثفن ، وما أشبه ذلك. فإن قيل : ما الكلام؟ قيل : ما كان من الحروف دالّا بتأليفه على معنى يحسن السّكوت عليه ، فإن قيل : فما الفرق بين الكلم والكلام؟ قيل : الفرق بينهما أنّ الكلم ينطلق على المفيد ، وعلى غير المفيد ؛ وأمّا الكلام ، فلا ينطلق إلّا على المفيد خاصّة ، فإن قيل : فلم قلتم : إنّ أقسام الكلام ثلاثة ، لا رابع لها؟ قيل : لأنّا وجدنا هذه الأقسام / الثّلاثة / (3) يعبّر بها عن جميع ما يخطر بالبال ، ويتوهّم في الخيال ولو كان ها هنا قسم رابع ؛ لبقي في النّفس شيء ، لا يمكن التّعبير عنه ، ألا ترى أنّه لو سقط أحد (4) هذه الأقسام الثّلاثة ؛ لبقي في النّفس شيء ، لا يمكن التّعبير عنه بإزاء ما سقط؟ فلمّا عبّر بهذه الأقسام عن جميع الأشياء ؛ دلّ على أنّه ليس إلّا هذه الأقسام الثّلاثة.
    فإن قيل : لم سمّي الاسم اسما؟ قيل : اختلف فيه النّحويّون ، فذهب البصريّون إلى أنّه سمّي اسما لوجهين ؛ أحدهما : أنّه سما على مسمّاه ، وعلا على ما تحته من معناه ؛ فسمّي اسما / لذلك / (5). والوجه الثّاني : أنّ هذه الأقسام الثّلاثة ، لها ثلاث مراتب ؛ فمنها ما يخبر به ، ويخبر عنه ، وهو الاسم ؛ نحو : «زيد قائم» ، ومنها ما يخبر به ، ولا يخبر عنه ، وهو الفعل ؛ نحو : «قام زيد» ، ومنها ما لا يخبر به ، ولا يخبر عنه ، وهو الحرف ؛ نحو : «هل ويل» وما أشبه ذلك ، فلمّا كان الاسم يخبر به ، ويخبر عنه ، والفعل يخبر به ، ولا يخبر عنه ،والحرف لا يخبر به ، ولا يخبر عنه ، فقد سما على الفعل والحرف ؛ أي ارتفع.
    والأصل فيه «سمو» إلّا أنّهم حذفوا الواو من آخره ، وعوّضوا الهمزة في أوّله ، فصار اسما وزنه «افع» ؛ لأنّه قد حذف منه لامه التي هي الواو في «سمو». وذهب الكوفيّون إلى أنّه سمّي اسما ؛ لأنّه سمة على المسمّى يعرف بها ؛ والسّمة العلامة ؛ والأصل فيه (6) «وسم» إلّا أنّهم حذفوا الواو من أوّله ، وعوّضوا مكانها الهمزة ، فصار اسما ؛ وزنه «إعل» ؛ لأنّه قد حذف منه فاؤه التي هي الواو في «وسم».
    والصّحيح ما ذهب إليه البصريّون ؛ وما ذهب إليه الكوفيّون ، وإن كان صحيحا من جهة المعنى ، إلّا أنّه فاسد من جهة التّصريف ، وذلك من أربعة أوجه :
    الوجه الأول : إنّك تقول في تصغيره «سميّ» ؛ نحو : (حنو (7) وحنيّ ، وقنو (8) وقنيّ) ولو كان مأخوذا من السّمة ؛ لوجب أن تقول : «وسيم» كما تقول في تصغير «عدة» : وعيدة ، وفي تصغير «زنة» : وزينة. فلمّا قيل «سميّ» دل على أنّه من السّموّ ، لا من السّمة ، وكان الأصل فيه : «سمين» إلّا أنّه لمّا اجتمعت الياء والواو ، والسّابق منهما ساكن ؛ قلبوا الواو ياء ، وجعلوهما ياء مشدّدة ، كما قالوا : سيّد وهيّن وميّت ، والأصل فيه : سيود وهيون وميوت ، إلّا أنّه لمّا اجتمعت الواو والياء ، والسّابق منهما ساكن ؛ قلبوا الواو ياء ، وجعلوهما ياء مشدّدة ، وقلبوا الواو إلى الياء ، ولم يقلبوا الياء إلى الواو ؛ لأنّ الياء أخفّ ، والواو أثقل ، فلمّا وجب قلب أحدهما إلى الآخر ، كان قلب الواو التي هي أثقل ، إلى الياء التي هي أخفّ أولى.
    والوجه الثّاني : أنّك تقول في تكسيره : «أسماء» ؛ نحو : حنو وأحناء ، وقنو وأقناء ، ولو كان مأخوذا من السّمة ؛ لوجب أن تقول في تكسيره : «أوسام» فلمّا قيل «أسماء» دلّ على أنّه من السّمو لا من السّمة ، وكان الأصل فيه : «اسماو» إلّا أنّه لمّا وقعت الواو طرفا ، وقبلها ألف زائدة ؛ قلبت همزة ، كما قالوا : حذاء ، وكساء ، وسماء ؛ والأصل فيه : حذاو ، وكساو ، وسماو ، إلّا أنّه لمّا وقعت الواو طرفا ، وقبلها ألف زائدة ؛ قلبت همزة ؛ وقيل : قلبت ألفا ؛ لأنّها لمّا كانت متحرّكة ، وقبل الألف فتحة لازمة ، قدّروا أنّها قد تحرّكت ، وانفتح ما قبلها ؛ لأنّ الألف لمّا كانت خفيّة زائدة ساكنة ، والحرف السّاكن حاجز غير حصين لم يعتدّوا بها ، فقلبوا الواو ألفا ، فاجتمع ألفان ؛ ألف زائدة ، وألف منقلبة ، والألفان ساكنان وهما لا يجتمعان ، فقلبت المنقلبة همزة ؛ لالتقاء السّاكنين ، وكان قلبها إلى الهمزة أولى ؛ لأنّها أقرب الحروف إليها.
    والوجه الثّالث : أنّك تقول : أسميته ، ولو كان مأخوذا من السّمة ؛ لوجب أن تقول : وسمته (9) ؛ فلمّا قيل : أسميته ، دلّ على أنّه من السّموّ ، لا من السّمة ، وكان الأصل فيه : أسموت ، إلّا أنّه لمّا وقعت الواو رابعة ؛ قلبت ياء ، وإنّما قلبت ياء حملا على المضارع ؛ نحو : يدعى ، ويغزى ، ويشقى ؛ والأصل : يدعو ، ويغزو ، ويشقو ، كما قالوا : أدعيت ، وأغزيت ، وأشقيت ؛ والأصل : أدعوت ، وأغزوت ، وأشقوت ، إلّا أنّه لمّا وقعت الواو رابعة ؛ قلبت ياء ، وإنّما قلبت في المضارع ياء للكسرة قبلها ، فأمّا : تغازيت وترجّيت ، فإنّما قلبت الواو فيهما ياء ، وإن لم تقلب في لفظ المضارع ؛ لأنّ الأصل في تفاعلت : فاعلت ، وفي تفعّلت : فعّلت ، وفاعلت ، وفعّلت يجب قلب الواو فيهما ياء وكذلك (10) تفاعلت وتفعّلت.
    والوجه الرّابع : أنّك تجد في أوّله همزة التّعويض ، وهمزة التّعويض إنّما تكون في ما حذف منه لامه لا فاؤه ، ألا ترى أنّهم لمّا حذفوا الواو التي هي اللّام من «بنو» عوّضوا الهمزة في أوّله ، فقالوا : «ابن» ، ولمّا حذفوا الواو التي هي الفاء من «عدة» ونحو ذلك ، لم يعوّضوا الهمزة في أوّله؟ فلمّا عوّضوا الهمزة في أوّله ، دلّ على أنّ الأصل فيه : «سمو» كما أنّ الأصل في ابن : بنو ، إلّا أنّهم لمّا حذفوا الواو التي هي اللّام عوّضوا الهمزة في أوّله ، فقالوا : اسم ، فدلّ على أنّه مشتق من السّموّ لا من السّمة.
    وممّا يؤيّد أنّه مشتقّ من السّموّ لا من السّمة أنّه قد جاء في «اسم» : سمّى على وزن «هدى» والأصل فيه : «سمو» إلّا أنّه لمّا تحرّكت الواو ، وانفتح ما قبلها ، قلبوها ألفا ، وحذفوا الألف ؛ لسكونها وسكون التّنوين ، فصار : «سمّى».
    وفي الاسم خمس لغات : «اسم» و «اسم» ، و «سِم» و «سُم» و «سُمّى».
    قال الشّاعر : (11) [الرّجز]
    باسم الذي في كلّ سورة سمه (12)
    وقال الآخر (13) : [الرّجز]
    وعامنا أعجبنا مقدّمه

    يدعى أبا السّمح وقرضاب سمه (14)
    وقال الآخر (15) : [الرّجز]
    والله أسماك سمّى مباركا

    آثرك الله به إيثاركا (16)
    وكسرت الهمزة في «اسم» لمحا لكسرة سينه في : «سمو» ؛ لأنّه الأصل ، وضمّت الهمزة في «اسم» لمحا لضمة سينه في «سمو» ؛ لأنّه أصل ثان ، والذي يدلّ على ذلك اللّغتان الأخريان وهما «سم» و «سم» فإنّهما حذفت لامهما ، وبقيت فاؤهما على حركتها في الأصلين. ووزن «اسم» بضمّ الهمزة : افع ، ووزن «سم» : فع ، ووزن «سم» : فع ، ووزن «سمّى» : فعل.
    __________________

    (1) في (س) واحدته.

    (2) نبقة : مفرد «نبق» : وهو دقيق يخرج من لبّ جذع النّخلة ، وحمل السّدر.

    (3) سقطت من (س).

    (4) في (ط) آخر ، والصّواب ما ذكرنا من (س).

    (5) سقطت من (س).

    (6) في (س) فيها.

    (7) حنو : كلّ ما فيه اعوجاج من البدن ، ويجمع على أحناء ، وحنيّ.

    (8) القنو : العذق من النّخل ، وهو كالعنقود من العنب ؛ ومثلها : القناء.

    (9) في (س) أو سمته.

    (10) في (س) وكذلك في.

    (11) رواه الكسائيّ عن رجل من بني قضاعة بضمّ السّين ، ويروى عن غير قضاعة سمه بكسر السّين.

    (12) في (س) سمه.

    (13) لم ينسب إلى قائل معيّن.

    (14) القرضاب : اسم للسّيف. ويقال : قرضب الرّجل : إذا أكل شيئا يابسا ، وهو قرضاب.

    راجع لسان العرب : مادة (قرضب).

    موطن الشّاهد : سمه. وجه الاستشهاد : مجيء «اسم» على صيغة «سم» وهي لغة فيه.

    (15) نسب البيت إلى أبي خالد القنائيّ الأسديّ ، والظّاهر أنّه هبان بن خالد الأسديّ الملقّب بالنّوّاح لحسن مراثيه. راجع المقاصد النّحويّة : 1 / 154 ، وإصلاح المنطق : 134 ، ومعجم الشعراء : 30.

    (16) موطن الشّاهد : «سما». وجه الاستشهاد : مجيء «اسما» على صيغة «سمّى» وهي لغة فيه.

  • #2

    [تعريف الاسم]

    فإن قيل : ما حدّ الاسم؟ قيل : كلّ لفظة دلّت على معنى تحتها غير مقترن بزمان محصّل (1) ، وقيل : ما دلّ على معنى ، وكان ذلك المعنى شخصا ، أو غير شخص ، وقيل : ما استحقّ الإعراب أوّل وضعه. وقد ذكر فيه النّحويّون حدودا كثيرة ، تنيف على سبعين حدّا ؛ [وأحصرها أن تقول : «كلّ لفظ دلّ على معنى مفرد يمكن أن يفهم بنفسه وحده من غير أن يدلّ ببنيته لا بالعرض على الزّمان
    المحصّل الذي فيه ذلك المعنى»](2). ومنهم من قال : لا حدّ له ؛ ولهذا ، لم يحدّه سيبويه ، وإنّما اكتفى فيه بالمثال ؛ فقال : الاسم : «رجل وفرس».



    [علامات الاسم]

    فإن قيل : ما علامات الاسم؟ قيل : علامات الاسم كثيرة ، فمنها الألف واللّام ؛ نحو : الرّجل والغلام ، ومنها التّنوين ؛ نحو : رجل وغلام ، ومنها حروف الجرّ ؛ نحو : من زيد وإلى عمرو ، ومنها التّثنية ؛ نحو : الزّيدان والعمران ، ومنها الجمع ؛ نحو : الزيدون والعمرون ، ومنها النّداء ؛ نحو : يا زيد ، ويا عمرو ومنها التّرخيم ؛ نحو : يا حار ويا مال في ترخيم «حارث ومالك» وقد قرأ بعض السّلف : (ونادوا يا مال ليقض علينا ربّك) (3). ومنها التّصغير ؛ نحو : زييد وعمير في تصغير «زيد وعمرو» ، ومنها النّسب ؛ نحو : زيديّ وعمريّ في النّسب إلى زيد وعمرو ، ومنها الوصف ؛ نحو : زيد العاقل ، ومنها أن يكون فاعلا أو مفعولا ؛ نحو : ضرب زيد عمرا ، ومنها أن يكون مضافا إليه ؛ نحو : غلام زيد ، وثوب خزّ ، ومنها أن يكون مخبرا عنه ، كما بيّناه ؛ فهذه معظم علامات الأسماء.

    فإن قيل : لم سمّي الفعل فعلا؟ قيل : لأنّه يدلّ على الفعل الحقيقيّ ، ألا ترى أنّك إذا قلت : «ضرب» دلّ على نفس الضّرب الذي هو الفعل في الحقيقة ، فلمّا دلّ عليه سمّي به ؛ لأنّهم يسمّون الشّيء بالشّيء ، إذا كان منه بسبب ، وهو كثير في كلامهم.


    [تعريف الفعل]

    فإن قيل : فما حدّ الفعل؟ قيل : حدّ الفعل كلّ لفظة دلّت على معنى تحتها مقترن بزمان محصّل (4) ؛ وقيل : ما أسند إلى شيء ، ولم يسند إليه شيء ، وقد حدّه النّحويّون ـ أيضا ـ حدودا كثيرة ؛ فإن قيل : ما علامات الفعل؟ قيل : علامات الفعل كثيرة ؛ فمنها : قد ، والسّين ، وسوف ؛ نحو : قد قام ، وسيقوم ،وسوف يقوم ؛ ومنها : تاء الضّمير ، وألفه وواوه ؛ نحو : قمت ، وقاما ، وقاموا ، ومنها تاء التّأنيث السّاكنة ؛ نحو : قامت ، وقعدت ؛ ومنها أن الخفيفة المصدريّة ؛ نحو : أريد أن تفعل ؛ ومنها إن الخفيفة الشّرطيّة ؛ نحو : إن تفعل أفعل ؛ ومنها لم ؛ نحو : لم يفعل ، وما أشبه ذلك ؛ ومنها التّصرّف ؛ نحو : فعل يفعل وكلّ الأفعال تتصرّف إلّا ستة أفعال.



    [الأفعال غير المتصرّفة]

    وهي : نعم ، وبئس ، وعسى ، وليس ، وفعل التّعجّب ، وحبّذا ؛ وفيها كلّها خلاف ، ولها كلّها أبواب نذكرها (5) فيها إن شاء الله تعالى.



    [سبب تسمية الحرف]

    فإن قيل : لم سمّي الحرف حرفا؟ قيل : لأنّ الحرف في اللّغة هو الطّرف ؛ ومنه يقال : حرف الجبل ؛ أي طرفه ؛ فسمّي حرفا ؛ لأنّه يأتي في طرف الكلام ؛ فإن قيل : فما حدّه؟ قيل : ما جاء لمعنى في غيره ، وقد حدّه النّحويّون ـ أيضا ـ بحدود كثيرة ، لا يليق ذكرها بهذا المختصر ؛ فإن قيل : فإلى كم ينقسم الحرف؟

    قيل : إلى قسمين ؛ معمل ومهمل.



    [انقسام الحروف إلى معملة ومهملة]

    فالمعمل : هو الحرف المختصّ ؛ كحرف الجرّ ، وحرف الجزم ؛ والمهمل : غير المختصّ ؛ كحرف الاستفهام ، وحرف العطف.



    [انقسام الحروف إلى ستّة أقسام]

    ثمّ الحروف المعملة ، والمهملة كلّها ؛ تنقسم إلى ستة أقسام ؛ فمنها : ما يغير اللّفظ والمعنى ؛ ومنها : ما يغيّر اللّفظ دون المعنى ؛ ومنها : ما يغيّر المعنى دون اللّفظ ؛ ومنها : ما يغيّر اللّفظ والمعنى ، ولا يغيّر الحكم ؛ ومنها ما يغيّر الحكم ، ولا يغيّر لا لفظا ، ولا معنى ؛ ومنها ما لا يغيّر لا لفظا ، ولا معنى ، ولا حكما.

    فأمّا ما يغيّر اللّفظ والمعنى ؛ فنحو : «ليت» فتقول : ليت زيدا منطلق ؛ فليت قد غيّرت اللّفظ ، وغيّرت المعنى ، أمّا تغيير اللّفظ ؛ فلأنّها نصبت الاسم ، ورفعت الخبر ، وأمّا تغيير المعنى ؛ فلأنّها أدخلت في الكلام معنى التّمنّي. وأمّا ما يغيّر اللّفظ دون المعنى ، فهو أن تقول : «إنّ زيدا قائم» ف (إنّ) قد غيّرت اللّفظ ؛ لأنّها نصبت الاسم ، ورفعت الخبر ، ولم تغيّر المعنى ؛ لأنّ معناها التّأكيد والتّحقيق ؛ وتأكيد الشّيء لا يغيّر معناه. وأمّا ما يغيّر المعنى دون اللّفظ ؛ فنحو : «هل زيد قائم»؟ ف «هل» قد غيّرت المعنى ؛ لأنّها نقلت الكلام من الخبر الذي يحتمل الصّدق والكذب ، إلى الاستخبار الذي لا يحتمل صدقا ، ولا كذبا ، ولم يغيّر اللّفظ ؛ لأنّ الاسم بعد دخولها مرفوع بالابتداء ، كما كان يرتفع به قبل دخولها. وأمّا ما يغيّر اللّفظ والمعنى ، ولا يغيّر الحكم ؛ فنحو (6) : اللّام في قولهم : «لا يدي لزيد» فاللّام ـ ههنا ـ غيّرت اللّفظ ؛ لجرّها الاسم ، وغيّرت المعنى ؛ لإدخال معنى الاختصاص ، ولم تغيّر الحكم ؛ لأنّ الحكم حذف النّون للإضافة ، وقد بقي الحذف بعد دخولها ـ كما كان قبل دخولها ـ فلم تغيّر الحكم ، وأمّا ما يغيّر الحكم ، ولا يغيّر (لا) (7) لفظا ، ولا معنى ؛ فنحو اللّام في قوله تعالى : (إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ قالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ)(8). فاللّام ـ هنا ـ ما غيّرت لا لفظا ، ولا معنى ، ولكن غيّرت الحكم ؛ لأنّها علّقت الفعل عن العمل ؛ وأمّا ما لا يغيّر لا لفظا ، ولا معنى ، ولا حكما ؛ فنحو «ما» في قوله تعالى : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ)(9). ف «ما» ههنا ما غيّرت لا لفظا ، ولا معنى ، ولا حكما ؛ لأنّ التّقدير : فبرحمة من الله لنت لهم.


    [اختلافهم في اسميّة كيف]

    فإن قيل : «كيف» اسم أو فعل أو حرف؟ قيل : اسم ؛ والدّليل على ذلك من وجهين ؛ أحدهما : أنّه قد جاء عن بعض العرب أنّه قال : «على كيف تبيع الأحمرين» (10)؟ ودخول حرف الجرّ إنّما جاء شاذّا ؛ والوجه الصّحيح هو الوجه

    الثّاني ؛ وهو أنّا نقول : لا تخلو كيف من أن تكون اسما ، أو فعلا ، أو حرفا ؛ فبطل أن يقال هي حرف ؛ لأنّ الحرف لا يفيد مع كلمة واحدة ، و «كيف» تفيد مع كلمة واحدة ، ألا ترى أنّك تقول : كيف زيد؟ فيكون كلاما مفيدا ؛ فإن قيل : فقد أفاد الحرف الواحد مع كلمة واحدة في النّداء ؛ نحو : يا زيد ، قيل : إنّما حصلت الفائدة في النّداء مع كلمة واحدة ؛ لأنّ التّقدير في قولك يا زيد : أدعو زيدا ، وأنادي زيدا ؛ فحصلت الفائدة باعتبار الجملة المقدّرة ، لا باعتبار الحرف مع كلمة واحدة ، فبطل أن يكون حرفا ، وبطل ـ أيضا ـ أن يكون فعلا ؛ لأنّه لا يخلو إمّا أن يكون فعلا ماضيا ، أو مضارعا ، أو أمرا ؛ فبطل أن يكون فعلا ماضيا ؛ لأنّ أمثلة الفعل الماضي ، لا تخلو إمّا أن تكون على مثال فعل ك «ضرب» أو على فعل ك «مكث» أو على فعل ك «سمع» و «علم» وكيف على وزن فعل ؛ فبطل أن يكون فعلا ماضيا ؛ وبطل أن يكون فعلا مضارعا ؛ لأنّ الفعل المضارع ما كانت في أوّله إحدى الزّوائد الأربع ؛ وهي الهمزة ، والنّون ، والتّاء ، والياء ، و «كيف» ليس في أوّله إحدى الزّوائد الأربع ؛ فبطل أن يكون فعلا مضارعا ، وبطل أن يكون أمرا ؛ لأنّه يفيد الاستفهام ؛ وفعل الأمر لا يفيد الاستفهام ؛ فبطل أن يكون أمرا. وإذا بطل أن يكون فعلا ماضيا ، أو مضارعا ، أو أمرا ؛ بطل أن يكون فعلا ؛ والذي يدلّ ـ أيضا ـ على أنّه ليس بفعل أنّه يدخل على الفعل في نحو قولك : كيف تفعل كذا؟ ولو كان فعلا لما دخل على الفعل ؛ لأنّ الفعل ، لا يدخل على الفعل. وإذا بطل أن يكون فعلا ، أو حرفا ؛ وجب أن يكون اسما ، فإن قيل : فعلامة الاسم لا تحسن فيه ، كما لا يحسن فيه علامة الفعل والحرف ، فلم جعلتموه اسما ، ولم تجعلوه فعلا ، أو حرفا؟ قيل : لأنّ الاسم هو الأصل ، والفعل والحرف فرع ، فلمّا وجب حمله على أحد هذه الأقسام الثّلاثة ؛ كان حمله على الاسم ـ الذي هو الأصل ـ أولى من حمله على ما هو فرع.

    فإن قيل : فلم قدّم الاسم على الفعل ، والفعل على الحرف؟ قيل : إنّما قدّم الاسم على الفعل ؛ لأنّه الأصل ، ويستغني بنفسه عن الفعل ؛ نحو قولك : زيد قائم ، وأخّر الفعل عن الاسم ؛ لأنّه فرع عليه ، لا يستغني عنه ، فلمّا كان الاسم ، هو الأصل ، ويستغني عن الفعل ، والفعل فرع عليه ، ومفتقر إليه ؛ كان الاسم مقدّما عليه ، وإنّما قدّم الفعل على الحرف ؛ لأنّ الفعل يفيد مع الاسم ؛ نحو : قام زيد ، وأخّر الحرف عن الفعل ؛ لأنّه لا يفيد مع اسم واحد ؛ لأنّك لو قلت : بزيد ، أو لزيد من غير أن تعلّق الحرف بشيء ، لم يكن مفيدا ؛ فلمّا كان الفعل يفيد مع اسم واحد ، والحرف لا يفيد مع اسم ؛ كان الفعل مقدّما عليه ، فاعرفه / تصب / (11) إن شاء الله تعالى.

    ---------------------------
    (1) أي : غير مقترن بزمان معبّر عنه في الماضي والحاضر والمستقبل كالفعل.

    (2) سقط ما بين المركّنين من (ط).
    (3) س : 43 (الزّخرف ، ن : 77 ، مك).
    موطن الشّاهد : «يا مال» وجه الاستشهاد : مجيء «مالك» مرخّما في الآية الكريمة ؛ ومجيء الأسماء مرخّمة في النّداء كثير شائع.
    (4) أي معيّن بخلاف الاسم ، كما بيّنا.
    (5) في (ط) نذكر ما فيها ، والصّواب ما أثبتناه من (س).

    (6) في (ط) نحو ، والصّواب ما ذكرنا من (س).
    (7) سقطت من (س).
    (8) س : 63 (المنافقون :1 ، مد).
    موطن الشّاهد : «لرسوله». وجه الاستشهاد : مجيء اللّام في الآية الكريمة مغيّرة للحكم ، ولكنّها لم تغيّر اللّفظ ، أو المعنى.
    (9) س : 3 (آل عمران ، ن : 159 ، مد).
    موطن الشّاهد : «فبما» وجه الاستشهاد : مجيء «ما» زائدة ، لم تغيّر شيئا يذكر كما جاء في المتن.
    (10) موطن الشّاهد : «على كيف» وجه الاستشهاد : مجيء «كيف» اسما ؛ لدخول حرف الجرّ عليها ؛ غير أنّ هذا دليل ضعيف ؛ لأنّ دخول «على» على كيف شاذّ ، يحفظ ، ولا يقاس عليه. والأحمران : اللّحم والخمر.
    (11) سقطت من (س).

    أسرار العربيّة كمال الدين أبي البركات عبد الرحمن بن محمّد بن أبي سعيد الأنباري النحوي [ ابن انباري ]


    التعديل الأخير تم بواسطة هدى الاسلام ; الساعة 23-07-2017, 02:53 PM. سبب آخر:

    تعليق

    يعمل...
    X