إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

باب الإعراب والبناء

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • باب الإعراب والبناء

    بسم الله الرحمن الرحيم

    باب الإعراب والبناء

    [لم سمّي الإعراب إعرابا]
    إن قال قائل : لم سمّي الإعراب إعرابا ، والبناء بناء؟ قيل : أمّا الإعراب ففيه ثلاثة أوجه ؛ أحدها : أن يكون سمّي بذلك ؛ لأنّه يبيّن المعاني ، مأخوذ من قولهم : أعرب الرّجل عن حجّته ، إذا بيّنها ؛ ومنه قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : «الثّيّب تعرب عن نفسها» ؛ (1) أي تبيّن وتوضح ، قال الشّاعر (2) :[الطّويل]
    وجدنا لكم في آل حاميم آية

    تأوّلها منّا تقيّ ومعرب
    فلمّا كان الإعراب يبيّن المعاني ، سمّي إعرابا.
    والوجه الثّاني : أن يكون سمّي إعرابا ؛ لأنّه تغيّر يلحق أواخر الكلم ، من قولهم : «عربت معدة الفصيل» إذا تغيّرت ؛ فإن قيل : «العرب» في قولهم : عربت معدة الفصيل ؛ معناه : الفساد ؛ وكيف يكون الإعراب مأخوذا منه؟ قيل : معنى قولك : أعربت الكلام ؛ أي : أزلت عربه ، وهو فساده ، وصار هذا ؛ كقولك : أعجمت الكتاب ، إذا أزلت عجمته ، وأشكيت الرّجل ، إذا أزلت شكايته ، وعلى هذا ، حمل بعض المفسّرين قوله تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها)(3) ؛ أي : أزيل خفاءها ؛ وهذه الهمزة تسمّى : همزة السّلب. والوجه
    الثّالث : أن يكون سمّي إعرابا ؛ لأنّ المعرب للكلام كأنّه يتحبّب إلى السّامع بإعرابه ؛ من قولهم : امرأة عروب ، إذا كانت متحبّبة إلى زوجها ، قال الله تعالى : (عُرُباً أَتْراباً)(4) ؛ أي : متحبّبات إلى أزواجهنّ ، فلمّا كان المعرب للكلام ، كأنه يتحبّب إلى السّامع بإعرابه ؛ سمّي إعرابا.

    [لم سمّي البناء بناء]
    وأمّا البناء : فهو منقول من هذا البناء المعروف ، للزومه وثبوته.


    [تعريف الإعراب]
    فإن قيل : فما حدّ الإعراب والبناء؟ قيل : أمّا الإعراب ، فحدّه اختلاف أواخر الكلم باختلاف العوامل لفظا ، أو تقديرا.
    وأمّا البناء : فحدّه لزوم أواخر الكلم بحركة وسكون.


    [ألقاب الإعراب والبناء]
    فإن قيل : كم ألقاب الإعراب والبناء؟ قيل : ثمانية / ألقاب / (5) ؛ فأربعة للإعراب وأربعة للبناء.

    [ألقاب الإعراب والبناء]
    فألقاب (6) الإعراب : رفع ، ونصب ، وجرّ ، وجزم ، وألقاب البناء : ضمّ ، وفتح ، وكسر ، ووقف ، وهي وإن كانت ثمانية في المعنى ؛ فهي أربعة في الصّورة ؛ فإن قيل : فلم كانت أربعة؟ قيل : لأنّه ليس إلّا حركة ، أو سكون ، فالحركة ثلاثة أنواع : الضّمّ ، والفتح ، الكسر.


    [مخارج الحركات]
    فالضّمّ من الشّفتين والفتح من أقصى الحلق ، والجرّ من وسط الفم ، والسّكون هو الرّابع.

    [أصل الحركات وخلافهم في ذلك]
    فإن قيل : هل حركات الإعراب أصل لحركات البناء ، أو حركات البناء أصل لحركات الإعراب؟ قيل : اختلف النّحويّون في ذلك؟ فذهب بعض النّحويّين إلى أنّ حركات الإعراب هي الأصل ، وأنّ حركات البناء فرع عليها ؛ لأنّ الأصل في حركات الإعراب أن تكون للأسماء ، وهي الأصل ؛ فكانت أصلا ؛ والأصل في حركات البناء أن تكون للأفعال ، والحروف ، وهي الفرع ؛ فكانت فرعا. وذهب آخرون إلى أنّ حركات البناء هي الأصل ، / وأنّ / (7) حركات الإعراب فرع عليها ؛ لأنّ حركات البناء لا تزول ولا تتغيّر عن حالها ، وحركات الإعراب تزول وتتغيّر ، وما لا يتغيّر أولى بأن يكون أصلا ممّا يتغيّر.

    [هل الإعراب والبناء الحركات أو غيرها؟]
    فإن قيل : هل الإعراب والبناء عبارة عن هذه الحركات ، أو عن غيرها؟
    قيل : الإعراب والبناء ليسا عبارة عن هذه الحركات ، وإنّما هما معنيان يعرفان بالقلب ، ليس للّفظ فيهما حظّ ، ألا ترى أنّك تقول في حدّ الإعراب : هو اختلاف أواخر الكلم باختلاف العوامل ، وفي حدّ البناء : لزوم أواخر الكلم بحركة أو سكون؟ ولا خلاف أنّ الاختلاف واللّزوم ليسا بلفظين ، وإنّما هما معنيان يعرفان بالقلب ، ليس للّفظ فيهما حظّ ، والذي يدلّ على ذلك ، أنّ هذه الحركات ، إذا وجدت بغير صفة الاختلاف ، لم تكن للإعراب ، وإذا وجدت بغير صفة اللّزوم ، لم تكن للبناء ؛ فدلّ على أنّ الإعراب : هو الاختلاف ، والبناء : هو اللّزوم ، والذي يدلّ على صحّة هذا إضافة هذه الحركات إلى الإعراب والبناء ؛ فيقال : حركات الإعراب ، وحركات البناء ، ولو كانت الحركات أنفسها هي الإعراب ، أو البناء ؛ لما جاز أن تضاف (8) إليه ؛ لأنّ إضافة الشّيء إلى نفسه ، لا تجوز ، ألا ترى أنّك لو قلت : حركات الحركات لم يجز؟ فلمّا جاز أن يقال : حركات الإعراب ، وحركات البناء ، دلّ على أنّهما غيرها (9) ؛ فاعرفه تصب ، إن شاء الله تعالى.
    __________________

    (1) حديث : أخرجه أحمد وابن ماجه ، ورواه مسلم والنّسائي بلفظ : «الثّيّب أحقّ بنفسها من وليّها». الجامع الصّغير ، للسيوطي ؛ تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد (ط. أولى.

    القاهرة : مك مصطفى محمد ، 1352 ه‍) ؛ مج 1 ، ص487.

    (2) الشّاعر هو : أبو المستهلّ ، الكميت بن زيد الأسديّ ، شاعر مقدّم عالم بلغات العرب وأخبارها ، وخطيب فارس. وكان متعصّبا لمضر ولأهل الكوفة ولآل البيت ؛ من مختارات شعره الهاشميّات. مات سنة 126 ه‍. الشّعر والشّعراء 2/ 581. ومعنى البيت واضح ، لا لبس فيه.

    (3) س : 20(طه ، ن : 15، مك).

    (4) س : 56(الواقعة : 37، مك).

    (5) سقطت من (ط).

    (6) في (ط) وألقاب.

    (7) سقطت من (ط).

    (8) في (ط) يضاف إليه ، والصّواب ما ذكرنا.

    (9) في (ط) أنّهما غيرهما ، والصّواب ما ذكرنا ؛ لأنّ ضميرهما يعود إلى الإعراب والبناء ، وضمير «ها» يعود إلى الحركات. وفي (س) أنّها غيرها.

  • #2

    باب المعرب والمبني


    إن قال قائل : ما المعرب والمبنيّ؟ قيل : أمّا المعرب ، فهو ما تغيّر آخره بتغيّر العامل فيه لفظا ، أو محلّلا ؛ وهو على ضربين ؛ اسم متمكّن ، وفعل مضارع ؛ فالاسم المتمكّن : ما لم يشابه الحرف ، ولم يتضمّن معناه ، والفعل المضارع : ما كانت في أوّله إحدى الزّوائد الأربع ، وهي : الهمزة ، والنّون ، والتّاء ، والياء. فإن قيل : لم زيدت هذه الحروف دون غيرها؟ قيل : الأصل أن تزاد حروف المدّ واللّين ، وهي الواو والياء والألف ، إلّا أنّ الألف لمّا لم يمكن زيادتها أوّلا ؛ لأنّ الألف لا تكون إلّا ساكنة ؛ والابتداء بالسّاكن محال ، أبدلوا منها الهمزة ؛ لقرب مخرجيهما ؛ لأنّهما هوائيّان يخرجان من أقصى الحلق ، وكذلك الواو ـ أيضا ـ لمّا لم يمكن زيادتها أوّلا ؛ لأنّه ليس في كلام العرب واو ؛ زيدت أوّلا ، فأبدلوا منها التّاء ؛ لأنّها تبدل منها كثيرا ، ألا ترى أنّهم قالوا : تراث ، وتجاه ، وتخمة ، وتهمة ، وتيقور (1) ، وتولج ؛ قال الشّاعر (2) : [الرّجز]

    متّخذا في ضعوات تولجا



    [أردى بني مجاشع وما نجا](3)

    وهو بيت الصّائد ، والأصل : وارث ، ووجاه ، ووخمة ، ووهمة ، وويقور ؛ لأنّه من الوقار ، وولج ؛ لأنّه من الولوج ؛ فأبدلوا التّاء من الواو في هذه المواضع كلّها ، وكذلك ههنا. وأمّا الياء ، فزيدت ؛ لأنّها لم يعرض فيها ما
    يمنع / من / (4) زيادتها ، كما عرض في الألف والواو ، وأمّا النّون فإنّما زيدت ؛ لأنّها تشبه حروف المدّ واللّين ، وتزاد معها في باب : الزّيدين ، / والزّيدين / (5).

    [ترتيب أحرف الزّيادة]

    والتّحقيق في ترتيب هذه الأحرف أن تقدّم الهمزة ، ثمّ النّون ، ثمّ التّاء ، ثمّ الياء ، وذلك ؛ لأنّ الهمزة للمتكلّم وحده ، والنّون للمتكلّم ، ولمن معه ، والتّاء للمخاطب ، والياء للغائب ، والأصل : أن يخبر الإنسان عن نفسه ، ثمّ عن نفسه ، وعمّن معه ، ثمّ المخاطب ، ثم الغائب ؛ فهذا هو التّحقيق في ترتيب هذه الأحرف في أوّل الفعل المضارع.

    [الفعل محمول على الاسم في الإعراب]

    فإن قيل : هل الفعل المضارع محمول على الاسم في الإعراب أم هو أصل؟ قيل : لا بل هو محمول على الاسم في الإعراب ، وليس بأصل فيه ؛ لأنّ الأصل في الإعراب أن يكون للأسماء دون الأفعال والحروف ، وذلك ؛ لأنّ الأسماء تتضمّن معاني مختلفة ؛ نحو : الفاعليّة ، والمفعوليّة ، والإضافة ، فلو لم تعرب ؛ لا لتبست هذه المعاني بعضها ببعض ، يدلّك على ذلك أنّك لو قلت : ما أحسن زيدا! لكنت متعجّبا ، ولو قلت : ما أحسن زيد ؛ لكنت نافيا ، ولو قلت : ما أحسن زيد؟ ؛ لكنت مستفهما (عن أيّ شيء منه حسن) (6) ، فلو لم تعرب في هذه المواضع ؛ لالتبس التّعجّب بالنّفي ، والنّفي بالاستفهام ، واشتبهت هذه المعاني بعضها ببعض ؛ وإزالة الالتباس واجب. وأمّا الأفعال والحروف : فإنّها تدلّ على ما وضعت له بصيغها ؛ فعدم الإعراب ، لا يخلّ بمعانيها ، ولا يورث لبسا فيها ، والإعراب زيادة ، والحكيم لا يريد زيادة (7) لغير فائدة.

    [حمل المضارع على الاسم لمشابهته له]

    فإن قيل : فإذا كان الأصل في الفعل المضارع أن يكون مبنيّا ، فلم حمل على الاسم في الإعراب؟ قيل : إنّما حمل الفعل المضارع على الاسم في الإعراب ؛ لأنّه ضارع الاسم ؛ ولهذا ، سمّي مضارعا ؛ والمضارعة : المشابهة ، ومنها سمّي الضّرع ضرعا ؛ لأنّه يشابه أخاه.
    [أوجه المشابهة بين الفعل المضارع والاسم]

    ووجه المشابهة بين هذا الفعل والاسم من خمسة أوجه :

    الوجه الأوّل : أنّه يكون شائعا فيتخصّص (8) ، كما أنّ الاسم / يكون / (9) شائعا ، فيتخصّص ؛ ألا ترى أنّك تقول : «يقوم» فيصلح للحال والاستقبال ، فإذا أدخلت عليه السّين ، أو سوف ، اختصّ بالاستقبال ، كما أنّك تقول : «رجل» فيصلح لجميع الرّجال ، فإذا أدخلت عليه الألف واللّام اختصّ برجل بعينه؟ فلمّا اختصّ هذا الفعل بعد شياعه ، كما أنّ الاسم اختصّ بعد شياعه ؛ فقد شابهه من هذا الوجه.

    الوجه الثّاني : أنّه تدخل (10) عليه لام الابتداء ، كما تدخل (11) على الاسم ، ألا ترى أنّك تقول : إنّ زيدا ليقوم كما تقول : إنّ زيدا لقائم؟ ولام الابتداء تختصّ بالأسماء ، فلمّا دخلت على هذا الفعل ، دلّ على مشابهة بينهما ؛ والذي يدلّ على ذلك أنّ فعل الأمر ، والفعل الماضي لمّا بعدا عن شبه الاسم ، لم تدخل هذه اللّام عليهما (12) ؛ ألا ترى أنّك لو قلت : لأكرم زيدا يا عمرو ، أو إنّ زيدا لقام ؛ لكان / ذلك / (13) خلفا من الكلام.

    والوجه الثّالث : أنّ هذا الفعل يشترك فيه الحال والاستقبال ، فأشبه الأسماء المشتركة ؛ كالعين تنطلق على العين الباصرة ، وعلى عين الماء ، وعلى غير ذلك.

    والوجه الرّابع : أن يكون صفة ، كما يكون الاسم ، كذلك ؛ تقول : مررت برجل يضرب ؛ كما تقول : مررت برجل ضارب ؛ فقد قام يضرب مقام ضارب.

    والوجه الخامس : / هو / (14) أنّ الفعل المضارع يجري على اسم الفاعل في حركاته وسكونه ، ألا ترى أنّ «يضرب» على وزن «ضارب» في حركاته وسكونه ؛ ولهذا يعمل اسم (15) الفاعل عمل الفعل ؛ فلمّا أشبه الفعل المضارع الاسم من هذه الأوجه ؛ استحقّ جملة الإعراب الذي هو الرّفع ، والنّصب ، والجزم ؛ ولكلّ واحد من هذه الأنواع عامل يختصّ به.
    [عامل الرّفع واختلاف النّحاة فيه]

    وأمّا عامل الرّفع ، فاختلف فيه النّحويّون ؛ فذهب البصريّون إلى أنّه يرتفع لقيامه مقام الاسم ؛ وهو عامل معنويّ لا لفظيّ ، فأشبه الابتداء ، فكما أنّ الابتداء يوجب الرّفع ، فكذلك ما أشبهه. فإن قيل : هذا ينقض بالفعل الماضي ، فإنّه يقوم مقام الاسم ، ولا يرتفع ؛ قيل : إنّما لم يرتفع ؛ لأنّه لم يثبت له استحقاق جملة الإعراب ، فلم يكن هذا العامل موجبا له الرّفع ؛ لأنّه نوع منه ؛ بخلاف الفعل المضارع ؛ فإنّه يستحقّ جملة الإعراب للمشابهة التي ذكرناها قبل ، فبان الفرق بينهما. وأمّا الكوفيّون (16) فذهبوا إلى أنّه يرتفع بالزّوائد التي في أوّله ؛ وهو قول الكسائي (17) ، وذهب الفرّاء (18) إلى أنّه يرتفع لسلامته من العوامل النّاصبة والجازمة ؛ فأمّا قول الكسائيّ فظاهر الفساد ؛ لأنّه لو كان الزّائد / في أوّله / (19) هو الموجب للرّفع ؛ لوجب ألّا يجوز نصب الفعل ، ولا جزمه ، مع وجوده ؛ لأنّ عامل النّصب والجزم ، لا يدخل على عامل الرّفع ، فلمّا وجب نصبه بدخول النّواصب ، وجزمه بدخول الجوازم ؛ دلّ على أنّ الزّائد ليس هو العامل. وأمّا قول الفرّاء ، فلا ينفكّ من ضعف ، وذلك ؛ لأنّه يؤدّي إلى أن يكون النّصب والجزم قبل الرّفع ؛ لأنّه قال : لسلامته من العوامل النّاصبة والجازمة ؛ والرّفع قبل النّصب والجزم ؛ فلهذا ، كان هذا القول ضعيفا. وأمّا عوامل النّصب ؛ فنحو : أن ، ولن ، وكي ، وإذن ، وحتّى. وأمّا عوامل الجزم ؛ فنحو ؛ لم ، ولمّا ، ولام الأمر ، ولا في النّهي ؛ ولعوامل النّصب والجزم موضع ، نذكرها فيه إن شاء الله تعالى.

    [تعريف المبني وأقسامه]

    وأمّا المبنيّ فهو ضدّ المعرب ، وهو ما لم يتغيّر آخره بتغيّر العامل فيه ؛ فمن ذلك : الاسم غير المتمكّن ، والفعل غير المضارع (20) ؛ فأمّا الاسم غير المتمكّن ؛ فنحو : من ، وكم ، وقبل ، وبعد ، وأين ، وكيف وأمس ، وهؤلاء.

    [الأسماء غير المتمكّنة وعلّة بنائها]

    وإنّما بنيت هذه الأسماء ؛ لأنّها أشبهت الحروف ، وتضمّنت معناها ؛ فأمّا : «من» فإنّها بنيت ؛ لأنّها لا تخلو : إمّا أن تكون استفهاميّة ، أو شرطيّة ، أو اسما موصولا ، أو نكرة موصوفة ، فإن كانت استفهاميّة فقد تضمّنت معنى حرف الاستفهام ، وإن كانت شرطيّة ، فقد تضمّنت معنى حرف الشّرط ، وإن كانت اسما موصولا ، فقد تنزّلت منزلة بعض الكلمة ، وبعض الكلمة مبنيّ ، وإن كانت نكرة موصوفة ، فقد تنزّلت منزلة الموصوفة (21). وأمّا «كم» فإنّما بنيت ؛ لأنّها لا تخلو : إمّا أن تكون استفهاميّة ، أو خبريّة ، فإن كانت استفهاميّة ، فقد تضمّنت معنى حرف الاستفهام ، وإن كانت خبريّة ، فهي نقيضة «ربّ» ؛ لأنّ «ربّ» للتّقليل ، و «كم» للتّكثير ، وهم يحملون الشّيء على ضدّه كما يحملونه على نظيره. وأمّا «من» و «كم» فبنيت على السّكون ؛ لأنّه الأصل في البناء ، ولم يعرض فيهما ما يوجب بناءهما على حركة ؛ فبقيا على الأصل. وأمّا : قبل وبعد فإنّما بنيا ؛ لأنّ الأصل فيهما أن يستعملا مضافين إلى ما بعدهما ، فلمّا اقتطعا عن الإضافة ـ والمضاف مع المضاف إليه بمنزلة كلمة واحدة ـ تنزّلا منزلة بعض الكلمة ، وبعض الكلمة مبنيّ ؛ قال الله تعالى : (لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ)(22) ، وإنّما بنيا على حركة ؛ لأنّ كلّ واحد منهما كان له حالة إعراب قبل البناء ؛ فوجب أن يبنيا على حركة تميّزا لهما على ما بني ، وليس له حالة إعراب ؛ نحو : «من» و «كم» ، وقيل : إنّما بنيا على حركة ؛ لالتقاء السّاكنين ؛ والقول الصّحيح هو الأوّل. فإن قيل : فلم كانت الحركة ضمّة؟ قيل : لوجهين ؛ أحدهما : أنّه لمّا حذف المضاف إليه بنيا على أقوى الحركات ؛ وهي الضّمّ (23) ،
    تعويضا عن المحذوف ، وتقوية لهما ؛ والوجه الثّاني : إنّما بنوهما على الضّمّ ؛ لأنّ النّصب والجرّ يدخلهما ؛ نحو : جئت قبلك ومن قبلك ، وأمّا الرّفع فلا يدخلهما البتّة ؛ فلو بنوهما على الفتح والكسر ؛ لالتبست حركة الإعراب بحركة البناء ، فبنوهما على حركة ، لا تدخلهما وهي الضّمة ؛ لئلّا تلتبس حركة الإعراب بحركة البناء. وأمّا أين وكيف فإنّما بنيا على الفتح ؛ لأنّهما تضمّنا معنى حرف الاستفهام ؛ لأنّ «أين» سؤال عن المكان ، و «كيف» سؤال عن الحال ، فلمّا تضمّنا معنى حرف الاستفهام ، وجب أن يبنيا ، وإنّما بنيا على حركة لالتقاء السّاكنين ، وإنّما كانت الحركة فتحة ؛ لأنّها أخفّ الحركات. وأمّا «أمس» فإنّما بنيت ؛ لأنّها تضمّنت معنى لام التّعريف ؛ لأنّ الأصل في «أمس» الأمس ، فلّما تضمّنت معنى اللّام ، تضمّنت معنى الحرف ؛ فوجب أن تبنى. وإنّما بنيت على حركة لالتقاء السّاكنين ، وإنّما كانت الحركة كسرة ، لأنّها الأصل في التّحريك لالتقاء السّاكنين. ومن العرب من يجعل «أمس» معدولة عن لام التّعريف ، فيجعلها غير مصروفة (24) ؛ قال الشّاعر (25) : [الرّجز]

    لقد رأيت عجبا مذ أمسا



    عجائزا مثل السّعالي قعسا

    يأكلن ما في رحلهنّ همسا



    لا ترك الله لهنّ ضرسا (26)

    وأمّا «هؤلاء» فإنّما بنيت لتضمّنها معنى حرف الإشارة وإن لم ينطق به ؛ لأنّ الأصل في الإشارة أن تكون بالحرف كالشّرط ، والنّفي ، التّمنّي ، والعطف ، إلى غير ذلك من المعاني ، إلّا أنّهم لمّا لم يفعلوا ذلك ؛ ضمّنوا «هؤلاء» معنى حرف الإشارة ، فبنوها ، ونظير «هؤلاء» «ما» التي في التّعجّب ، فإنّها بنيت. لتضمّنها معنى حرف التّعجّب ، وإن لم يكن له (27) حرف ينطق به ؛ لأنّ الأصل في التّعجّب أن يكون بالحرف كغيره من المعاني ، إلّا أنّهم لمّا لم يفعلوا ذلك ،ضمّنوا «ما» معنى حرف التّعجّب ، فبنوها كما بنوا «ما» إذا تضمّنت معنى حرف الاستفهام والشّرط ، فكذلك ههنا.

    وأمّا الفعل غير المضارع ، فهو على ضربين ؛ أحدهما الفعل الماضي ، والآخر فعل الأمر ، فأمّا الفعل الماضي ؛ فنحو. ذهب ، وعلم ، وشرف ، واستخرج ، ودحرج ، واحرنجم (28) وأما فعل الأمر ؛ فنحو : اذهب ، واعلم ، واشرف ، واستخرج ودحرج ، واحرنجم ، وسنذكر (29) لم بني فعل الماضي على الفتح ، ولم بني فعل الأمر على الوقف ، وخلاف النّحويّين فيه ، في بابه إن شاء الله تعالى. وأمّا الحروف ؛ فكلّها مبنيّة لم يعرب منها شيء ؛ لبقائها على أصلها في البناء ، فاعرفه تصب إن شاء الله تعالى.
    __________________


    (1) تيقور : (فيعول) الوقار ؛ والتّاء فيه مبدلة من الواو.


    (2) الشّاعر : هو جرير بن عطيّة الخطفيّ ، ثالث أشهر أشعراء العصر الأمويّ ، مع الفرزدق والأخطل ، وكان أشدّهما هجاء ، وأكثر منهما عفّة ؛ له ديوان شعر مطبوع. مات سنة 110 ه‍.


    (3) البيت من قصيدة يهجو فيها البعيث المجاشعيّ.


    المفردات الغريبة : ضعوات : جمع ضعة ، وهي شجرة من شجر البادية. والتّولج : في شرح ديوان جرير : التّولج والدّولج : ما انكرس فيه ؛ أي : دخل. شرح ديوان جرير.


    موطن الشّاهد : «تولج» وجه الاستشهاد : إبدال التّاء من الواو في تولج ؛ لأنّ تولج : ولج ؛ لأنّها من الولوج ؛ أي الدّخول.

    (4) سقطت من (ط).


    (5) سقطت من (س).


    (6) سقطت من (س).


    (7) في (س) لا يزيد شيئا ؛ وكلاهما جائز.

    (8) في (س) فيختصّ.


    (9) سقطت من (س).


    (10) في (ط) يدخل ، والصواب ما ذكرناه نقلا عن نسخة مرموز لها ب «ق» في حاشية النّسخة المطبوعة.


    (11) في (ط) يدخل ، والصواب ما ذكرناه نقلا عن نسخة مرموز لها ب «ق» في حاشية النّسخة المطبوعة.


    (12) في (س) عليها ، وما أثبت هو الصّواب.


    (13) سقطت من (ط).


    (14) سقطت من (س).


    (15) في (ط) الاسم الفاعل.

    (16) ذهب الفرّاء وأكثر الكوفيّين إلى أنّ الرّافع للفعل هو تجرّده من النّاصب والجازم ، وقد أخذ بهذا الرّأي ابن هشام الأنصاريّ من المتأخّرين. وأمّا البصريّون فقالوا : يرتفع لوقوعه موقع الاسم ؛ وما ذهب إليه الفرّاء والكوفيّون ومن تابعهم من المتأخّرين هو الصّواب.


    (17) الكسائي : هو عليّ بن حمزة الأسديّ الكوفيّ ؛ مولده بالكوفة ، وسكنه ببغداد ، ووفاته بالرّيّ ، وهو مؤدّب الرّشيد ، وابنه الأمين. وهو أحد القرّاء السّبعة ، وأحد أشهر أئمة اللّغة والنّحو. مات سنة 189ه‍ البلغة في تاريخ أئمّة اللّغة 156 ـ 157.


    (18) الفرّاء : هو يحيى بن زياد الأسلميّ الدّيلميّ ، المعروف بالفرّاء ، إمام نحاة الكوفة وأعلمهم في اللّغة ، وفنون الأدب. قال فيه ثعلب : «لو لا الفرّاء ما كانت اللّغة». مات سنة 207ه‍. بغية الوعاة 2 / 333.


    (19) سقطت من (ط).

    (20) في (س) والفعل المضارع ، وهو سهو.


    (21) في (س) الموصولة.


    (22) س : 30(الرّوم ، ن :4، مك).


    (23) في (س) وهو الضّمّة ، وفي إحدى النّسخ : وهو الضّمّ ـ وهو الصّواب ـ لأنّ حذّاق

    النّحاة يسمّون الضّمّ والفتح عند ما تكونان علامة بناء ، والضّمّة والفتحة عند ما تكونان علامة رفع ونصب ؛ أي حين تكون الضّمّة علامة رفع ، والفتحة علامة نصب.


    (24) أي علامة الرّفع فيها الضّمّة ، وعلامة النّصب والجرّ الفتحة.


    (25) لم ينسب هذان البيتان إلى شاعر معيّن.


    (26) السّعالي : جمع سعلاة ؛ وهي الغول ، أو ساحرة الجنّ كما يزعمون. وروي : «خمسا» بدل «قعسا» في بعض الكتب النّحويّة.


    موطن الشّاهد : «أمسا» وجه الاستشهاد : مجيء «أمس» غير منصرفة ، فكانت علامة الجرّ فيها الفتحة بدل الكسرة ، والألف للإطلاق.


    (27) في (ط) لها ، وما أثبتناه من (س) وهو الصّواب.

    (28) احرنجم : يقال : احرنجم الرّجل ، إذا همّ بالأمر ، ثم تراجع عنه. واحرنجمت الإبل :إذا ازدحمت واجتمع بعضها إلى بعض. القاموس المحيط (ط. دار الفكر بيروت) مادة : (حرجم) ص 986.


    (29) في (ط) وسنذكره ، والصّواب ما ذكرنا من (س).

    تعليق

    يعمل...
    X